دول المغرب العربي

الجزائر ومناورات “الحزم”.. دلالات ورسائل

قائد الجيش الجزائري مع الجنود خلال المناورات العسكرية

شهدت الحدود الجزائرية الجنوبية الغربية في الثامن عشر من يناير مطلع العام الجاري مناورات عسكرية حملت اسم “الحزم 2021″، الأمر الذي يحمل في طياته جملة من الرسائل السياسية المختلفة للمحيط الإقليمي المباشر لها، فلم يُعد الأمر قاصرًا على الاستعداد والرد على مخاطر الإرهاب التي كانت تعاني منها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، بل تجاوز هذا الهدف ليتضمن أهدافًا تكتيكية واستراتيجية.

وتُعد مناورات “الحزم 2021” التي أشرف عليها قائد الأركان الجزائري الفريق “سعيد شنقريحة”، هي الأولى من نوعها التي يقوم بها الجيش الجزائري في أعقاب التوترات الأخيرة بين دولة المغرب وجبهة البوليساريو، وكذلك تأتي في ظل عدد آخر من المتغيرات على ضوء ملف الحدود المتشابك.

مناورات الحزم 2021 التي نفذها الجيش الجزائري

طبيعة المناورات

قائد الجيش الجزائري مع الجنود خلال المناورات العسكرية

إن المتأمل لبيان وزارة الدفاع الجزائرية يجد أن تلك المناورات بمشاركة القوات الجوية والبرية، قد جاءت في ضوء تقييم المرحلة الأولى لبرنامج التحضير القتالي لسنة 2020 -2021، والرغبة في تعزيز القدرات القتالية للجيش الجزائري، واختبار الجاهزية القتالية وتدريب القادة والأركان على قيادة العمليات، غير أن تلك المناورات تشير في حقيقية الأمر إلى رغبة الجزائر في استعراض القوة العسكرية لتحقيق قدر من التوازن مع الجوار الإقليمي.

ولعل استخدام النسخة الأحدث من صاروخ “كورنيت” الروسي المضاد للدبايات، واستعراض الجيش الجزائري خلال تلك المناورات طائرة الاستطلاع الإلكترونية الأمريكية “بيتشكر افت 1900 إم.إم.إس.إيه.هيسار” للمرة الأولى، إلى جانب القيام خلال هذا التمرين الحربي التكتيكي بتزويد الطائرات المقاتلة بالوقود جوًا، تبرهن وبصورة كبيرة على رغبة الجزائر في استعراض القوة العسكرية لديها، كأحد سياسات الردع في التعاطي مع الملفات الشائكة والتحديات المختلفة مع دول الجوار.

ولعل الزيارات المتكررة التي قام بها الفريق “شنقريحة” إلى منطقة تندوب تنذر بتصعيد لغة التفاعل بين الجزائر والمغرب خاصة بعد تكرار الاضطرابات المختلفة بين جبهة “تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” “البوليساريو” والجيش المغربي خاصة عند معبر “الكراكرات” الحدودي.

دلالات مختلفة

إن المتأمل لتوقيت إجراء المناورة العسكرية “عملية الحزم 2021” يجد أنها تتواكب مع جملة من المتغيرات المحلية والإقليمية المختلفة، يمكن توضيحها في النقاط التالية:

  1. تطورات ملف الصحراء الغربية: إن عملية “الحزم 2021” جاءت في سياق التطورات الأخيرة التي شهدها ملف الصحراء الغربية، والتي تمثلت في اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في ديسمبر 2020 مقابل إعادة المغرب العلاقات مع إسرائيل، وافتتاح ممثلية دبلوماسية لها في مدينة “الداخلة” الساحلية جنوب إقليم الصحراء الغربية، الأمر الذي يُمثل في حد ذاته تقدمًا ملحوظًا للمغرب في هذا الملف، ويُعزز من فرضية الطرح المغربي حول  إقامة الحكم الذاتي، وكذلك يقطع الطريق بصورة كبيرة أمام “جبهة البوليساريو” – المدعومة من الجزائر-  نحو تحقيق مسار الانفصال وإقامة دولة مستقلة لهم، خاصة وأن الجزائر تدعم بصورة كبيرة مقترح الاستفتاء الشعبي لتقرير المصير، ولعل اختيار مدينة “تندوف” بولاية “بشار” الواقعة جنوب الجزائر مع الحدود المتماسة للصحراء الغربية والمغرب مسرحًا جغرافيًا للمناورة العسكرية يبرهن على هذا التحول التكتيكي في التعاطي مع قضايا الحدود المتشابكة.
  2. التعديلات الدستورية الجزائرية: والتي شكلت نقطة جوهرية في تغيير العقيدة العسكرية الجزائرية من دفاعية إلى هجومية، خاصة في ظل ما تضمنه هذا الدستور من مواد تُتيح للجيش الجزائري إرسال قواته خارج الحدود الجزائرية للمشاركة في مهام حفظ السلام في نطاق الإقليم، وتأتي تلك المناورات للتأكيد على جاهزية القوات المسلحة الجزائرية للمشاركة في أي أعمال عسكرية خارج حدودها.
  3. استنفار عسكري على كافة المحاور: إن المناورة العسكرية “الحزم 2021” تأتي في ضوء تحركات عسكرية جزائرية مماثلة، فقد تزامنت تلك المناورات على خط الحدود الجنوب الغربي من الجزائر، مع تحركات عسكرية مماثلة للقوات الجيش على خط الحدود مع ليبيا والنيجر، وتحديدًا في جنوب شرق جانت، خاصة في ظل تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة في هذا المثلث، وذلك بهدف السيطرة على كامل الحدود الجزائرية، وذلك على خلفية ذكر النظام الجزائري بوجود أطراف دولية تستهدف بصورة كبيرة زعزعة استقرار البلد وانخراطها في حروب استنزاف متعددة.
  4. تعاون عسكري جزائري موريتاني: تأتي المناورات أيضًا في أعقاب القمة العسكرية “الجزائرية الموريتانية” التي انعقدت في السادس من يناير من العام الجاري، والتي تضمنت أهمية التنسيق العسكري بين الجانبين لمواجهة التحديات الأمنية المفروضة خاصة داخل منطقة المغرب العربي والساحل، والعودة مرة أخرى لتفعيل العمل بآليات التعاون الأمني بين البلدين خاصة لجنة الأركان العملياتية المشتركة التي تعرف باسم “CEMOC”.

رسائل وأهداف متعددة

تأتي مناورات “الحزم 2021” من أجل إيصال رسائل مختلفة وتحقيق عدد من الأهداف من بينها العمل على توحيد الصف الداخلي ومحاولة تعبئة الرأي العام الجزائري للالتفاف حول المؤسسة العسكرية، خاصة في ظل افتقار الشارع السياسي لحالة توافق نسبي حول خارطة الطريق الداخلية التي وضعها الرئيس “عبد المجيد تبون” تحقيقًا لمتطلبات الحراك الشعبي وتنفيذًا لمسار التحول الديمقراطي.

الأمر الثاني تستهدف الدولة الجزائرية بتلك المناورات رفع الكفاءة القتالية لقواتها المسلحة لمواجهة خطر الإرهاب الممتد على طول الحدود الجزائرية وبشكل كبير داخل منطقة الساحلة والصحراء، الأمر الذي يتطلب معه الاستعداد الكامل والتأهب لمواجهة تلك التحولات واستباق المخاطر بصورة كبيرة، خاصة وأن القوات المسلحة قد عدّت عام 2021 هو عام القضاء على فلول التنظيمات الإرهابية، خاصة بعدما حققت الجزائر تقدمًا ملحوظًا على التنظيمات الإرهابية وتوجيه ضربات استباقية متعددة على معاقل التنظيمات الإرهابية وآخرها ما جاء في ديسمبر عام 2020 من تدمير 5 مخابئ للإرهابيين في منطقة “جيجل”، علاوة على تردد أنباء حول قيام الحكومة المالية بعقد صفقة تبادل الأسرى مع تنظيم “نصرة الإسلام”.

واتصالًا بملف الصحراء الغربية ؛ فإن الجزائر ترغب في إيصال رسالة للمجتمع الدولي والإدارة الأمريكية مفادها أن التوجه الأخير لواشنطن حيال قضية الصحراء الغربية يشكل خطرًا كبيرًا على الأمن القومي الجزائري، خاصة وأن تلك المناورات قد جاءت بعد تصريح وزير الخارجية الجزائري “صبري بوقادم” بأن العدو صار على الحدود وهو ما يتطلب معه استعداد القوات العسكرية لأي تغير من شأنه التأثير على الجزائر، فضلًا عن تزامنها مع جولة إفريقية قام بها “بوقادم”، فضلًا عن استخدام مفردات تصعيدية كما جاء على لسان الفريق “شنقريحة” والتي تمثل في أن الجزائر “ستبقى سيدة وعصية على أعداء الأمس واليوم” وهي ما تُعد بمثابة رسائل مشفرة لدول خارجية ذات علاقات مضطربة مع الجزائر.

بينما يتجلى الهدف الرابع في تحقيق قدر من سياسة الردع ليس فقط على صعيد التنظيمات والحركات المسلحة بل على صعيد الدول المحيطة للجزائر والتي تتماس معها مع حدود جغرافية شاسعة، ولعل مثل تلك المناورات العسكرية على طول الحدود المغربية الجزائرية لم تكن الأولى من نوعها، بل قامت “الرباط” بمناورات مماثلة لمناورات “الحزم 2021″، وذلك خلال شهر أبريل عام 2019 والتي عُرفت وقتها باسم “جبل صاغرو” التي تقع على الحدود بين المغرب والجزائر، ولم تستطع الأخيرة الرد على تلك المناورات حينها لإنشغالها بحالة الاضطراب والفراغ السياسي الداخلي.

 ختامًا؛ إن التطورات التي يشهدها السياق الإقليمي الجزائري وخاصة في ضوء تطورات قضية الصحراء الغربية، خلقت حالة من التصعيد ليس السياسي بل العسكري داخل الجزائر، والتي تستهدف بصورة كبيرة تأمين حدودها واستعراض القوة العسكرية كأحد أدوات الردع، وهو ما برز بصورة كبيرة خلال الخطابات الرسمية سواء على الصعيد السياسي والعسكري، ولعل التعبئة والحشد العسكري على طول خط الحدود ليس قاصرًا فقط على مواجهة التنظيمات بل يمتد ليحمل رسائل متباينة لدول المنطقة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى