إيران

“تسييس الأزمة”.. إيران والتعاون مع “كوبا” لإنتاج لقاح “كورونا”

 أعلن المرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، بداية شهر يناير 2021 منع استيراد اللقاحات الأمريكية والبريطانية المضادة لفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

وجاء هذا القرار مفاجئاً للجميع حتى داخل إيران ولمسؤوليها الحكوميين؛ ذلك لأنه قرار ليس من السهل اتخاذه وفي الوقت الذي بلغت فيه أعداد مصابي كورونا بإيران حوالي 1.3 مليون شخص إلى جانب أكثر من 56 ألف حالة وفاة.

 وما يزيد القرار دهشة هو أن مدير البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، قد صرّح قبلها بأيام قائلاً إن مشكلة شراء طهران للقاحات كورونا من الخارج قد تم حلها بعد أن “جاءت الموافقة لتحويل المبلغ من حساب أحد البنوك، وقد أصدرنا الإيعاز لتسديد مبلغ شراء اللقاح والمتابعات اللازمة في هذا الخصوص قائمة دون توقف”.  

وواجه قرار خامنئي انتقاداً كبيراً من الإيرانيين قبل غيرهم في الخارج من قِبل الدول والمؤسسات الدولية الأخرى. ودشن الإيرانيون على وسائل التواصل الاجتماعية، إثر قرار خامنئي، حملات عديدة لا تزال مستمرة تنادي السلطات بضرورة شراء اللقاحات الأجنبية وعدم الوثوق باللقاح الذي تصنعه إيران محلياً.  

 وظل الرفض الإيراني مستمراً لفترة بعد قرار المرشد، إلا أنه وتحت الضغط المحلي أعلنت وزارة الصحة الإيرانية مؤخراً أنها سوف تشتري ملايين الجرعات من اللقاح المضاد لكورونا من الصين في ظل إصرارها على عدم شراء اللقاحات الأمريكية أو البريطانية بعد أن عبّر خامنئي عن “عدم ثقته” بها.

 وبالتزامن مع ذلك، تجري إيران تجربة مع معهد “فينلاي” للقاحات في كوبا من أجل إنتاج لقاح خاص أطلق عليه “سوبيرانا 2″، فيما يبدو أنه تعاونٌ بين حليفين يخضعان لعقوبات الولايات المتحدة ويواجهان ظروفاً سياسية واقتصادية متشابهة جزئياً.  

لماذا رفضت إيران شراء اللقاح الأمريكي والبريطاني؟

 نشر خامنئي تغريدة على تويتر یوم الجمعة 8 يناير الجاري قال فيها إن “اللقاحات الأمريكية والبريطانية غير مسموح لها” بدخول البلاد، مضيفاً أنه “لا ثقة بها”، ما يعني أن طهران لن تستورد لقاحات فايزر/بيونتيك الأمريكي الألماني ولقاح موديرنا الأمريكي وكذلك أسترازينيكا/ أكسفورد البريطاني السويدي. وتعتزم إيران بالتزامن مع ذلك شراء ملايين الجرعات من اللقاحات الصينية والروسية.

وقال خامنئي إنه “لو كان الأمريكيون قد تمكنوا من إنتاج لقاح، فما كان للمأساة الناجمة من فيروس كورونا المستجد أن تقع حيث يقضي نحو 4 آلاف شخص مصاب في يوم واحد”.(1)

وأضاف خامنئي أنه “إذا كانت شركة فايزر التابعة لهم تستطيع إنتاج اللقاحات، فلماذا لا يستخدمونه بأنفسهم حتى لا تزداد أعداد الوفيات لديهم”. واستطرد خامنئي قائلاً إن بلاده لن تشتري كذلك اللقاح الفرنسي فـ”لست متفائلاً بشأن فرنسا كذلك، والسبب أن لديهم سوابق استُعمل فيها دم ملوث بفيروس نقص المناعة البشرية”.

ويشير خامنئي هنا إلى حادث شهيرة تعرف باسم قضية الدم الملوث التي تم الكشف عنها في فرنسا في أبريل 1991 وأصيب بسببها مئات الأشخاص في إيران بفيروس نقص المناعة البشرية في الثمانينيات.  

ولكن يبدو أن أسباب رفض خامنئي للقاح الأمريكي، على وجه الخصوص، أعمق بكثير؛ فقد رفضت إيران في مارس الماضي عرضاً من الرئيس الحالي، دونالد ترامب، لمساعدتها في مواجهة انتشار فيروس كورونا حيث شكك النظام الإيراني في إمكان وجود أهداف سياسية من وراء هذه المساعدات.

وربما يتضح قلق النظام الإيراني هذا بعد التطرق لتصريح سابق للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، طالب فيه الولايات المتحدة بمنح طهران إمكان استيراد أدوية ومستلزمات وهو ما حدث لاحقاً، وأتيحت إلى جانب هذه الأدوية إمكان استيراد إيران للقاح الأمريكي الذي واجهته صعوبة في البداية من بينها مشكلة توفير الأموال. ولكن عندما توافرت الأموال وأتيح الوصول إلى الأدوية امتنعت إيران عن شراء اللقاح.

وتأكدت هذه الشكوك بعد تصريح سابق لخامنئي جاء فيه “نحن قلقون لنوايا الأمريكيين ولا نعول على هذه المساعدات”، واصفاً الولايات المتحدة بأنها “أشرس عدو” لبلاده. ودعا مدير برنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية مايكل راين، رداً على موقف خامنئي، إلى “عدم تسييس الفيروس” قائلاً “رجاءً لا تسيسوا اللقاح آيضاً”.

وفي هذا الصدد، يفسر تقريرٌ لموقع “فردا” المختص بالشأن الإيراني قرار إيران بعدم استيراد اللقاحات الغربية قائلاً “يبدو أنه جاء كنتيجة لرؤية خامنئي للعالم. إن خامنئي لا يثق بشدة في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى ولجأ (خامنئي) إلى نظريات مؤامرة لا أساس لها”.

ويضيف التقرير أن “حظر (الاستيراد) يسلط الضوء آيضاً على علاقات طهران المتوترة مع واشنطن، التي تدهورت بعد خروج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي لعام 2015 وإعادة فرض العقوبات المشددة”.(2)

ويشير هذا إلى أن هناك دوافع سياسية وراء قرار خامنئي بعدم شراء اللقاح الأمريكي والبريطاني.

لقاح إيراني ضد كورونا

أعلن التليفزيون الإيراني أواخر العام الماضي أن التجارب الأولى لفعالية لقاح لكورونا مصنع محلياً تمت بنجاح. وأطلقت طهران على هذا اللقاح اسم “إيران  بركت” وهو من صنع شركة “شفا فارميد” (Shifa Pharmed Industrial Group) المملوكة للحكومة الإيرانية.

ويُعد “بركت” أول لقاح في إيران يصل إلى مرحلة التجارب السريرية، وكانت أول من أُجري عليها الاختبار في أواخر ديسمبر 2020 هي طيبه مخبر نجلة رئيس “لجنة تنفيذ أمر الإمام”. وتُعد هذه اللجنة مسؤولة عن إدارة الأموال التي لا يعثر على أصحابها والمشرفة على صناعة اللقاح، وتعمل تحت إشراف المرشد الإيراني خامنئي.  

وتشمل المرحلة الأولى من التجارب السريرية لـ”بركت”، الذي أيدته منظمة الصحة العالمية “في مرحلة الأبحاث”، 56 شخص من بين 60 ألف شخص متطوع، حسب إعلان طهران.

 وجدير بالذكر أن اللقاح الإيراني لا يلقى تأييداً محلياً كبيراً؛ لأن الكثير من المواطنين الإيرانيين يرجحون أن النظام يقوم بتسييس الأزمة ويشككون في فعالية اللقاح نفسه.

التعاون الإيراني الكوبي لإنتاج لقاح مشترك ضد كورونا

أعلنت كوبا في 8 يناير توقيع اتفاق مع إيران لنقل التكنولوجيا المتعلقة بلقاح كورونا وإجراء المرحلة الأخيرة من التجارب السريرية للقاح في طهران. ويأتي هذا من بين 4 لقاحات محتملة في كوبا تحاول الأخيرة تطويرها.

 وأطلق البلدان على اللقاح اسم “سوبيرانا 2” بالتعاون بين معهد “فينلاي” الكوبي ومعهد “باستور” الإيراني. وأوضحت كوبا أن هذا أول اتفاق من نوعه تتوصل إليه مع دولة أجنبية بعد أن عبرت دول عدة عن اهتمامها بلقاحات كورونا، حسب إعلانها.

وأشارت وسائل إعلام في إيران إلى أن البلاد سوف تشهد خلال الأيام المقبلة المرحلة الثالثة من التجارب السريرية الخاصة بكورونا، بعد أن يجري نقل التجارب على اللقاح من هافانا إلى طهران، بعدما بدأت المرحلة الثانية من اختبار “سوبيرانا 2” في 22 ديسمبر.

ومن المقرر أن يشارك 150 ألف شخص في هافانا في المرحلة الثالثة من اختبار “سوبيرانا 2” بالتزامن مع نقله إلى إيران، واختباره على 50 ألف شخص هناك.

 وتقول مؤسسة “فينلاي” الكوبية في تغريدة لها على تويتر إن “هذا التعاون سيمكن البلدين من التحصين ضد كورونا بشكل أسرع”. وأكد المتحدث الإيراني باسم منظمة الغذاء والدواء، كيانوش جهانبور، أن الاختبار البشري لهذا اللقاح سيتم في إيران خلال الشهرين القادمين.

كما أشار معهد “باستور” الإيراني، في خضم ذلك، إلى أن لقاح “التهاب الكبد B الذي يجري تصنيعه في معهد باستور الإيراني نُقلت تقنيته من كوبا إلى إيران”.    

ووصف مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعية في إيران الإعلان عن التعاون مع كوبا في مجال إنتاج لقاح لكورونا بأنه مؤشر على كون قرار آية الله خامنئي بمنع استيراد اللقاحات الغربية سياسياً. ولم ينف وزير الصحة الإيراني، سعيد نمكي، من جانبه تسييس قرار خامنئي قائلاً “كيف يمكن لدولة مظلومة” أن تصدق أن الولايات المتحدة سوف تهديها اللقاح، حسب قوله.

وتستثني الولايات المتحدة مجالَ الأدوية من العقوبات المفروضة على البلدين، إلا أن اللبدان الأخرى تتجنب التعامل في هذا المجال مع البلدين.  وعلى أية حال يبدو أن تشابه الأوضاع في كوبا وإيران من حيث علاقاتهما الخارجية والعقوبات المفروض عليهما دفعتهما لمحاولة إنتاج لقاح مشترك؛ ذلك لأن إيران أو كوبا لن تجد دولة أخرى تتعاون معها في هذا المجال.

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى