
أي مُستقبل ينتظر منظمة شنغهاي للتعاون في ضوء الصراعات بين أعضائها (1-2)
تميز النظام الدولي بتغيرات عالمية كبيرة طوال القرن العشرين. ومع بداية القرن الحادي والعشرين طغى التعقيد على طبيعة العلاقات الدولية، وكانت السمة الغالبة في هذه الفترة هي سعي الدول للاندماج فيما بينها بحثًا عن تعاون عالمي في مواجهة التعقيد الذي صبغ العلاقات الدولية. ومنذ منتصف القرن العشرين وحتى العقد الحالي، انتشرت المنظمات الإقليمية بسرعة كبيرة في مناطق مختلفة من العالم.
وفي منطقة أوراسيا، تطورت وتيرة التعاون الدولي بين دول المنطقة، لكنها تميزت بالبطء، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات، حاولت جمهوريات آسيا الوسطى إنشاء علاقات جديدة على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف.
وفي الوقت الذي دخلت فيه دول العالم حِقبة جديدة من تعاون متعدد الأطراف، تمخض عنه ظهور منظمات دولية للنور، سعت دول أرواسيا لإيجاد نوع من التعاون الإقليمي وشاركت في تأسيس منظمات إقليمية عديدة منها، المجموعة الاقتصادية الأوروآسيوية، ورابطة الدول المُستقلة، ومنظمة شنغهاي للتعاون.
وعلى الرغم من أن عددًا من هذه المنظمات واجه مجموعة كبيرة ومتنوعة من العقبات في تطورها وتوسعها، كانت منظمة شنغهاي للتعاون منظمة فاعلة بدرجة كبيرة في المنطقة.
منظمة شنغهاي للتعاون
في عام 1996، دخلت كازاخستان وجمهورية الصين الشعبية وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان في معاهدة جماعية لإنشاء تحالف يسمى “شنغهاي” بهدف اتخاذ خطوات لتعزيز أمن الحدود والتعاون السياسي في المنطقة.
مرت منظمة شنغهاي للتعاون بالعديد من المراحل التي شهدت تطويرًا كبيرًا على مدار نشأتها، والتي حددت خلالها أهدافها بِدقة كبيرة. وكانت أهم مرحلتين هما:
- المرحلة الأولى: بدأت في عام 1996، عندما تم وضع المبادئ والأطر المؤسسية لإنشاء علاقات متعددة الأطراف بين الدول الأعضاء. تميزت هذه المرحلة بتطبيع العلاقات فيما يتعلق بعدد من المشاكل الرئيسية: منها الأمن، ومنع النزاعات المحتملة بين الدول الأعضاء. حيث تم الاتفاق في قمة موسكو 1997 على إبرام اتفاقية بشأن التخفيضات المتبادلة للقوات المسلحة في المناطق الحدودية. وفي قمة كازاخستان 1998، تم الاتفاق على تعزيز التعاون الدفاعي الإقليمي، إضافة لتضمينها صفقة تعزز من التبادل التجاري والاقتصادي. وفي قمة قيرغيستان 1999، وقع رؤساء الدول الأعضاء على بيان لتنفيذ خطوات بناء الثقة والحفاظ على التعاون فيما يتعلق بإدارة الحدود.
كما اتسمت تلك المرحلة بتوسيع عمليات المنظمة، كالتعاون في مواجهة التهديدات الإرهابية والتطرف والمشاكل الطائفية، وفي القمة الخامسة التي عقدت في طاجيكستان عام 2000، تم الاتفاق على تعزيز جهود دول المنظمة لإقامة تعاون في عدد من القضايا الرئيسية، مثل الدفاع، والأمن، وإنفاذ القانون، والسياسة الخارجية، والمالية، والبيئة، والموارد المائية والثقافة وغيرها في العديد من القضايا.
- المرحلة الثانية: بانضمام دولة أوزباكستان لعضوية المنظمة في عام 2001، يُمكن اعتبار هذا العام بداية المرحلة الثانية في تاريخ المنظمة -وفقًا لبعض المحللين- لعبت مشاركة أوزبكستان دورًا مهمًا في أنشطة المنظمة، وانتقل مجال عملها من كونها تركز على حل النزاعات بين الدول الأعضاء إلى إيجاد صيغة شاملة لمناقشة القضايا واسعة النطاق كما تم تبني بعض الإعلانات الهامة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والطائفية والعنصرية، كوثائق رسمية للأمم المتحدة.
العوامل التي ساهمت في بلورة منظمة شنغهاي للتعاون
في حِقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي، شهدت آسيا الوسطى مجموعة كبيرة من التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية، إضافة للتغير الاستراتيجي الذي نتج عنه إحداث تحول في العلاقات الإقليمية والعالمية، الأمر الذي جعل من آسيا الوسطى منطقة مهمة للغاية على الساحة العالمية، لعدد من الأسباب منها:
- احتواء المنطقة على كميات وفيرة من الطاقة في آسيا الوسطى وبحر قزوين.
- طبيعة الموقع الجيوستراتيجي المهم لدول آسيا الوسطى بين القوى الكبرى كروسيا والصين والهند وإيران.
- المشكلات والتحديات المشتركة لدول المنطقة، وعلى رأسها تنامي الإرهاب والتجارة غير المشروعة للمخدرات. والأصولية الدينية، ومشكلات المياه، والجرائم العابرة للحدود، ومشكلات أمن الحدود.
كل تلك التحديات مثلت مخاطر أمنية كبيرة لدول آسيا الوسطى، الأمر الذي دفع عددًا من دول المنطقة لتشكيل تحالف فيما بينها، فضلًا عن توحيد جهودهم المشتركة للتغلب على هذه التحديات، من هنا كانت الإرهاصات الأولى لإنشاء “منظمة شنغهاي للتعاون”.
التحديات الأمنية على أجندة منظمة شنغهاي
ساهمت أحداث 11 سبتمبر 2001، وما نتج عنها من حقائق جيوسياسية جديدة في إعادة التفكير في أهداف المنظمة وأولوياتها، والغرض منها، ومكانتها في العالم الحديث. وفي المؤتمر الذي عُقد في مدينة “سانت بطرسبرغ” في يونيو 2002، أعلن انفتاح المنظمة تجاه قبولها دول أخرى جديدة، بشرط أن تُشارك الدول الجديدة في الجهود التعاونية التي تركز على الإمكانات المشتركة ومواجهة التحديات والمخاطر المُشتركة.
وفي الاجتماع السنوي للمنظمة، والذي انعقد في موسكو 2003، تم التوافق على أن تتحول المنظمة من كونها منظمة إقليمية إلى منظمة عالمية، بقبول أعضاء جُدد بدرجات مختلفة، بدءًا من قبول طلبات المشاركة بشكل كامل، أو قبول الدول بوضع مراقب، إضافة لانخراط المنظمة في عدد من المبادرات الفردية.
وفي قمة أستانا، عاصمة كازاخستان، 2005 توصلت الدول الأعضاء في المنظمة إلى قرار منح وضع “مراقب” لكلٍ من إيران والهند وباكستان، وكانت منغوليا قد حصلت على وضع “مراقب” في عام 2004.
الأهمية الجيوستراتيجة لمنظمة شنغهاي للتعاون
من الناحية الجغرافية، تُمثل الدول الأعضاء في المنظمة أكثر من 30 مليون كم²، أي ما يعادل ثلاثة أخماس أوراسيا، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 3.5 مليار نسمة، أي ما يقرب من نصف إجمالي سكان العالم. وهو الأمر الذي يراه العديد من المحللين بمثابة قوة كبيرة تدفع منظمة شنغهاي للتعاون إلى التطلع نحو تنظيم عالمي متعدد الأطراف، على تكون دول المنظمة أحد جذور هذا المجتمع.
كما أدى انضمام منغوليا وإيران والهند وباكستان إلى المنظمة كدول مراقبة إلى زيادة كبيرة في المساحة الجغرافية والديمغرافية والمالية.
أصبحت الهند وباكستان دولتين كاملتين العضوية في المنظمة في يونيو 2017، مما زاد من الوزن السياسي التنظيمي للمنظمة، لكن في الوقت ذاته أثار انضمامها الكثير من القلق خوفًا من عدم قدرتهما على حل الخلافات التي كانت بينهما، وتحسبًا من امتداد تلك المشكلات لعمل المنظمة، بما يشل من حركتها.
كما تضم الدول الأعضاء في المنظمة أربع دول تمتلك أسلحة نووية، اثنتان منهم -روسيا والصين– وهم دولتان عضوتان دائمتان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
البعد الاقتصادي لمنظمة شنغهاي للتعاون
تتمتع المنظمة بإمكانيات هائلة في قطاعين رئيسين هما النقل والنفط، فدول جنوب آسيا لها أهمية استراتيجية كبيرة في المحيط الهندي، كما أن انخراط الهند وباكستان في التعاون في مجال الطاقة سيكون ذا تأثير إيجابي كبير لدول المنظمة، فكلاهما بلدان عبور لكميات كبيرة من النفط.
كانت العلاقات الاقتصادية تسير بشكل ثنائي بين الدول الأطراف في المنظمة، الأمر الذي رآه البعض بمثابة إشكالية يجب التغلب عليها، مع المطالبة بأن تتحول العلاقات الاقتصادية من المستوى الثنائي إلى المستوى متعدد الأطراف، واستغرق الأمر وقتًا كبيرًا لبدء مشاريع جماعية متوافق ومعترف بها، وإرساء أسس التعاون الاقتصادي متعدد الأطراف.
كما لوحظ تضارب في التفضيلات التي تسعى إليها دول المنظمة، لا سيما بشأن اقتراح الصين، التي تسعى لإنشاء منطقة تجارة حرة لدول المنظمة. وهو ما ترفضه الدول الأخرى، نتيجة التخوف من التوسع الاقتصادي الصيني.
في الوقت ذاته، تقوم الصين بإنشاء مناطق تجارة حرة ثنائية. على سبيل المثال، تم إنشاء العديد من مناطق التجارة الحرة الصغيرة في المناطق الحدودية بين كازاخستان والصين.
حدث تغيير منذ عام 2005. تمثل في إقامة تعاون بين دول المنظمة في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار. كما وضح ذلك في خطة العمل الخاصة بتنفيذ برنامج التعاون التجاري والاقتصادي متعدد الأطراف التابع لمنظمة شنغهاي للتعاون والإجراءات اللازمة لتسهيل التعاون في هذه المجالات.
كما تتضمن خطة العمل التي أقرها مجلس رؤساء حكومات الدول الأعضاء في المنظمة في 30 أكتوبر 2008، 85 برنامجًا وفعالية مختلفة. تهدف إلى تنفيذ مشروعات في مجالات عديدة كالتجارة والاستثمار، والتمويل والضرائب، وحماية الموارد الطبيعية والأمن البيئي، والعمليات الجمركية، والنقل، والبحوث والتكنولوجيا، والمجمعات الصناعية الزراعية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
كما تم أيضًا تأسيس مجلس الأعمال ورابطة البنوك من قبل منظمة شنغهاي للتعاون. وخلال هذا الوقت، قامت مجموعات العمل المحددة والمتخصصة بالعمل على تنفيذ القرارات المالية التي اتخذتها المنظمة.
في سياق أخر، تم تأسيس عدد من الكيانات للتركيز على قضايا التكامل الاقتصادي، تتكون من مجموعات عمل متخصصة في شتى القطاعات الاقتصادية.
تعاون المنظمة مع الكيانات الأخرى
أقامت منظمة شنغهاي للتعاون علاقات تعاون مع العديد من المنظمات الإقليمية والأجنبية، مثل الأمم المتحدة ورابطة دول جنوب شرق آسيا “الاَسيان” ورابطة الدول المستقلة.
كما حصلت المنظمة على صفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأقامت علاقات مع دول أخرى، وأنشأت مؤسسات مالية وبحثية.
كما تتعاون المنظمة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي؛ في مجالات التجارة والطاقة والمناخ النقل والاتصالات، إضافة للتعاون في مجالات محو الأمية، والرعاية الصحية، والترفيه، والعلوم والثقافة.
كما تجدر الإشارة إلى أن عددًا من المحللين قد لفتوا الانتباه إلى إمكانية التعاون بين المنظمة وحلف الناتو لإيجاد أرضية عمل مشتركة بينهما خاصة في مجالي السلم والأمن.
قبول الأعضاء الجُدد
في القمة الدورية السنوية للمنظمة، والتي جرت في “طشقند” في يونيو 2010، تم إبرام العديد من الوثائق المهمة، منها القواعد الخاصة بعملية قبول مشاركين جدد في المنظمة، وحددت عددًا من الشروط لقبول انضمام الأعضاء الجُدد، منها:
- على الدولة التي تسعى للانضمام إلى المنظمة أن تنتمي إلى المنطقة الآسيوية.
- أن يكون لها علاقات دبلوماسية مع الدول الأعضاء في المنظمة.
- أن تكون مُتمتعة بوضع مراقب في المنظمة.
- أن تحافظ على العلاقات التجارية والاستثمارية النشطة مع الدول الأعضاء في المنظمة.
- ألا تكون خاضعة لعقوبات دولية.
- ألا تكون دولة مُشاركة في أي صراع عسكري مع أي دولة أو كيان آخر.
تحديات على أجندة المنظمة
منذ نشأة المنظمة، كان للعلماء والمحللين وجهات نظر مختلفة حول أهدافها، وطبيعة العلاقات فيما بين الدول الأعضاء داخل المنظمة.
بعض الكتاب -معظمهم من أوروبا وأمريكا- يعتبرون أن إنشاء المنظمة بمثابة مبادرة من روسيا والصين لخلق حركة جديدة مناهضة للولايات المتحدة، تعمل على تشكيل تحالف عسكري لمواجهة الهيمنة الأمريكية في المنطقة، الأمر الذي يتم نفيه باستمرار من قِبل الدول الأعضاء.
كما تواجه المنظمة تحديات أخرى، منها؛ الافتقار إلى آليات تسوية المنازعات، فضلًا عن القضايا المتعلقة بالمسائل المالية، حيث يتم تمويل غالبية المبادرات بشكل رئيسي من خلال التمويل الصيني.
في الأخير، لا تتشكل المنظمات مُتعددة الأطراف من تلقاء نفسها، إنها تتألف من عدد من المشاركين، ويتحدد مدى نجاح أو فشل هذه المنظمة أو تلك من خلال تطابق أهداف هؤلاء المشاركين، وإلى أي مدى هم مُستعدون لتحقيق هذه الأهداف، وكيفية التفاعل فيما بينهم، إلى أخره من المسائل المشتركة.
في هذا الجزء، تم التركيز على نشأة المنظمة والأسس التي قامت عليها والأهداف التي سعت لتحقيقها، فضلًا عن أهميتها الجيوستراتيجية ومكانتها إقليمًا وعالميًا، وفي الجزء الثاني من هذا الموضوع، سنفرد لأبرز التحديات والصراعات الأخيرة، التي نشأت بين ثلاثة من الدول الأعضاء داخل المنظمة، وبالأخص الخلافات الأخيرة بين الهند وباكستان من جانب، والخلافات بين الهند والصين من جانب أخر، وإلى أي مدى يُمكن أن تقود هذه التحديات إلى إحداث شلل في عمل المنظمة؟ أو كيف يتم التغلب على هذه التحديات من أجل مُستقبل أفضل لجميع الدول الأعضاء داخل المنظمة؟
المصادر:
- Muhammad Fahim Khana, Shujahat Alib, Nabila Aftabc, “The Institutional Development of SCO & Geopolitics of Central Asia”, (International Journal of Social Science archives, June 2020, 3) (1), p p 1-8.
- Duarte, Paulo. “CENTRAL ASIA: THE BENDS OF HISTORY AND GEOGRAPHY.” Revista de Relaciones Internacionales, Estrategia y Seguridad, vol. 9, no. 1, 1 June 2014, pp. 21–35, www.scielo.org.co/scielo.php?script=sci_arttext&pid=S1909-30632014000100002.
باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية




