
مواقف متباينة… كيف تفاعل الداخل “المغربي” مع تطبيع الرباط وتل أبيب؟
شكلت حالة التطبيع المغربي مع إسرائيل بوساطة أمريكية في العاشر من ديسمبر 2020، نقطة حرجة في الداخل المغربي، وتباينت على خلفية ذلك التوجه المُستحدث في العلاقات بين المغرب وإسرائيل المواقف المحلية في المشهد السياسي المغربي.
ولعل تلك الخطوة تأتي في سياق التوجه الأمريكي لتحقيق قدر من تفكيك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومحاولة لتشكيل أرضية صلبة داعمة لمسار حل القضية في ضوء ما تضمنته الخطة الأمريكية للسلام أو ما يُعرف باسم “صفقة القرن”، وعلى خلفية هذا التطبيع تكون المغرب رابع دولة تطبع علاقتها مع إسرائيل خلال عام 2020.
استئناف العلاقات خطوة نحو التطبيع
إن المتأمل لخط العلاقات المغربية الإسرائيلية يُمكن أن يصف هذا النهج الأخير بأنه استئناف للعلاقات التي كانت قائمة بالفعل قبيل عام 2000، حيث أقامت الرباط علاقات سياسية ودبلوماسية منخفضة منذ عام 1993، تجسدت في إقامة مكاتب للاتصال في الرباط وتل أبيب، وذلك على خلفية التوصل لاتفاق “أوسلو”بين الفلسطينيين وإسرائيل، غير أن تلك العلاقة شهدت انقطاعًا منذ عام 2000 بالتزامن مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وقامت على إثرها الرباط بتجميد العلاقات مع إسرائيل.
ولم يكن هذا التوجه الأمريكي وليد اللحظة الراهنة، إذ قامت واشنطن بتحركات منذ شهر فبراير لعام 2019 إبان زيارة وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” إلى الرباط سعيًا لتحقيق تفاهمات سياسية من شأنها إعادة المغرب علاقاته السياسية مع إسرائيل، وتلاها زيارة صهر الرئيس المنتهية ولايته “دونالد ترامب” ومهندس ملف صفقة القرن “جاريد كوشنر” في مايو من ذات العام.
وعلى الرغم من تبني المغرب موقف الرفض من قضية التطبيع، والذي برز ذلك بصورة كبيرة في تصريح رئيس الوزراء المغربي في الرابع والعشرين من أغسطس 2020 خلال اجتماع حزب “العدالة والتنمية” الذي يترأسه، حيث صرح وقتها قائلاً “المغرب يرفض أي تطبيع مع الكيان الصهيوني لأن ذلك يعزز موقفه في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني”، غير أن هذا الموقف تغيّر في أعقاب زيارة وزير الدفاع الأمريكي “مارك إسبر” إلى منطقة المغرب العربي في الأول من أكتوبر الماضي، وعلى ضوء ذلك تم الإعلان عن موافقة المغرب على استئناف علاقاته السياسية والدبلوماسية مع إسرائيل.
ومن هذا المنطلق يمكن القول إن توجه الرباط الأخير جاء مدفوعًا بالمصلحة الوطنية التي تستهدف بصورة كبيرة تحقيق تقدم ملحوظ في ملف الصحراء الغربية تحقيقًا للمبادرة التي كان أطلقها مطلع الألفية الجديدة حول الحكم الذاتي، غير أن المتأمل لما تم الإشارة إليه أعلاه يجد أن المغرب يمسك عصا التطبيع من المنتصف؛ تحقيقًا لمصالحه الوطنية، ولكن دون أن يكون ذلك بصورة رئيسة على حساب القضية الفلسطينية كما جاء في حديث العاهل المغربي الملك محمد السادس مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أبو مازن”.
نظرية الأرض مقابل السلام
لم يكن الإعلان المغربي الأخير حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ناجمًا عن الفراغ، بل كانت تسيطر عليه قضية ذات طبيعة حرجة وحساسة في الداخل المغربي، ولعل الموازنة بين إعادة التعاون مرة أخرى مع إسرائيل والاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء جاء ليحقق قدرًا من الموازنة وكسر الجمود الشعبوي حول مسألة التطبيع.
ولعل عملية استئناف التواصل الرسمي بمستواه الدبلوماسي مع إسرائيل وفتح مكاتب الاتصال جاء بالتوازي مع التوجه الأمريكي الحديث نحو الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، إذ تبرهن تلك الخطوة في دعم الولايات المتحدة بصورة كبيرة الطرح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي والذي تراه الحل الأساسي والوحيد لتلك القضية والذي يمتاز بأنه حل واقعي وعادل ودائم للنزاع على أراضي الصحراء.
وفي ضوء تعزيز الوجود المغربي في العمق الصحراوي، وتنفيذًا للسيادة المغربية على الصحراء الغربية، تعتزم الولايات المتحدة إقامة ممثلية دبلوماسية “قنصلية” لها في مدينة “الداخلة”، مع التعهد بتقديم دعم مالي للحكومة المغربية من أجل إقامة مشاريع تنموية داخل المملكة وكذلك الصحراء.
مواقف متباينة في الداخل المغربي
لقد جاءت المواقف الداخلية متباينة حيال التوجهات الحديثة للمملكة المغربية، وإن كانت قد توافقت جميعها بشأن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الغربية غير أنها تبيانت بصورة كبيرة فيما يتعلق بملف التطبيع مع إسرائيل.
وعلى رأس ذلك التوجه تأتي مواقف الأحزاب التابعة للائتلاف الحكومي وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية الإسلامي متماشيًا مع التوجه الرسمي، ورحب بصورة كبيرة بالاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مع الإشادة بتأكيد العاهل المغربي بموقف الرباط الثابت والداعم للقضية الفلسطينية، وهو ما عبر عنه رئيس الحكومة المغربية وأمين حزب العدالة والتنمية.
ويأتي في هذا الإطار، حزب “التقدم والاشتراكية” المعارض الذي أثنى أمينه العام “محمد نبيل بن عبد الله” بتشبث المملكة بثوابت الدولة تجاه القضية الفلسطينية، وهو المنوال ذاته الذي اتبعه “حزب الاستقلال” وهو أحد أحزاب المعارضة البرلمانية التي عبرت عن تأييدها للتوجه المغربي حول فتح قنوات تواصل مرة أخرى لإسرائيل بما يعزز من مسار حل القضية الفلسطينة عبر أطروحة “حل الدولتين” وذلك من خلال الحوار الذي يعد –وفقًا للحزب– السبيل الوحيد للوصول لأي حل نهائي ودائم وشامل لذلك للصراع الممتد.
أما فيما يتعلق بمواقف الرفض فقد جاء رفض حزب “التوحيد والإصلاح” الذي يعد الجناح الدعوي لحزب “العدالة والتنمية” الذي يقود الائتلاف الحكومي، إذ أبدى رفضه واستنكاره لمحاولة التطبيع والخطوة التي اتخذتها المملكة في هذا الشأن، وهو ما يتوافق أيضًا مع رؤية “جماعة العدل والإحسان” المغربية المحظورة التي رأت أن التطبيع بمثابة طعنة للقضية الفلسطينية.
ومن بين تلك التوجهات المعارضة “مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين” التي تضم في طياتها عددًا من الأحزاب والنقابات والحركات المجتمعية، حيث رفضت بشكل قاطع التوجه نحو التطبيع مع إسرائيل.
وهو الأمر ذاته الذي طرحته “منظمة الشباب بحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي“، التي رفضت تطبيع المملكة مع إسرائيل وعدم الالتفاف على مصالح الفلسطينيين من خلال ربطها بقضية الصحراء المغربية، ووصفت ذلك النهج بالمقايضة. وقد تجلى ذلك الرفض فيما قالته أمين عام الحزب الاشتراكي الموحد “نبيلة منيب” إن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء لا يجب أن يكون بشروط لا تتحملها الدولة والشعب المغربي.
ومن خلال السابق؛ يمكن القول إن الأحزاب المعارضة الرافضة للتطبيع تم احتواؤها عبر تصريحات رئيس الوزراء المغربي، وكذلك الاتصال الذي جرى بين العاهل المغربي والرئيس الفلسطيني والذي ساهم في تهدئة الرأي العام، فقد تمحور الموقف المغربي الرسمي الراهن حول ضرورة استئناف العلاقات مع إسرائيل دون الإخلال بثوابت القضية الفلسطينية وعلى رأسها “القدس”، وبرز ذلك بصورة كبيرة خلال تصريحات رئيس الوزراء المغربي “سعد الدين العثماني”، الذي بيّن رفض بلاده للخطة الأمريكية للسلام بما تضمنته من بنود تخل بالقرارات الدولية في هذا الشأن، فضلًا عن رفض المملكة لتهويد القدس.
انعكاسات محتملة
في ضوء المواقف المتباينة المذكورة أعلاه، نجد أن التوجه المعارض منها ركّز على الأبعاد والتداعيات المختلفة لهذا المسار، ولعل من بين التداعيات الناجمة عنه تراجع فكرة “الاتحاد المغاربي” كأحد القوالب المؤسساتية الجامعة لدول منطقة المغرب العربي، خاصة في حالة التوتر في العلاقات بين المغرب والجزائر على خلفية التصدعات الحدودية وعلى رأسها قضية الصحراء الغربية خاصة بعد الاعتراف الأمريكي الأخير والذي يمثل في حد ذاته ثقلًا للمغرب ويعزز من فرصه للهيمنة على المنطقة، وهو الأمر المرفوض بالنسبة للجزائر.
أيضًا يمثل التباين المغربي مع تونس على خلفية ملف التطبيع عائقًا أمام إتمام “الاتحاد المغاربي”، خاصة في ظل رفض تونس لهذا التطبيع، الأمر الذي من شأنه أن يحدث حالة من الفتور والتراجع في إعادة تفعيل هذا الاتحاد بمكوناته المختلفة.
ختامًا، هناك توجه براجماتي يطغى على سياسة المملكة المغربية في تفاعلاتها مع المحيط الإقليمي، وبما يُعزز من مصلحتها الوطنية خاصة في ظل تراجع مسارات الحل المتعلقة بقضية الصحراء الغربية، وعلى الرغم من حالة التباين الداخلي في المغرب حول قرار المملكة استئناف العلاقات مع إسرائيل، إلا أنها لم تُحدث أي تغيير في المواقف المغربية الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، وضرورة دفع الجهود الإقليمية والدولية لعمل تسوية شاملة عادلة عبر المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.