
قناتا “السويس وبنما” بين أزمتين عالميتين 2008 و2020
يختلف الوزن النسبي لأهمية كلٍّ من قناة بنما وقناة السويس بالنسبة للربط بين المناطق الجغرافية المختلفة، حيث تمثل قناة السويس أهمية محورية بالنسبة لحاملات النفط من الخليج العربي إلى أوروبا، وكذلك في الربط بين جنوب شرق آسيا وأوروبا، وبين شرق إفريقيا والدول العربية، في حين تتميز قناة بنما بملاءمتها الجغرافية في تدفق التجارة بين اليابان وأستراليا ودول أمريكا الجنوبية والساحل الشرقي لأمريكا.
ومن ناحية أخرى تبرز المنافسة بين قناة السويس وقناة بنما حول نقل البضائع بين آسيا وأمريكا الشمالية خاصة ولايات الساحل الشرقي، حيث توجد ثلاثة طرق رئيسية تربط بين المنطقتين هي: قناة بنما، وقناة السويس، بالإضافة إلى الطريق الملاحي عبر المحيط الهادئ المرتبط بنظام النقل متعدد الوسائط عبر الولايات المتحدة وكندا، حيث تتجه الحاويات والبضائع القادمة من الموانئ الآسيوية إلى موانئ الساحل الغربي لأمريكا الشمالية، ثم عبر الخطوط والسكك الحديدية والطرق البرية صوب الساحل الشرقي.
واستطاعت قناة بنما تعزيز هذه المنافسة بينها وبين قناة السويس من خلال توسعة القناة عام 2016، التي تجاوزت تكلفتها نحو 5.2 مليار دولار، بهدف زيادة حجم العائدات، التي تتقاضاها بنما من عبور السفن في القناة.
كما قامت الحكومة المصرية بإنشاء قناة السويس الجديدة من الكم 60 إلى الكم 95 ، بالإضافة إلى توسيع وتعميق تفريعات البحيرات الكبرى بطول إجمالي 37 كم (إجمالى أطوال المشروع 72 كم)، وأتت فكرة المشروع من إنشاء قناة جديدة موازية وتعظيم الإستفادة من القناة وتفريعاتها بهدف تحقيق أكبر نسبة من الأزدواجية لتسيير السفن فى الاتجاهين بدون توقف في مناطق انتظار داخل القناة و لتقليل زمن عبور السفن المارة، و زيادة قدرتها الأستيعابية لمرور السفن، وبلغت تكلفة المشروع نحو4 مليار دولار.
انطلاقًا من أهمية كل من القناتين ومشاركة كل منهما في الناتج المحلي، نناقش أهم المحطات التي أثرت على كل من القناتين من حيث الإيردات وعدد السفن العابرة من خلالهما وأنواع هذه السفن، ومدى تأثر كل منهما، خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، والأزمة الحالية لتفشي فيروس كورونا المستجد اللتان أثرتا بشكل كبير على حركة التجارة العالمية.
أولا: الأزمة المالية 2008:
انفجرت الأزمة المالية العالمية في سبتمبر 2008، واعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929، وبدأت الأزمة أولاً بالولايات المتحدة الأمريكية ثم امتدت إلى دول العالم لتشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة خلال العام 2008 إلى 19 بنكاً، وبالتالي أثرت الأزمة على النمو في حركة التجارة الدولية.
ثانيا: ازمة تفشي فيروس كورونا المستجد 2020:
شهدت أسواق الأسهم والبضائع في الصين تراجعًا ملحوظًا منذ الإعلان عن انتشار فيروس كورونا في ووهان بالصين، كما امتد أثر هذا الفيروس إلى الأسواق الآسيوية والأميركية، على حد سواء، إذ أدى انتشار الفيروس الي تقييد حركة السفر والتجارة بين البلدان، وزاد الإنفاق على العملية الاحترازية للحد من انتشاره. وانعكس انتشار الفيروس على النمو الاقتصادي والطلب العالمي على النفط، وأيضا على نمو حركة التجارة العالمية.
الآثار الاقتصادية للأزمتين على قناة السويس
تأثرت عائدات قناة السويس وحركة المرور بها، وقت الأزمة الذي نتج عنها تأثر حركة التجارة الدولية وبالتالي انخفض نصيب القناة منها، والذى زاد من أقل من ٧% ليصل إلى نحو ١٠% في عام ٢٠٠٧ ،حيث زاد عدد الـسفن العـابرة بنحو ٤,٨% وزادت الحمولات بنحو ٤,١٠% كما زادت الإيرادات نتيجـة لـذلك. ولكن جاءت الأزمة لتفرض على إدارة القناة مواجهة ثلاثة أنواع من التحديات، انخفاض أسعار البترول من ناحية، وانخفاض أسعار إيجار السفن نتيجة للازمة العالمية من ناحية أخـرى، إلـى جانـب انخفاض قيمة وحدة حقوق السحب الخاصة SDR التى تمثل الأساس فى حساب رسوم العبور فى قناة السويس، والتى انخفضت قيمتها فى المتوسط إلى ٤٧,١ دولار مقابل وحـدة حقـوق السحب الخاصة بعد أن كانت حوالى ٦,١ دولار قبل الأزمة.
وبالتالي نلاحظ أنه خلال 2008، عبرت قناة السويس من كلا الاتجاهين 21415 سفينة عبورا كاملا مقابل 20384 سفينة خلال عام 2007 بزيادة قدرها 5.1% وقد بلغ المتوسط اليومي للسفن هذا العام 59 سفينة مقابل 56 سفينة خلال عام 2007 وبلغ مجموع الحمولات الصافية للقناة 910.1 مليون طن مقابل 848.2 مليون طن خلال عام 2007 بزيادة قدرها 61.9 مليون طن بنسبة 7.1%
ورفعت السفن العابرة للقناة خلال عام 2008 اعلام 99 دولة مقابل 90 دولة عبرت سفنها القناة خلال عام 2007 وكان في مقدمة هذه الدول بنما وليبيريا وألمانيا.
ولكن في 2009 بعد تباطؤ حركة التجارة العالمية نتيجة الأزمة، عبرت قناة السويس من كلا التجاهين عدد 17228 سفينة عبورا كاملا، مقابل 21415 سفينة خلال عام 2008 بتقص قدره 4187 سفينة بنسبة 19.6%. وقد بلغ المتوسط اليومي لعدد السفن العابرة هذا العام 47 سفينة مقابل 59 سفينة عام 2008.
وعلى مستوى الحمولة الصافية، نجد أنها بلغت خلال 2009 نحو 734.5 مليون طن مقابل 910.1 مليون طن عام 2008، بنقص قدره 175.6 مليون طن بنسبة 19.3%. وهذا النقص ناتج عن النقص في الحمولات الصافية لناقلات البترول (39.2 مليون طن بنسبة 26.7%) وسفن البضائع العامة مليون طن بنسبة 3.8% وسفن الحاويات 80.3 مليون طن بنسبة 16.6% وحاملات الجرارات 1.8 مليون طن بنسبة 23% وحاملات السيارات مليون طن بنسبة 39.2% والسفن الأخرى 0.5 مليون طن بنسبة 9.6% بينما زادت الحمولات الصافية لسفن الغاز الطبيعي مليون طن بنسبة 35.7% وسفن الركاب 0.5 مليون طن بنسبة 25.1%.
وحققت حركة البضائع العابرة للقناة هذا العام نقص قدره 163.7 مليون طن بنسبة 22.6% حيث نقصت البضائع المتجهه جنوبًا، بمقدار 14.2 مليون طن بنسبة 4.6%، كما نقصت البضائع المتجهة شمالًا بمقدار 149.5 مليون طن بنسبة 36.2%.
وفي عام 2010 عبرت قناة السويس من كلا الاتجاهيين 17993 سفينة بزيادة قدرها 765 سفينة عن 2009 بنسبه 4.4% وقد بلغ المتوسط اليومي لعدد السفن العابرة هذا العام 49 سفينة.، وبلغ مجموع الحمولات الصافية 846.4 مليون طن بزيادة قدرها 111.9 مليون طن بنسبة 15.2% ورفعت السفن العابرة للقناة خلال عام 2010 اعلام 105 دولة وكانت في مقدمة هذه الدول بنما وليبيريا وجزر المارشال
اما في عام 2011 عبرت قناة السويس من كلا الاتجاهيين 17799 سفينة بنقص قدرة 194 سفينة بنسبة 1.1% وقد بلغ المتوسط اليومي لعدد السفن العابرة هذا العام 48.8 سفينة وبلغ مجموع الحمولة الصافية العابرة للقناة هذا العام 928.9 مليون طن بزيادة قدرها 82.5 مليون طن بنسبة 9.7% ورفعت السفن العابرة اعلام 98 دولة وكان في مقدمتهم بنما وليبيريا وجزر المارشال.
وفي عام 2012 عبرت قناة السويس من كلا الاتجاهين 17225 سفينة بنقص قدره 574 سفينة بنسبة 3.2% وقد بلغ المتوسط اليومي للعبور 47.2 سفينة وبلغ مجموع الحمولة الصافية العابرة للقناة 928.5 مليون طن بنقص قدره 0.4 مليون طن ورفعت السفن العابرة للقناة اعلام 112 دولة وكان في مقدمة هذه السفن بنما وليبيريا وجزر المارشال
وعبرت قناة السويس خلال عام 2013 من كلا الاتجاهين 16596 سفينة بنقص قدره 628 سفينة بنسبة 3.6% وقد بلغ المتوسط اليومي لعدد السفن العابرة 45.5 سفينة وبلغ مجموع الحمولة العابرة للقناة 915.5 مليون طن مقابل 928.5 مليون طن بنقص قدره 13.00 مليون طن ورفعت السفن العابرة للقناة اعلام 99 دولة وكان في مقدمة هذه الدول بنما وليبيريا وجزر المارشال.
وخلال عام 2014 عبرت قناة السويس من كلا الاتجاهين 17148 سفينة بزيادة قدرها 552 سفينة بنسبة قدرها 3.3% وقد بلغ متوسط العبور اليومي 47 سفينة بـلغ مـجـموع الحــمولة الـصافــية الـعابـرة للـقناه هـذا الـعـام 962.7 مـلـيون طــن بزياده قـدرها 47.2مــليـون طــن بنسبة 5،2% رفـعـت السـفن الـعابـرة للـقناة أعـلام 103دولـة وكان في مقدمة هذه الدول بنما وليبيريا وجزر المارشال.
وفي عام 2015 عبرت قناة السويس 17483 سفينة بزيادة قدرها 335 سفينة بنسبة 2.0% وقد بلغ المتوسط اليومي لعدد السفن العابرة 47.9 سفينة وبلغ مجموع الحمولة الصافية 998.7 مليون طن بزيادة قدرها 36.0 مليون طن بنسبة 3.7% ورفعت السفن العابرة للقناة اعلام 104 دولة وكان في مقدمتهم بنما وليبيريا وجزر المارشال.
وأشارت الإحصائيات إلى أن عدد السفن المارة بقناة السويس خلال عام 2016 بلغت16833سفينة أما حمولات السفن المارة بالقناة بلغت نحو 974 مليون طن. وخلال 2017 عبرت قناة السويس 17550 سفينة بزيادة قدرها 335717 سفينة، وقد بلغ المتوسط اليومي لعدد السفن العابرة 48 سفينة وبلغ مجموع الحمولة الصافية 1.04مليار طن،
وخلال 2018 عبرت قناة السويس 18174 سفينة بزيادة قدرها 624 سفينة، وقد بلغ المتوسط اليومي لعدد السفن العابرة 50 سفينة وبلغ مجموع الحمولة الصافية 1.13مليار طن، وخلال 2019 عبرت قناة السويس 18880 سفينة بزيادة قدرها 706 سفينة، وقد بلغ المتوسط اليومي لعدد السفن العابرة 52 سفينة وبلغ مجموع الحمولة الصافية 1.2مليار طن، ويوضح الجدول التالي التطور في أعداد السفن العابرة للقناة وحمولاتها وإيرادات القناة خلال الفترة (2008-2019).

كما يوضح الشكل التالي تطور إيرادات القناة على أساس سنوي في الفترة 2008-2019
كما يوضح الجدول التالي نموذجين لتطور أنواع السفن وأعدادها خلال عامي 2018 و2019:

وعلى مستوى بيانات الهيئة المتاحة خلال 2020 نجد الآتي:

وبالتالي نلاحظ أن إجمالي عدد السفن التي عبرت من خلال القناة في شهر فبراير 2020 بلغت 1525سفينة أي بزيادة 172 سفينة مقارنة بالشهر ذاته العام الماضي، ولكنها انخفضت بنحو 120سفينة مقارنة بشهر يناير الماضي أي خلال شهر واحد. كما ارتفعت إيرادات قناة السويس إلى 458.2 مليون دولار في فبراير مقارنة مع 433.9 مليون دولار في الشهر نفسه من العام الماضي.
الآثار الاقتصادية للأزمتين على قناة بنما
تعد قناة بنما أحد أهم الممرات المائية في العالم، حيث تصل القناة بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي بطول يتجاوز حوالي 80 كم، وقد بدأت أول محاولة لبناء قناة بنما في عام 1880 تحت القيادة الفرنسية. وحين نتمعن في بعض المحطات الرئيسة على المؤشرات الخاصة بالقناة نجد منها:
- الأزمة المالية العالمية:
ففي 2009 انخفض عدد السفن المارة عبر القناة بنحو 360سفينة، واستمر هذا الانخفاض في العام التالي، ففي 2010 انخفض عدد السفن العابرة للقناة بنحو 112 سفينة مقارنة بالعام الماضي. ويوضح الجدول التالي تطور عائدات قناة بنما وأعداد السفن وحمولاتها العابرة لها:

- توتر العلاقات التجارية بين أمريكا والصين من 2017:
أثارت التوترات بين الولايات المتحدة والصين اضطرابات في قناة بنما، فقد تراجعت الشحنات القادمة من الولايات المتحدة إلى الصين، عبر هذا الممر المائي الرئيسي هذا العام مع قيام العملاق الآسيوي بخفض وارداته من الغذاء والوقود الأميركيين، وقال الرئيس التنفيذي لهيئة قناة بنما، «خورخي لويس كويجانو»، إنه وسط هذا النزاع، حلت اليابان محل الصين باعتبارها ثاني أكبر مستخدم للقناة، بينما لا تزال الشركات الأميركية هي أكبر عملاء القناة.
وكان من المتوقع، أن تصل عائدات القناة خلال 2019، إلى 3.2 مليار دولار، بزيادة 2% عن عام 2018. وكان من المتوقع أن تزيد عن ذلك لولا النزاع التجاري، الذي قلل حركة المرور من الولايات المتحدة إلى الصين، بنحو 8 مليون طن منذ بدء العام المالي الماضي في أكتوبر.
وقد بلغ حجم حركة المرور عبر القناة على أهم طريق، من الساحل الشرقي للولايات المتحدة إلى آسيا،نحو 78 مليون طن خلال العام المالي 2018. وعلى الرغم من ذلك، رفعت خدمة «موديز» للمستثمرين التصنيف الائتماني للقناة، لهذا العام من A2 إلى A1، مستشهدة بالأداء المالي القوي منذ التوسع، وانخفاض مستويات الديون.
- تفشي فيروس كورونا عالميا:
تعد الصين منشأ الفيروس لقناة بنما ثاني أكبر مستخدم، فيما تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى.
وحتى 26 مارس الماضي، تم إلغاء 52 عملية لإلغاء السفن التي تخطط لعبور قناة بنما وتم تخفيض عدد العاملين فيها البالغ 10.000 عامل بنسبة 30٪ خلال الـ 14 يومًا التالية، وقال المدير ريكورت فاسكيز للقناة “سنستمر في تشغيل القناة طالما أن رأس المال البشري ليس في خطر”، وردا على سؤال حول التوقعات الاقتصادية والانخفاض المحتمل في الدخل ، قال فاسكويز لصحيفة La Prensa أن كل شيء سيعتمد على احتواء تفشي المرض في جميع أنحاء العالم ، وتتخذ موانئ الولايات المتحدة التدابير ومدى سرعة إعادة تنشيط مناطق الإنتاج والمناطق الصناعية في آسيا .وقال آنذاك “يبدو أن وضع الطرق في آسيا أصبح طبيعيا، لكن ما يحدث على الساحل الشرقي للولايات المتحدة لم يتضح لنا بعد”.
وهنا جدير بالذكر مع عدم توافر معلومات أو بيانات حول عدد السفن العابرة خلال الشهرين الماضين، فإن صندوق النقد الدولي أشار من خلال تقريره في 19 مارس 2020 أن “في أمريكا الوسطى والمكسيك، سيؤدي تباطؤ النشاط في الولايات المتحدة إلى انخفاض التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر وتدفقات السياحة وتحويلات العاملين. ويمكن أيضا أن يؤدي انخفاض الطلب العالمي إلى التأثير سلبًا على الصادرات الزراعية الأساسية (البن والسكر والموز) وكذلك التدفقات التجارية عبر قناة بنما، وسيتسبب تفشي الوباء على المستوى المحلي في فرض ضغوط على النشاط الاقتصادي خلال ربع العام القادم، ومفاقمة أوضاع العمل التجاري المحاط بعدم اليقين أصلاً (وخاصة في المكسيك).