
سكك حديد مصر تخرج من “الإنعاش”

هي أول من تم إنشاؤها في أفريقيا والشرق والأوسط، والثانية على مستوى العالم بعد بريطانيا، وتنقل حوالي 500 مليون راكب ( 4ر1 مليون راكب يوميا) ، و6 ملايين طن بضائع سنويا لـ 705 محطات، بطول 9570 كم ممتدة من الإسكندرية وحتى أسوان والسلوم، فأصبحت العمود الفقري لنقل المواطنين… هي منظومة “سكك حديد مصر”.
إلا أن تلك المنظومة لم تلق الاهتمام اللازم، وعانت من الإهمال الذي تركها متهالكة وفي حالة متدهورة تراكمت لعشرات السنوات، جعلت حوادث القطارات أمرا طبيعيًا يعيشه المصريون كل فترة، ينتج عنها ضحايا بالمئات بل الألاف ما بين مصاب وقتيل.
وبحسب بيان الحساب الختامي لموازنة السكة الحديد بشأن خسائر السنة المالية 2018/2019، فقد بلغت 12.3 مليار جنيه، فضلا عن ارتفاع جملة الخسائر خلال المرحلة لتصل إلى 66 مليار جنيه، فيما وصلت جملة الديون المستحقة على الهيئة لـ 78.3 مليار جنيه.
ما جعل وزارة النقل تضع خطة لـ “سد ديون وتقليل خسائر وتطوير السكة الحديد” ترتكز على “تعظيم موارد الهيئة وتأهيل العاملين بها، ورفع كفاءة الموارد من عربات وجرارات بصيانتها وشراء جديدة، للوصول لأعلى مستويات الخدمة”.
القضاء على مديونية هيئة السكة الحديد بالكامل خلال 3 سنوات
وفقا لوزير النقل المهندس كامل الوزير، فقد تم سداد 45 مليار جنيه من إجمالي 78 مليارا، معلنا استهدافه القضاء على مديونية هيئة السكة الحديد بالكامل خلال 3 سنوات من حصيلة بيع الأراضي غير المستغلة وحوكمة منظومة التذاكر وتحصيل الغرامات وبيع الخردة.
وأضاف ” بعنا خردة بـ 340 مليون جنيه، وعندما تم حوكمة التذاكر ومنع التهرب من دفع ثمن التذكرة، نتج عنه توفير 10 إلى 12 مليون جنيه في الشهر”، إلى جانب التعاقد مع أحد المستثمرين على استغلال أكشاك ومول وجراج محطة مصر لمدة 15 عاما مقابل 47 مليون جنيه، وذلك في محاولات لإيجاد ميزانية لتطوير السكك الحديد بعيدا عن التحميل على ميزانية الدولة، أو زيادة سعر التذكرة.
النواب يوافق على تعديلات السكة الحديد
وفي جلسته المنعقدة في 27 يناير الماضي، وافق مجلس النواب على مشروع قانون مقدم من الحكومة، بتعديل بعض أحكام القانون رقم 152 لسنة 1980 بإنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر بما يسمح بـ تعظيم الاستفادة من الأراضي والمنشآت والمباني والأصول غير المستخدمة في التشغيل، والمخصصات العينية من أجل زيادة إيرادات وعوائد الهيئة، مع تحصين جميع مكونات التشغيل من منشآت، ومبان، وخطوط السكك والمزلقانات والحرم المخصص لها، ضد أي استعمالات خارج نطاق منظومة التشغيل.
وتضمن مشروع القانون أيضا استخدام تلك العوائد في توفير جزء من التمويل اللازم لتطوير البنية التحتية، والإمكانات التشغيلية، بما يحسن من الخدمات المقدمة للمواطنين، والوصول بمستوى الخدمة إلى المواصفات العالمية، إلى جانب المساهمة في سداد ديون الهيئة، وتقليل خسائرها.
وإثر تلك الخطوة، تسعى هيئة السكة الحديدية لطرح عدة مناقصات لاستغلال 24 ألف متر مربع في 7 محافظات، ما يعني دخلا جديدا يمكن من خلاله اصلاح مرفق السكة الحديد وتسديد ديونه قبل 2021.
وفي نهاية العام الماضي 2019، كانت الوزارة قد حصلت على موافقة من مجلس الوزراء، لاستغلال 31 قطعة أرض تتراوح مساحة القطعة الواحدة بين (5 ـ 10) آلاف متر مربع، في إجراء تسوية لمديونية متراكمة عليها بقيمة 35 مليار جنيه لصالح بنك الاستثمار القومي.
وبموجب تلك الموافقة فإنه يمكن للسكة الحديد إبرام عقود شراكة لاستغلال الأراضي بما يحقق عائدا يسدد المديونية، أو تنازل الهيئة عن مساحة أراضي لا تزيد عن %50 من إجمالي المساحة الكلية، لصالح الجهات المدنية.
استراتيجية لتقليل الخسائر من خلال تطوير المنظومة بالكامل
تشهد الفترة الحالية إجراءات تطوير كبرى لعربات القطار من خلال اتجاهيين متوازيين هما: “تحسين وتطوير اسطول العربات الحالي، وتدعيم هذا الاسطول بعربات جديدة تقدم خدمة مميزة”، وبالفعل وصلت مصر في ديسمبر 2019 الدفعة الأولى من جرارات “جنرال إلكتريك” الأمريكية وعددها 10 جرارات جديدة؛ لتنضم إلى أسطول جرارات هيئة سكك حديد مصر الذي لم يشهد أيه جرارات جديدة منذ عام 2009، وبلغت تكلفتها 27.05 مليون دولار تم تدبيرها من موارد هيئة السكك الحديد الذاتية.
إلى جانب التعاقد مع 149 عربة نقل بضائع مع مصنع سيماف، وتطوير محطات القطارات، وتنفيذ أعمال تجديد للسكة الحديد بأطوال بلغت 60 كم، وإجراء صيانة ميكانيكية لمسافة 3200 كم خلال عامي 2018/2019، بحسب تقرير اللجنة البرلمانية حول تطوير السكك الحديدية.
كما تم الانتهاء من تطوير 700 مزلقان، أي حوالي أكثر من 50 % من المزلقانات التي تحتاج للتطوير، وإزالة حوالي 3000 حالة تعدِ على حرم السكة الحديد تشمل مزلقانات غير شرعية وأسواق عشوائية وعشش خشبية، من إجمالي 7500 حالة؛ للحفاظ على أمن وسلامة المواطنين، وتقليل الخسار سواء البشرية أو المادية.
وفي سياق مواز، تم تطوير ورشة أبو زعبل المتخصصة في عمرة وصيانة عربات الدرجة الثالثة وعربات البضائع، والتي تنتج نحو 12 ألف لقمة فرامل شهرياً، فضلا عن كونها تجري عمرات عمومية للعربات، كما تم تجهيز بعض ورش السكة الحديد للتعاون مع الشركات العالمية في إعادة تأهيل الجرارات العاملة، حيث تشرف تلك الشركات على عمل العمرات في ورش السكة الحديد بقطع الغيار الأصلية وبأيدي العمالة المصرية، مع تدريب العاملين المصريين ونقل الخبرات إليهم، ما يضمن متابعه حالات العربات أولا بأول، وصيانه دورية للأعطال ما يتجنب حدوث خسائر.
إلى جانب عقد تدريبات دورية لسائقين القطارات والعاملين بالتزامن مع الدفع بمجموعة من العربات والجرارات الجديدة في المنظومة، لتمكينهم من التعامل مع كافة الظروف التي يمكن أن يتعرض لها خلال فترة عمله.
ولا ننسي دور التكنولوجيا الذي لم تغفله السكة الحديد في استراتيجيتها للتطوير، حيث حدثت نظم الإشارات لتصبح الكترونية، تحقق أعلى معدلات تحكم، وتزويد المزلقانات بأجراس وأنوار وبوابات أوتوماتيكية للحد من الحوادث، فضلا عن توفير نظام يتيح للسائق الاتصال بمراقب التشغيل في حالات الطوارئ أو الأعطال المفاجئة.
ما يضمن خدمة مميزة ويسهم في تقليل الخسائر التي كانت تعاني منها المنظومة.

توطين صناعة السكك الحديدية المُتطورة في مصر
اهتمت وزارة النقل خلال الفترة السابقة بتنفيذ مشروعات الربط السككي، خاصة القائم على الجر الكهربائي، إيمانا منها بأهمية تنمية منظومة النقل الجماعي في مصر، وتتسم هذه النوعية من المواصلات بأنها وسائل نقل “سريعة، عصرية، آمنة، وصديقة للبيئة، فضلا عن كونها توفر استهلاك الوقود، وتخفض معدلات التلوث البيئي، وتخفف الاختناقات المرورية بالمحاور والشوارع الرئيسية، وتجذب الركاب لاستخدام هذه الوسيلة بدلًا من استخدام السيارات الخاصة“، وتعد أبرز تلك المشروعات هي مشروعي “مونوريل العاصمة الإدارية الجديدة” والذي يضم 22 محطة، ومونوريل أكتوبر ويضم 12 محطة، واللذان بحسب بيان وزارة النقل، تبلغ القيمة الإجمالية لتنفيذهما 2,695 مليار يورو شاملة الضرائب والجمارك وجميع الأعباء الداخلية، وسيتم الانتهاء من تنفيذهم بحلول 2024.
وخلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير، أعلن الوزير بأن شركة بومبارديه العالمية قد قدمت عرضًا أبدت من خلاله استعدادها لبدء خط المونوريل الذي سيتم تنفيذه للربط بين “امبابة و6 أكتوبر” في مصنع على أرض مصر، لإنتاج كل مستلزمات السكة الحديد، والمترو، ما تعد خطوة مهمة نحو توطين صناعة السكك الحديدية المُتطورة في مصر.
وبحسب تصريحات الوزير فإنه بالفعل يجري بحث إمكانية إقامة المصنع ضمن إطار المنطقة الاقتصادية بقناة السويس، لاستثمار المزايا النسبية والإمكانات التي ستوفرها المنطقة للمشاريع التي تضمها، وذلك عبر انشاء شراكة بين احدى شركات القطاع الخاص المصرية والتي تتولى تنفيذ المصنع وشركة بومبارديه وبالتعاون مع الصندوق السيادي.
لأول مرة.. السكة الحديد تعتمد وثيقة سياسة “السلامة مسئولية الجميع”
وتشمل استراتيجية التطوير والتحديث في منظمة السكة الحديد في مصر أيضا، تطبيق أعلى معايير الأمان، حيث اعتمد المهندس أشرف رسلان رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية لسكك حديد مصر، وثيقة سياسة السلامة بالهيئة، ويعد الإجراء هو الأول من نوعه منذ إنشاء الهيئة، والذي يهدف إلى “تفعيل إجراءات السلامة كمبدأ أساسي في جميع العمليات التشغيلية” لضمان توفير خدمة نقل آمنة ومنضبطة ونظيفة ومتطورة للركاب والبضائع.