الصحافة العربية

بعد تكليف “علاوي” بتشكيل الحكومة الجديدة.. هل يستقر العراق؟

بعد شهرين من شغور منصب رئيس الوزراء العراقي بعد استقالة “عادل عبد المهدي”، كلف رئيس الجمهورية “برهم صالح” وزير الاتصالات السابق “محمد توفيق علاوي” بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وذلك بعد مشاورات ماراثونية شهدت كثيرا من الصعوبات مع الكتل السياسية والنيابية، والتي انتهت بمنح الرئيس مهلة “أخيرة” تنتهي أول فبراير للكتل النيابية لترشيح رئيس الوزراء الجديد، معلنًا أنه سيختار شخصية يرضى بها الشارع إذا لم يتلق ردًا من الكتل، ولكن الكتل توافقت على اسم “علاوي” رئيسا للوزراء.     

من هو “محمد توفيق علاوي”

اسمه “محمد توفيق حسين علاوي أمين الربيعي” ولد في العاصمة العراقية بغداد عام 1954، والتحق بكلية الهندسة المعمارية بجامعة بغداد وتركها في السنة النهائية ورحل إلى لبنان عام 1977 بعد موجة الاعتقالات التي أعقب أحداث زيارة الأربعين، ثم ألتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ونال شهادة البكالوريوس في هندسة العمارة عام 1980، وعمل في مجال التصميم المعماري والمقاولات والتجارة في لبنان وأسس شركة First Call)) لصناعة الأقراص المدمجة في بريطانيا.

بالإضافة إلى أنه عضو فاعل في “منظمة الحوار بين الأديان” وهي إحدى تشكيلات المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في جنيف، وذات صفة استشارية للأمم المتحدة للدفاع عن حقوق الانسان، وكانت فترة نشاطه تحديدًا خلال فترة الحصار المفروض على العراق، كما أنه أسس “منظمة نداء كوسوفو” للدفاع وإغاثة الأقلية المضطهدة في تسعينات القرن الماضي في يوغسلافيا.

يتبنى “محمد علاوي” مفهوم الدولة المدنية في التفريق بين السياسة والدين، وانتخب في مجلس النواب بعد عام 2003 لدورتين، وعيًن وزيرًا للاتصالات منذ أواسط عام 2006 وحتى نهاية عام 2007، والتحق بمجلس النواب عام 2008 عقب وفاة النائبة “عايدة عسران” حتى عام 2010، وتولى وزارة الاتصالات مرة أخرى نهاية 2010 واستقال في نهاية عام 2012 بعد خلافاته مع رئيس الوزراء “نوري المالكي”.

كانت الخلافات بين “علاوي” و”المالكي” في الحكومتين تتعلق بفلسفة إدارة الدولة وكيفية مجابهة الفساد المستشري في مؤسساتها، إذ وجّه وزير الاتصالات انتقادات حادة لرئيس مجلس الوزراء آنذاك بشأن إحالة عقود بمليارات الدولارات إلى مقرّبين أو شركات، وفي الحكومة الثانية قام “المالكي” بتحريك القضاء ضد “علاوي”، متهما إياه بالتسبب في هدر المال العام، وذلك بعدما شارك في اجتماعات احتضنتها أربيل لسحب الثقة من الحكومة، وأعلن “علاوي” يوم الجمعة 31 يناير عبر صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك” استعداده التخلي عن جنسيته الثانية حال تسلمه المنصب.

الخطاب الأول

أشار “علاوي” في مقطع مصور بثه  على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إلى أنه فضّل التوجه بحديث إلى الشعب العراقي مباشرة فور تكليفه بتشكيل الحكومة
مضيفًا أنه لولا تضحيات وشجاعة الشعب العراقي ما كان أي تغيير حدث في العراق، مؤكدًا أن الشعب العراقي صبر وتحمل الكثير، معبرّا عن إيمانه به، ومطالبًا إياه بالاستمرار في المظاهرات لدعمه.

وأكد رئيس الوزراء الجديد أنه بدون العراقيين سيكون وحيدًا ولن يستطيع فعل أي شيء، مشددًا على أن التظاهر حق العراقيين، والسلطة عليها تنفيذ مطالبهم وحمايتهم بدلًا من قمعهم، وأن يرفع سلاح الدولة بوجه من يشهر السلاح بوجهها فقط، وأكد “علاوي” أن الكتل إذا حاولت فرض مرشحين للحكومة عليه، فإنه سيخرج للتحدث إلى العراقيين، ويترك التكليف ويعود كمواطن عادي، مشددًا على أنه إذا لم يستجب لمطالب المتظاهرين فلا يستحق هذا المنصب.

حزب الله اللبناني وارتباطه باختيار “علاوي”

أشارت عدة تقارير إلى أن أبرز أسمين تم تداولهما خلال الفترة الماضية لتولي منصب رئيس الحكومة الجديدة كانا، “محمد علاوي” و”مصطفى الكاظمي” رئيس جهاز المخابرات العراقية، وكانت أنظار رئيس الجمهورية تتجه بشكل كبير لتسمية “الكاظمي” إذا ما أنتهت المهلة التي حددها للكتل السياسية لتسمية رئيس حكومة جديد، وهو ما لم يحدث نتيجة حسم الكتل النيابية أمرها قبل انتهاء المدة.

وظهر أسم “محمد كوثراني” مسؤول الملف العراقي في حزب الله اللبناني قبل يومين، للوساطة وتقريب وجهات النظر بين الكتل السياسية المسؤولة عن تسمية رئيس الوزراء الجديد، ويُعرف عن “كوثراني” علاقاته الواسعة مع مختلف الكتل العراقية سواء عربية أو سنية أو كردية وحتى التركمانية، ويُنظر إليه على أنه أكثر من مجرد وسيط للتوفيق بين كتل سياسية مختلفة، وإنما هو في مهمة طارئة لمنع ذهاب الحكومة لشخصية بعيدة عن طهران.

ودائما ما اقترن أسم “كوثراني” باسم “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس السابق في مهام متشابهة بالعراق، وشغل “كوثراني” الفراغ الذي تركه “سليماني” بعد مقتله في غارة أمريكية، وأصبح يدير مفاوضات الأحزاب السياسية للوصول إلى مرشح تسوية يتناسب مع الأزمة الحالية في البلاد، وتنصيبه رئيساً للوزراء لمرحلة موقتة، ويتكفل بإدارة ملف التظاهرات وترتيب الأجواء لحين موعد الانتخابات المبكرة، وهو الدور الذي كان يقوم به “سليماني”، وبدا أن “كوثراني” يدعم لـ”توفيق علاوي” بشكل كبير.

وكان “مصطفى الكاظمي” يحظى بدعم كبير من زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” و زعيم تيار الحكمة “عمار الحكيم” وزعيم ائتلاف النصر “حيدر العبادي” ومعظم الأحزاب السنية والكردية، لكنه واجه اعتراضا إيرانيا شديد، وقام “كوثراني” بدور كبير في تغيير موقف “الصدر” وفك التفاهم الشيعي السني الكردي بشأن دعم “الكاظمي” وبذلك خرج رئيس المخابرات من المعادلة وجرى الاتفاق على دعم “علاوي”.

ويعد الدور الذي لعبه “كوثراني” دليلاً على عودة الملف العراقي إلى سلطة “حزب الله” اللبناني مرة أخرى بعد مقتل “قاسم سليماني”، إذ تعود صلة حزب الله اللبناني بالملف العراقي للفترة ما بين عامي 2006 و 2008 وكانت تحت إدارة مباشرة من القيادي البارز “عماد مغنية”، وأنتقل الملف بعد مقتل “عماد مغنية” في انفجار سيارة مفخخة في دمشق عام 2008 إلى الحرس الثوري الإيراني، وعاد إلى حزب الله مرة أخرى عقب مقتل “قاسم سليماني” مطلع العام الجاري.

الحراك العراقي يرفض “علاوي”

عقب الاعلان عن تكليف “علاوي” بتشكيل الحكومة الجديدة، أصدر المعتصمون بساحة التحرير “مركز الاحتجاجات في بغداد” بيانًا طالبوا فيه المتظاهرون بالاستعداد إلى خطوات تصعيدية سلمية قادمة، ليعرف الاستئثار بالسلطة والتغاضي عن مطالب الشعب أصبح أمرًا من الماضي عقب الأول من أكتوبر 2019، ووصف المعتصمون في بيانهم إلى أن تكليف “علاوي” هو استهتار بمطالبهم وأن السلطة السياسية تصر على جر البلاد إلى المجهول، وأن المظاهرات الممتدة على مدار شهور لم تكن لأجل تغيير عبد المهدي بوزير سابق توافقت عليه الكتل.

ورفع المحتجون لافتات تحمل صورًا لـ”علاوي” كُتب عليها “مرفوض بأمر الشعب”، وذلك في سياق اصرار المحتجين على تشكيل حكومة مستقلة بعيدًا عن الأحزاب السياسية ولا تخضع لأية ارتباطات خارجية، وردد المحتجون، في ساحة التحرير شعارات تطالب القوى السياسية بالابتعاد عن ملف تشكيل الحكومة، والالتزام بما اتفقت عليه ساحات الاعتصام من مرشحين لتولي المنصب.

وفي محافظة “ذي قار” جاب المتظاهرون بمسيرات ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية، معلنين رفضهم لتولي “علاوي” رئاسة الحكومة، وفي محافظة “النجف” عبر مئات المتظاهرين في ساحة ثورة العشرين عن رفضهم تكليف “علاوي”، كونه وزيرا سابقا بحكومة “نوري المالكي”، المتهمة بسرقة وهدر مليارات الدولارات، وقام المتظاهرون بقطع طريق المطار والطريق الدولي الرابط بين “النجف” و”الديوانية”، وفي محافظة “ديالى” احتشد مئات المتظاهرين في مدينة بعقوبة (مركز المحافظة)، معلنين رفضهم للأمر ذاته.

وبينما صرح “مقتدى الصدر” بان الشعب العراقي هو من اختار رئيس الوزراء العراقي الجديد وليس الكتل السياسية، أقتحمت مجموعات من أفراد “القبعات الرزقاء” التابعة لميليشيا “سرايا السلام” التابعة للتيار الصدري بناية “المطعم التركي” قرب ساحة التحرير في وسط بغداد، وسيطروا على المنصة الرئيسية التي يتم منها اعلان البيانات ورددوا هتافات مؤيدة للصدر من المنصة، وأعلن المتظاهرون أن منصة ساحة التحرير “مختطفة” وأن البيانات الصادرة عنها لا تمثل المتظاهرين، خوفًا من تزوير بيانات باسم المظاهرات بالموافقة على الخطوات الأخيرة،  وسط أنباء عن وقوع أشتباكات بين مؤيدى الصدر والمتظاهرين في عدة مناطق أخرى.

هل يستقر العراق؟

على مستوى التظاهرات، بالرغم من الخطاب الجماهيري الذي ألقاه “علاوي” بعد تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة ومحاولة كسب الشارع الثائر، ومطالبته للمتظاهرين بالبقاء حتى محاسبة القتلة وعدم العودة حتى تتحقق المطالب، إلا أن المظاهرات التي أندلعت احتجاجًا على تكليفه برئاسة الوزراء، تشير إلى أن العراق لن يستقر قريبًا، إذ أنه من المتوقع أن تستمر المظاهرات بشكل أكبر لرفض المتظاهرون النظام السياسي القائم برمته وبكافة مكوناته، ومطالبتهم بالتغيير بشكل جذري والتأكيد على اختيار مرشح لمنصب رئيس الحكومة من خارج الأحزاب السياسية الحالية، وهو ما لم يتحقق حاليًا.

ومن المتوقع أن تزداد أعمال العنف بين المتظاهرين وقوى الأمن من جهة، وبين أنصار مقتدى الصدر من جهة أخرى، وذلك بعد أن دخلوا على خط الأزمة خلال الأيام الماضية ووقوع عدة أشتباكات وكان أخرها اقتحام المطعم التركي، وتصدي المتظاهرين لمحاولات فض التظاهرات الأسبوع الماضي، ودعوة مقتدى الصدر الجمعة الماضية لعودة أنصاره لساحات التظاهر بعد أن طالبهم بالانسحاب منها.

وعلى المستوى السياسي، فإن أمام “علاوي” شهر واحد لتشكيل حكومته، ويعقب ذلك تصويت على منح الثقة للحكومة في البرلمان، وعادة ما يُشكل مجلس الوزراء بتوافق بين المتنافسين السياسيين من الكتل والقوى السياسية بعد مفاوضات شاقة وطويلة على الحقائب الوزراية المؤثرة، وهو ما يضع عقبة كبرى خلال الثلاثون يومًا القادمة، إذ فشلت الكتل على مدار شهرين في التوافق على مرشح واحد، ولم تتوحد على “علاوي” إلا خوفًا من انتهاء المهلة التي منحها الرئيس “برهم صالح” للقوى، وهو ما يعني أن تلك القوى ستتصارع فيما بينها للحصول على مكاسب سياسية في الحكومة القادمة، وهو ما سيزيد من احتمالات فشل “علاوي” في تشكيل الحكومة، ويزيد من تعقيد المشهد السياسي برمته.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى