المراكز الأوروبية

استراتيجية موسكو في نزاعات الشرق الأوسط وشمال افريقيا (6-7) ..النهج الروسي مُتعدد الأبعاد للأزمة اليمنية

تقول الكاتبة “ليلى حمد” في مقال لها على “موقع الدراسات الإيطالية”، أنه على عكس موقفها في سوريا، فإن الموقف الروسي من باقي أزمات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يبدو موقفاً برجماتياً إلى حد كبير، إذ تحتفظ روسيا بإتصالات مع جميع الأطراف وتدعو للتوصل لحلول سلمية تأخذ مصلحة الجميع بعين الاعتبار. ومن خلال مما تتمتع به موسكو من نفوذ في الشرق الأوسط تسعي لأن تكون وسيط يعمل علي تسهيل وتشجيع الحوار بين جميع الجهات الفاعلة.

وفي هذا الصدد، ترى الكاتبة أن الأزمة اليمنية تُمثل فرصة لموسكو لحل النزاع الدائر منذ سنوات، إذ يبدو أن بعض حلفاء روسيا ما زالو يعانون من أجل التوصل لتسوية يمنية شاملة، أو الخروج من هذه الأزمة بصورة تحفظ لهم ماء الوجه.

وتضيف أن روسيا ليست جهة فاعلة جديدة في السيناريو اليمني، الذي يُجسد “عودة” موسكو إلى الشرق الأوسط. فقديماً كانت هناك اتفاقيات وُقًعت بين الجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية ذات التوجه الماركسي والاتحاد السوفيتي، تلك الاتفاقيات اتاحت للسوفييت ممارسة نفوذ كبير في المنطقة إضافة لتأمين مصالحهم في البحر الاحمر. 

ولقد أدت الأحداث التي وقعت في التسعينيات “تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي” إلى تخلي روسيا عن قواعدها في اليمن، وإلى فقدان نفوذها الجغرافي الاستراتيجي لصالح الولايات المتحدة. تلك الأحداث ربما تُمثل ولو جزئياً أحد الأهداف الرئيسية لروسيا في اليمن: ليس فقط لمواجهة النفوذ الغربي، ولكن لاستعادة قوتها العسكرية والجيوستراتيجية في البحر الأحمر.

وتضيف الكاتبة بأن الاستقرار في الخليج الفارسي أمر بالغ الأهمية لمصالح روسيا الاستراتيجية. إذ يلعب اليمن دورا في خطة روسيا فيما يتعلق برؤيتها لأمن الخليج، تلك الرؤية التي تتعارض مع المخطط الاستراتيجي للولايات المتحدة التي تسعي لتكوين “ناتو عربي” ضد النفوذ الإيراني.

وتقول الكاتبة أن موسكو تتحرك في اليمن وفقاً لاستراتيجية من ثلاثة مستويات: “محلية وإقليمية ودولية”. لا ترى موسكو أن الوضع في اليمن هو حرب إقليمية حقيقية، بل صراع محلي ذو أبعاد إقليمية مُتعددة:

  • على المستوى المحلي، تحتفظ روسيا باتصالات مكثفة مع جميع الجهات الفاعلة، باستثناء الجماعات الجهادية. كما يعتمد الحوثيون على روسيا باعتبارها الوسيط الوحيد القادرعلى الدفاع عن مصالحهم. وبينما تعترف روسيا بحكومة هادي الشرعية، فإن موسكو قلقة من الاعتماد الكبير للرئيس هادي على المملكة العربية السعودية. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع روسيا بعلاقات جيدة مع مجموعة واسعة من الفصائل الجنوبية، والتي يتماشى موقفها مع موقف موسكو في التأكيد على احترام السلامة الإقليمية لليمن. ذلك الموقف يُنظر إليه بإيجابية من قبل الممثلون الدوليون.
  • على المستوى الإقليمي، حققت روسيا توازنًا في الخليج: إذ عززت تحالفها مع إيران، وفي الوقت نفسه كانت لها علاقات ثنائية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وإذا ما نجحت جهود الوساطة الروسية في اليمن، فإن ذلك سيشكل فرصة جيدة للسعودية والإمارات للخروج بصورة تحفظ لهم ماء الوجه، بعد فشلهم في تحقيق نجاحات في اليمن.  

ومنذ العام 2015 حدث تحول تدريجي فيما يتعلق بالصراع في اليمن، إذ حدث تقارب بين السعودية وروسيا بشكل أساسي فيما يتعلق بموضوعات ذات اهتمام مشترك كالنفط ومكافحة الإرهاب، وكنتيجة لجهود موسكو لتأكيد موقفها المحايد تجاه ما سمي بـ “الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط”. كانت روسيا حريصة على عدم انتقاد دور الرياض في اليمن، لكنها أوضحت، في الوقت نفسه، أن عزم السعودية على اتباع المسار العسكري يأتي بنتائج عكسية. بعد ذلك بدأت العلاقات بين الإمارات وروسيا تتحول إلى تحالف من نوع ما في جنوب اليمن وخارجه، تمثلت في ترتيبات مُشتركة في دول مثل ليبيا وسوريا، والأهم من ذلك في القرن الأفريقي. ثم هناك شراكة بين روسيا وإيران، تم تقويتها خلال العقد الأول من القرن العشرين وتوطدت في سياستهم المُتقاربة في سوريا. على الرغم من أن دور إيران في حرب اليمن لا يزال غير واضح، إلا أن رفض روسيا للوقوف بشكل لا لبس فيه مع دول الخليج يبدو أنه ساهم، على الأقل حتى الآن، في توطيد العلاقات الثنائية.

  • علي المستوي الدولي، لعبت روسيا دورا كبيراً في ساحة الأمم المتحدة فيما يتعلق بالأوضاع في اليمن. كان قرار مجلس الأمن رقم 2216 أول اختبار وإعلان عن نوايا روسيا. إذ كان نص القرار قد حث الحوثيين على الانسحاب من جميع المناطق التي تم الاستيلاء عليها على الفور، وأعاد التأكيد على سلطة “حكومة اليمن الشرعية” لهادي. لكن موسكو امتنعت عن التصويت، قائلة إن النص “لا يتماشى تمامًا” مع شروط الحل السياسي. كما استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) مرات عديدة منذ ذلك الحين لتعديل القرارات والبيانات الرسمية للأمم المتحدة وعارضت أي محاولات لسحب القضية من إطار الأمم المتحدة.  

تقول الكاتبة أن موسكو تري أن الحل السياسي هو البديل الوحيد في اليمن. كما يُمثل السياق الحالي فرصة لموسكو ليس فقط لتعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية، ولكن أيضًا لإظهار رغبتها في أن تكون قوة إيجابية وفاعلة بشكل حاسم، تلعب دوراً في الاستقرار الإقليمي في المنطقة بشكل يعمل علي حل المشلات التي يُعاني منها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. علاوة على ذلك، فإن نجاح روسيا يمكن أن يضمن ليس لها فقط تحسين العلاقات مع جانبي الخليج الفارسي، ولكن يضمن لها أيضاً دوراً في عملية إعادة الإعمار في المرحلة القادمة.  

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى