إيران

لماذا ألغت إيران وحدة “شرطة الأخلاق” المثيرة للجدل داخليًا؟

في تحول لافت، أعلن رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، يوم 18 مارس 2025 إلغاء وحدة “شرطة الأخلاق” –أو ما تُعرف أيضًا باسم “شرطة الآداب” أو “شرطة الأمن الأخلاقي” في الداخل– وذلك بعد حوالي 20 عامًا من تدشينها بشكل رسمي. فقد تشكلت هذه الوحدة منتصف عام 2006، وحلت في الواقع محل تشكيلات أخرى كانت إما تابعة لـ “القوى الثورية” في بداية الثورة الإيرانية عام 1979 أو للحرس الثوري لاحقًا، ولكنها جميعًا كانت تؤدي الدور نفسه وهو تطبيق قوانين “الحجاب والعفة” المتمثل في إلزام النساء بارتداء “الحجاب الإجباري” الذي تقره السلطات.

وأثار إعلان “قاليباف” إلغاء هذه الوحدة تساؤلاتٍ كثيرة عن أسباب هذا القرار الإيراني ودلالاته في هذا التوقيت؛ ذلك لأنه لم يأتِ مباشرة بعد الاحتجاجات المناهضة لعمل هذه الوحدة والتي اندلعت في أواخر صيف عام 2022؛ بعد مقتل المواطنة الكردية الإيرانية مهسا أميني، بل جاء بعد ذلك التوقيت بأشهر طوال. وفي الوقت نفسه، يبعث هذا التحول اللافت بدلالات بعينها بشأن مستقبل ديناميكة وآلية الحكم في طهران التي دشنها رجال الدين قبل 46 عامًا.

تتعدد الأسباب التي دفعت الحكومة الإيرانية إلى إلغاء وحدة “شرطة الأخلاق” –”گشت ارشاد” كما تُعرف في الأدبيات الفارسية– وتتمثل فيما يلي:

  • التوتر المستمر في الشارع الإيراني بسبب استمرار عمل الوحدة:

كانت وحدة “شرطة الأخلاق” أحد أهم عوامل التوتر المستمر في الشارع الإيراني بين المواطنين المعارضين لها، خاصة من النساء، وقوات الأمن في البلاد. وقد تفاقمت مستويات هذا التوتر خلال السنوات الأخيرة، وبلغت ذروتها في سبتمبر 2022 مع اندلاع أكبر احتجاجات شهدتها الجمهورية الإسلامية في تاريخها منذ 1979 بعد مقتل الفتاة مهسا أميني على يد عناصر “شرطة الأخلاق”. فقد كان عمل هذه الوحدة السبب الرئيس في بدء هذه الاحتجاجات ومن ثم استمرار حالة الصدام ما بين المعارضين لها والحكومة حتى الآن.

بل ظهر جانب آخر من هذه النزاعات بين المواطنين أنفسهم من المؤيدين والمعارضين لعمل هذه الوحدة الشرطية ولقوانين الحجاب بوجه عام، وكان آخرها تلك الاعتصامات التي قامت بها مجموعات أصولية أمام البرلمان الإيراني خلال شهر مارس 2025 أعلنت فيها تأييدها لاستمرار قوانين “الحجاب والعفاف” وبدا أن هناك صدامًا عنيفًا يلوح في الأفق هذه المرة بين المواطنين أنفسهم.

وفي ظل هذه التوترات الداخلية المعنية والتهديدات الخارجية التي يواجهها النظام الإيراني فيما يخص احتمالية شن هجوم عسكري ضد منشآت البلاد النووية من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تدفعه إلى محاولة توحيد الصف الداخلي وإخماد أية احتمالية لاندلاع احتجاجات كبرى قد يرى النظام في طهران أن “الخصوم” قد يستغلونها في صراعهم معه؛ أقدمت الحكومة في طهران على قرار إلغاء “شرطة الأخلاق” في محاولة لخفض التوترات المجتمعية المحلية. 

  • تهدئة الشارع في ظل الأزمات الاقتصادية الأخيرة:   

يرتبط القرار الأخير للسلطات الإيرانية بإلغاء “شرطة الأخلاق” ارتباطًا وثيقًا بطبيعة تطورات الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الداخل الإيراني في الوقت الراهن، سواء ما يتعلق بالتضخم أو البطالة. ومع ذلك، فإنه يُعتقد بشدة أن أحد دوافع إلغاء تلك الوحدة هو الانهيار التاريخي للعملة الإيرانية (الريال) أمام الدولار الأمريكي خلال شهر مارس 2025، حيث تخطى الدولار حاجز المليون ريال إيراني في سابقة لم تحدث في تاريخ البلاد. وأثارت هذه التطورات جدلًا كبيرًا بين المواطنين في الداخل والخارج أيضًا وقلقًا بشأن مستقبل اقتصاد البلاد وحالتهم المعيشية، ما شجع الحكومة على اتخاذ خطوة من شأنها تهدئة الشارع.

  • عدم فاعلية عمل الوحدة في ظل انتشار حالة “خلع الحجاب” في الشارع الإيراني:

على الرغم من توسع أنشطتها وفعالياتها في الداخل الإيراني وقبضتها الأمنية خلال السنوات الماضية فإن وحدة “شرطة الأخلاق” لم تستطع إنفاذ قوانين “الحجاب والعفاف” في إيران سواء بالشكل الذي تريده أو غيره. فقد تزايدت وتيرة خلع الحجاب في إيران خلال الأعوام الأخيرة بشكل متسارع للغاية، وبات من الطبيعي والمعتاد عدم ارتداء الكثير من النساء في شوارع إيران، سواء العاصمة أو الأقاليم الأخرى، للحجاب في الشوارع. وبرز هذا التحول بشكل أكبر بعد احتجاجات مهسا أميني في عام 2022. وعليه، يصبح استمرار هذه الوحدة أمرًا ليس في صالح النظام والاستقرار مع خلقها لحالة توتر عالية مع الكثير من المواطنين خلال السنوات الماضية وتسببها أيضًا في اندلاع أكبر الاحتجاجات في تاريخ الجمهورية الإيرانية حتى الآن. 

  • استحداث إجراءات ومجموعات عمل أخرى:

جاء إلغاء وحدة “شرطة الأخلاق” في إطار سعي الحكومة في طهران إلى إجراء تعديلات جديدة في القوانين الخاصة بفرض الحجاب بالبلاد. فقد بدا أمام السلطات الإيرانية أن إلغاءها في إطار المنظومة الجديدة الجاري دراستها قانونيًا في البلاد لفرضها في وقت لاحق سيكون مجديًا؛ نظرًا لسجل نزاعات هذه الوحدة مع المواطنين وعدم قبول كثيرين منهم لها، ما يعني أنه قد يتم استحداث وحدة أو مجموعة أخرى في المستقبل محلها.

لذا، فإن إلغاءها يُعد مقدمة “جيدة” من وجهة نظر القائمين على الأمر في طهران لإحداث تعديلات في منظومة فرض الحجاب الإجباري في إيران تضمن في النهاية إنفاذ تلك القوانين، في ظل اعتبار النظام الإيراني لهذه المسألة بأنها إحدى مقومات استمراره، وأن الانقلاب الشعبي على هذه القوانين وترك الحجاب بشكل موسع وكامل من جانب النساء في البلاد يمكن أن يشكل بداية لانهيار النظام نفسه لاحقًا.

وإذا قلنا إن الحجاب الإجباري تعتبره الجمهورية الإسلامية في طهران إحدى القواعد الإيديولوجية التي يقوم عليها استمرارها، فإن إلغاء هذه الوحدة إذًا يمثل حالة “ضعف” وإقرارًا بالفشل الجزئي على الأقل في تطبيق قوانين الحجاب في الداخل.

أوضحت التغريدة التي نشرها رئيس البرلمان الإيراني “قاليباف” يوم 18 مارس 2025 على موقع “اكس” فيما يتعلق بالإعلان عن إلغاء “شرطة الأخلاق” أنه “لا يوجد فراغ قانوني” فيما يخص قوانين الحجاب. فقد قال “قاليباف” إن “الحجاب كانت تحكمه قوانين قبل الموافقة على القانون الحالي، لذا ليس هناك فراغ قانوني في هذا الصدد. وعليه، كان من المقرر أن يأتي قانون ينظر في جوانبه الإيجابية والسلبية. لذا، ففي القانون الحالي، تم إلغاء دوريات شرطة الأخلاق بشكل كامل”.

وعليه، يعني هذا أن قوانين الحجاب مستمرة في إيران ولا يزال الحجاب إجباريًا في البلاد وأن ما جرى هو طرح تعديلات في هذه القوانين، حيث تحكم هذه المسألة مجموعة قوانين كبيرة تريد الحكومة في الواقع إحداث تغييرات بها؛ بالنظر إلى التحولات المجتمعية الأخيرة، وهي تغييرات يلعب بها رجال الدين والمتشددون دورًا واضحًا بات النظام الإيراني نفسه يخشى من الاستماع إليهم وإثارة الرأي العام والشارع المحلي في إيران، خاصة في ظل تلك الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية التي تمر بها إيران، ليس فقط في الداخل بل وما يتعلق بها في الإقليم وعلى المستوى الدولي أيضًا.

ومن المتوقع إذًا أن يحل محل “شرطة الأخلاق” وحدات أمنية أخرى مشابهة بعد فترة من الزمن يُرجح أن تبدأ مع تسوية طهران لأزمة ملفها النووي مع الولايات المتحدة وتيقنها من عدم إقدام الغرب وإسرائيل على مهاجمتها عسكريًا وإقلاع من تسميهم الجمهورية الإسلامية “الخصوم” عن فكرة “إثارة الداخل ضد النظام”. كما أنه من الجدير الإشارة إلى أن هناك وحدات شرطية وأمنية وشبه عسكرية أخرى مسؤولة في الوقت الراهن –بشكل مختلف وأقل تفاوتًا عن “شرطة الأخلاق”– عن ضمان تطبيق قوانين الحجاب في إيران بعد إلغاء دوريات “شرطة الأخلاق”.

لذا، فإن إلغاء تلك الوحدة الشرطية لا يعني بأي حال من الأحوال إلغاء الحجاب الإجباري في إيران، بل قد نشهد خلال الفترة المقبلة إصدار قوانين أكثر حزمًا في هذا الصدد، وهو ما تشير إليه وقائع جلسات البرلمان الإيراني مؤخرًا.

  1. سیر تا پیاز تحصن سوپرانقلابی‌ها مقابل مجلس/ثمره ۴۸ روز تحصن مقابل مجلس چه بود؟”، موقع “تابناك” الإيراني الناطق بالفارسية، 29 مارس 2025.      

https://2u.pw/x0Zu9

  1. اعلام جدیدترین آمار بی‌حجابی در ایران + جزئیات”، موقع صحيفة “همشهري” الإيرانية الناطقة بالفارسية، 17 فبراير 2024.   

https://2u.pw/XA7FH

  1. قالیباف: گشت ارشاد به طور کامل حذف شده”، موقع “عصر ايران” التحليلي الناطق بالفارسية، 18 مارس 2025.   

https://2u.pw/9NEx5

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى