
كيف تؤثر انتخابات الولايات الست في ماليزيا على حكومة أنور إبراهيم؟
تعقد ست ولايات من أصل 13 ولاية في ماليزيا انتخابات مجالسها التشريعية في 12 أغسطس 2023 وفقًا لإعلان مفوضية الانتخابات يوم الأربعاء الخامس من يوليو 2023. لم تعقد الولايات الست (كيلانتان، وترينجانو، وكيداه، وبينانج، وسيلانجور، ونيجيري سمبيلان) انتخابات الولاية بالتزامن مع الانتخابات العامة الخامسة عشرة التي أجريت مبكرًا في 19 نوفمبر من العام الماضي، وبدلًا من ذلك، قامت الولايات الست بحل مجالسها التشريعية في يونيو 2023 في الموعد الطبيعي. وعليه، كيف يمكن أن تؤثر نتائج هذه الانتخابات على المشهد السياسي الحالي في ماليزيا؟
المشهد السياسي في ماليزيا
المعارضة السياسية: تتسم ماليزيا بالتعددية الحزبية، وبها العديد من التحالفات ومن ضمنها تحالف الأمل الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الحالي أنور إبراهيم الذي استطاع التحالف مع تحالف الجبهة الوطنية الذي يضم حزب “أمنو” لتشكيل الحكومة الحالية، في مواجهة التحالف الوطني الذي يضم “الحزب الإسلامي الماليزي”، وهي أهم ثلاثة تحالفات في البلاد.
يأتي الحزب الإسلامي الماليزي في معارضة شديدة للتعاون القائم بين تحالف الأمل وتحالف الجبهة الوطنية، غير خافٍ طموحه في الإطاحة بأنور إبراهيم من خلال الحصول على الدعم من المشرعين الحكوميين. يلعب هذا الحزب على أسس عرقية ودينية لا سياسية، حيث يهدف إلى إنشاء دولة ثيوقراطية ويصعد الخطاب الديني والعنصري لتوسيع نفوذه. وعليه، يستطيع هذا الحزب جذب “الملايو” وهم أكبر مجموعة عرقية في ماليزيا، ما يشكل خطرًا كبيرًا على أنور إبراهيم.
الخلاف داخل التحالف الحاكم: على الرغم من المنافسة الطويلة بين الجبهة الوطنية وتحالف الأمل منذ عقود، استطاع أنور ابراهيم الحصول على الأغلبية في الانتخابات العامة السابقة، عبر التحالف مع “أمنو” والذي بموجبه تم تعيين أحمد زاهد رئيس الحزب في منصب نائب رئيس الوزراء. حقق هذا التحالف ارتباطًا بين تحالف الأمل والجبهة الوطنية، وهو ما لم يكن واردًا في السياسة الماليزية بسبب التنافس الطويل بين الحزبين، وشكل حالة من عدم اليقين بخصوص مدى ترحيب أنصار تحالف الأمل وتحالف الجبهة الوطنية لمثل هذا التعاون. ويظهر استياء متزايد بين بعض أعضاء “أمنو” من قيادة أنور كرئيس للوزراء، ما قد يدفعهم إلى تصويت حزبي داخلي لسحب دعمهم له، والذي قد يتسبب في تغيير في القيادة داخل الحكومة والتأثير على المشهد السياسي الداخلي.
الدعم الشعبي: منذ وصول أنور إبراهيم إلى السلطة، حاول التركيز على إدخال إصلاحات اقتصادية ومؤسسية مصرحًا أن أولويته القصوى هي تحسين مستويات المعيشة للمواطنين. وعليه، استطاع الحفاظ على معدلات التضخم ثابتة عند 3.3% مقارنة بالعام الماضي، بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن تقل إلى 2.8%. وعلى الرغم من عدم تخطي النمو الاقتصادي معدل النمو للعام الماضي وهو 8.7% وخاصة الربع الأخير من عام 2022 بمعدل 7.1%، كان هناك نمو اقتصادي في الربع الأول من عام 2023 بمعدل 5.6%. كذلك انخفض معدل البطالة انخفاضًا بسيطًا إلى 3.5% في مايو 2023 بعد أن كان 3.9% في نفس الشهر قبل عام. ولكن، تراجعت العملة الوطنية “الرينجت” بحيث يتم تداولها بالقرب من أدنى مستوى لها في سبعة أشهر وفقدت ما يقرب من 6٪ من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي هذا العام، بنسب تراجع أكثر من الدول المناظرة في جنوب شرق آسيا.
وعلى العكس من ذلك، يفقد أنور إبراهيم ثقة الملايو المحافظين الذين اعتبروه ليبراليًا واختاروا – في الانتخابات العامة السابقة – كتلة التحالف الوطني اليميني، ما تسبب في عدم حصوله على الأغلبية المطلقة. ويأتي هذا التوتر في إطار مخاوف الملايو من احتمالية تهديد أنور إبراهيم لهويتهم الدينية الإسلامية وامتيازاتهم الاقتصادية وهو ما يفسر تأييدهم للحزب الإسلامي الماليزي. بالإضافة إلى معارضتهم لتعيين أحمد زاهد نائبًا لأنور إبراهيم، بسبب إدانته في قضايا فساد تعود لفترة حكم نجيب رزاق، وحكم عليه بالسجن لمدة اثني عشر عامًا. ليس هذا وحسب، بل أيضًا تعيين نور العزة كمستشار اقتصادي لوالدها أثار بعض المعارضات.
انقسام بين الولايات
تشهد هذه الانتخابات منافسة شديدة بين تعاون تحالف الأمل وتحالف الجبهة الوطنية ضد التحالف الوطني. ويظهر هذا في انقسام الست ولايات إلى قسمين، الأول، ويضم ولايات (كيداه – وكيلانتان – وترينجانو) التي تؤيد التحالف الوطني، والثاني، ويضم ولايات (بينانج – وسيلانجور- ونيجيري سمبيلان) والتي تؤيد تحالف الأمل. وظهر هذا الانقسام خاصة في نتائج الانتخابات العامة التي أجريت في نوفمبر الماضي، إذ اختارت ولايات (كيداه- وكيلانتان – وترينجانو) التحالف الوطني وفوزه بالانتخابات بنجاح كبير. ويعود هذا الدعم الكامل للتحالف إلى تمتع الولايات الثلاث بعدد كبير من الملايو المؤيدين للحزب الإسلامي الماليزي بنسب 77.7%، 95%، و96.7% على التوالي، ما قد يؤثر بدوره على قرارهم بشأن الانتخابات القادمة ويسهم في استمرارهم في دعم التحالف الوطني.
على الرغم من دعم ثلاث ولايات للحزب الإسلامي الماليزي، إلا أنهم يواجهون انقسامات داخلية خاصةً في كيداه وترينجانو، ما قد يسهل استعادة تحالف الأمل لهذه الولايات. ففي ولاية كيداه، ليس كل الأعضاء من مؤيدي محمد سنوسي، المرشح الأساسي للحزب، بسبب استخدامه المستمر لخطاب الكراهية في إثارة الانقسام داخل الحزب. وهو ما أثار بعض الشائعات بأنه قد لا يتم اختياره كمرشح أساسي للحزب في الانتخابات المقبلة للولاية. ولكن، نظم أنصاره حدثًا لإظهار تضامنهم معه. وفي ولاية ترينجانو، هناك انقسام داخلي بين من يدعم المهنيون من الطبقة العاملة المؤيدين لأحمد سامسوري مختار نائب رئيس الحزب، وبين الناخبين الأكثر تدينًا الذين سيدعمون المعلمين الإسلاميين أو الزعماء الدينيين المحليين.
سيناريوهات الانتخابات
فوز تحالف الأمل: من الممكن أن يستطيع تحالف أنور إبراهيم تحقيق فوز كبير بين الولايات، حيث إن مساهمته الاقتصادية من الممكن أن تشفع له بين غير المؤيدين له، وتحافظ على معدلات الدعم التي يتمتع بها في ولايات (بينانج – وسيلانجور- ونيجيري سمبيلان). وقد يساهم الانقسام في ولايتي كيداه وترينجانو في زيادة فرصة حزبه على الفوز، خاصةً في ولاية ترينجانو حيث لا يمثل أمر مثل نزاهة قادة “أمنو” قضية شائكة، على عكس كيداه وكيلانتان. وعليه، سيؤثر هذا الفوز على التفكير داخل “أمنو” بالمزايا الاستراتيجية للعمل مع تحالف الأمل في الانتخابات المقبلة، بعد أن كانوا في حالة من الاستياء من أنور إبراهيم. بالإضافة إلى ذلك، سيؤثر على ثقة العامة في قادة المنظمة ونائب رئيس الوزراء الذي واجه معارضات شعبية لانخراطه في أعمال فساد سابقة. هذا وسيتمكن تحالف الأمل من معرفة إذا كان بإمكانه زيادة حصته من دعم الملايو من خلال العمل مع “أمنو” في هذه الانتخابات، وذلك لأنه قد يكون بعض ناخبي الملايو تجنبوا “أمنو” بسبب قضايا فساد أحمد زاهد. ومن الناحية الاقتصادية، سيمنحه الفوز مساحة أكبر لإدخال الإصلاحات الاقتصادية أكثر جوهرية بعد الانتخابات.
فوز التحالف الوطني: من الممكن أن يستطيع التحالف الوطني الفوز بخمس أو جميع حكومات الولايات الست، فتصبح الحكومة الفيدرالية مهتزة وهذا لوجود عدد غير بقليل من الملايو في بينانج، وسيلانجور، ونيجيري سمبيلان بنسب 39.4%، و53.9% و57.6% على التوالي. وعليه، قد يميل العديد من نواب الملايو إلى تغيير دعمهم، مما قد يؤدي بدوره إلى إسقاط حكومة أنور إبراهيم. وعليه، إذا خسرتحالف الأمل انتخابات الولاية، فقد تضعف المكانة السياسية لأنور إبراهيم وتقلل من فرصه في أن يصبح رئيس الوزراء القادم نظرًا لأنه زعيم التحالف والمسؤول عن أدائه. كذلك يمكن أن تؤدي إلى تحديات داخلية داخل التحالف وتضعف قوته الإجمالية، ما قد يعيد عدم الاستقرار السياسي الذي تسبب في تغيير أربعة رؤساء للحكومة منذ عام 2018 وحتى الآن، والذي قد يتسبب بدوره في الدعوة إلى انتخابات مبكرة أخرى تزيح أنور ابراهيم من السلطة، بعد أن وصل إليها بانتخابات وطنية انقسامية عن كثب في نوفمبر الماضي.
استمرار الوضع الراهن: من الممكن أن يستمر الوضع الراهن على ما هو عليه خاصةً وأن معظم مقاعد الولايات الثلاث كيداه، وكيلانتان، وترينجانو بها أغلبية قوية من سكان الملايو، بالإضافة إلى غالبية الناخبين المسلمين في ولاية كيلانتان. وعليه، قد لن تؤثر انتخابات الولاية على وضع رئيس الوزراء والأحزاب الحاكمة، حيث حصلت حكومة الوحدة الحالية في ماليزيا على أغلبية الثلثين في البرلمان. ولكن، سيظل هذا الانقسام مقياسًا لمشاعر الناخبين تجاه الأحزاب الحاكمة، وتؤثر بشكل غير مباشر على كيفية عمل الأحزاب داخل الائتلاف الحاكم معًا في الحكومة الفيدرالية.
ختامًا، بعد أقل من عام على توليه منصبه، يواجه رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، أول اختبار حاسم في انتخابات الولاية الشهر المقبل يضع حكومته في مواجهة معارضة إسلامية قوية. وتتمثل مشكلات تحالف الأمل في الفساد الشائع في حزب “أمنو” ومخاوف مسلمي الملايو، لذلك سيتعين عليه أن يكسب ثقة الملايو لضمان استقرار حكومته كونهم مجتمع الأغلبية في ماليزيا. وتكمن فرصته الأكبر في أن يكسب ولاية ترينجانو المتأرجحة التي يتجه الناخبون فيها إلى تأييد الحكومة بشكل كامل أو رفضها بشكل مطلق، وذلك من خلال تعاونه مع تحالف الجبهة الوطنية، وتجميع الموارد، والنظر مرة أخرى إلى تصويت الشباب، مما يمكنهم من السيطرة على التحالف الوطني في الانتخابات القادمة.
باحثة بالمرصد المصري