مقالات رأي

القواسم المشتركة بين ثورتي يوليو ويونيو

في مسيرة إنعاش الذاكرة الوطنية، تحتفل مصر شعبًا وجيشًا في تلك الأيام بذكرى ثورتين وطنيتين، هما: ثورة 30 يونيو2013، وثورة 23 يوليو1952، بفاصل زمني حقيقي لستة عقود (61) عامًا، وبفاصل تتالى زمني للذكرى لقرابة ثلاثة أسابيع (23) يومًا فقط، مما يزيد من الإحساس الوطني والقومي. وزاد عليهما هذا العام الإحساس الروحي بين التاريخين، متمثلًا في توقيت مناسك الحج الأعظم ورأس العام الهجري 1445 أعاده الله على مصر والأمة الإسلامية والعالم أجمع بالخير والبركة والتحرر والاتحاد والسلام.

كان القاسم المشترك الرئيس بين الثورتين هو حتمية قيامهما لإنهاء مرحلة الاستعمار والاحتلال المادي والعسكري أو الفكري، حيث تراجعت معه مكانة الدولة الوطنية المصرية التي تبوأت تلك المكانة كدولة مركزية منذ فجر التاريخ. وكان أهم القواسم المشتركة بين الثورتين كذلك هو الإرادة الوطنية المتكاملة بين الشعب وجيشه؛ فثورة 23 يوليو قام بها الجيش وأيدها الشعب، أما ثورة 30 يونيو فقام بها الشعب وحماها الجيش الذي هو جيش الشعب.

أما عن حتمية قيام ثورة يوليو 1952، فيجب أن نعود إلى الوراء قليلًا، حيث يتراكم التاريخ حين مثلت تلك الثورة الحلقة الأخيرة من سلسلة الكفاح الوطني (مصطفى كامل ومحمد فريد كمثال) لنيل الاستقلال وإجلاء بريطانيا وجيشها الذي احتل مصر منذ عام 1882، ليكون هذا التاريخ فاصلًا في تقييم حكم أسرة محمد علي؛ فقبل هذا التاريخ ومنذ 1805 أبلت الأسرة بلاءً حسنًا في بناء مصر الحديثة في كل المجالات: الزراعية، والصناعية، والعسكرية، والثقافية، والإبداعية، وكذلك تم حفر قناة السويس.

بعد هذا التاريخ، جلب الخديوي توفيق الجيش البريطاني لحمايته، فزاد نفوذه تدريجيًا ليسيطر المندوب السامي البريطاني على القصر، وبالتالي على مصر ليكونا في كفة مقابل شعب وجيش مصر في الكفة الأخرى. وكان الجيش مُقَلًم الأظافر خاصة بعد إجهاض ثورة عرابي ونفيه للخارج، ثم ثورة 1919 ونفي قائدها سعد زغلول إلى الخارج أيضًا. وكان الاستثناء الوطني في تلك الفترة من الأسرة العلوية هو الخديوي عباس حلمي الثاني (1892-1914) حيث عزله الإنجليز؛ نظرًا لرفضه الاحتلال البريطاني للسودان 1899.

ولامتصاص غضب الشارع المصري الذي كان يهتف (الاستقلال التام أو الموت الزؤام)، قدمت بريطانيا من جانب واحد (ورقة استقلال مصر) دون أي تغيير، فكانت بمثابة ورقة لا تسمن ولا تغنى من جوع. وكان أقصى ما حققته الحكومة المصرية مع المحتل البريطاني هو معاهدة عام 1936 التي بموجبها تم تجميع الجيش البريطاني من ربوع مصر إلى منطقة قناة السويس (بور سعيد- الإسماعيلية- السويس- التل الكبير) لحماية القناة -إذ كانت بريطانيا هي أكبر مستثمريها- حيث انتهى ذلك بالجلاء في مايو 1956، ثم اشتراك بريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر من نفس العام.

على الجانب القومي العربي، كانت مأساة فلسطين تتفاقم تحت غطاء الانتداب البريطاني المتواطئ؛ فهي صاحبة وعد بلفور 1917 والهجرة المسلحة الى فلسطين (بجواز سفر فلسطيني كمهاجر) كمكافأة للفيلق اليهودي الذى شارك الحلفاء الانتصار في الحرب العالمية الثانية 1939-1945، ليختل ميزان القوى لمصلحة اليهود ضد العرب، وتطلب بريطانيا تقسيم فلسطين بينهما لعدم قدرتها على السيطرة، لتصوت الأمم المتحدة الوليدة (57 دولة) بالثلثين بالقرار 181 نوفمبر 1947 الذى أعطى لليهود أكثر من نصف فلسطين بقليل (يلاحظ التنفيذ الفوري، بينما ما هو لمصلحة فلسطين والقدس لم ينفذ حتى الآن).

أعقب ذلك هجمات الفدائيين من الدول المحيطة بفلسطين، خاصة مصر التي كانت تدبر السلاح بالهجمات على معسكرات الإنجليز في منطقة قناة السويس، لينتهي الانتداب البريطاني ويعلن قيام إسرائيل في 15 مايو 1948 لتبدأ أول حرب عربية إسرائيلية (مصر- لبنان- الأردن- سوريا- العراق- السعودية) تحت قيادة ملك الأردن ومستشاره العسكري البريطاني الجنرال جلوب!! دون إعداد أو تنسيق، لتنتهي الحرب بهزيمة العرب. وقد حوصرت قوة مصرية في (الفالوجا) وكان نائب قائدها الرائد جمال عبد الناصر الذي شكًل وقاد خلايا الضباط الأحرار الذين كانوا حانقين على القيادة المصرية العسكرية والسياسية.

تدهور الموقف بهجوم القوات البريطانية على قسم شرطة الإسماعيلية في 25 يناير1952وقتل من فيه بدعوى إيواء الفدائيين، وأعقب ذلك حريق القاهرة وقتل مصريين وأجانب. وفشلت الحكومة والقصر، وعمت الفوضى؛ فحانت حتمية قيام ثورة 23 يوليو 1952 بواسطة الجيش المصري بقيادة الضباط الأحرار، حيث لاقت تأييدًا شعبيًا عارمًا ضد الإنجليز والقصر. لتنجح الثورة في إجلاء الإنجليز وإبعاد الملك، وإعادة استقلال السودان، واستكمال بناء مصر الحديثة في جميع المجالات ضمن مبادئ الثورة الستة التي حفظناها، ونحن في المرحلة الابتدائية إبان الثورة.. فكل عام وشعب وجيش مصر بكل خير.

نقلًا عن جريدة الأهرام

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى