
انتخابات ليبيريا 2023: الحاجة إلى تجنب سياسة الانقسام للمرور الآمن لانتخابات سلمية
في غضون سبعة أشهر فقط من الآن، سيتوجه الليبيريون إلى صناديق الاقتراع في 10 أكتوبر 2023 لانتخاب رئيس ونائب الرئيس ومشرعين جدد. لكن المشهد السياسي المحلي يعاني بالفعل من خلافات شديدة قبل الانتخابات، وسياسة حادة وتعصب وما يمكن أن يطلق عليه مكايدات انتخابية. وهناك أيضًا محاولات ملحوظة لتقويض نزاهة الانتخابات القادمة من قبل المعارضة التي قالت إن الانتخابات مزورة قبل عقدها، بل إن البعض ذهب إلى حد تحميل الرئيس الحالي ميراث أسلافه في انتخابات عامي 1985 و1997.
لكن هناك العديد من الأسئلة التي يجب طرحها للتعامل مع ملف الانتخابات الليبيرية أهمها مناقشة الإجراءات المتطرفة للتنبؤ بأحداث العنف في ليبيريا نتاج الانتخابات التي يُحتمل تزويرها مستقبلا؟ وماذا سيحدث إذا فازت المعارضة التي تزعم تزوير الانتخابات؟ وهل يجب على الليبيريين الاستعداد لحرب أهلية أخرى مثلما حدث في أعقاب انتخابات 1985 و1997؟ ألا توجد حتى الآن دروس مستفادة حول الديمقراطية الانتخابية في ليبيريا منذ أول انتخابات متعددة الأحزاب عام 1985؟ في حالة انتخابات 2023 في ليبيريا، يجب على الليبيريين مقاومة الموجات الحالية من التلاعب السياسي وتشويه الحقائق والمعلومات كتكتيكات انتخابية مشروعة.
انتخابات 1985
لا تختلف الظروف السياسية المحيطة بانتخابات عام 2023 تمامًا عن انتخابات عام 1985. ففي عام 1985، واجهت ليبيريا منعطفًا سياسيًا خطيرًا فيما يتعلق بقدرتها على إجراء انتخابات وطنية حرة ونزيهة وشفافة بعد 133 عامًا من حكم الحزب الواحد من 1878 إلى 1980 وما يقرب من خمس سنوات من الحكم العسكري من 1980 إلى 1984.
كانت هناك مؤشرات واضحة للغاية من الصراع السياسي والمنافسة في انتخابات 1985، بين أصحاب النفوذ القدامى كحزب TWP (حزب الصحيح اليمين الحاكم سابقًا) وPRC (مجلس إنقاذ الشعب الحاكم)؛ تمامًا مثلما هو الحال اليوم بين الحزب الحاكم CDC (الائتلاف من أجل التغيير الديمقراطي) والمعارضة UP (حزب الوحدة)، وLP (حزب الحرية)، وANC (المؤتمر الوطني البديل) إلخ. حيث رأى الحزب الحاكم اليميني وأنصاره أن الانتخابات ما هي إلا فرصة للاحتفاظ بسلطة الدولة؛ فاللعبة السياسية لم تخرج عن كونها “لعبة صفرية”، وأصبح الشعب الليبيري غير راغب في استمرار هذه الألعاب السياسية.
عام 1985، كانت هناك محاولات عدة من قبل قدامى السياسيين لتشويه السياسيين الجدد محليًا ودوليًا باعتبار أنهم غير متعلمين، وعديمي الخبرة، وبلا رؤية، وسيئ السلوك، وغير لائقين تمامًا لمنصب رئاسة ليبيريا. بعد فترة وجيزة بعد انقلاب 1980 ولكن ليس قبل انتخابات عام 1985 بوقت قصير، انضمت طبقة المثقفين التقليديين (الصحفيين ورجال الدين) لمعسكر أصحاب النفوذ القدامى من خلال القيام بحملة متواصلة من الاعتداءات والاستفزازات والانتقادات المرشحين الجدد، لا تختلف المستويات الحالية للشك والعداء التي تدعم الأنشطة التي تسبق انتخابات 2023 تمامًا عن السيناريوهات السياسية لعام 1985.
كذلك نجح الحزب الحاكم عام 1985؛ في حملته لعزل ونبذ كل من يعارضه حتى قررت الطبقة المضطهدة من الشباب وفئات الشعب؛ الاصطفاف مع اللاعبين السياسيين الجدد. لكن لم يكن لهذه الطبقة أبدًا تطور فكري أو تراكم للثروة أو استقلال عن الطبقة المثقفة وأصحاب النفوذ القدامى، لكن كان مصدر قوتهم الاعتماد على قاعدة ضخمة من الناخبين. ومن ثم، رأت السلطة هذا الانحياز غير مقبول وخطر على تحقيق هدفهم في استعادة سلطة الدولة، لذلك كان لا بد من اتخاذ إجراءات سريعة لتثبيط وتفكيك مثل هذا التعاون، وبلغت هذه الإجراءات السريعة ذروتها في سلسلة من الأنشطة السرية استمرت طوال الثمانينيات، قبل وبعد انتخابات عام 1985، والتي أسفرت عن سلسلة من المحاولات الانقلابية، وتحريض العامة، وفي النهاية الحرب الأهلية التي استمرت 14 عامًا من 1989 إلى 2003.
تاريخيًا، بدأت الأزمات السياسية في اجتياح ليبيريا بنشر منشورات ومقالات صحفية في جميع أنحاء ليبيريا، بشأن وقائع الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان وقمع حرية الصحافة، وتهريب الأسلحة والذخائر والمخدرات؛ لكن لم تتصرف الحكومة بشفافية. ثم جاء يوم الانتخابات في 15 أكتوبر 1985، عندما أعلنت الأحزاب السياسية الأربعة المشاركة في السباق الرئاسي وكأن السباق التشريعي غير مهم. وأدى تقاعس الحكومة عام 1985 واكتشافات الأسلحة ومحاولات الانقلاب الفاشلة والتلاعب الانتخابي؛ إلى تصعيد التوترات السياسية التي كانت تختمر بالفعل في ضوء انتخابات عام 1985، وكانت النتيجة النهائية أن الحكومة فقدت مصداقيتها.
النظام السياسي الليبيري
يتميز النظام السياسي الليبيري بكونه نظامًا رئاسيًا مكونًا من مجلسين (مجلس الشيوخ الليبيري مكون 30 مقعدًا، ويتم انتخاب الأعضاء مباشرة في 15 دائرة مكونة من مقعدين عن طريق التصويت بالأغلبية البسيطة، وتتم الانتخابات كل 9 سنوات). ومعه مجلس النواب (مكون من 73 مقعدًا؛ الأعضاء المنتخبون مباشرة في دوائر ذات مقعد واحد، عن طريق تصويت الأغلبية البسيطة للخدمة لفترات مدتها 6 سنوات؛ مؤهلون لولاية ثانية). عٌقدت انتخابات النواب آخر مرة في 10 أكتوبر 2017 والتي ستعاد في أكتوبر 2023).
أما الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات فهي 14 حزبًا سياسيًا. أشهرهم حزب الكونغرس من أجل التغيير الديمقراطي CDC وهو الحزب الحاكم، وحزب المؤتمر الوطني البديل ANC، وحزب الحرية LP، وحزب الوحدة UP.
ما قبل انتخابات 2013
يواجه الليبيريون هذه الظروف مرة أخرى مع تفاقم التوترات الحالية في الفترة التي تسبق انتخابات أكتوبر. فمثلما حدث عام 1985، يتم إلقاء التهم على القيادة الحالية من كل اتجاه، بينما ظل أصحاب الرؤية في المعسكرات المتعارضة غير مدركين لأفضل اتجاهًا ينبغي أن تتخذه ليبيريا، لتحفيز تنمية رأس المال البشري الوطني والنمو الاجتماعي والاقتصادي.
هذه الإشارات والتكتيكات السياسية المستخدمة قبل انتخابات عام 1985 وأثنائها وبعدها، تزحف تدريجيًا على الانتخابات الليبيرية بينما تستعد البلاد لانتخابات 2023، فبدأت الصحف والبرامج الحوارية الإذاعية ومنصات التواصل الاجتماعي، في نشر تقارير سلبية عن الحكومة ورئيسها؛ فيما ظلت الحكومة صامتة. وتم اكتشاف أسلحة وذخائر منتشرة في جميع أنحاء ليبيريا إلى جانب عمليات ضبط كميات ضخمة من مخدرات، لكن الحكومة لا تزل صامتة بشأن هذه القضايا، فضلاً عن أن التوترات السياسية تختمر كل يوم بين القيادة الحالية والخصوم السياسيين.
في (ديسمبر) 2022، تجنبت ليبيريا انقلابًا محتملًا بسبب أن رئيس أركان الجيش الليبيري رفض التصرف بشكل إيجابي بعد أن “تلقى رسائل نصية متعددة من أشخاص في الداخل والخارج، يطلبون منه القيام بانقلاب ضد الرئيس جورج مانه وياه. وبعد شهر في (يناير) 2023، اكتشف ضباط الأمن الليبيريون شحنات من الأسلحة والذخائر غير المشروعة والمخدرات تقدر بالملايين في الميناء البحري الوطني الرئيسي ومنزل خاص في مونروفيا. ورفعت هذه الاكتشافات مستويات التهديد في ليبيريا من مجرد تخمين إلى خطر حقيقي، وأحد الأسباب الرئيسة لهذه النتائج هو أنه منذ نجاحات انقلاب 1980 والغزو العسكري عام 1989، يعتقد العديد من الليبيريين الآن أن أقصر طريق للوصول إلى سلطة الدولة في ليبيريا يكون من خلال التمرد المسلح وليس من خلال الصندوق. ومن ثم، إذا لم يتم الحرص على وقف الموجات الحالية من التحريض والانتقادات والخلافات في الفترة التي تسبق انتخابات 2023، فستستمر سياسات الانقسام والتعصب في ترسيخ جذورها في ليبيريا والعنف.
وحذر رئيس أركان الجيش الليبيريين من أن أي شخص يتبين أنه سينتهك قوانين ليبيريا خلال الانتخابات القادمة سيحاسب قانونيًا وفقًا للدستور؛ مع دعم الشرطة الوطنية الليبيرية والوكالات ذات الصلة لحماية المنشآت الرئيسة عند الضرورة. كذلك حذر وزير الدفاع في خطاب تذكاري بمناسبة الذكرى 66 للقوات المسلحة الليبيرية في فبراير 2023، من أن الليبيريين “يجب ألا يجروا لتجاوز الخط الأحمر بما يتجاوز الإرادة الجماعية للشعب وعدم ارتكاب أعمال عنف، “لأن الجيش الليبيري” سيلتزم بالإرادة المعلنة للشعب بما يتماشى مع دستور ليبيريا”. تبدو تصريحات ضابطي الأمن القومي نزيهة وصادقة وصريحة ومرحبة في محاولات منع أي شكل من أشكال العنف خلال انتخابات 10 أكتوبر القادم، لكن بعض الليبيريين ما زالوا يرون أن هذه التصريحات ما هي إلا تهديد.
المتطلبات الدستورية للرئاسة الليبيرية
من عام 1878 إلى عام 1980 أثناء حكم حزب العمال التقدمي، أُجبر المواطنون الليبيريون في سن الاقتراع على المشاهدة؛ حيث اختار التسلسل الهرمي للحزب زعيمًا تلو الآخر في مؤتمرات انتخابية ينظمها الحزب، وكان آخر رئيسين تم اختيارهما قبل انقلاب 1980 عندما تم “انتخاب” توبمان وويليام ر.؛ وأصبحت انتخابات 1985 أول انتخابات وطنية منذ الاستقلال عام 1847، حيث صوت الليبيريون مباشرة لمرشحيهم دون الاعتبار للانتماء الحزبي، وكانت انتخابات عام 1985 ميدان مفتوح حيث تم تشكيل جميع الأحزاب السياسية الأربعة المشاركة عام 1984، مع عدم وجود حزب حاكم وأحزاب معارضة من الناحية الفنية.
ولم ينتج أي حزب برنامج سياسي في انتخابات عام 1985، لذلك لم يكن لأي من الأحزاب الأربع ميزة الفوز على الآخر. ومن ثم، كان على الناخبين المشاركين في انتخابات عام 1985 الاعتماد فقط على تفضيلاتهم وتصوراتهم عن المرشحين الرئاسيين والتشريعيين بدلًا من البرامج الحزبية، والسياسات المتعلقة بالوحدة الوطنية، والسلام، والتنمية، وغير ذلك من الأمور الملموسة. لذا فإن أي مرشح للرئاسة يجب أن تتوفر به بعض المواصفات كمتطلبات دستورية أساسية:
1) أن يكون ليبيريًا بالمولد.
2) أن يبلغ من العمر 35 عامًا.
3) أن يكون مالكًا لعقار لا تقل قيمته عن 25000 دولار أمريكي.
4) أن يكون مقيمًا في ليبيريا عشر سنوات متتالية قبل الانتخابات الرئاسية.
5) أن يكون حاصلًا على أغلبية الأصوات في الانتخابات الرئاسية.
وعادة ما تتم مراجعة المتطلبات الأربعة الأولى من قبل لجنة الانتخابات الوطنية وتأهيل المرشحين والأحزاب السياسية في الانتخابات. بينما الشرط الخامس يتعلق بالناخبين. وفي الواقع، من المنطقي أن المرشحين الرئاسيين إلى جانب أحزابهم السياسية ومؤيديهم، قد يميلون إلى التشكيك في المؤهلات الدستورية لمنافسيهم.
وبالتالي سيتم الاختيار وفقا لتفضيلات الناخبين بناء على “مؤهلات المرشح” الشخصية. ومثلما حدث في الانتخابات السابقة في ليبيريا عام 1985، سيكون للناخبين المشاركين في انتخابات 2023 حقوق غير مقيدة في اختيار مرشح في السباق الرئاسي والتشريعي، بناءً على تفضيلاتهم الفردية فقط. يمكن أن تشمل هذه التفضيلات الفردية أو “المؤهلات المجردة” المظهر الجسدي للمرشح، وتاريخه، ومهارات القيادة، والخبرة، ومستوى التعليم، والشعبية، والوزن الدولي، والأعمال الخيرية، والانتماء الديني، والحالة المالية، والعرق وما إلى ذلك. ولأن الدستور الليبيري لا يفرض أي متطلبات تعليمية أو قيادية على المرشحين الرئاسيين المحتملين، فسيظل من حق الناخبين ممارسة حقوقهم في حرية التعبير بناءً على التفضيلات الفردية فقط.
عادة ما تكون هذه التفضيلات الفردية للناخبين أو المؤهلات المجردة تشكل العمود الفقري لأي عملية انتخابية في نظام ديمقراطي، والتظاهر بأن “الشعبية” ليست عاملًا حاسمًا رئيسًا في الانتخابات هو مجرد محاولة لإخفاء هذه الحقيقة الأساسية في السياسة الانتخابية الليبيرية. وبشكل عام، على الرغم من أن السياسة مدفوعة بالشعبية؛ عادة ما تعقد الأحزاب السياسية والسياسيين، تجمعات سياسية ومؤتمرات صحفية وتحفيز أنصارهم للقيام باحتجاجات في الشوارع على مختلف القضايا؛ لخلق الاعتراف العام والقبول. ولسوء الحظ، غالبًا ما يقضي العديد من الأحزاب السياسية الليبيرية والمرشحين للرئاسة وقتًا طويلًا في إيذاء خصومهم، بدلًا من إنتاج برامج سياسية وشرحها للناخبين فيما يخص خطط حكم ليبيريا حال انتخابهم. وهو ما يجب أن يحدث؛ استبدال سياسات الانقسام بحكم ملموس وبدائل إنمائية في انتخابات عام 2023، إذا كان لابد من أن تتمتع ليبيريا بالسلام والوحدة والتنمية الحقيقية في المستقبل.
ختامًا، تتميز السياسة الانتخابية في ليبيريا اليوم بأعمال التعصب والأنانية، إلى جانب الشعور بالأحقية بين المرشحين الرئاسيين المحتملين. هذا التحريض العلني الحالي حول التزوير المحتمل لانتخابات 2023، قد لا يكون أكثر من مجرد حيلة سياسية للتشكيك في نتائج انتخابات 2023 ونزع الشرعية عنها حتى قبل إجرائها. لأنه إذا كان الهدف هو التأثير على الرأي العام بعيدًا عن الفوز في انتخابات 2023، فإن هذه التكتيكات والممارسات ليست جيدة لتعزيز الديمقراطية الانتخابية والوحدة الوطنية والسلام والاستقرار في ليبيريا. ولن يكتمل هذا السبيل إلا بالسماح لمرشحي الرئاسة المستقلين والمدعومين من الأحزاب، بتسويق برامجهم السياسية للناخبين في الوقت المناسب بحيث يتخذ الناخبون خيارات مستقلة بناءً على تفضيلاتهم الخاصة، وهو ما عمل الليبيريون طويلًا من أجله.