مصر

مشروعات التنمية بمحافظة المنيا.. معالجة جادة لماضٍ طويل من الإهمال

يفتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم 2 مارس 2023 عددًا من المشروعات التنموية بمحافظة المنيا، ويأتي افتتاح تلك المشروعات في خضم المجهودات الممتدة منذ عام 2014، والتي تهدف إلى ترقية الوضع الاقتصادي والاجتماعي لأبناء المحافظة البالغ عددهم وفق الإحصاءات الرسمية نحو 6.28 ملايين نسمة، حيث تعاني تلك المحافظة من ارتفاع معدلات الفقر والتي تجاوزت 54%، وهو ما يضعها في المرتبة الرابعة ضمن أعلى محافظات مصر معاناة من الفقر بعد سوهاج وأسيوط والأقصر. 

وتأتي افتتاحات مشروعات المنيا اليوم بعد مرور خمسة وخمسين يومًا فقط على افتتاح مجموعة من المشروعات التنموية بمحافظة سوهاج، ليؤكد هذا التقارب الزمني على إيمان الدولة الراسخ بضرورة إحداث طفرة تنموية غير مسبوقة بكافة محافظات الوادي، والتي عانت على مدار العقود الماضية من مختلف مظاهر الإهمال والتهميش، وحُرمت في أغلب الأحيان من مجهودات التنمية لصالح إقليم القاهرة الكبرى الذي كان بؤرة لاهتمام وعناية الأجهزة الحكومية خلال الفترات السابقة. 

إمكانات متميزة 

تبلغ مساحة محافظة المنيا 32 ألف كيلو متر مربع، وتنقسم إلى تسعة مراكز تضم 61 وحدة محلية تتبعها 300 قرية ريفية، وتوجد بالمحافظة تسع مدن حضرية، منها: مدينة المنيا عاصمة المحافظة، وسمالوط، ومطاي، وبني مزار. وتمتلك المنيا حدودًا مع خمس محافظات، هي: الجيزة، وبني سويف، والبحر الأحمر، وأسيوط، والوادي الجديد، ولا تبعد عن العاصمة القاهرة بأكثر من 270 كيلو مترًا.

وتشتهر المنيا بتنوعها الاقتصادي الكبير؛ إذ تمتلك مساحات قابلة للزراعة تتجاوز 450 ألف فدان، وينتشر في المحافظة أكثر من ثلاثين موقعًا تعدينًا يمكنها إنتاج 15 نوعًا من المواد المحجرية، والتي من أبرزها: الحجر الجيري، والزلط، والرخام، والطفلة، والجبس. وتوجد بالمنيا كذلك العشرات من الصناعات الاستهلاكية والوسيطة، مثل: التصنيع الغذائي، والغزل والنسيج، ومواد البناء، والمنتجات المعدنية، والأسمدة والكيماويات.

بنية تحتية متطورة

كان الاهتمام بالبنية التحتية بمختلف قطاعاتها أول الخطوات التنموية التي اتبعتها أجهزة الحكومة المصرية؛ بهدف الارتقاء بالوضع الاقتصادي والاجتماعي لمواطني محافظة المنيا. وقد توزعت مجهودات الأجهزة المختصة على مشروعات متنوعة، منها: الطرق، وشبكات المياه والصرف، وشبكات الاتصالات، ومرافق إنتاج، وتوصيل الكهرباء.

وتعد مشروعات الطرق والكباري واحدة من أهم إنجازات الدولة في ملف تطوير البنية التحتية بمحافظة المنيا، فقد فاقت قيمة المشروعات المنفذة في هذا القطاع بين العامين 2014 و2020 أكثر من 12.3 مليار جنيه مصري، وهو ما أسهم في وصول أطوال الطرق المرصوفة داخل المحافظة بحلول 2020 إلى 3.9 آلاف كيلو متر، ورفع من إجمالي الكباري العلوية من 21 كوبري في 2014 إلى 29 كوبري في 2020.

وحاز قطاع مياه الشرب والصرف الصحي كذلك على نصيب كبير من الاهتمام، حيث ضخت الدولة خلال الفترة 2014 -2021 ما يقارب 2.2 مليار جنيه؛ بهدف تطوير 591 مشروعًا، وهو ما رفع من إجمالي عدد الأسر المستفيدة من خدمات شبكات المياه والصرف الصحي بمحافظة المنيا إلى 1.3 مليون أسرة.

اهتمت أجهزة الدولة كذلك بإنشاء وتجديد شبكات إنتاج وتوزيع الكهرباء، بما تحويه من محطات لإنتاج الكهرباء ومحولات ولوحات توزيع وخطوط، وهو ما كلف الدولة استثمارات تقدر قيمتها بـ 14 مليار جنيه. ولقد أسهم ذلك في رفع نسبة المشتركين في خدمات شبكة الكهرباء خلال الفترة 2014- 2020 بأكثر من 21%، وهو ما أوصل العدد الإجمالي لهؤلاء المشتركين خلال العام 2020 إلى 1.4 مليون مشترك. 

مجتمعات عمرانية جديدة

عانت محافظة المنيا على مدار العقود الماضية من تكدس سكاني مرتفع، ويعزى هذا الأمر إلى تضخم أعداد السكان من جهة، ومحدودية الأرض المتاحة للبناء من جهة أخرى، حيث تحيط بكافة مدن وقرى المحافظة الأراضي الزراعية من كل جانب، وهو ما يجعل الأجهزة المحلية تتشدد في منع عملية استغلال تلك الأراضي لغرض البناء. ولقد أسهم هذا التحدي المزدوج في ارتفاع نسبة العشوائية البنائية بالمحافظة، حيث قدرت الإحصاءات الرسمية نسبة البناء العشوائي بحوالي 53.4%، هذا ما دفع الدولة المصرية إلى التوجه نحو تشييد تجمعات عمرانية جديدة لاستيعاب الزيادات السكانية المطردة. 

فكان تشييد مدينة المنيا الجديدة هو أول الخطوات المتخذة في هذا الصدد، والتي بدأ العمل عليها عام 1991م على مساحة تقدر بنحو 31 ألف فدان بشرق النيل، ولم تكن مدينة المنيا الجديدة تبعد عن نظيرتها القديمة بأكثر من 2 كيلو متر، وكان الهدف من هذا القرب هو تسهيل عملية التواصل الجغرافي بين المدينتين بحيث تصبح الأولى امتدادًا للثانية، ولقد شهدت تلك المدينة تصاعدًا ملفتًا في عدد السكان خلال السنوات الأخيرة حيث وصل إلى قرابة 77 ألف نسمة.

وبدأت الدولة خلال السنوات الماضية بتنفيذ مجموعة من المشروعات التنموية الهادفة إلى زيادة الحيوية السكانية بالمدينة، منها مشروع الإسكان الفاخر جنة Janna، الذي انتهت المرحلة الأولى منه بعدد 22 عمارة سكنية تحتوي على 528 وحدة، بالإضافة إلى تشييد منطقة للإسكان الاجتماعي بعدد 85 عمارة تضم 2040 وحدة سكنية، ومنطقة لمشروع سكن كل المصريين بعدد 20 عمارة سكنية تضم 480 وحدة سكنية.

وتعد مدينة ملوي الجديدة ثاني المجتمعات العمرانية بالمحافظة وواحدة من أحدث المدن الجديدة المصرية، فقد بدأ تشييد المدينة في عام 2018 بعد إصدار القرار الجمهوري رقم 247، ومن المخطط أن تبلغ مساحة المدينة المبدئية 18 ألف فدان، وستقع بشرق طريق القاهرة-أسوان الصحراوي الغربي، وستبعد عن مدينة ملوي القديمة بمسافة 12 كيلو متر، ومن المخطط فور اكتمالها أن يبلغ عدد سكانها 1.2 مليون نسمة.

مشروعات التنمية الزراعية

تعتزم محافظة المنيا زيادة مساحة الأراضي المزروعة إلى 1.11 مليون فدان؛ وذلك من خلال إضافة أراضٍ للاستصلاح الزراعي بعدد من قرى الظهير الصحراوي، وبدخل نطاقات المدن الجديدة. وتسعى الأجهزة المختصة إلى مليون فدان أخرى موزعة في النطاق الصحراوي للمحافظة بغربي وشرقي النيل. وتأتي هذه المشروعات في إطار إدراك المحافظة لأهمية النشاط الزراعي، والذي يسهم في توفير فرص العمل لنحو 58% من إجمالي القوى العاملة بالمحافظة، ويعد ركنًا أساسيًا من أركان الاقتصاد بالمنيا.

فالمنيا واحدة من أكبر محافظات الجمهورية المنتجة لمحصول القمح بواقع 228 ألف فدان، والذرة الشامية بواقع 291 ألف فدان. وتتميز المنيا بزراعة العنب حيث تمتلك منفردة ما مجموعه 15% من إجمالي حدائق زراعة الكروم على مستوى الجمهورية. لذلك تهتم المحافظة بتحفيز المستثمرين على تشييد المشروعات الإنتاجية الخادمة للقطاع الزراعي، ومنها: صوامع الغلال، ومعامل تجفيف وحصر الفواكه والحاصلات الزراعية، ومصانع الأعلاف والأسمدة والمخصبات الزراعية، ومعامل إنتاج وتكرير السكر.

وتقوم الحكومة حاليًا بتنفيذ مشروع شامل لتطوير وتبطين عدد من الترع بأنحاء المحافظة، وبإجمالي أطوال 784 كيلو مترًا، بتكلفة أكثر من 3 مليارات جنيه مصري. وتشجع سلطات المحافظة المربيين على زيادة استثماراتهم بقطاع الإنتاج الداجني والحيواني؛ وذلك للتكامل مع الإنتاج الزراعي، فضلًا عن المساهمة في توفير حاجات السوق المحلية. 

ختامًا، حركة التطوير التي تشهدها محافظة المنيا ويشهدها الصعيد بوجه عام ليست إلا دليلًا على وعي الحكومة المصرية بأهمية تطوير الصعيد الذي عانى على مدار العقود وربما القرون الماضية من حالة إهمال شاملة أثرت في كل نواحي الحياة التي يعيشها المواطن الصعيدي، بما أدى إلى تنامي معدلات الفقر بمحافظات الصعيد، وتوجه أبنائها إلى الهجرة لمحافظات القاهرة والدلتا؛ بحثًا عن فرص العمل والتعليم، لتتزايد بذلك مشكلات محافظات الصعيد ومشكلات القاهرة والإسكندرية على حد سواء. لكن الآمال الآن أصبحت معقودة على تغيير كل تلك الأوضاع الديموجرافية، من خلال حركة التنمية الشاملة والتي انطلقت شارتها بعد 2014. 

مصطفى عبد اللاه

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى