مصر

كيف تتعامل مصر مع أزمة الزيوت النباتية؟

يزيد العالم بمعدل 75 مليون نسمة سنويًا، تساهمت مصر بحوالي 2 مليون نسمة في تلك الزيادة، وفي ضوء تلك الزيادة المتسارعة في عدد السكان تسود دومًا حالة من القلق حول تحديات توفير احتياجات المواطنين من الغذاء والطاقة. ويعد الزيت النباتي الذي يتم استخراجه من البذور الزيتية أحد المكونات الرئيسة في الغذاء، وفي ضوء أزمات الغذاء والطاقة التي تواجه العالم كله، أصبح من الضروري البحث عن زيادة مساحة الأرض المراد زراعتها بالبذور الزيتية لتغطية الاحتياج المحلي من الزيوت النباتية، ويصبح من الضروري تحسين جودة بعض البذور الزيتية عن طريق الهندسة الوراثية لإنتاج البذور الزيتية الأكثر ثراءً في محتوى الزيت، وتعديل التركيب الكيميائي للزيت بحيث يصبح أكثر ملاءمة للأغراض الصالحة للأكل.

يمكن تقسيم البذور النباتية الزيتية إلى فئتين رئيستين: تشمل الفئة الأولى البذور الزيتية التي يمكن أن تكون مصدرًا للزيوت التي يمكن استخدامها بأمان للاستهلاك البشري، أما الفئة الثانية فهي البذور التي تنتج زيوتًا لا يمكن استخدامها في أغراض صالحة للطعام، ولكن لديها القدرة على إنتاج عدة أنواع من المواد الكيميائية ذات الاستخدامات المتعددة في الصناعة. أما البذور النباتية التي تنتج زيوتًا صالحة للطعام فيمكن تصنيفها إلى فئتين: الفئة الأولى منها هي البذور الزيتية التقليدية التي يمكن أن تنتج زيوتًا للأغراض الصالحة للأكل يَوْمِيًّا مثل زيت عباد الشمس وزيت الكانولا وزيت فول الصويا، أما الفئة الأخرى هي البذور الزيتية غير التقليدية التي تنتج زيوتًا لها بعض الخصائص الوظيفية المفيدة مثل زيت بذور الكتان وتستخدم عادة بجرعات صغيرة نوعًا ما.

الوضع السوقي

عالميًا، زادت المساحات المنزرعة بالبذور الزيتية بنسبة 82% خلال الثلاثين عامًا الماضية، وتحسنت كمية الإنتاجية الناتجة عن تلك البذور بنسبة 48%. لكن الوضع يختلف بالنظر محليًا، حيث واجهت صناعة الزيوت النباتية في مصر تحديات كبيرة في السنوات الماضية، فبعد أن كان لدى مصر اكتفاء ذاتي من الزيوت النباتية في الستينيات بنسبة اكتفاء ذاتي تقترب من 95%، تراجعت تلك النسبة لتصل إلى حوالي 31.6% في عام 2007 (وفقا لآخر بيان متاح). ومعظم المحاصيل الزيتية الحيوية في مصر هي: القطن، وعباد الشمس، وفول الصويا، على الرغم من حقيقة أن محاصيل الزيتون والسمسم والكانولا والفول السوداني والقرطم هي أيضًا منابع الزيوت النباتية، لكن مصر لا تعتمد عليها في إنتاج الزيوت.

من جانب آخر، يزرع محصول القطن في مصر لأغراض إنتاج النسيج، وتستخدم بذور القطن في إنتاج الزيوت إما عن طريق الضغط أو عن طريق الاستخراج بالمذيبات أو عن طريق كلتا التقنيتين معًا. تساهم بذور القطن في إنتاج مصر من الزيوت النباتية بحوالي 90٪، لكن تقلص المساحة المزروعة بالقطن خلال العقود الماضية من حوالي 993 ألف فدان عام 1990 إلى حوالي 500 ألف فدان حاليًا خفض من تلك القدرات الإنتاجية، ترتب على ذلك زيادة قيم الواردات من الزيوت لتصل إلى حوالي 1.7 مليون طن، ويشكل زيت النخيل ثلثي هذا الرقم، بينما يشكل زيت عباد الشمس والذرة النسبة المتبقية. 

يجري توفير غالبية الاستهلاك المحلي من زيت النخيل من خلال الواردات، بشكل أساسي من إندونيسيا، التي تزود مصر بنسبة 50% من زيت النخيل المستورد. وتستورد مصر أيضًا الزيوت النباتية من كل من: ماليزيا وسنغافورة، والسعودية، والصين، وألمانيا. أما عن زيت عباد الشمس، فتغطي مصر معظم احتياجاتها المحلية من ذلك المنتج من خلال الواردات، كانت أوكرانيا تشكل حوالي 55% من واردات مصر من زيت عباد الشمس، بينما تغطي روسيا 19%.

الطاقة الإنتاجية

تعمل بمصر 4 شركات في إنتاج الزيوت النباتية وهي شركات تقع ضمن شركات وزارة قطاع الأعمال العام؛ إذ إنها تقع تحت مظلة الشركة القابضة للصناعات الغذائية المملوكة للدولة، يمكن حصر تلك الشركات في: شركة الإسكندرية للزيوت والصابون، وشركة طنطا للزيوت والصابون والمياه الطبيعية، وشركة أبو الهول المصرية للزيوت والمنظفات (الملح والصودا المصرية سابقًا)، وشركة النيل للزيوت والمنظفات. وتبلغ طاقة تكرير الشركات الأربع نحو 1300 طن يوميًا بطاقة شهرية نحو 40 ألف طن. 

تلك الطاقة التكريرية تعد هائلة بالمقارنة بإنتاج مصر من البذور الزيتية، وهو الأمر الذي يمكن علاجه بزيادة المساحة المنزرعة بالبذور الزيتية، خاصة عباد الشمس، ويمكن اعتبار الكانولا أحد البدائل المتاحة لعباد الشمس؛ فعلى الرغم من أن الموطن الرئيس لنبات الكانولا هو كندا، فإن الظروف المحلية خاصة في فصل الشتاء المصري يمكن أن تكون مناسبة لظروف الطقس المحلية.

وحيث إن إنتاج مثل تلك المحاصيل النباتية يحتاج إلى استراتيجية واضحة لتوطين صناعة الزيوت والتي تتطلب زيادة المساحات المنزرعة وتوفير حوافز للمزارعين، فقد كان لسياسة وثيقة ملكية الدولة دور في تناول مستقبل الصناعات الزيتية؛ إذ سمحت للقطاع الخاص بالمشاركة في السوق من خلال الاستثمارات المحلية أو الأجنبية. وتعكف الدولة حاليًا على إعادة هيكلة شركات الزيوت النباتية المملوكة للدولة لتكون أكثر كفاءة وقدرة على الدخول في اتفاقيات شراكة مع اللاعبين من القطاع الخاص.

وقد بدأت بالفعل تلك المبادرة الوطنية تجني ثمارها، حيث يجري حاليًا تنفيذ ثلاث مجمعات صناعية للزيوت بالشراكة مع القطاع الخاص في منطقة برج العرب وسوهاج ومدينة السادات، لتتخصص تلك المجمعات في استخراج وتعبئة الزيوت النباتية، هذا فضلًا عن خمس شركات زيوت جديدة تعمل عليها وزارة التموين وفقًا لما أشار إليه رئيس جهاز التنمية المحلية.

كانت الحرب الروسية الأوكرانية كاشفة لأهمية اعتماد مصر على توفير المحاصيل الزراعية والزيوت الاستراتيجية ذاتيًا، وهو الأمر الذي ينظر إليه بالإيجابي، فمن الأزمات تخلق الفرص، حيث من المتوقع أن تشهد السنوات الأربع القادمة طفرة كبيرة في إنتاج الزيوت النباتية المحلية، وزيادة الإنتاج المحلي الحالي الذي يمثل 3% تقريبا من احتياجات مصر، ليصل إلى حوالي 50% خلال السنوات الأربع المقبلة بالاعتماد على زراعة المحاصيل الزراعية محليًا، والتي تتمثل في عباد الشمس وفول الصويا.

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى