إسرائيل

مستقبل توجهات السياسة الإسرائيلية في الشرق الأوسط

ترى أغلب دول الشرق الأوسط إسرائيل دولة “توسعية إمبريالية“، تسعى إلى السيطرة على رُقعً أوسع في المنطقة، ومؤخرًا فرض ثقافتها على الدول المجاورة لها، ويفسر هذا الهدف التحركات الإسرائيلية القائمة على فتح جبهات عديدة في بلدان مختلفة على رأسها جنوب لبنان، وسوريا، والعراق، سواء عن طريق الانخراط بشكل مباشر أو غير مباشر في تلك الجبهات؛ ففي بعض الجبهات تعتمد بشكل كبير على حلفائها الذين يمتلكون هيمنة واسعة على الأنظمة السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى السيطرة العسكرية على بعض دول الشرق الأوسط، وعلى رأسهم “الولايات المتحدة الأمريكية” الداعم الأول للوجود الإسرائيلي، والشريك الأكبر لها في تنفيذ أي من تحركاتها في المنطقة.

وعلى الصعيد الآخر، ترى إسرائيل أن العدو الأول لها في الشرق الأوسط والمهدد الأكبر لوجودها ولأمنها هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وغالبًا ما يكون الدافع الأول للضربات والهجمات المتصاعدة لإسرائيل الخارجية هو وضع حد للسياسات الإيرانية التي تهدد المصالح الإسرائيلية من خلال السيطرة على ما يسمى “محور المقاومة”.

وتشير الشواهد الأخيرة المتمثلة في ضرب إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل قيادات إيرانية مهمة، والذي تبعه الرد الإيراني في منتصف أبريل بإرسال مجموعة من الصواريخ الباليستية والكروز وعشرات الطائرات المسيرة، والتي استهدفت بها مجموعة من الأهداف العسكرية الإسرائيلية، مما جعل إسرائيل هي الأخرى تقوم برد عسكري “محدود” قرب أصفهان؛ إلى تغيير شكل التصعيد بينهم من “حروب الظل” إلى المواجهة المباشرة.

وفي خضم ما سبق، تسعى الورقة بشكل أساسي إلى الإجابة على تساؤل رئيس وهو؛ ما هو مستقبل توجهات السياسة الإسرائيلية في الشرق الأوسط؟ وللإجابة على هذا التساؤل يجب تتبع التحركات العسكرية والدبلوماسية التي انتهجتها إسرائيل في الشرق الأوسط بالتركيز على تحركاتها منذ عملية “طوفان الأقصى”، ومن ثم وضع مجموعة من السيناريوهات المستقبلية للشرق الأوسط في ظل المعطيات الأخيرة.

أولًا: واقع التحركات الإسرائيلية في الشرق الأوسط:

تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل لديها خلافات عديدة مع كثير من دول الشرق الأوسط والتي اشتعلت بشكل أساسي مع اتساع المد الشيعي الإيراني في المنطقة، والذي اعتبرته إسرائيل تهديدًا أمنيًا متصاعدًا لوجودها ولمصالحها الاقتصادية والسياسية الأخرى. وكما سبق الذكر، تعد إيران ووكلائها المختلفة المُهدد الأول لوجود إسرائيل، وينتشر هؤلاء الوكلاء في دول عديدة منها جنوب لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله، وسوريا حيث تنتشر مجموعة واسعة من الميلشيات الإيرانية والموالية لها، وبعض المليشيات الشيعية العراقية المسلحة التي يصل عددها إلى أكثر من 60 ميليشيا، وتتبع هذه الفصائل إيران في توجهاتها السياسية والعسكرية والدينية. وأخيرًا الحوثيين في اليمن أحد أبرز حلفاء إيران في المنطقة، خاصة بعد أن أعلنت إيران في 2016 أن جماعة أنصار الله الحوثية وحزب الله وسوريا والعراق في جبهة واحدة مع إيران. وفيما يلي سيتم التركيز على أشكال التوسع الإسرائيلي في المنطقة في البلدان السابقة وأبرز تحركاتها.

ا. ناقوس الخطر يدق جنوب لبنان.. قرب المواجهة المباشرة مع حزب الله:

تنهار معادلة الاشتباك المقررة بين إسرائيل وحزب الله منذ حرب 2006 يومًا بعد يومًا، خاصة بعد الحرب على قطاع غزة وما تبعها من مناوشات حدودية حادة بين حزب الله والقوات الإسرائيلية. إذ أوضح الجيش الإسرائيلي في بيان له في 13 مارس 2024 أنه خلال الأشهر الخمسة الماضية، تحت إشراف مركز التحكم في النيران التابع للقيادة الشمالية والقوات الجوية الإسرائيلية، تم تنفيذ ضربات ضد أكثر من 1200 هدف لحزب الله من الجو وأكثر من 3100 هدف للحزب من الأرض في لبنان وسوريا.

ومن الملاحظ من خلال التصعيد الإسرائيلي في جنوب لبنان أن تل أبيب ترغب في شن عملية برية؛ بهدف تقليص قدرات حزب الله، وتأمين حدودها الشمالية من أي هجمات كتلك التي شنتها حركة حماس في 7 أكتوبر 2023. ولتحقيق ذلك، قامت القوات الإسرائيلية بشن سلسلة من عمليات الاغتيال، فضلًا عن قيامها بتدمير أجزاء من البنية التحتية العسكرية لحزب الله وذلك عبر استهداف مخازن الأسلحة، ومراكز القيادة والسيطرة، وأبراج المراقبة، ومنصات الصواريخ، ومراكز تجمع مقاتلي الحزب. إذ استهدفت غارة إسرائيلية “صالح العاروري”، نائب رئيس حركة حماس، في 2 يناير 2024، في الضاحية الجنوبية في بيروت، ووقعت عملية الاغتيال على بعد حوالي 100 كيلومتر من الحدود، أي خارج منطقة الصراع المقبولة بين الطرفين. كما أدت عملية إسرائيلية أخرى إلى مقتل القائد العسكري “وسام الطويل” في 8 يناير.

ومن الجدير بالذكر أن الجهود المصرية والقطرية الرامية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة في الفترة المقبلة قد لا ترتبط بتوقف الهجمات الإسرائيلية على لبنان، حيث سبق وأعلن الموفد الأمريكي “آموس هوكستين” أثناء زيارته إلى بيروت في 5 مارس 2024 بأن “الهدنة في غزة لن تمتد بالضرورة تلقائيًا إلى لبنان”، مؤكدًا أن “التصعيد أمر خطير ولا شيء اسمه حرب محدودة”، وذلك في إشارة إلى ما أعلنته تل أبيب بشأن الحرب المحدودة التي تعتزم شنها في جنوب لبنان.

هذا بالإضافة إلى إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف جالانت” أن حزب الله يخطئ جدًا إذا اعتقد أن إسرائيل ستوقف إطلاق النار في لبنان بعد وقف إطلاق النار في غزة، بينما أعلن الحزب أنه سيتوقف عن إطلاق النار عندما تصل إسرائيل وحماس إلى اتفاق يُفضي إلى وقف إطلاق النار في القطاع. وتجدر الإشارة إلى أن تل أبيب أبلغت كلًا من واشنطن وباريس أنه في حال فشل الدبلوماسية فإنها ستقوم بـ “حرب واسعة لكن محدودة الأهداف” ضد جنوب لبنان، من أجل إنشاء حزام أمني بعمق 10 كيلومترات.

ولذلك يمكن القول إن مؤشرات التحرك العسكري والتصريحات السياسية الإسرائيلية تنذر بنيتها في توسيع رقعة الصراع شمالًا، كما تشير إلى احتمالية قيام عملية برية في جنوب لبنان، لكن حتى الآن لم يتم الإعلان رسميًا عن موعد المواجهة المباشرة بين الطرفين، خاصة وأن الجبهة الداخلية لإسرائيل مشتعلة في ظل حربها ضد حماس في قطاع غزة، وربما تلعب الإمكانيات العسكرية والاقتصادية كعائق أساسي في الفترة الحالية أمام إسرائيل، والتي تدفعها لتحجيم حربها وتحديد جبهاتها القتالية، حيث يمثل القضاء على حركة حماس أولية بالنسبة لتل أبيب.

ب. هجمات متتالية على مواقع إيرانية في سوريا.. ما هدف إسرائيل؟

يرجع تاريخ العداء ما بين سوريا وإسرائيل إلى تاريخ قيام إسرائيل في 1948، ومنذ ذلك الحين وتعتبر الدولتان في حالة حرب حتى اليوم. وتعد سوريا هي شريان الحياة الاستراتيجي بالنسبة لإيران وحليفتها في دعم حركات المقاومة والتعاون في المجال العسكري والاستراتيجي أو عداء إسرائيل. كما أن حزب الله له أهمية شديدة بالنسبة لسوريا، حيث ساعد الرئيس السوري بشار الأسد على بسط السيطرة على مساحات أوسع من الأراضي السورية. بالإضافة إلى أن إيران تمتلك شبكة من الوكلاء في أنحاء مختلفة من سوريا الذين يندرجون تحت الحرس الثوري الإسلامي. وتقصف إسرائيل بانتظام محور المقاومة في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك البنية التحتية المدنية مثل مطاري حلب ودمشق.

وباعتبار هدف إسرائيل الرئيس هو محاربة وكلاء إيران وأذرعها في المنطقة، تعد سوريا واحدة من أهم الجبهات التي من الممكنأن تدخلها إسرائيل، خاصة وأنها نقطة تمركز فصائل تابعة لمحور المقاومة. كما يمكن وصف السياسة التي تتبعها إسرائيل تجاه إيران بأنها لا تعمل على “محاربة رأس الأخطبوط بل محاربة أذرعه”، وتراهن على ذلك بعاملين مهمين وهما: أن مهمة محاربة رأس الأخطبوط قد توكل إلى طرف آخر يعفي إسرائيل مما يمكن تسميته بـتكلفة الحرب، وربما من هنا، تبدو إسرائيل متحفزة لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية واحتمالات عودة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” إلى الرئاسة، وثانيهما؛ أن محاربة الأذرع قد تكون كفيلة بمحاصرة إيران.

وشنّت إسرائيل خلال الأعوام الماضية مئات الضربات الجوّية في سوريا طالت بشكل رئيس أهدافًا إيرانيّة وأخرى لحزب الله، بينها مستودعات وشحنات أسلحة وذخائر، وبعض منها طال مواقع للجيش السوري. ونادرًا ما تؤكد إسرائيل تنفيذ هذه الضربات، لكنها تكرر أنها ستتصدى لما تصفها بمحاولات طهران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا.

وبالتركيز على ضربات إسرائيل في الفترة الأخيرة لسوريا بعد الحرب على غزة، يمكن القول إنها الجبهة الثانية من حيث القابلية للاشتعال بشظايا وتداعيات الحرب، ذلك اعتمادًا على مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها أن سوريا رسميًا في حالة حرب مع إسرائيل ونقطة التوتر الأكبر هي “منطقة الجولان”، فضلًا عن العلاقات التقليدية التي تربط دمشق بحزب الله وطهران ومختلف الفصائل المرتبطة بإيران.

وكما سبقت الإشارة فقد قامت إسرائيل بمجموعة من الهجمات على سوريا منذ بداية حربها على قطاع غزة، استهدفت بها مجموعة من قادة حزب الله والحرس الثوري الإيراني الموجودين في سوريا، ومواقع عسكرية وسياسية إيرانية، كان آخرها استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، وقصف مواقع عسكرية بالقرب من “أصفهان”.

ومن أبرز تلك الهجمات؛ في ديسمبر 2023 قُتل القائد العسكري البارز في حرس الثورة الإيراني رضي موسوي، جراء قصف إسرائيلي استهدف منطقة السيدة زينب في ريف دمشق حيث تم استهداف منزله بثلاثة صواريخ إسرائيلية. كما نفذت إسرائيل عدوانًا برشقات من الصواريخ من اتجاه البحر المتوسط مستهدفة بعض مواقع الدفاع الجوي السوري في طرطوس، مما أدى إلى مقتل عسكريين اثنين وإصابة 6 آخرين بجروح ووقوع بعض الخسائر المادية. وفي يناير من العام الجاري، شنت مقاتلات إسرائيلية هجومًا على العاصمة دمشق، والذي أدى إلى مقتل 4 من المستشارين العسكريين للحرس الثوري والمدافعين عن المقدسات وإصابة عدد آخر. وفي فبراير الماضي، استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي مناطق في جنوب دمشق وقتل خلالها المستشار العسكري الإيراني سعيد عليدادي.

وكان من أبرز وأهم الهجمات التي وقعت في الفترة الأخيرة أيضًا، هي قصف إسرائيل لمقر القنصلية الإيرانية في 1 أبريل 2024 في دمشق مما تسبّب في مقتل “محمد رضا زاهدي“، قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان، ونائبه “محمد هادي رحيمي” وسبعة ضباط آخرين في الحرس الثوري الإيراني. ووصف الحرس الثوري هذه العملية بأنها الضربة الأكثر إيلامًا لطهران منذ اغتيال قائد فيلق القدس، “قاسم سليماني” بالعراق عام 2020. ولذلك تشير الشواهد السابقة أنه من المتوقع أن تكون الجبهة السورية هي الجبهة الثانية من حيث الاشتعال بعد الجبهة اللبنانية بالنسبة لإسرائيل.

ج. توترات في الساحة العراقية:

بقراءة المشهد العراقي، يلاحظ أن إسرائيل لا تضع في أهدافها الدخول في حرب مباشرة مع أذرع إيران في العراق، خاصة أن الجبهة العراقية تعد من الجبهات الصعبة نظرًا لأن الوضع السياسي والمؤسساتي في العراق أكثر ثباتًا واستقرارًا مقارنة بالجبهة السورية أو اللبنانية على سبيل المثال بالإضافة إلى التعاطي الأمريكي مع أذرع إيران في بغداد، وبالتالي فإنه ليس من السهل أنتعمل عسكريًا في هذا البلد بـحُـرّية من الناحيتين الميدانية والقانونية.

ولكن وفقًا للتصريحات الأمنية الإسرائيلية منذ 6 سنوات تقريبًا، فإن الوجود العسكري الإيراني المتنامي في العراق أصبح يشكل تهديدًا لا يُحتمل على أمن إسرائيل، بالإضافة إلى أن الميليشيات الشيعية في العراق باتت تمتلك صواريخ تفوق دقتها تلك التي في ترسانة حزب الله، وأن طهران تخطط منذ وقت ليس بالقصير لفتح جبهة ضد إسرائيل تنطلق من شمال العراق، وتستخدمها إذا دعت الحاجة في نقل الأسلحة والصواريخ إلى سوريا ولبنان.

وقد اعتمدت إسرائيل فيما يتعلق بتحجيم التأثير الإيراني على أمنها على الولايات المتحدة، ويأتي ذلك على خلفية الوجود الأمريكي في العراق منذ 2003، لكن مع انحساره السنوات الأخيرة، بدأت إسرائيل في إرسال تحذيرات إلى الولايات المتحدة ودول أوروبية مفادها أن القوات الإسرائيلية ستضرب بنفسها أهدافًا عسكرية في العراق إذا لم تتعامل تلك الدول مع تنامي الوجود العسكري الإيراني في البلاد وتضع حدًا لهجماتها على إسرائيل.

ومنذ منتصف 2018 تكثفت العمليات الإسرائيلية العسكرية في العراق، وبدأت في استهداف قادة إيرانيين ومواقع عسكرية تابعة لمحور المقاومة في العراق، وفي تلك الفترة تضاربت التقارير ما بين تأييد الموقف الإسرائيلي من قبل الإدارة الأمريكية آنذاك وما بين معارضته، حيث أشارت بعض التقارير إلى أن الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت رأت أن الضربات الإسرائيلية في العراق تعد عاملًا يُزعزع الاستقرار ويُهدد أمن القوات الأمريكية في البلاد ويعبث بالترتيبات الدبلوماسية التي بذلت جهودًا مضنية من أجل صياغتها في المنظومة السياسية العراقية بعد هزيمة تنظيم الدولة، ولذلك بدأت الإدارة في مطالبة الحكومة الإسرائيلية بعدم تنفيذ هجمات داخل العراق، ومطالبة الأجهزة العسكرية الإسرائيلية بترك معالجة الملف العراقي للأمريكيين.

لكن في نفس الوقت في يناير 2019، صرح مسؤول في الحكومة العراقية أن وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” قال صراحةً لرئيس الوزراء العراقي “عادل عبد المهدي” إن واشنطن لن تتدخل إذا استهدفت إسرائيل قواعد تابعة للقوات المدعومة إيرانيا على الأراضي العراقية. لكن الواقع يشير إلى أن الهجمات الإسرائيلية التي تمت على العراق مقارنة بالهجمات على سوريا منذ ذلك الوقت حتى وأن كانت “محدودة”، فهي تتم بموافقة أمريكية مبطنة.

وبالعودة إلى الوقت الحالي، وبعد العملية التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ضد إسرائيل في معركة “طوفان الأقصى”، أعلنت الفصائل المسلحة في العراق الموالية لإيران تأييدها الكامل للعملية الأخيرة، وهددت منذ بداية أحداث 7 أكتوبر بأن أي تدخل أمريكي إلى جانب إسرائيل سيقابَل باستهداف للمصالح الأمريكية في العراق والمنطقة، وعقب ذلك أعلنت الولايات المتحدة تأييدها المطلق لإسرائيل وقدمت كل أنواع الدعم لها، مما أدى إلى تصعيد المشهد واحتدامه.

إذ تمثل التصعيد في شن عدد من الفصائل المسلحة هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ على المصالح والقواعد الأمريكية المتمثلة بمقر السفارة الأمريكية في بغداد، وقاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، وقاعدة فيكتوريا بالقرب من مطار بغداد الدولي، وقاعدة حرير في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، وفي المقابل كان الرد الأمريكي باستهداف بعض من معسكرات هذه الفصائل في عدد من المحافظات العراقية من خلال الطائرات والطائرات المسيّرة.

وأدى ذلك إلى ظهور جماعة تسمى بـ “المقاومة الإسلامية في العراق” والتي تبنت استهداف القواعد العسكرية والمصالح الأمريكية في العراق وسوريا بالصواريخ والطائرات المسيّرة، كما تبنت استهداف ميناء إيلات الإسرائيلي بالصواريخ في 3 نوفمبر 2023، حتى وصل عدد هجماتها ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية إلى 66 هجمة في الفترة ما بين 7 أكتوبر إلى 27 نوفمبر 2023 فقط، فيما وصل عدد الهجمات التي تعرضت لها قواعد أمريكية إلى 100 هجمة منذ 7 أكتوبر حتى نهاية عام 2023. وهو ما قد قاد إلى الهجوم الذي يحتمل إسرائيل قيامها به واستهدف مقر قيادة أركان الحشد الشعبي ببابل يوم 20 أبريل 2024، وما تبعه من هجوم على موقع عسكري إسرائيلي في إيلات.

ولذلك يمكن القول إن أحداث 7 أكتوبر كان لها انعكاسات وتداعيات على مختلف الدول والقوى الإقليمية والدولية، فمنذ ذلك الحين شهدت الساحة العراقية العديد من التوترات الأمنية بين الفصائل المسلحة والولايات المتحدة الأمريكية بسبب وجود قوى عراقية مؤثرة وفعالة ضمن ما يسمى بـ”محور المقاومة”، مما بدوره أيضًا يؤثر بشكل مباشر وبصورة أساسية على الوضع الأمني في العراق. لكن تبقى احتمالية الدخول في حرب مباشرة مع الفصائل الموالية لإيران في العراق ضعيفة للغاية.

د. مناوشات في البحر الأحمر.. وتهديدات الحوثيين المتزايدة:

منذ أن بدأت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أعلن الحوثيون عزمهم على دخول الحرب ضد إسرائيل وذلك من خلال استهدافهم لميناء إيلات الإسرائيلي، فضلًا عن قيامهم بمهاجمة كل السفن المتوجهة من وإلى إسرائيل وذلك تضامنًا مع الشعب الفلسطيني وذلك وفقًا لروايتهم. ونتيجة لذلك، قامت الولايات المتحدة بإطلاق عملية “حارس الازدهار” في يناير 2024 التي استهدفت بها الجماعة، حيث قال “عبد الملك الحوثي” في 5 أبريل 2024 إن نحو 37 شخصًا قتلوا وأصيب 30 آخرون في 424 غارة جوية شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن خلال نحو ثلاثة أشهر، هذا بجانب إعلان عددًا من الدول الأوروبية عن إطلاق عملية “أسبيدس” في البحر الأحمر لحماية الملاحة في المنطقة.

ومن الجدير بالذكر، لم تقم تل أبيب بالرد على الحوثيين في البحر الأحمر وتركت الأمر لحلفائها في الغرب، نظرًا لانشغالها بالحرب على القطاع من ناحية والهجمات المتبادلة مع حزب الله، وحربها بالوكالة ضد إيران في سوريا من ناحية أخرى. ولذلك اكتفت الحكومة الإسرائيلية بإرسال عددًا من القطع البحرية وغواصة متطورة إلى البحر الأحمر وباب المندب لرصد تحركات إيران في الثالث من ديسمبر 2023.

وعلى الرغم من عدم تدخل القوات الإسرائيلية في مواجهة مباشرة مع الحوثيين من شأنها أن تزيد التداعيات المضطربة على اليمن فإنه ومع زيادة حدة التوترات بين الحوثيين والقوات الأمريكية، فمن المحتمل أن يطال التصعيد في الشرق الأوسط الشعب اليمني الذي يعاني من أزمات سياسية واقتصادية وأمنية وإنسانية، سواء من خلال الهجمات العسكرية أو من خلال الضغط على الحوثيين عبر فرض عقوبات عليهم، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم من الأزمات في البلاد.

وقد يتجه الأمر إلى مزيد من التصعيد، خاصة بعد أن أعلن المتحدث باسم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إن ما لا يقل عن 11 شخصًا لقوا مصرعهم كما أصيب 14 آخرون إثر ضربات أمريكية-بريطانية على غرب اليمن، يوم الاثنين الموافق 11 مارس 2024، وهي المرة الأولى من نوعها التي يسقط فيها مدنيون منذ التصاعد الحوثي-الغربي، ولذلك قد يؤدي ذلك إلى اتخاذ التصعيد مسارًا أكثر توترًا.

لكن يجدر الإشارة أيضًا إلى أن الجبهة اليمنية والبحر الأحمر من أضعف الجبهات التي يمكن لإسرائيل أن تتطرق إليها أو تلجأ لإشعالها في الوقت الحالي، حيث تعتمد تل أبيب على تحركات الولايات المتحدة التي تقوم بقصف مباشر ضد مواقع عسكرية حوثية، وبالتالي حاليًا لا تحتاج إسرائيل لتكبد خسائر عسكرية واقتصادية إضافية، خاصة في ظل اشتعال 3 جبهات تمثل خطوط محورية بالنسبة لأمنها القومي.

ثانيًا: محددات السياسة الإسرائيلية ما بين التصعيد والتهدئة:

بعد مرور حوالي 6 أشهر على بداية الحرب على قطاع غزة، يمكن القول إن السياسة الإسرائيلية تجاه التصعيد أو التهدئة في الشرق الأوسط تتوقف على مجموعة من المحددات الداخلية والخارجية التي يمكن استعراضها على النحو التالي:

1- المحددات الداخلية:

● الرأي العام الإسرائيلي: يدعم الإسرائيليون فتح جبهة على سبيل المثال في جنوب لبنان، حيث في وقت سابق خلال العام الجاري نشرت صحيفة معاريف استطلاع رأي أجراه مركز “أبحاث لازار”، يظهر أن 71% من الإسرائيليين يعتقدون أن على تل أبيب شن عملية عسكرية ضد لبنان، وذلك لإبعاد حزب الله عن الحدود الشمالية. كما أن الشعب الإسرائيلي حاليًا يرى الحكومة الإسرائيلية ضعيفة، وفقد الثقة في جيشه وأجهزة استخباراته بعد عملية “طوفان الأقصى”، وقد يكون هذا الدافع وراءإثبات إسرائيل أنها ليست ضعيفة عسكريًاوأنهاقادرة على حماية أمنها الداخلي من خلال التصدي عسكريًا لأي تهديد أمني لها في المنطقة، خاصة كما سبق الذكر في الجبهات الأكثر تهديدًا لها وهم على الترتيب التالي: جنوب لبنان، وسوريا وأخيرًا العراق.

● محفز شخصي: يتعلق هذا الدافع برئيس الوزراء الإسرائيلي لتوسيع رقعة الصراع، خاصة وأنه يريد تحقيق إنجاز تاريخي ملموس بعد فشل الأجهزة الاستخباراتية في رصد هجمة 7 أكتوبر، ولذلك فإن تحقيق إنجازات عسكرية من شأنها أن تعمل على إعادة مكانة “نتنياهو” سواء الداخلية أو الإقليمية.

● ضغط اليمين المتطرف: يضغط أعضاء اليمين المتطرف الإسرائيلي من أجل توسيع رقعة الحرب، وتجلى ذلك من خلال تصريحات لوزير الأمن القومي الإسرائيلي “إيتمار بن غفير” الذي استنكر سياسات وزير الدفاع “يوآف جالانت” بعدما أطلق حزب الله أكثر من مئة صاروخ على شمال إسرائيل، مطالبًا بشن حرب الآن على الحزب. واتهم أيضًا أعضاء اليمين المتطرف “نتنياهو” بأنه ضعيف بعد الهجمة الإيرانية الأخيرة وأنه خاضع للإدارة الأمريكية التي طالبت بالهدوء في المنطقة وأوضحت أنها لن تدعم أي تصعيد مع إيران.

2. المحددات الخارجية:

● تحجيم الوجود الإيراني: تسعى إسرائيل إلى تحجيم الدور الإيراني وتحركاته في المنطقة، خاصة وأنه بالإضافة إلى التهديد العسكري يشكل المد الشيعي الإيراني تهديدًا لمصالح إسرائيل السياسية المتمثلة في مكانتها الإقليمية، فلإسرائيل مصلحة سياسية كبرى في أن تُسوِّق لدى العالم العربي السني أنها الوحيدة التي تقف في وجه إيران وأذرعها سرًا وعلنًا في معظم جبهات الشرق الأوسط. كما أنها تقوم بعرقلة مشروع الممر البري بين إيران وسوريا والذي يمر عبر العراق، وهو ما يهدد بزيادة العمليات العسكرية البرية المدعومة من إيران عن طريق سوريا الحدودية مع إسرائيل.

● تقليص قدرات حزب الله: ذلك من خلال استهداف القيادات الهامة واستهداف مخازن الأسلحة ومراكز القيادة والسيطرة وأبراج المراقبة ومنصات الصواريخ ومراكز تجمع مقاتلي الحزب لحماية الجبهة الشمالية الإسرائيلية وإجبار الحزب على التوجه نحو شمال نهر الليطاني.

ثالثًا: الولايات المتحدة وإيران.. هل تسعيان للتوسيع؟

بالنظر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وإيران هما اللاعبان الأساسيان في أغلب التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، من المهم تحديد مواقفهم من توسيع الصراع، على النحو التالي:

الولايات المتحدة الأمريكية: تجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية الحرب على قطاع غزة، وتقدم واشنطن دعمًا غير مشروط لإسرائيل. ووفقًا لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي فإن الموقف الأمريكي قد برز من خلال عدد من الخصائص الرئيسية وهي الموقف السياسي والدبلوماسي الداعم لإسرائيل بشكل مستمر خاصة في المحافل الدولية، بالإضافة إلى تقديم مساعدات عسكرية متواصلة وضخمة، حيث وافق الكونجرس الأمريكي في 20 أبريل من العام الجاري على تقديم مساعدات حجمها 26.4 مليار دولار، مع تحديد أن الأموال ستدعم جهود تل أبيب في الدفاع عن نفسها ضد إيران ووكلائها، فضلًا عن وضع خطط لليوم التالي للحرب، وأخيرًا صد الهجمات الإيرانية عن إسرائيل.

لكن تجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين الدولتين بدأت تأخذ منحنى تنازليًا وذلك على إثر الخلافات القائمة ما بين إدارة الرئيس “بايدن” وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” في العديد من المواقف، خاصة فيما يتعلق بإدارة ملف الحرب على قطاع غزة والعملية البرية في جنوب لبنان، بالإضافة إلى الخلاف ما بينهم حول الرد الإسرائيلي على الضربات الإيرانية، حيث عارضت واشنطن رد إسرائيلي سريع على هجوم إيران دون التفكير في التداعيات والنتائج.

وقد تأجج الخلاف كذلك بين الحكومتين عقب استضافة واشنطن لعضو مجلس الحرب “بيني جانتس” المعارض لتوجهات “نتنياهو”، وأيضًا من خلال إشادة “بايدن” في 15 مارس 2024 بخطاب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ “تشاك شومر”، الذي أعرب عن ضرورة إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل. لكن هذا التوتر بين الحكومتين لا يتوقع أن يؤول إلى تصعيد أكبر في الوقت الحالي أو على الأقل قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024.

وقد تكللت الخلافات السابقة بموقف الولايات المتحدة الرافض لاندلاع حرب إقليمية على كافة المستويات بما في ذلك الحرب “المحدودة” أو “الشاملة” في الشرق الأوسط، فكما سبقت الإشارة إلى موقف “بلينكن” تجاه الحرب المحدودة في جنوب لبنان، خاصة أن الإدارة الأمريكية لا تريد توترات في ظل قرب الانتخابات الأمريكية. لذلك من الضروري للإدارة إظهار أنها قادرة على تحقيق إنجازات فيما يخص ملف الشرق الأوسط بشكل عام، وحرب غزة بشكل خاص، وتجلت أيضًا رغبة “بايدن” في عدم التصعيد من خلال القيام بضربات مركزة ومحدودة ضد الهجمات الحوثية وذلك لإظهار للداخل الأمريكي قدرتها على الردع وليس لإشعال المنطقة.

الموقف الإيراني: تجدر الإشارة إلى أنه فيما يتصل بالهجوم الأخير على “أصفهان”، صرح مسؤول إيراني بأن السلطات “لم تؤكد أن هناك مصدرًا خارجيًا وراء الواقعة”، مضيفًا “لم نتعرض لأي هجوم خارجي والنقاش يميل أكثر نحو تسلل وليس هجوم”، حيث لم يرد أي ذكر لإسرائيل في معظم التصريحات والتقارير الإخبارية الرسمية الإيرانية، مما يوضح أيضًا عدم رغبة إيران في التصعيد.

وفيما يتعلق بالضربة الأخيرة التي وجهتها بشكل مباشر إلى إسرائيل في مطلع أبريل 2024، على الرغم من أنها أخذت زخمًا واسعًا واهتمامًا دوليًا إلا أنه اتضح بعد ذلك أنها فقط ضربة هدفها “حفظ ماء الوجه” وليس التصعيد مع إسرائيل، وما يؤكد ذلك تصريح الجيش الإيراني بأن الضربة الإيرانية كانت عملية عسكرية تحذيرية فقط.

علاوة على ذلك، فقد سبق وحذرت إيران وكلاءها من المضي قدمًا في الهجمات، وذلك من خلالالزيارة السرية لقائد فيلق القدس الإيراني “إسماعيل قاآني” إلى بغداد، بهدف وقف تصعيد الميليشيات المرتبطة بطهران، وحذر الفصائل المسلحة من أي تصعيد جديد مع القوات الأمريكية، مما يعكس رغبة إيران في تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة.

تبين الشواهد السابقة بوضوح أن طهران غير مستعدة للدخول في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة، كما أنها لا تريد التصعيد نظرًا لأن ذلك سيفرض عليها مزيد من العقوبات خاصة بعد أن ضاعفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة عليها بعد الهجمة الأخيرة. وأخيرًا فإنه في حالة عودة “ترامب” إلى السلطة، ذلك من شأنه أن يجبر طهران على التصرف بشكل مختلف وحذر أكثر، تجنبًا لمنحنى خطر مع الولايات المتحدة.

رابعًا: السيناريوهات المستقبلية:

بعد تحليل الوضع الراهن ومحاولة فهم أهم محددات ودوافع التحركات الإسرائيلية تجاه دول عدة في الشرق الأوسط، يمكن وضع مجموعة من السيناريوهات لمستقبل التوجهات الإسرائيلية على النحو التالي:

ا. سيناريو توسيع رقعة الصراع في جبهتي جنوب لبنان وسوريا، وتحجيمها في العراق واليمن:

يعد هذا السيناريو هو الأكثر قابلية للتطبيق، حيث يقوم على فكرة توسيع إسرائيل رقعة الصراع في جبهتين أساسيتين هما؛ جنوب لبنان وسوريا، والتي تستند على العديد من الشواهد، أهمها اعتزام إسرائيل وتأكيدها مرارًا وتكرارًا على أنها سوف تدخل في حرب مباشرة مع حزب الله في جنوب لبنان، كما تشكل الضغوطات الداخلية والرأي العام الإسرائيلي عاملًا مهمًا للغاية نحو ضرورة وضع حد لتحركات وتهديدات حزب الله، ومهاجمته بدلًا من الالتزام بالدفاع فقط عن نفسها أمام ضرباتها المستمرة، وقد بررت إسرائيل عزمها على شن هجمة على جنوب لبنان بأنه السبيل الوحيد لكي تضمن أمنها الداخلي.

أما بالنسبة إلى سوريا، فمن المحتمل أيضًا أن يكون هناك تكثيف للعمليات الإسرائيلية ضد قوات الحرس الثوري الإيراني والفصائل الموالية لإيران في سوريا بما قد يقود إلى مواجهة أكثر من كونها عمليات منفردة.  ورغم أنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث الجبهات القابلة للاشتعال في المنطقة، لكن يجدر الإشارة إلى أن سوريا وإسرائيل في حالة حرب منذ 1948 وهما في توتر دائم وبتالي فإن احتمالية وجود حرب مباشرة ليس بمنأى عن الواقع. وما يؤشر أيضًا على قرب الحرب المنتظرة؛ إعلان الجيش الإسرائيلي أن القيادة الشمالية تجري تدريبات تتضمن سيناريوهات تشمل العمل على الجبهتين اللبنانية والسورية في وقت واحد.

فيما لا يتوقع فتح إسرائيل جبهتي العراق واليمن، خاصة وأنها لا تشكل ضرورة مُلحة بالنسبة لإسرائيل من الناحية الأمنية في الوقت الحالي، كما أن الجيش الإسرائيلي يتكبد خسائر كبيرة يومًا بعد يوم، في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، والرد على هجمات حزب الله في جنوب لبنان، واستهداف سوريا، فضلًا عن المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد الإسرائيلي بسبب الأزمات الداخلية وتصاعد التوترات السياسية، وأيضًا الأزمات المتعلقة بالعمالة الفلسطينية التي تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الإسرائيلي.

ب. سيناريو تحجيم الصراع والاكتفاء بسياسة الدفاع فقط عن أراضيها:

يرجح هذا السيناريو عدم اتساع رقعة الصراع والاكتفاء بالجبهات المفتوحة لإسرائيل حاليًا أهمها الحرب في قطًاع غزة، وأيضًا الرد على الهجمات التي يقوم بها حزب الله في جنوب لبنان، خاصة وأن أفراد الجيش الإسرائيلي لم يختبروا في حرب حقيقية وبالتحديد الأجيال الجديدة منه، حيث كانت القوات الإسرائيلية تعمل إلى حد كبير كقوة أمنية داخلية تقوم بقمع المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وبالتالي فإن القدرات العسكرية للجيش محدودة، وتعكس الخسائر الفادحة في معدات وأفراد الجيش الإسرائيلي جراء الحرب الجارية ضد حماس في قطاع غزة القصور العسكري في صفوف الجيش الإسرائيلي.

بالإضافة إلى ما سبق فإن القدرات الصاروخية للجيش الإسرائيلي مقارنة بحزب الله ليست متكافئة، حيث يمتلك الحزب عددًا كبيرًا من الصواريخ بمديات متنوعة يفوق تعدادها مئة ألف صاروخ، كما لديه القدرة على استهداف أي هدف إسرائيلي مع هامش خطأ ضئيل للغاية، وهذه الصواريخ لديها القدرة على أن تلحق تدميرًا واسعًا بالبنية التحتية الإسرائيلية كافة، بما في ذلك ما تمس المواطن الإسرائيلي نفسه، وهو ضرر تضعه إسرائيل حاليًا في اعتبارها.

وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها منظومة الدفاع الجوي “القبة الحديدية” في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بحماية مرتفعة للمدن والتجمعات الإسرائيلية، لكن وفقًا للتحليلات العسكرية فإن كل منظومة دفاع جوي لها درجة إشباع وفوق هذا المستوى لن تستطيع المنظومة اعتراض كل الصواريخ، ومع كمية الصواريخ الموجودة لدى حزب الله فهو قادر على تخطي نسبة الإشباع لمنظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية.

وبعد الهجمة الأخيرة التي تلقتها إسرائيل من قبل إيران، وإن استطاعت أن تصد 99% من المسيرات والصواريخ التي أطلقت عليها من قبل إيران، إلا أن ذلك تم بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا والأردن وفرنسا، مما يعني أن إسرائيل وحدها لن تسطيع تحجيم الخسائر الناتجة عن إطلاق صواريخ ذات قدرات تفوق قدرة الحماية الجوية للقبة الحديدية الإسرائيلية.

لكن على الرغم من الأسانيد الداعمة لهذا السيناريو، لكنه ضعيف ولا يتوقع تطبيقه، فمن المتوقع أيضًا أن تقوم الولايات المتحدة بدعم التحركات العسكرية الإسرائيلية، حتى وأن كانت في الوقت الحالي تعارض بشدة تلك التحركات، إلا أنها أكدت في نفس الوقت أن حماية أمن إسرائيل أولوية بالنسبة إليها. كما في حرب إسرائيل ضد قطاع غزة، حذرت الولايات المتحدة مرات عديدة “نتنياهو” والجيش الإسرائيلي من عواقب الدخول في هذه الحرب، وطالبتها بوقف الحرب علنًا، إلا أنها من ناحية أخرى كانت تمدها بكافة الأسلحة التي تحتاجها في حربها على قطاع غزة، وهي المتسبب الأكبر في صمود الجيش الإسرائيلي لمدة 6 أشهر حتى الآن.

ج. سيناريو التسوية السياسية ونجاح جهود الوساطة في تهدئة الوضع:

يقوم هذا السيناريو على أساس أن الحرب الجارية على قطاع غزة هي السبب الرئيس الذي أدى إلى اشتعال منطقة الشرق الأوسط خاصة تلك الجبهات التي كانت متجهة نحو مسار التهدئة على رأسها الجبهة اللبنانية، والسورية، والعراقية. ويستند هذا السيناريو إلى حقيقة مفادها أن إطالة أمد الحرب ليس من مصلحة الأطراف سواء الإقليمية أو الدولية، خاصة في ظل عدم تحقيق أي من المتحاربين حسم عسكري، الأمر الذي يُكبد الجانبان العديد من الخسائر مع دخول الحرب شهرها السادس، حيث أُرهق الجنود والقادة في الجيش الإسرائيلي من ناحية، ومن ناحية أخرى نفذ الجيش الإسرائيلي سلسلة من الاغتيالات استهدفت قادة بارزين في صفوف وكلاء إيران، هذا فضلًا عن استهدافه للبنية التحتية للميلشيات، وهو ما يحرج إيران.

وبالتالي يرجح هذا السيناريو أنه في حالة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة من خلال جهود الوساطة المصرية-القطرية، من المحتمل أن ترغب الأطراف المتنازعة سواء تل أبيب أو وكلاء إيران في الرجوع إلى الوضع السابق المتمثل في السعي نحو التهدئة. بيد أنه بالنظر إلى المشهد الراهن من الواضح أن هذا السيناريو غير مرجح على الأقل على المدى القصير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى