
الأول في عهد نتنياهو: كيف ستقرأ إيران الهجوم على مصنع أصفهان ؟
أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية يوم الأحد 29 يناير عن وقوع انفجار في مصنع عسكري في حي “الخمیني” بمدينة أصفهان الواقعة إلى الجنوب من العاصمة طهران وسط البلاد، قائلة إنه تم عن طريق استخدام 3 طائرات مسيّرة. وأضافت الوزارة، في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية (إيرنا)، أن “قوات الدفاع الجوي أصابت واحدة من الطائرات المسيّرة، وتم إسقاط طائرتين أخريين ثم انفجرتا”.
وحول ذلك الهجوم، ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن 3 انفجارات وقعت في مدينة أصفهان ليل السبت-الأحد (29 يناير)، من بينها انفجار بمصنع ذخائر تابع لوزارة الدفاع. ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن مصدر أمني قوله إن “شخصين على الأقل قُتلا إثر الانفجار الذي استهدف مصنعًا للذخيرة”.
وأوضح مدير عام إدارة الأزمات في محافظة أصفهان الإيرانية، منصور شحفورش، أن “أصواتًا غير طبيعية سمعناها خلال 3 إلى 4 مراحل في منطقة الخميني (بمحافظة أصفهان)”، مضيفًا أن “التحقيق في سبب هذه الضجيج قائمٌ على جدول الأعمال وسيجري بحثه”.
وقد تضاربت الروايات الرسمية وشبه الرسمية الإيرانية حول الهجوم، وذلك فيما يتعلق بالإصابات والضحايا، فعلى الرغم من أن وكالة أنباء “تسنيم” أشارت إلى مقتل شخصين، فإن هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية (صداوسيما) قالت إن “الانفجار حدث في إحدى مراكز تصنيع الذخائر التابعة لوزارة الدفاع، ووفقًا لإعلان النائب السياسي والأمني لرئيس محافظة أصفهان لم تقع أية إصابات”.
وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية تصف العملية بـ “غير الناجحة”
أما من جهتها، فقد وصفت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (ايرنا) في نسختها الفارسية يوم 29 يناير 2023 عملية استهداف المصنع العسكري الإيراني التابع لوزارة الدفاع بأنها “غير ناجحة”، حيث قالت: “استهدف هجوم غير ناجح ليل السبت- الأحد واحدًا من المجمعات الصناعية التابعة لوزارة الدفاع في أصفهان”. وأضافت “ايرنا” في بيان لها أن “الحادث قد وقع الساعة 23:30 يوم السبت، إلا أن الدفاعات الإيرانية تمكنت من صده”.
وأوضح البيان أن “هذا الهجوم غير الناجح لم يُحدث خسائر بشرية، ولكنه تسبب في أضرار في سقف المصنع العسكري، ومع ذلك فإن المعدات الموجودة في المصنع لم يصبها أذى”. وقالت وزارة الدفاع الإيرانية إن الطائرات المسيرة التي ضربت المصنع الإيراني كانت من طراز “كوادكوبتر Quadcopter” ذات المراوح الأربع، وكانت مجهزة بقنابل عنقودية.
وأشارت الوكالة إلى أنه تم إسقاط إحدى هذه الطائرات المسيرة التي اشتركت في الهجوم، حيث فقدت هذه الطائرة اتصالها بنظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية “GPS”، ومن ثم تمكنت أدوات “الحرب الإلكترونية” التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية من إسقاطها.
https://img9.irna.ir/d/r2/2023/01/29/0/170145812.mp4?ts=1674943387953
(فيديو توضيحي لعملية قصف المصنع الإيراني)
واتهمت الوكالة الرسمية في تقريرها وسائل إعلام “العدو” بأنها تنشر الشائعات حول هذا الهجوم وتحاول تضخيمه، حيث قالت إن “هذه الوسائل الإعلامية تربط حادث مصنع أصفهان بحادث آخر وقع في مدينة أذربيجان الشرقية ويحاولون نشر الدعاية السلبية والإيحاء بانعدام الأمن في المحافظات الإيرانية”.
وأشارت الوكالة إلى أن وسائل إعلام “العدو” قد قالت أيضًا إن هناك حوادث انفجارات أخرى مشابهة قد وقعت في محافظات إيرانية أخرى في “ألبرز وهمدان وتبريز خلال الساعات الأولى من صباح اليوم الأحد 29 يناير”.
واستطردت الوكالة “إن وسائل التواصل الاجتماعية الإسرائيلية خاصة على تويتر قد استغلت الحادث الذي وقع في أصفهان ورأوه مناسبًا للترويج لعمليات نفسية، وحاولوا نشر شائعات متزامنة”.
وعلى الرغم من اتهام وسائل الإعلام الإيرانية لإسرائيل بالوقوف خلف هجمات مماثلة أخرى قد وقعت في إيران خلال السنوات الماضية، إلا أنها لم توجه بشكل رسمي لها أصابع الاتهام في الهجوم الأخير الذي استهدف أصفهان يوم 29 يناير الجاري.
لذا، فإن وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية قد اكتفت بتوجيه أصابع الاتهام لإسرائيل بمحاولة نشر شائعات وشن “عمليات نفسية” ضد إيران عن طريق الإعلام، وقالت إن “حالات مثل حادث مصنع أصفهان، واغتيال قادة الحرس الثوري، وتفعيل الدفاع الجوي الإسرائيلي، كل هذه قضايا تقوم إسرائيل بفبركتها من أجل شن عمليات نفسية”.
واستطردت وكالة الأنباء الإيرانية “ايرنا” أن “إحدى أهم النقاط البارزة في هذا الخط الإعلامي الإسرائيلي والعمليات النفسية هو اختيار إسرائيل للتوقيت المناسب، حيث اختارت إسرائيل لهذه العملية النفسية الأخيرة منتصف الليل وهو الوقت الذي لا تكون فيه وسائل الإعلام الإيرانية نشطة لتقصي هذه الأخبار الإسرائيلية”.
عملية “جبانة” وبرلماني إيراني يتهم إسرائيل مباشرة
وصفت وزارة الخارجية الإيرانية العملية التي استهدفت المصنع العسكري الإيراني في أصفهان بأنها “جبانة” وقالت إن هذه العملية “لن تؤثر على إرادة إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي السلمي”.
وفي الوقت نفسه، وجه النائب البرلماني الإيراني عن محافظة أصفهان التي شهدت الحادث، حسين ميرزايي، اتهامات مباشرة لإسرائيل بأنها وراء الحادث قائلًا إن “الهجوم هو عمل إسرائيلي”. أما نائب رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، عباس مقتدايي، فقد قال إنه “بالنظر إلى التقديرات السابقة، فإن القائمين على هذا الهجوم لم يستطيعوا تحقيق أهدافهم وضربتهم هذه ليس لها أي قيمة عسكرية أو استخباراتية”.
أما على الجانب الآخر، فإن صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية قد قالت إن مصادر استخباراتية غربية قد وصفت الهجوم بأنه “ناجح للغاية”. وبالتزامن مع ذلك، تحدثت مصادر إعلامية إسرائيلية عن “عملية في الداخل الإيراني”، وربطت بين توقيتها وزيارة رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، إلى إسرائيل.
العملية تمت من داخل إيران: واشنطن تنفي المشاركة ومسؤول أمريكي يتهم إسرائيل
ذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية أن الصحفي في قناة “كان” الإسرائيلية، أميخاي أستي، قد نقل عن أحد المسؤولين الأمريكيين نفيه مشاركة الولايات المتحدة في هذه العملية داخل إيران.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في الوقت نفسه إنه بالنظر إلى مدى الطائرات المسيرة المستعملة في الهجوم، وهو مدى قصير، وكونها ذات 4 مراوح، فإنه من المحتمل أن تكون العملية التي استهدفت المصنع قد تمت من داخل إيران ومن داخل محافظة أصفهان نفسها.
وأشارت الصحيفة إلى أنه لم يتضح حتى الآن مكان انطلاق الطائرات المسيرة المشاركة في الهجوم، موضحة أنه “نظرًا لأن أصفهان بعيدة عن الحدود الدولية لإيران، فإنه من المحتمل أيضًا أن يكون الهجوم قد جرى التخطيط له من داخل إيران”.
وأكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية من جانبها، نقلًا عن مسؤولين أمريكيين أن “الغارة بالطائرات المسيرات في إيران نفذتها إسرائيل”، مشيرة إلى أن “إسرائيل نفذت ضربة غير معلن عنها بمسيرة استهدفت مجمعًا عسكريًا في أصفهان بإيران”. وكشف مسؤول بارز في الاستخبارات العسكرية الأمريكية لوسائل إعلامية أن “المسيرات الحربية التابعة للجيش الإسرائيلي التي استهدفت مواقع حيوية إرهابية تابعة للحرس الثوري في أصفهان داخل العمق الإيراني متطورة للغاية ومن الصعوبة رصدها”. وأضاف: “تم تنسيقها مع سلاح الجو الأمريكي وبعلم من قادة البنتاجون والرئيس جو بايدن”.
ومن جانب آخر، نفى مسؤول أمريكي بارز، الأحد 29 يناير ، في تصريحات له مع هيئة الإذاعة الإسرائيلية قيام قوات عسكرية أمريكية بشن ضربات في إيران. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤول أمريكي قوله “إننا نؤكد عدم وقوع أي هجمات تابعة للجيش الأمريكي في العمق الإيراني، وإننا نراقب الوضع عن كثب بعد الهجوم على مستودع أسلحة في أصفهان”.
حرب أوكرانيا أم إسرائيل: مَن يقف وراء استهداف المصنع العسكري الإيراني ؟
جاء الهجوم ضد مصنع مدينة أصفهان ، ذات الأهمية العسكرية الكبرى والتي تحتوي على عدد غير قليل من المنشآت والمصانع العسكرية، متزامنًا مع اتهامات غربية وإسرائيلية متكررة لإيران خلال الفترة الأخيرة بالانخراط العسكري في الحرب الأوكرانية جنبًا إلى جنب مع روسيا عن طريق الطائرات المسيرة، وتحذيرات متزامنة من مواصلة إيران هذا النهج.
وليس هذا وحده، بل إن الهجوم يتزامن أيضًا مع تجمد وتوقف المفاوضات النووية الإيرانية مع الدول الكبرى منذ شهر أغسطس 2022، وقلق أوروبا وواشنطن من إمكانية استغلال إيران للموقف وتطوير أسلحة عسكرية نووية.
“وول ستريت جورنال”: إسرائيل تقف وراء الهجوم
ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلًا عن مسؤولين أمريكيين وأشخاص مطلعين أن “إسرائيل مسؤولة عن هجوم غير معلنه عنه بطائرات مسيرة استهدفت مجمعًا دفاعيًا في إيران. وأضافت الصحيفة الأمريكية أن ذلك الهجوم يأتي وسط بحث الولايات المتحدة وإسرائيل عن سبل جديدة لاحتواء الطموحات النووية والعسكرية لإيران. وحتى كتابة هذا التقرير، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها الرسمية عن الانفجار.
حرب أوكرانيا ومصنع أصفهان العسكري
بالتزامن مع تقارير إعلامية متزامنة مع الهجوم، قال “مخايلو بودولياك” مستشار الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في تغريدة له على تويتر إن الهجوم الذي وقع في إيران “ذو صلة مباشرة” بالحرب في بلاده. وأضاف مخايلو “منطق الحرب لا يرحم وفتاك، ويحاسب المسؤول والمتواطئ بحزم، إنها ليلة متفجرة في إيران، إنتاج مسيرات وصواريخ ومصاف نفطية. لقد حذرناكم”.
تداعيات محتملة
أصبحت عملية أصفهان الأولى من نوعها في إيران التي تُنسب إلى إسرائيل خلال عهد حكومة رئيس الوزراء الجديد بنيامين نتنياهو، وهو ما ستقرأه إيران حتمًا على أنه اختبار جديد لها في عهد نتنياهو. وقد جاء الهجوم في الوقت الذي يبحث فيه المعنيون من الجيش والحرس الثوري والأجهزة الأمنية في إيران كيفية “التعامل” مع حكومة نتنياهو الجديدة.
وعليه، يُتوقع أن تقوم إيران بالرد على هذا الهجوم؛ بعد أن تنسبه رسمياً إلى إسرائيل وبعدما نسبته وسائل إعلام أمريكية إليها. كما أن قراءة طهران للحادث على أنه اختبار من حكومة نتنياهو الجديدة سوف يدفعها على الأغلب للرد على هذا الهجوم، وهو ما يعني أن إيران قد تستهدف إسرائيل إما عن طريق الحرب الإلكترونية وقيام جماعات القرصنة الإلكترونية الإيرانية باستهداف مرافق أو مواقع إسرائيلية، أو عن طريق تصعيد الصراع مع إسرائيل في سوريا أو في لبنان باستخدام “حزب الله”، وهو ما يقودنا إلى الاعتقاد بأن الأيام المقبلة قد تحمل تصعيدًا بين الطرفين.
ونظراً لموقع إيران الجغرافي، فإنها قد تلجأ أيضًا إلى توقيف سفن تابعة لإسرائيل في الخليج العربي أو استهداف سفن أخرى في المياه الدولية البعيدة عن الإقليم، وهو سيناريو له سوابق عدة في الماضي ووقع حينما اشتد الصراع بين الإسرائيليين والإيرانيين خلال السنوات الفائتة.
ومن الجدير الإشارة إلى أن هذه الضربة تتزامن مع مساعي غربية وإسرائيلية للرد على الدعم العسكري الإيراني عن طريق الطائرات المسيرة إلى روسيا في الحرب الأوكرانية، وفي الوقت ذاته كان مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، قد قام برحلة غير معلنة إلى إسرائيل منذ أيام من أجل الحوار بشأن قضايا عدة من بينها إيران، وفقاً لأفراد مطلعين على الزيارة.
وتسبق الزيارة أيضاً زيارة لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، يوم الاثنين 30 يناير الجاري والتي سوف تتطرق إلى الملف الإيراني.
باحث بالمرصد المصري