إيران

تداعيات محتملة: ماذا إذا صنف الاتحاد الأوروبي الحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية؟

لا تزال الحرب الروسية الأوكرانية تُلقي بظلالها دوليًا؛ فقد أدى الانخراط الإيراني في هذه الأزمة إلى تصاعد المواجهة بين الدول الداعمة لكييف وطهران وفرض عقوبات متعددة على الأخيرة. ولم يكن ذلك الدعم العسكري الإيراني وحده هو العامل الرئيس في فرض عقوبات غربية مؤخرًا على إيران، بل إن رفض أوروبا والولايات المتحدة لعملية القمع التي تمارسها السلطات الإيرانية في الداخل ضد المتظاهرين وعدم قبول إيران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كمفتاح للتوصل إلى اتفاق نووي قد أسهما في تصاعد المواجهة مؤخرًا بين إيران والدول الأوروبية.

ولمّا كان الحرس الثوري هو محور هذه التفاعلات في الداخل والخارج، فقد أصبح هدفًا للعقوبات، ومن بينها تلك التي تم الإعلان عنها يوم 23 يناير الجاري من جانب الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي بسبب ما وصفته بـ “الاستخدام الوحشي وغير المتناسب للسلطات الإيرانية إزاء المتظاهرين السلميين”. وفي الواقع، مثّلت هذه الحزمة من العقوبات جزءًا من سلسلة كبرى من الضغوط ضد الحرس وإيران بسبب القمع الداخلي والعمليات العسكرية الخارجية. 

ومع ذلك، يبدو أن ذروة هذه العقوبات لم تظهر بعد؛ إذ تدرس الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وعددها 27، في الوقت الحالي تصنيف الحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية، وذلك بعد تمرير البرلمان الأوروبي مؤخرًا قرارًا يؤيد وضع كافة وحدات الحرس الثوري الإيراني العسكرية والأمنية والاقتصادية على القائمة الإرهابية، وهو ما يُعد مقدمة لتصنيفه على هذا النحو. وإن حدث هذا التحول، فإننا سنصل حينئذ إلى ذروة المواجهة الإيرانية مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة والتي كانت قد أدرجت الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية في أبريل 2019 قبل أقل من عام على مقتل أحد أبرز عناصره وقائد ما يُعرف بـ “فيلق القدس”، قاسم سليماني. 

وفي هذا الصدد، نسلط الضوء فيما يلي على أبرز التداعيات المحتملة لتصنيف الاتحاد الأوروبي للحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية:

عقبات أمام تصنيف الحرس الثوري

لا يمكن القول إن تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية من جانب الاتحاد الأوروبي سيكون بالأمر اليسير؛ وذلك بالنظر إلى الإجراءات العملية اللازم اتخاذها داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي لتأييد هذا القرار ولحاجة الكتلة الأوروبية أيضًا للوقت الكافي لدراسة نتائجه المستقبلية.

فعلى الرغم من تمرير البرلمان الأوروبي للقرار، فإنه لا يزال قيد الدراسة في المؤسسات التابعة للاتحاد، بجانب أن الإعلان بشكل نهائي عن تصنيف الحرس الثوري تنظيمًا إرهابيًا يستلزم موافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يستدعي في الوقت نفسه موافقة مؤسسات هذه الدول على تلك الخطوة. ويعني كل هذا أن اتخاذ الاتحاد الأوروبي قرار تصنيف الحرس الثوري يحتاج إلى وقت كافٍ حتى يتبلور هذا التوافق الشامل.

وقد يبدو هنالك بعض التردد حتى الآن داخل الاتحاد فيما يخص تصنيف الحرس، وهو ما يتضح على سبيل المثال من موافقة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على وضع الحرس الثوري على قائمة الجماعات الإرهابية، ورفض ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، هذه الخطوة، حيث يفضل إبقاء ولو أدنى قدر من قنوات التواصل مع إيران.

أبرز التداعيات المحتملة لتصنيف الاتحاد الأوروبي للحرس الثوري جماعة إرهابية

إن حدث وتم إدراج الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية في الدول الأوروبية (الاتحاد الأوروبي وبريطانيا)، فإنه سيكون بمثابة تصنيف للنظام الإيراني برمته على هذا النحو، وهو ما يتوازى مع تصنيف آخر من جانب الولايات المتحدة للحرس الثوري. ومن المتوقع أن ينتج عن وضع الاتحاد الأوروبي للحرس الثوري على لائحة الجماعات الإرهابية ما يلي:

  1. مواجهة مفتوحة وشاملة:

إن تصنيف الحرس الثوري إرهابيًا لن يكون سوى رأس هرم لجملة العقوبات الأوروبية والأمريكية الموضوعة على إيران منذ سنوات، خاصة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية ومقتل الفتاة الكردية “مهسا أميني” على يد الشرطة في طهران العام الماضي؛ إذ إن مسار العقوبات الغربية، وخاصة الأوروبية، ضد إيران قد اتخذ منحنى صعوديًا وأكثر جدية منذ شهر أغسطس 2022. لذا، فإن تصنيف الحرس سيكون الحجر الأخير في هيكل العقوبات ضد طهران، ما يعني بداية مواجهة من نوع خاص بين الطرفين. 

وقد يصبح إدراج الحرس، بما يعنيه كذلك من إدراج لقوات التعبئة الإيرانية الشعبية (الباسيج)، بداية لمواجهة مفتوحة وشاملة بين هذه الأطراف على المستويات العسكرية والأمنية والسياسية من المتوقع ألا تقتصر فقط على الشرق الأوسط، بل إنها قد تشمل مواقع أخرى. وفي الوقت نفسه، لا يعني ذلك اقتصار المواجهة على مناوشات أو صدامات عسكرية على البر أو في البحر، فالحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات الإيرانية تمكنت خلال العقود الماضية بفضل الديمقراطية الغربية من إيجاد مواطئ قدم لها في مناطق متعددة قد توظفها لصالحها إذا ما رغبت في ذلك.

  1. رد عسكري إيراني مماثل: 

منذ اللحظة الأولى لتمرير البرلمان الأوروبي قرار تصنيف الحرس الثوري والذي يُعد بدوره المرحلة الأولى في طريق إدراجه على قائمة الإرهاب، هددت إيران هي الأخرى على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان بـ “وضع أطراف من جيوش الدول الأوروبية على قائمة الإرهاب” وأن “الرد بالمثل”. وقد يقصد عبد اللهيان من ذلك تصنيف جيوش بعض الدول الأوروبية على هذا النحو واستثناء أخرى. وقد قامت إيران بخطوة مشابهة مع الجيش الأمريكي في عام 2019.

وعلى أي حال، إذا ما قامت إيران بهذه الخطوة، فقد تتصاعد المواجهات (أو المناوشات) بين القوات والوحدات العسكرية الأوروبية والأمريكية في الشرق الأوسط والحرس الثوري الإيراني. وقد تتزايد احتمالات حدوث هذا السيناريو إذا ما قلنا إن نتائج تصنيف الحرس الثوري الإيراني إرهابيًا من قِبل الاتحاد الأوروبي ستحكم الضغوط على الحرس مع وجود تصنيف مماثل من جانب واشنطن. وفي هذه الحالة، يمكن أن يصبح الخليج العربي ساحة لمثل هذه المواجهات مع توقعات بتصريحات إيرانية نارية في المستقبل القريب حول “إغلاق مضيق هرمز” الاستراتيجي.

  1. تجميد المفاوضات النووية بشكل نهائي:

فسّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، مؤخرًا اختلافه مع التوجه لتصنيف الحرس الثوري الإيراني إرهابيًا بأنه يريد “إبقاء شعرة سياسية” مع إيران للتواصل، وهو ما قد يعني به عدم إغلاق الباب أمام الحديث بشأن ملفات بعينها مثل المفاوضات النووية المتوقفة منذ شهر أغسطس الماضي. وتزامن ذلك مع تهديدات إيرانية تدور حول تصعيد محتمل.

وفي ضوء تلك التهديدات والتصعيد المحتمل، يُتوقع أن تشهد المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى تجميدًا نهائيًا لا يمكن الحديث معه عن استئناف مرجح للمفاوضات النووية، وهو ما يرفع في الواقع من التهديد النووي الإيراني والذي قد تلجأ معه دول بعينها إلى الإقدام على تحركات غير مسبوقة لطالما تم طرحها على الطاولة خلال السنوات الماضية.

  1. تقييد القدرات الاقتصادية للحرس الثوري:

يملك الحرس الثوري الإيراني أعمالًا تجارية واسعة في الداخل ترتبط اقتصاديًا بخارج البلاد. ويحصل الحرس على تمويلات مالية من جماعات أو منظمات موالية أو تابعة له في الخارج بعضها في أوروبا، ما يشير في الوقت ذاته إلى حاجة عناصره إلى التنقل في الدول الأجنبية. أما مع وضع الحرس الثوري على القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية، فإن كل هذه المنافذ التجارية والاقتصادية سيجري تقييدها؛ نظرًا إلى أنها ستصبح في هذه الحالة عناصر داعمة للإرهاب ولن يُسمح إذًا بتداول أو نقل أو تنقل هؤلاء الأفراد أو الأموال. وسيقيد هذا بالتالي من قدرة الحرس الثوري نسبيًا على مواصلة العمل في مجال الصناعات الدفاعية؛ لتراجع القدرات المالية، بجانب أنه سيؤثر حتمًا على عملياته العسكرية في الخارج.

  1. انخراط إيراني أكبر في الحرب الأوكرانية:

تجيء هذه الاحتمالية لتصبح نتيجة لما سبق الإشارة إليه؛ إذ إن تحول التوترات الأوروبية إلى مواجهة مع إيران قد يدفع الأخيرة إلى توثيق علاقاتها بشكل أعمق مع روسيا والصين، وهو ما قد يرجّح تنامي الانخراط الإيراني في الحرب الروسية الأوكرانية، ذلك التحول الذي كان بالأساس أحد أسباب تدهور العلاقات بين إيران والدول الأوروبية خلال الأشهر الماضية.

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى