
100 يوم على مقتل “مهسا أميني”: هل انتهت الاحتجاجات في إيران؟
دخلت الاحتجاجات في إيران يومها المئة في 26 ديسمبر 2022؛ بعد اندلاعها في منتصف سبتمبر الماضي تنديدًا بمقتل الفتاة الكردية الإيرانية “مهسا أميني” على يد إحدى وحدات الشرطة السابقة المعروفة باسم “دوريات التوجيه – شرطة الأخلاق” والتي تم الإعلان عن حلها منذ أسابيع قليلة. وعلى الرغم من تراجع التغطية الإعلامية حولها بشكل نسبي مقارنة بالشهرين الأوليين لها حتى أواخر نوفمبر الماضي، ومع أن الحكومة الإيرانية قد أشارت أكثر من مرة خلال الآونة الأخيرة إلى أنها قد انتهت؛ فإن هذه الاحتجاجات لا تزال حاضرة في إيران وبقوة، وتواصل تفاعلاتها ذات الصلة في الداخل والخارج أيضًا.
تحولات الاحتجاجات في الداخل الإيراني
شهدت مسيرة الاحتجاجات في إيران خلال شهر ديسمبر الجاري تطورات ملحوظة ميّزتها عن الأسابيع الأولى لاندلاعها، وكان أبرز هذه التحولات ما يلي:
- توسع النطاق الجغرافي مقابل التمركز السابق في وسط المدن:
تمثلت أولى هذه التحولات في انتشار أوسع نطاقًا وتمددًا من حيث عدد المظاهرات، وفي الوقت نفسه تراجع كثافة عدد المشاركين بها، مع استمرار تمركزها بشكل أكبر في الأقاليم الكردية والبلوشية في الغرب والشرق على التوالي، وذلك في محافظة كردستان شمال غربي البلاد، وفي محافظة سيستان وبلوشستان الشرق على الحدود مع باكستان. ويعني هذا انتشارًا أكبر لموجة الاحتجاجات بوجه عام.
فقد كانت التجمعات الأولية لهذه الموجة العارمة من الاحتجاجات خلال شهري سبتمبر وأكتوبر وإلى منتصف نوفمبر الماضي كبيرة من حيث عدد المحتجين ومركزة في وسط المدن، أما مؤخرًا فقد انتشرت جغرافيًا على الأرض بشكل أكبر من حيث عدد التجمعات ولكنه أقل نسبيًا من حيث تعداد المتظاهرين. لذا، لم نعد نرى خلال الآونة الأخيرة احتجاجاتٍ كبيرة العدد ومحصورة في مراكز المدن، بل نشهد على الجانب الآخر انتشارًا لعدد أقل من المتظاهرين ولكن في مواقع أكثر داخل كل محافظة.
- تزايد إضرابات العمال دعمًا للاحتجاجات:
اتسمت الاحتجاجات في إيران أيضًا خلال الأسابيع الماضية بانضمام المزيد من الفئات العمالية لها، عبر إعلانهم الإضراب تنديدًا بسياسات النظام ودعمًا للمحتجين. وتَركّز عددٌ كبير من هذه الإضرابات في محافظة كردستان غربًا. بل إن عددًا من موظفي القطاعات الحكومية في إيران قد أعلنوا منذ أيام عن تضامنهم مع الاحتجاجات من بينهم إعلان موظفي هيئة “التسجيل العقاري” في عدد غير قليل من المناطق الإدارية الإيرانية إضرابهم عن العمل دعمًا للمحتجين.
- تغيير القيادات الأمنية:
من ناحية أخرى، لجأ النظام الإيراني إلى تغيير بعض القيادات الأمنية؛ في محاولة للسيطرة على الاحتجاجات، حيث جاء بقادة أمنيين معروفين بصرامة تعاملهم مع المظاهرات. وعلى سبيل المثال، أُعلن يوم 25 ديسمبر 2022 عن تنصيب العميد في الحرس الثوري الإيراني “محمد كرمي” حاكمًا لمحافظة سيستان وبلوشستان الأكثر اضطرابًا في البلاد حاليًا، بدلًا من “حسين مدرس خياباني”.
وفي دلالة على أن تعيينه قد جاء من أجل ردع وإنهاء المظاهرات في هذه المحافظة الأكثر اكتظاظًا بالمتظاهرين، كان كرمي أحد أبرز العكسريين في الحرس الثوري الذين واجهوا المظاهرات خلال الأشهر القليلة الماضية داخل محافظة سيستان وبلوشستان عبر شغله منصب قائد قوات “فيلق القدس” في المحافظة وذلك منذ 24 فبراير 2020.
ويُعرف محمد كرمي داخل إيران بأنه منفّذ “مذبحة زاهدان” أو ما يُشار إليها أيضًا بـ “الجمعة الدامية”، وهي مجموعة من الأحداث الدموية التي وقعت في مدينة زاهدان يوم 30 سبتمبر 2022 وأدت إلى مقتل حوالي 100 شخص وإصابة مئات أخرين؛ وذلك إثر غضب القبائل المحلية في المحافظة بعد ذيوع أنباء عن اعتداء القائد في الشرطة الإيرانية “إبراهيم كوشاكزاي” على فتاة بلوشية.
وحسب المصادر المحلية، فقد وقعت هذه الحادثة قبل منتصف شهر سبتمبر الماضي، أي قبل اندلاع الاحتجاجات في عموم إيران للتنديد بمقتل الفتاة الكردية “مهسا أميني” على يد الشرطة، إلا أن موجة الغضب قد وجدت مخرجًا لها في إقليم سيستان وبلوشستان مع انطلاق الاحتجاجات في وقت لاحق من الشهر نفسه بعد الإعلان عن مقتل “مهسا أميني”.
- إجراءات أكثر صرامة تجاه المحتجين:
أدى استمرار المظاهرات وحدوث تحول في انتشارها جغرافيًا على الأرض إلى اتخاذ السلطات في إيران إجراءت أكثر صرامة ضد المحتجين، ولجوئها إلى محاكمة كثيرين منهم في محاكم الثورة وإدانة آخرين كُثُر بالإعدام من أجل “ردع” المتظاهرين؛ إذ إن انتشارها على هذا النحو يعني تشتيتًا وإرهاقًا متفاقمًا لقوات الحرس الثوري والشرطة والاستخبارات والباسيج التي تقوم على محاولة إخمادها.
ولعب كثير من خطباء المساجد الكبرى في إيران، إلى جانب الوسائل الإعلامية الموالية للحكومة، دورًا بارزًا في الحشد ضد المحتجين، حيث يواصل هؤلاء دعواتهم لاتخاذ الحكومة خطوات “حاسمة” إزاء المتظاهرين من بينها الإعدام أو الفصل من العمل، مثلما دعا أحدهم إلى “إغلاق الحسابات المصرفية للنساء غير الملتزمات بالحجاب الملائم”.
وحتى الآن، قُتل أكثر من 500 إيراني في هذه المظاهرات، بينهم 69 طفلًا، وقامت طهران بإعدام شخصين اثنين من المتظاهرين، فيما لا يزال 26 آخرين يواجهون المصير ذاته. وخلال هذه الموجة، جرى أيضًا اعتقالُ الآلاف من المحتجين، من بينهم ابنة شقيقة المرشد الحالي علي خامنئي، وهي “فريدة مرادخاني” التي أعلنت إضرابًا عن الطعام وطالبت بنقلها إلى السجن السياسي الشهير “إيفين”.
“الأعداء” الخارجيون والاحتجاجات في إيران
برزت عدة تداعيات خارجية صاحبت –ولا تزال- الاحتجاجات المحلية في إيران، وكان أهمها ما يلي:
- انعكاسات اتهام الخارج بـ “دعم الاحتجاجات”:
واصلت إيران نهج معاداة الخارج واتهام بعض الدول الأجنبية بـ “دعم الاحتجاجات” في الداخل إما عن طريق الإعلام أو الأموال، حسبما تزعم مصادرُها. فقد اتهم المسؤولون الرسميون في طهران الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا إلى جانب إسرائيل، بـ “دعم الاحتجاجات” و”السعي إلى تقسيم إيران”، حسب مزاعم عدة. وأدت هذه الاتهامات بدورها إلى غضب الدول الغربية التي نفت هذه الاتهامات.
ولم يخلُ هذا التصعيد السياسي بين إيران والدول الغربية من تداعيات أخرى على عدد من القضايا المهمة والتي جاءت على رأسها المحادثات النووية التي لم تشهد أي تقدم منذ شهر أغسطس الماضي، وتجمدت في الشهر التالي إثر تصاعد التوترات بين طهران والغرب، علاوة على إيقاف التقدم في ملفات أخرى مثل تبادل السجناء.
- تكثيف عمليات اعتقال الأجانب:
ومن جانب آخر، صعّدت إيران من المواجهة حينما قامت باعتقال عدد من الأجانب المقيمين في البلاد، من بينهم فرنسيون وألمان وهولنديون وبولنديون، زعمت أنهم منخرطون في أعمال “إثارة الاحتجاجات”. وشنت السلطات الأمنية في إيران بالتالي حملات متكررة للقبض على أجانب في البلاد، يجيء من أبرزها تلك الحملة التي اعتقلت إيران على إثرها عددًا غير قليل من الأجانب دفعة واحدة، وجرى الإعلان عنها يوم 24 ديسمبر الجاري. حيث وصفت السلطات الإيرانية هذه المجموعة بأنها “أكبر شبكة تخريب وراء الاحتجاجات” الحالية من بينهم معتقلون سابقون في مظاهرات عام 2009. وذكرت وزارة الاستخبارات الإيرانية أن المجموعة مكونة من 39 شخصًا ولها “اتصال مع جهات خارج إيران من بينها منظمة مجاهدي خلق وجماعة عرفان الروحية وأتباع من الطائفة البهائية”.
- تطوير عمليات “الاستهداف الإعلامي”:
شنت وسائل الإعلام الإيرانية حملات دعائية عدة ضد وسائل إعلام خارجية بعينها وجهت إليها “الاتهامات” ذاتها. وقد أدرجت طهران عدة وسائل إعلامية خارجية جديدة على قائمة “الاستهداف الإعلامي”، بحيث لم تعد الاتهامات تتمحور حول النسخة الفارسية من هيئة الإذاعة البريطانية، بل أضيفت إليها قنوات جديدة مثل “إيران انترناشيونال” التي أفردت لها السلطات الإعلامية مساحة واسعة للهجوم ضدها.
مجمل القول، تستمر الاحتجاجات في إيران بشكل متواصل ويومي منذ شهر سبتمبر الماضي، بعد أن صعّد المتظاهرون من مطالبهم ودعوا إلى رحيل حكم رجال الدين بعد 43 عامًا من مجيئه. ويُعد هذا أبرز أسباب مواصلة الاحتجاجات في إيران حتى الآن، وهو ما يُتوقع معه أيضًا مواصلتها للعام المقبل. ولعل ما يُضاف إلى هذه الأسباب أيضًا دخول العامل العرقي سببًا في المظاهرات، وذلك عند الحديث عن سريانها في محافظات كردستان وسيستان وبلوشستان بوجه خاص.
باحث بالمرصد المصري