
الاتفاق النووي الإيراني.. المكاسب والمخاوف
سعت إيران خلال مفاوضات الاتفاق النووي الأخيرة إلى تحقيق هدفين رئيسين وهما: وجود ضمانات باستدامة وجود الولايات المتحدة في الاتفاق دون رجعة، ورفع الحظر عن حساباتها البنكية وتعاملاتها الاقتصادية وخاصة النفطية مع الدول. وهو ما دفعها إلى استخدام ورقة التصعيد النووي في بعض الأحيان كأسلوب غير مباشر لإرجاع الأطراف المعنية بالملف إلى المباحثات مجددًا، وبشكل مباشر رفع سقف المطالب في مباحثات فيينا والدوحة لتتمكن من تحقيق الهدفين السابقين.
الإيرانيون يدركون أن لديهم ورقة ضغط كبيرة وهي النفط، ويدركون أيضًا حاجه الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى ضخ النفط الإيراني للأسواق العالمية بعد انقطاع النفط الروسي عن أوروبا، وكذا حاجة بايدن إلى خفض أسعار الوقود التي وصلت إلى أرقام قياسية، قبل انتخابات التجديد النصفي لشهر نوفمبر 2022. وتخشى إيران خسارة الديمقراطيين، فالاتفاق النووي أبرم في عهد رئيس ديمقراطي في 2015، وانسحبت منه الولايات المتحدة في عهد رئيس جمهوري 2018، لذا تدرك إيران أن فرصها أكبر في ظل إدارة ديمقراطية، وفي نفس الوقت ترغب في حسم عدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق خشية تولي رئيس جمهوري للإدارة المقبلة.
المكاسب السياسية
المكاسب السياسية الإيرانية ليست مكاسب خارجية فقط متعلقة بالعلاقات الخارجية الإيرانية مع دول الجوار أو الدول الغربية، فالتيار المحافظ في الداخل الإيراني والذي خرجت عنه الحكومة الحالية برئاسة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يريد تحقيق انتصار داخلي يعزز من قوة التيار المحافظ في الداخل، خاصة في ظل امتعاض أنصاره من استمرار عمليات الاغتيالات بحق علماء وعسكريين إيرانيين في الداخل دون رد، واستمرار انتقادات التيار الاصلاحي الذي يرجع فشل العديد من الملفات إلى الحكومة الحالية، هذا بخلاف الحركات الاحتجاجية التي شهدتها مدن إيرانية عديدة في مايو ويونيو من العام الجاري، ومنها ما هو مرتبط بشح المياه خاصة في مدن الجنوب، وأزمة استمرار انقطاع الكهرباء عن مدن جنوب غرب البلاد.
إيران تحتاج إلى هذا النصر لامتصاص غضب الشارع الإيراني، وإعادة ثقة الشعب في الحكومة مجددًا، وهو الأمر الذي يعزز من فرص إبراهيم رئيسي في تولي فترة رئاسية ثانية، واستمرار مكانة التيار المحافظ على هرم السلطة وقطع أمال التيار الاصلاحي في الوصول للحكم مجددًا.
أما المكاسب السياسية الخارجية، فستتمكن إيران من حلحلة بعض الملفات المتعلقة بسياساتها الخارجية خاصة المتعلقة بفتح آفاق تعاون مع الدول العربية والغربية، وجذب مزيد من الاستثمار، وقد تفشل في بعضها إذا استمرت في التعامل معها من منطلق أمني وليس دبلوماسي، وهنا يُقصد تحديدًا المفاوضات السعودية الإيرانية المتعلقة بالأساس بالملف اليمني.
نجاح الاتفاق سيكون له أثر على العديد من الملفات في المنطقة ويمكن استعراض ذلك على النحو التالي:
سوريا وإسرائيل: العديد من الملفات التي حادت عن مسار المفاوضات النووية مثل عدم رفع اسم الحرس الثوري من قوائم الإرهاب وتطوير البرنامج الصاروخي الإيراني، لن يوقف إيران عن نقل السلاح إلى سوريا ومحاولة تعويض الفراغ الروسي، وأيضًا لن يرجع إيران عن الثأر للعلماء والعسكريين من إسرائيل حتى لو تم ذلك عبر وكلاء. هذا بخلاف أن نجاح هذا الاتفاق من شأنه أن يمنح إيران القدرة على تعزيز قدرة الدولة السورية من خلال التعاون العسكري والاستخباراتي، وكذلك فتح آفاق تعاون بين دمشق وأنقرة.
العراق: في العراق، من شأن تدفق الأموال الذي سينتج عن رفع العقوبات أن يؤدي إلى زيادة النفوذ الإيراني على نحو غير مسبوق، ويمكن أن يرجح النفوذ الإيراني الإضافي كفة الميزان لصالح طهران.
لبنان وفلسطين: المستفيد الثاني من رفع العقوبات عن إيران هو حزب الله، وقد يكون الدعم الإيراني لحزب الله تقلص في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها إيران في ظل أزمات عالمية متتالية، لكن مع رفع العقوبات سيعود الحزب لاستكمال مهامة بقوة ولن يقتصر دوره على الداخل اللبناني فقط، وسيغذي الدعم الإيراني أيضا أنشطة الجماعات الفلسطينية.
دول الخليج العربي: التعاون الخليجي الإسرائيلي يقلق إيران، خاصة أن الأخيرة طالتها هجمات إسرائيلية متعددة الأشكال، وترى إيران أن إسرائيل تشكل مظلة دفاعية مع دول الخليج، ما سيدفعها لتقوية وتحديث تقنياتها خاصة الصاروخية والنووية؛ خشية تعرضها لهجمات سيبرانية، وقد يدفعها أيضًا إلى تعزيز قدرات الحوثيين.
البرنامج الصاروخي الإيراني: ستتمكن إيران من تعزيز جهودها في حيازة الأسلحة التقليدية، خاصة وأن الحظر المفروض يقف عند بيع أنظمة الأسلحة الرئيسة لإيران، وغير حاسم فيما يتعلق ببيع طهران لأنظمة الأسلحة الرئيسة، ولا يمنع شراء إيران لأنظمة الأسلحة الخفيفة والصغيرة أو حتى بيعها.
المكاسب النفطية لإيران: قبل أن نتطرق إلى الطاقة الإنتاجية الإيرانية للنفط، لابد من الإشارة إلى عدم وجود عقوبات على صادرات إيران من النفط، لكن العقوبات تُفرض على من يشتري النفط الإيراني، ولا يمكن دفع ثمن النفط الإيراني باستخدام نظام المدفوعات العالمي، فضلًا عن أن صادرات إيران من الكهرباء والبنزين والغاز إلى العراق فعالة ومستمرة، وكذا بعض صادرات إيران من الكهرباء إلى الدول المجاورة الأخرى في وسط آسيا.
وبالنظر إلى الطاقة الإنتاجية للنفط الإيراني التي تقترب من 4 ملايين برميل يوميًا، وكذا الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي التي تبلغ مليار متر مكعب يوميًا بحسب التصريحات الرسمية، فإن إيران ستتمكن من تحقيق مكاسب مالية كبرى بعيد التصديق على الاتفاق، خاصة وأنها تملك أكثر من 1.2 تريليون برميل من النفط والغاز، وأنها قادرة على الاستفادة من تلك الاحتياطيات لمدة قرن على الأقل.
احتياطيات النفط الخام الإيرانية القابلة للاستخراج تقدر بنحو 157 مليار برميل، بالنظر إلى معدل الاستخراج المعزز، بينما تقدر احتياطيات الغاز الطبيعي بنحو 33 تريليون متر مكعب (116.5 تريليون قدم مكعبة)، وإيران الآن تعد أكبر مالك لاحتياطيات الهيدروكربونات في العالم، بالنظر إلى اكتشافاتها الجديدة.
وهي جاهزة لإطلاق 100 مليون برميل من النفط المخزن لبيعها بسرعة، وستحصل على مليارات الدولارات خلال الأسبوع الأول من رفع العقوبات على الحسابات البنكية، وستتحول إيرادات النفط بشكل مباشر إلى الحسابات البنكية الإيرانية، وهي كذلك تستطيع إمداد الدول بالمكثفات لمزجها مع النفط الثقيل كي تستطيع تصديره مثل فنزويلا.
خلاصة القول، ستستطيع إيران تعظيم صادراتها النفطية، وعودتها إلى النظام المالي العالمي، ما سيزيد من تدفقات الأموال لحساباتها البنكية والمقدرة بمليارات الدولارات. وستعمل إيران على فتح شراكات مع الدول الغربية فيما يتعلق بالسلع والمحاصيل الأساسية والاحتياجات الرئيسة، وفتح الباب أمام الاستثمارات الغربية والمشروعات التنموية. وسيقوي الاتفاق من جبهة التيار المحافظ في الداخل الإيراني وسيسهم في دعم الخطاب الإيراني القائل بأن طهران تشكل قوة صاعدة في العالم. وسوف تمضي إيران قدمًا في تقديم المزيد من الدعم لحلفائها في المنطقة.
باحث سياسي



