
العنف المستمر في سيراليون.. الأسباب والدوافع
سادت فريتاون عاصمة سيراليون الأسبوع الماضي المظاهرات التي نتج عنها سقوط قتلى ما بين مواطنين وأفراد من الأطقم الشرطية. وعلى إثر ذلك، فرضت الشرطة حظر تجول في محاولة لوقف العنف المنتشر، مما أعاد إلى الأذهان سنوات العنف الشديد التي سادت سيراليون من قبل أثناء الحرب الأهلية التي استمرت 11 عامًا. وقد أعلن المحتجون أن سبب عودتهم إلى التظاهر والحشود الكبيرة التي تجمعت هو الإحباط من الصعوبات الاقتصادية وفشل الحكومة في التخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار. وعقب هذه التجمعات تم قطع الإنترنت.
وفي رد فعل من رئيس سيراليون، ألقى باللوم على المعارضة التي اتهمها بمحاولة الاستيلاء على السلطة؛ فهم وفقًا لكلمته التي أذيعت “الساخطون الذين حاولوا بعنف الاستيلاء على مقاليد الحكم. هذا التمرد تم التخطيط له مسبقًا، وتم التخطيط له جيدًا، وتمويله، ونُفذ بوحشية مروعة”، في محاولة للتبرؤ من المسؤولية عن وقوع ضحايا.
أسباب الأزمة واشتعال العنف
لم يكن الماضي بعيدًا عمّا هو حاصل فعليًا خلال الايام القليلة الماضية في سيراليون؛ فقد ظل الخلاف التقليدي ما بين الحكومة القادمة من حزب الشعب لسيراليون، وما بين المعارضة التي يعد أبرزها حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الشعب التقدمي. وقد اشتعلت الأزمة في العاشر من أغسطس عندما قامت قوات الشرطة في سيراليون بمنع احتجاجات ومسيرات في بعض أحياء العاصمة فري تاون؛ الأمر الذي أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين وبعض قوات الشرطة، لدرجة إطلاق وصف “الخميس الدامي”.
- اتهامات الحكومة للمعارضة
وجه الرئيس جوليوس مادا بيو خطابًا إلى شعب سيراليون يوم 12 أغسطس 2022؛ معربًا عن أسفه لوقوع الضحايا لكنه اتهم بشكل صريح قوات كل من حزبي المؤتمر الشعبي العام وحزب الشعب التقدمي بمحاولة الإطاحة به والاستيلاء على الحكم، بل ويحمل الحزبين مسؤولية وقوع الخسائر في الممتلكات والأرواح.
وادعى الحزب الشعبي لسيراليون –وهو الحزب الحاكم- أنه بالرغم مع تعاونه السلمي مع حزب المؤتمر الشعبي العام المعارض خلال السنوات العشر لحكمه، ولكنه بدلًا من ذلك وضع العقبات أمام الحكومة طوال الوقت في أشكال مختلفة بما في ذلك إثارة العنف.
- اتهامات المعارضة للحكومة
على صعيد مخالف، وجهت المعارضة اتهامات للحكومة باستخدام العنف وتورط الحزب الحاكم حزب “الشعب لسيراليون” في استخدام العنف ضد معارضيه. بل وصل الأمر إلى توجيه اتهام لقوات الشرطة بالقيام باغتيالات لمدنيين معارضين خارج إطار القانون، واستخدام حظر التجول لتنفيذ هذه الأعمال على خلفية اغتيال الصحفي المعارض إفنجيليست سامسون من حزب المؤتمر الشعبي.
ووجهت الاتهامات كذلك إلى الرئيس بيو بالفساد المستشري، وانتهاكات حقوق الإنسان، وقتل المدنيين العزل والسجناء، وإساءة استخدام السلطة، وضعف القيادة، والصعوبات الاقتصادية الحادة التي يعاني منها الناس في البلاد. ويدعي حزب المؤتمر الشعبي العام بدوره أن أفعاله ليست عنيفة واستند إلى عمل الحزب الشعبي لسيراليون على خنق المعارضة المشروعة بأي ثمن؛ إذ منعت الحكومة دائمًا إعطاء الإذن بالمظاهرات بالرغم من النص عليه دستوريًا ضمن الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات بموجب المادة 26 (1) من دستور سيراليون، 1991، وبالرغم من تكرار الرئيس مادا بيو لحق تنظيم المظاهرات؛ لكنه ظل حقًا على الورق فقط.
- الموقف الدولي والاقليمي
جاء أول رد فعل دولي على الأحداث في تصريح الممثل الخاص للأمين العام ورئيس مكتب الأمم المتحدة لغرب إفريقيا والساحل محمد صالح أناديف الذي أدان أعمال العنف التي وقعت في عاصمة سيراليون فريتاون. وفي هذا البيان دعا مواطني سيراليون إلى الهدوء وتجنب أي عمل من شأنه زيادة تفاقم الحالة. وحث السلطات على اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتخفيف السريع من حدة التوترات ووضع حد للعنف. وحث الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني على اللجوء إلى الحوار المسؤول والشامل، فضلًا عن التناسق لحل خلافاتهم. وأكد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب إفريقيا ومنطقة الساحل التزام الأمم المتحدة بدعم الحكومة والفاعلين السياسيين وشعب سيراليون في جهودهم للحفاظ على السلام والاستقرار.
وأعرب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد عن قلقه العميق إزاء الاحتجاجات العنيفة في سيراليون في 10 أغسطس 2022، وأدان أعمال العنف، وحث جميع أصحاب المصلحة على الامتناع عن المزيد من العنف، والدخول في حوار بناء ، في إطار معايير العملية الديمقراطية؛ للحفاظ على الاستقرار الذي تمتعت به سيراليون منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 2002.
وأدان رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا سيدي محمد تونيس أعمال العنف في سيراليون. وصدرت إدانة تونيس يوم الثلاثاء في الاجتماع المنسق للجنة المشتركة للشؤون السياسية والسلام والأمن والشؤون القانونية للآلية الأفريقية لاستعراض حقوق الإنسان والشؤون الاجتماعية والنوع الاجتماعي وتمكين المرأة في بانجول، عاصمة جامبيا. ودعا تونيس الأطراف الالتزام بسيادة القانون، وهو أفضل طريق لتوجيه ومعالجة المظالم من كل نوع.
تقييم للصراع
يُظهر إحصاء الجهات الفاعلة منذ عام 2016 أن الجماعات الأكثر شيوعًا المتورطة في الاضطرابات السياسية -إلى جانب مثيري الشغب المجهولين والمتظاهرين وقوات الأمن- هي ميليشيات من كل الأطراف في سيراليون سواء كانت حكومة ومعارضة. ويعود ذلك إلى مجموعة من الأسباب التي تمثلت في:
- التعامل مع المناصب والوصول لها بوصفها مكسبًا وطريقًا للترقي؛ مما يزيد ممن حدة الصراع.
- اكتشاف الشباب أن قادة القبائل والجماعات موالية لنظام الحكم على حساب شكوكها؛ مما أفقدهم القدرة على الضبط الاجتماعي.
- مصادرة الحقوق السياسية لدرجة وصف أحد أحزاب المعارضة بوصفه “إرهابيًا” لمجرد الرغبة في نفيه.
- الأزمات الاقتصادية العالمية (كوفيد -19، حرب أوكرانيا) كشفت مدى هشاشة النظام في سيراليون بالرغم من محاولة الرئيس التغلب عليها.
- سوء إدارة الموارد الطبيعية وانتشار الفساد؛ فمازالت سيراليون مصنفة من أفقر الدول بالرغم من وجود ثروات طبيعية كثيرة.
- تتحكم النخب المحلية المختلفة في الوصول إلى الأرض والعمل والزواج بل حتى الحصول على الغذاء ومواد الوقود. وهذه النخب من تلك التي تتمتع بعلاقات وشبكات ولاء معقدة مع الحكومة.
- حتى الأحزاب يشوبها صراع داخلي؛ وليس من المستبعد أن تقوم ميليشيات بتنفيذ عمليات دون العودة لقيادات الحزب، وذلك إما بدافع التمرد أوبسبب الرغبة في التخلص من أحد الكوادر المعارضين داخل نفس الحزب
- فساد منظومة القضاء
أما على الصعيد الدولي، فإن لغة خطاب المؤسسات والهيئات الدولية -وإن أبدت الاستياء والشجب- لم تكن على المستوى المطلوب أوالمتوقع من الحزم. وكون هذه المؤسسات لم تستدع التاريخ الدموي لسيراليون أمر مثير للريبة؛ إلا إذا كانت الأمم المتحدة أكثر انشغالًا بالصراع في أوكرانيا.
وباختصار، فإن الأزمة والعنف السياسي في سيراليون مدفوعان بعدد من العوامل المختلفة، وترتكبه مجموعة من الجهات الفاعلة المتعددة المتشابكة. ومع ذلك، فإن الزيادة الأخيرة في العنف لها خصائص وأسباب يمكن تحديدها بوضوح؛ فالعنف تصاعد سريعًا بسبب المنافسة السياسية المتزايدة على المناصب الرسمية للدولة والحزبية ولضمان الولاء المحلي للأحزاب المؤسسية. وكذلك ازدادت الأشكال الثلاثة للعنف التنافسي: الاشتباكات المباشرة بين الأحزاب السياسية، والعنف الحزبي الداخلي، والعنف الذي يستهدف المدنيين من قبل الأحزاب السياسية أو الموجه ضدها، كلها تصاعدت بشكل ملحوظ فاصبحت حرب الكل ضد الكل، مما ينذر برجوع الحرب الأهلية مرة أخرى.