أوروبامصر

مصر وألمانيا.. مسيرة من التعاون المشترك في جميع المجالات

يقوم الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة خاصة إلى ألمانيا تعد الأولى له بعد تولي الحكومة الألمانية الجديدة، وبناء على دعوة المستشار الألماني “أولاف شولتز”. ولهذه الزيارة أهمية كبرى، لما سيكون لها من أثر كبير في الدفع قدمًا بمسيرة التعاون المشترك بين البلدين الصديقين وعلاقاتهما الثنائية المتميزة، وأيضًا من أجل تبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

شراكات متنوعة تعزز العلاقات بين البلدين

من المعروف أن ألمانيا هي شريك وثيق لمصر في مجالات عديدة ومتشعبة، تكاد تغطي كافة أوجه ومجالات التعاون، سواء كان تجاري أو علمي أو ثقافي على مستوى رفيع. ولا يمكن إغفال أن المشروعات الألمانية الضخمة التي تقام على أرض مصر تحظى أيضًا بدعم استراتيجي كامل من الدولة الألمانية بكافة أجهزتها، وتسهم بصورة إيجابية وفعالة في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وهو ما جعل من ألمانيا شريكًا في التنمية وبناء المستقبل وليست شريكًا تجاريًا فقط. 

فضلًا عن أن هناك تنسيقا وتشاورًا أساسيًا بين البلدين في الأمور السياسية المتعددة؛ إذ يعملان سويًا عن قرب نحو الدفع قدمًا بعملية السلام في الشرق الأوسط وإحلاله، وبناء أسس الدولة الليبية، والعمل سويًا والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، إلى جانب أن هناك تفهمًا ألمانيًا لاحتياجات مصر لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة تشهد العديد من بؤر عدم الاستقرار.

وتحرص ألمانيا كذلك على دعم مصر كمركز إقليمي للطاقة، خاصة في ضوء التطورات الجارية في الحرب الروسية الأوكرانية وانكشاف خطوط إمدادات الطاقة الأوروبية الواردة من روسيا، وبالتالي أصبح هناك حديث بين مصر وألمانيا حول التعاون في مجال الغاز الطبيعي لسد الاحتياجات الألمانية العاجلة.

ولا يقتصر الأمر على هذا وفقط، بل إن البلدين يتعاونان في استشراف آفاق جديدة للطاقة المتجددة مثل الهيدروجين الأخضر، وتحويل مصر إلى مركز لإنتاجه وتصديره إلى ألمانيا وأوروبا، وكذلك تعميق الشراكة في مجال الطاقة بصفة عامة لسد احتياجات ألمانيا.

الأهمية الدولية لزيارة الرئيس

UN calls for more action as COP27 looms over horizon - Health Reporters

زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى ألمانيا تكتسب أهمية دولية، حيث يترأس بصورة مشتركة مع المستشار الألماني “أولاف شولتز” حوار “بيترسبرج للمناخ”، وهي الاجتماعات التي تعقدها ألمانيا سنويًا للدولة التي تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للتغيرات المناخية “COP” والذي ستستضيفه مصر هذا العام في نوفمبر القادم بشرم الشيخ في دورته السابعة والعشرين.

وستكون هذه الزيارة فرصة مهمة لأن يطرح الرئيس السيسي رؤية مصر فيما يتعلق بقضايا تغير المناخ وطرح الشواغل والهموم الأفريقية واحتياجات القارة السمراء من التمويل والتكنولوجيا وكافة المتطلبات اللازمة من أجل الوصول إلى تحقيق أهداف اتفاقية باريس لتغير المناخ.

والجدير بالذكر أنه منذ أن تم الإعلان عن استضافة مصر لقمة المناخ “COP27”، بدأ الجانبان المصري والألماني سلسلة من المناقشات حول خرجات المؤتمر، وكيفية دعم مصر في الخروج بالنتائج المرجوة منه، وتقديم الدعم لفريق التفاوض المصري وللجهات المختصة المعنية بالمؤتمر.

وحاليًا، تجري مشاورات جادة بين الجانبين عن تنفيذ عدد من المشروعات الكبرى في مصر للتكيف مع المناخ بمناسبة انعقاد القمة بشرم الشيخ، حيث ستقوم شركات ألمانية بعرض تقديم المساندة لمصر في إقامة فعاليات جانبية على هامش المؤتمر للمشاركين فيه.

مصر ثالث أكبر شريك تجاري لألمانيا في الشرق الأوسط

من الأسباب الرئيسة التي جعلت العلاقات المصرية الألمانية تشهد تطورات كبيرة خلال السنوات الأربعة الماضية، أن مصر بلا شك هي كبرى الدول العربية، من حيث عدد السكان والمكانة والموقع، ومن هنا ينظر إليها الأوروبيون دائمًا كمفتاح رئيس لاستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط، والخط الأول للتصدي للإرهاب والهجرة غير الشرعية، فضلًا عن كونها نقطة انطلاق للصناعات والصادرات الألمانية لمنطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا.

ولعل الموقع الاستراتيجي والدور الريادي الذي تلعبه مصر في العالم العربي يساعد على نموها وتطورها، وهو الذي ربما أسهم في رغبة البلدين لبناء علاقات وثيقة ومتنوعة، فضلًا عن حرص الحكومة الاتحادية في ألمانيا لدعم الجهود المصرية في بناء دولة حديثة وديمقراطية. ومن جانبها، تحرص القاهرة على تنويع التعاون مع دول كبرى مثل ألمانيا، حيث ترى مصر في ألمانيا شريكا كبيرًا ومهمًا في أوروبا يعمل معها لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي ومكافحة الإرهاب.

وتسعى مصر إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والعلمية بينها وبين ألمانيا، فهي تعمل طوال الوقت على جذب المزيد من الاستثمارات الألمانية ونقل وتوطين التكنولوجيا في عدد من المجالات في مقدمتها صناعة السيارات والارتقاء بمستوى التعليم، استنادًا إلى الجودة الألمانية سواء فيما يتصل بالتعليم الجامعي أو الفني.

وتشهد الفترة الراهنة انطلاقة كبيرة للعلاقات بين البلدين تبنى على الزخم الكبير الذي ولدته زيارات الرئيس السيسي الأخيرة لألمانيا، وعلى الطفرة الكبيرة في العلاقات الثنائية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، نتيجة العلاقات المتميزة بين قيادتي البلدين سواء في قطاعات السياحة أو الاقتصاد أو الاستثمار أو التعليم والتدريب الفني.

وقد شهدت زيارة وزير الاقتصاد الألماني لمصر أيضًا وضع حجر أساس أول جامعة تطبيقية ألمانية في مصر بالعاصمة الإدارية الجديدة بمشاركة وزير التعليم العالي المصري، والتي سبق التوقيع على إعلان النوايا الخاص بتدشينها خلال زيارة الرئيس السيسي الأخيرة لبرلين، ويشارك في إقامتها تحالف مكون من 10 شركات ألمانية، لتوفير احتياجات السوق المصري من العمالة الماهرة والمُدربة وسيكون بالجامعة أقسام وتخصصات تتسق وتتوافق مع احتياجات سوق العمل.

ومن أبرز أوجه التعاون المشترك، مشروع شركة “سيمنز” لبناء خطوط القطار السريع، والذي تبلغ تكلفته 8 مليارات يورو، وهو المشروع الذي عدّته الحكومة الألمانية مشروعًا استراتيجيًا للدولة الألمانية، وبالتالي كانت حريصة على دعمه وتقديم كافة التسهيلات لإنجازه. وقبل ذلك، قامت شركة “سيمنز” بإنشاء ثلاث محطات لتوليد الكهرباء أحدثت نقلة نوعية في إنتاج الكهرباء في مصر، وأصبح لدى مصر فائض من إنتاجها وباتت متوفرة لخدمة أهداف التنمية.

ولا يمكن إغفال أن التعاون التجاري بين البلدين يبلغ 6 مليارات يورو سنويًا استيرادًا أو تصديرًا، ومن أبرز الصادرات المصرية: مواد بترولية، ومنسوجات، وغزول قطنية، ومفروشات منزلية، وكابلات كهربائية، ومعادن، فيما تستورد مصر من ألمانيا الآلات والمعدات الكهربائية ومنتجات معدنية وبلاستيكية ومطاط ومنتجاته ومواد كيماوية وسيارات وغيرها. 

هذا بالإضافة إلى وجود ثلاثة آلاف شركة ألمانية سواء عاملة في مصر بالفعل أو لها أفرع فيها أو مكاتب تمثيل، ولعل المتغيرات الدولية في ظل جائحة كورونا برهنت للعديد من الدول الصناعية عدم إمكانية استمرار الاعتماد على التصنيع في مناطق بعيدة جغرافيا عنها، ولهذا فإن هناك مشاورات مع الجانب الألماني لأهمية الاستفادة من المنطقة الاقتصادية حول قناة السويس؛ نظرًا إلى قربها من أوروبا بصفة عامة وألمانيا بصفة خاصة لكي تصبح هذه المنطقة هي البديل الحقيقي لتصنيع مستلزمات الإنتاج سواء لألمانيا أو غيرها في تلك المنطقة، بحيث يتم نقل المصانع الألمانية من شرق آسيا والمناطق البعيدة إليها لتكون أكثر قربا لألمانيا عبر قناة السويس.

وتعد مصر من الدول ذات الأولوية بالنسبة للحكومة الألمانية فيما يتعلق بتقديم ضمانات للاستثمار، وتأتى ضمن أكثر 10 دول حصولًا على ضمانات الاستثمار الألمانية، ويبلغ حجم الالتزامات الألمانية إزاء ضمانات الاستثمار الممنوحة لمصر حاليا 18 ضمانًا بقيمة 1.4 مليار يورو، بما يعكس ثقة الحكومة الألمانية في مناخ الاستثمار المصري.

ثقل سياسي واضح

تتمتع مصر وألمانيا بمكانة كبيرة ومهمة، وخاصة في المحافل الدولية، فلكل منهما ثقل سياسي واضح داخل المنطقة الإقليمية والجغرافية التي تنتمي إليها الدولتان، لذلك تتسم العلاقات بين البلدين بالقوة والصداقة. وفي أكتوبر القادم، سيحتفل البلدان بمرور 70 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والذي يوافق يوم 16 أكتوبر عام 1952، ومنذ ذلك الحين، تربط بين البلدين اهتمامات ومصالح مشتركة ثنائية ودولية.

وفي فبراير الماضي، قامت أنالينا بيربوك” وزيرة خارجية ألمانيا بزيارة إلى مصر، وكان في استقبالها الرئيس السيسي بحضور سامح شكري وزير الخارجية، والسفير فرانك هارتمان السفير الألماني بالقاهرة، وبحث الجانبان عددًا من الملفات ذات الصلة بالعلاقات الثنائية، خاصةً على الصعيد الاقتصادي والتجاري والاستثماري والعسكري. وناقش الجانبان التطورات المتعلقة بعدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، حيث تم الاتفاق على مواصلة التنسيق والتشاور بين مصر وألمانيا في هذا الصدد من أجل مواجهة التحديات القائمة في المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وكذا الأوضاع في ليبيا

علاقات عسكرية تشهد زخمًا واضحًا

جاءت مصر ضمن قائمة أهم الدول الحاصلة على تصاريح لتوريدات أسلحة من الحكومة الألمانية خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2021، وبلغت قيمة إجمالي تصاريح بيع أسلحة ألمانية إلى مصر منذ بداية العام إلى غاية الثالث من الشهر الجاري، 181,1 مليون يورو.

ووافقت الحكومة الألمانية عام 2021 على صادرات أسلحة بلغت قيمتها 9.35 مليار يورو، وهي قيمة غير مسبوقة في صادرات الأسلحة الألمانية. وبحسب بيانات مؤقتة لإحصائية سنوية أعلنتها وزارة الاقتصاد الألمانية في يناير 2022، فإن قيمة صادرات الأسلحة الألمانية ارتفعت العام الماضي بنسبة 61%، مقارنة بعام 2020. ووفقًا للبيانات، فإن 9.04 مليار يورو من إجمالي المبلغ تتعلق بصادرات أسلحة وافقت عليها الحكومة الألمانية السابقة تحت قيادة المستشارة “أنجيلا ميركل”، والتي كانت تضم التحالف المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي.

وقد وافقت الحكومة الجديدة بقيادة المستشار أولاف شولتز، والتي تضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، في الأسابيع الثلاثة الأولى من عملها منذ الثامن من ديسمبر 2021، على صادرات أسلحة بقيمة 309 ملايين يورو.

العلاقات الثقافية والصحية بين البلدين

لم يعد نشر اللغة الألمانية في مصر مقتصرًا على المدارس الألمانية ومعهد جوته فحسب؛ إذ إن المدارس الحكومية المصرية بدأت منذ سنوات بالترويج لهذه اللغة أيضًا، بجانب أن الرغبة الألمانية في الانفتاح على العالم العربي عامة ومصر خاصة رغبة قديمة نسبيًا وتم العمل على تعزيزها في الآونة الأخيرة، لذا يعد دعم اللغة الألمانية في الخارج أحد أهم أهداف السياسة الثقافية الخارجية لجمهورية ألمانيا الاتحادية. وتسعى مصر إلى لتوسع في إنشاء المدارس الألمانية التي تحظى بسمعة جيدة، نظرًا لما تقدمه من مستوى تعليمي متميز؛ حيث توجد بمصر 7 مدارس ألمانية، تريد الدولة زيادتها إلى 10، فضلًا عن رغبتها في إنشاء 50 مدرسة جديدة للتعليم الفني.

وتم توقيع اتفاقية في أكتوبر 2018م لإنشاء الجامعة الألمانية الدولية GIU في العاصمة الإدارية الجديدة كأول جامعة للعلوم التطبيقية في مصر، بالاشتراك مع تحالف الجامعات التطبيقية الألمانية والجامعة الألمانية بالقاهرة، وبدأت الدراسة بالفعل في مقر مؤقت لها بالجامعة الألمانية بالتجمع الخامس GUC.

ولا ننسى التعاون الإعلامي أيضًا، فقد شهدت الفترة الأخيرة توقيع عديد من الاتفاقيات بين أجهزة الإعلام المصرية والألمانية، حيث تم الاتفاق بين اتحاد الإذاعة والتليفزيون وهيئة الإذاعة الألماني الموجه “D.w دويتشة فيلا ” لتبادل التعاون بين الشباب والتليفزيون لزيادة الخبرات والتدريب في مجالات الإعلام، وتمت اتفاقية التبادل الإخباري والتعاون بين وكالتي أنباء الشـــرق الأوسط “MENA” ووكالة الأنباء “D.P.A”.

ويعد التعاون في مجال الصحة، من أهم أشكال التعاون، ففي عام 2022، قامت الحكومة الألمانية الجديدة بإهداء ٤٠٠ ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا إلى مصر، وبهذا تكون قد حصلت مصر على ما يقرب من ٤ ملايين جرعة من اللقاحات الخاصة بمكافحة جائحة كورونا من ألمانيا سواء من خلال الإطار الثنائي أو من خلال مرفق كوفاكس التابع لمنظمة الصحة العالمية.

وأخيرًا، ألمانيا تدرك أن عملية التنمية الشاملة التي تتحقق على أرض مصر هي ضرورة لتحقيق الاستقرار بها، لاسيما في ظل ظروف عدم الاستقرار السائد في المنطقة، وكذلك تدرك برلين أن مصر تمثل وجهة للاستقرار في هذه المنطقة من العالم، وتتفهم تمامًا ضرورة نجاح التجربة المصرية في تحقيق التنمية، في ظل الإعجاب الشديد بسرعة الإنجاز وطموح الفكر الحاكم لعملية التنمية في مصر.

Website |  + posts

باحثة بالمرصد المصري

مي صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى