إيران

الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة احتجاز ناقلات النفط بين إيران واليونان

أعلن الحرس الثوري الإيراني في 27 مايو الجاري عن إيقافه حاملتي نفط يونانيتين في مياه الخليج العربي. وجاء ذلك ردًا على توقیف الیونان قبل ذلك بأيام لسفینة تحمل شحنة نفط إيرانية قرب سواحلها. وقد أقدمت طهران بعد ذلك على اتخاذ خطوات تحذيرية من تكرار توقيف اليونان سفنًا أخرى، ولجأت إلى خطوات في المجال الدبلوماسي من بينها استدعاء القائم بأعمال السفارة السويسرية التي ترعى المصالح الأمريكية في إيران، وإحضار القائم بأعمال السفارة اليونانية في طهران أيضًا.

وفي الواقع، لم تبدأ الأزمة الحالية بين إيران واليونان بين يوم وليلة؛ إذ إنها تعود إلى أسابيع مضت، مثلما تُعزى أسبابُ هذه التطورات إلى عوامل متشابكة لا تبتعد أطرافها عن تداعيات الحرب الجارية الآن بين روسيا وأوكرانيا.

الحرب الأوكرانية.. لماذا احتجزت اليونان حمولة نفط إيرانية في أبريل الماضي؟

تعود جذور الأزمة الحالية بين طهران وأثينا بشأن احتجاز كليهما سفنًا بحرية للآخر إلى شهر أبريل 2022، حينما قررت اليونان مصادرة سفينة محملة بالنفط الإيراني أثناء مرورها بالقرب من سواحلها. حيث أوقف خفر السواحل اليوناني تلك السفينة في الوقت الذي كانت ترفع فيه علم الاتحاد الروسي. 

ويوضح لنا ذلك المغزى الحقيقيَ من إيقاف اليونان لتلك السفينة؛ إذ إن رفع السفينة علم روسيا قد قاد -في إطار العقوبات الغربية الحالية على موسكو نتيجة تداعيات الحرب مع أوكرانيا- إلى أن تطلب الولايات المتحدة من أثينا إيقاف تلك السفينة، وهو ما قامت به الأخيرة يوم 15 أبريل الماضي. 

وقد كانت حمولة النفط الإيرانية، البالغة بالأساس 700 ألف برميل، على متن سفينة تُدعى “بيجاس” تملكها شركة روسية. ولكن بعد مرور عدة أيام تبين لليونان أن السفينة تحمل نفطًا إيرانيًا، فأفرجت عنها. وبعد أيام أخرى، غيّرت هذه السفينة اسمها إلى “لانا” واستأنفت عملها مرة أخرى بالقرب من اليونان. 

وبالتزامن مع هذه الأحداث، قامت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مؤخرًا بفرض عقوبات جديدة ضد قطاع النفط الإيراني، ولكنها استهدفت بالأساس الدول الأخرى التي تقدم المساعدة لإيران على بيع النفط. لذا، فقد تم توقيف هذه السفينة في النهاية. 

ولاحقًا، قررت السلطات اليونانية تحويل حمولة النفط الإيراني إلى الولايات المتحدة، ولكنها لا تزال في حوزتها حتى الآن. ففي الغالب، وحسب المعمول به، تقوم واشنطن ببيع حمولات النفط الإيراني المصادرة، طبقًا لإجراءات القانون الدولي والعقوبات المفروضة على طهران، وتدفع عوائدها لأسر ضحايا المواجهات بين الولايات المتحدة وإيران. 

وعليه، فعند النظر إلى هذه الحادثة سنجد أن طهران لم تُبرز غضبًا واضحًا علنيًا بهذا الحجم منذ احتجاز السفينة لأول مرة في أبريل الماضي، بل إن القضية لم تُثَر أو تُطرح في وسائل الإعلام بشكل كبير، وإنما جاء ذلك الاحتجاج من جانب إيران بعد الإعلان عن قرار تحويل حمولة النفط الإيرانية إلى الولايات المتحدة.

وتفيد وسائل إعلامية أن هذه الشحنة من النفط الإيراني قد نُقلت بعد توقيف السفينة إلى سفينة أخرى باسم “آيس انرجي/Ice Energy” تملكها شركة “ديناكوم” اليونانية وترفع علم ليبيريا، من أجل إيصالها إلى السواحل الأمريكية في النهاية. وينبغي الإشارة هنا إلى أنه على الرغم من بدء نقل حمولة السفينة منذ يوم الخميس 26 مايو الجاري، إلا أن اكتمال نقلها وإمكانية تحركها لاحقًا قد يستغرق بعض الأيام.

تندرج ضمن طرق التفاف إيران على العقوبات.. ماذا حدث لاحقًا؟

إننا قد نجد في خضم هذه التطورات الأخيرة بعض نتائج سياسة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، حينما أعاد العمل بشكل موسع بالإجراءات العقابية ضد قطاع النفط الإيراني بعد إعلان الخروج من الاتفاق النووي معها في مايو 2018. 

أي أنه وفي المرحلة التي تلت هذه الحزم من العقوبات ضد طهران، باتت الأخيرة تلجأ إلى عدة طرق و”حيل” من أجل التمكن من بيع النفط ولو بشكل غير رسمي في ظل اعتباره تهريبًا طبقًا لإجراءات العقوبات. لذا، فعلى هذا النحو، تلجأ إيران في الغالب من أجل تهريب نفطها إلى طرق من بينها: 

  1. إغلاق نظام التتبع الملاحي (GPS):

تحاول إيران من خلال هذه الطريقة منع إمكانية تتبع سفنها عبر الأقمار الاصطناعية، عن طريق استخدام أجهزة تشويش لمنع التقاط مسار السفينة التي تحمل النفط. وفي هذا الصدد، توضح الولايات المتحدة أن طهران لديها أجهزة تشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) يعمل انطلاقًا من سواحلها الغربية على الخليج العربي.

ولا تستخدم إيران هذه التقنيات من أجل التهرب النفطي فقط، بل إنها تستخدمها كذلك أحيانًا في عمليات التشويش الراداري على السفن البحرية والطائرات الجوية القريبة من مياه الخليج؛ من أجل توقيفها واحتجازها.

  1. تغيير طلاء السفن:

وهي أداة تُستخدم لمنع رصد السفن عن طريق المراقبين، حيث تسعى من وراء ذلك إلى تشتيت المعنيين وعدم التعرف على السفينة مجددًا.

  1. تبديل الأعلام ونقل الشحنات من سفينة إلى أخرى: 

وتُعد طريقة شائعة بين السفن التي تحمل نفطًا إيرانيًا، فتقوم هنا بتغيير السفينة ونقلة حمولة النفط إلى أخرى في ساعات الليل، ويتم إلى جانب ذلك في الوقت نفسه تغيير مستندات ووثائق السفنية من نقطة الانطلاق الجديدة؛ لمنع رصدها خلال رحلتها المقبلة.

وعلى أي حال، فقد لجأت إيران إلى طريقة واحدة على الأقل من هذه الوسائل في العملية التي احتجزت فيها اليونان سفينة إيرانية في أبريل 2022. 

أما في 28 مايو الجاري، فقد أعلن الحرس الثوري عن أنه “أوقف حاملتي نفط يونانيتين” في مياه الخليج العربي، وأنه أوقفهما بسبب “مخالفات” ارتكبتهما. ولكن، وقبل إعلان الحرس بساعة واحدة، كان الموقع الخبري التابع لـ “المجلس الأعلى للأمن القومي” في إيران والذي يُطلق عليه “نور نيوز” قد تحدث عن “قرار إيران الإقدام على خطوات عقابية” ضد اليونان. 

إحداهما انطلقت من ميناء البصرة العراقي.. ماذا عن عملية احتجاز السفينتين اليونانيتين؟

أوضحت وزارة الخارجية اليونانية أن مروحيات هيليكوبتر إيرانية قد استقرت على سطح إحدى السفينتين اللتين احتجزتهما إيران مؤخرًا، وهما بالأساس “دلتا بوسايدون/ Delta Poseidon” و”برودينت وارير/ Prudent Warrior”، وذلك في المياه الدولية بالخليج العربي حينما كانتا تتحركان باتجاه مقصدهما البحري ضمن رحلتهما التجارية.

وكانت “دلتا”، المصنوعة عام 2011، ترفع علم اليونان في رحلتها، حيث كانت قادمة في طريقها من سواحل مدينة البصرة العراقية، قبل أن تقتادها سفينة حربية إيرانية باتجاه سواحل تلك الدولة غربًا. وتُعد سفينة “دلتا” إحدى قطع أسطول شركة “دلتا” اليونانية. أما السفينة الثانية “وارير” ذات الأعوام الخمسة فلم يتوافر عنها المزيد من المعلومات. وكانت السفينتان معًا تحملان ما مجموعه 300 ألف طن من النفط (أي حوالي 1.8 مليون برميل)، وزّعت حمولته على القطعتين البحريتين.

وحسب أثينا، فإن اثنين من أفراد طاقم سفينة “دلتا” كانا يحملان الجنسية اليونانية، أما باقي الأفراد فلم يتم الإعلان عن هُويات جنسياتهم. وفي الوقت ذاته، أكدت اليونان وقوع “حادث مشابه” ضد إحدى السفن الأخرى التي تحمل العلم اليوناني، ولكنها كانت هذه المرة قريبة من السواحل الإيرانية. لذا، فقد استدعت أثينا لاحقًا السفير الإيراني لديها؛ للاحتجاج على هذه الحادثة، ووصفت احتجاز السفينتين من جانب طهران بالقرصنة البحرية.

وحذّرت أثينا من عواقب إقدام طهران على هذه الخطوة، وحثّت المواطنين اليونانيين على عدم السفر إلى إيران. وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه مصادر اعتقال 9 يونايين من السفينتين على يد القوات التي احتجزت السفينتين. 

وقال الحرس الثوري إن عملية احتجاز السفينتين اليونانيتين مثّلت “رد فعل انتقامي” على توقيف اليونان لحمولة نفط إيرانية الشهر الماضي. وقد هدد الحرس أيضًا باحتجاز سفن يونانية أخرى في مياه الخليج العربي، قائلًا إن 17 سفينة أخرى على هذا النحو لا تزال تتحرك في تلك المياه. وأعلنت الولايات المتحدة من جانبها أنها تنظر في تقارير تفيد باحتجاز سفينتي نفط يونانيتين من جانب إيران.

الخلاصة

لم تأت التطورات الأخيرة بين إيران واليونان بمعزل عن إطار العقوبات الواسعة التي تستهدف قطاع النفط الإيراني، خاصة منذ عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب؛ إذ إن الطريقة التي تحركت بها السفينة الإيرانية في البداية تندرج ضمن الطرق المتعددة التي تلجأ إليها طهران من أجل الإفلات من العقوبات الدولية المفروضة على قطاع النفط. ذلك فضلًا عن أن العملية برمتها ترتبط إلى حد كبير بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية من حيث طبيعة العقوبات المفروضة على روسيا منذ بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا في 24 فبراير 2022.

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى