أفريقيا

مالي والإرهاب كورقة لكسر العزلة

بعد الانقلاب الأخير تعرضت مالي للعديد من الضغوط الدولية والإقليمية التي وصلت حد فرض عزلة تامة، الأمر الذي نتج عنه رد فعل مضاد من قبل النظام في مالي بانسحابها من القوة المشتركة لمجموعة الخمسة لمنطقة الساحل G5، وخاصة بعد عقوبات الإيكواس الأخيرة.

وفي ظل تزايد خطر عمليات الجماعات المتطرفة العنيفة في جميع أنحاء غرب أفريقيا التي أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد كثيرين، ظهر مدى فداحة انسحاب مالي على الأرض. جاء ذلك في تصريحات مسؤولي عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة لمجلس الأمن الذين عبروا عن قلقهم بشأن هذا الخروج من الهيكل الأمني ​​للمنطقة. 

الأزمة

اتخذت السلطات الانتقالية في مالي يوم 16 مايو قرارًا بالانسحاب من القوة العسكرية متعددة الجنسيات في منطقة الساحل، وكانت هذه القوة قد تشكلت لمحاربة الجماعات الإرهابية عام 2017، وجاء قرار المجلس العسكري بالانسحاب لعدم السماح لمالي بترأس “مجموعة دول الساحل الخمس” حيث كان من المفترض أن تستضيفها العاصمة باماكو وفقًا للبيان المعلن. 

كما شهدت العلاقات المالية الخارجية على المستويين الدولي والإقليمي تدهورًا حادًا، حيث فرضت مجموعة الإيكواس عقوبات صارمة على مالي نتيجة بسبب تأجيل الانتخابات الرئاسية، كما قامت بغلق الحدود، وتعليق التجارة باستثناء المنتجات الأساسية، وقطع المساعدات المالية، وتجميد أصول مالي في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا، ولن تُرفع إلا بشكل تدريجي عندما تقدم السلطات المالية جدولًا زمنيًا “مقبولا” لإجراء الانتخابات.  بالتالي كان الرفض هو رد مالي لهذا الحصار، ومن ثم قامت بالانسحاب من G5 وطالبت بسحب القوات المشتركة والقوات الفرنسية الموجودة على إقليمها.

في نفس السياق تدهورت العلاقات بين مالي والدول الأوروبية وخاصة فرنسا في الأشهر الأخيرة، حيث تم تبادل الاتهامات بارتكاب جرائم حرب ووجود قبور جماعية.. إلخ. زاد الأمر حدة عندما أعلنت مالي إحباطها انقلاب هذا الشهر واتهمت دولة غربية بالإعداد له دون تسميتها. وقال المجلس العسكري الحاكم في بيان صحفي “إن مجموعة صغيرة من الضباط وضباط الصف المناهضين للتقدم في مالي حاولت الانقلاب 11 إلى 12 مايو 2022؛ مدعومين من قبل دولة غربية” وفقًا لما نشرته حكومة مالي، وقال المجلس العسكري إنه تم إحباط المحاولة.

كما أن فرنسا لم تعامل النظام في المالي كما فعلت مع تشاد. فالبرغم من مجيء النظام الحالي في تشاد عبر انقلاب عسكري مماثل لما حدث في مالي، إلا أنه من الواضح أن المعاملة لم تكن بالمثل، حيث حظي النظام في تشاد بتأييد ولم يعاني من ضغوط سواء إقليمية أو دولية. 

لكن سبق ذلك تغيير مالي الاتجاه نحو الشرق بتقوية العلاقات مع كل من روسيا والصين، حيث انتشرت قوات مجموعة فاجنر الروسية في مالي في ديسمبر 2021، وسط وابل من المعلومات المضللة لإخفاء وصولها وأنشطتها، حيث كان المبرر محاربة الإرهاب.

هذا عن روسيا أما الصين فأمر مختلف، إذ تختص الصين بالتجارة في الأخشاب المهربة التي تدمر الغابات في غرب أفريقيا، وتسهيل الصيد الجائر للأفيال، وذلك لكسر الحصار الاقتصادي المفروض على مالي. فما بين مايو 2020 ومارس 2022 استوردت الصين من مالي 220 ألف شجرة بما يوازي 148 ألف طن من خشب الورد المعروف باسم “كوسو “على الرغم من الحظر المفروض على قطعه وتجارته، وفقًا لتقرير صدر عن وكالة التحقيقات البيئية (EIA)؛ ويتم إخفاء العاج داخل الخشب المهرب.

النشاط الإرهابي في الإقليم

لا يمكن أن يُعزى صعود النشاط الإرهابي في منطقة الساحل؛ إلى تأثير الأيديولوجية الجهادية من الشرق الأوسط فقط. بل ساهمت عدة عوامل في تدهور الوضع الأمني من بينها الفقر، الفساد، والمظالم المحلية، والحركات الانفصالية، والعنف القبلي القائم تاريخيًا بين الرعاة والمزارعين بسبب الأرض والتي تفاقمت بسبب عواقب تغير المناخ، وضعف وجود الدولة. لذا طالما شهد الإقليم وجود بؤر إرهابية حيث تلتقي فيها العديد من الجماعات العنيفة والإجرامية منها ما هو معروف وأشهرها:

  • تنظيم القاعدة في المغرب العربي كون علاقات مع جماعات مثل أنصار الدين والمرابطون وكتيبة ماسينا لتقوية نفوذه أمام التنظيمات الأخرى.
  • بوكو حرام ثاني أقدم تنظيم إرهابي في غرب أفريقيا؛ متمركز في حوض نهر الكاميرون وبدأ نشاطه في شمال نيجيريا، ومنها انطلق شرقَا.
  • تنظيم الدولة الإسلامية – له جناحان (ولاية غرب أفريقيا ISWA – الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى ISGS) قيادته في ولاية بورنو-نيجيريا، وتحتها 4 ولايات هي “سامبيسا”- نيجيريا، و”تومبوما بابا” بورنو، و”تمبكتو” شمال مالي، وولاية تشاد. 

ومنها ما هو مستجد كجمعية “دان نان أمباساجو” (“أولئك الذين يضعون ثقتهم في الله باللغة المالي)؛ ظهرت أواخر عام 2016 من بين الصيادين التقليديين؛ أسسها يوسف طلوبة مع بعض العسكريين. تتمركز في الإقليم الأوسط من مالي.

لكن المراقب للإقليم سيجد أن هناك مستجدات طرأت على السطح في الآونة الأخيرة تتمثل في :

  • ارتفاع عدد الهجمات الإرهابية على الإقليم، حيث وصلت في الربع الأول من هذا العام ما بين يناير ومارس أكثر من 840 هجومًا على الإقليم وفقًا لـ”دومينيك نيتيول” وزير الدفاع الغاني في اجتماع هذا الشهر بوزراء دفاع دول غرب إفريقيا بشأن تزايد انعدام الأمن. وإذا استمرت على نفس المعدل ستصل لأرقام غير مسبوقة. 
  • زيادة الوفيات بسبب الإرهاب إلى 588 عام 2021، وهو أعلى عدد قتلى منذ عام 2007. على الرغم من أن 43% من الوفيات و53% من الهجمات نسبت إما إلى جماعات غير معروفة أو إلى متطرفين مسلمين غير محددين، لكن يُشتبه في أن هذه الهجمات من عمل الجماعة الإسلامية في غرب أفريقيا أو بوكو حرام.
  • دخول دول جديدة على خط الإرهاب، مثل توجو التي حدث بها هجوم قتل فيه ثمانية عسكريون يومي 10-11 مايو في قاعدة على بعد كيلومترات قليلة من بوركينا فاسو. ولم يكن هذا هو الهجوم الأول على توجو؛ حيث تعرضت لهجوم من هذا النوع في نوفمبر 2021، عندما تمت مهاجمة نقطة أمنية في قرية شمالية. كما تم رفع حالة التأهب في كل من غانا وكوت ديفوار وبنين وهي دول حديثة العهد بالإرهاب.
  • بالرغم من مجموعة الـ G5التي تشكلت عام 2017 بهدف إنشاء قوة عسكرية مشتركة تتبنى تنسيق الجهود والخطط لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. سواء بالردع الفعلي والقبض على أعضاء تلك الجماعات، أو باتخاذ التدابير الاستباقية لمحاربة المشكلات الاجتماعية في المناطق “الهشة” في إقليم الساحل، التي تستغلها الجماعات في تجنيد الأفراد وتأليبهم ضد المجتمع والدولة. إلا أنه بعد حدوث العديد من الانقلابات العسكرية في الإقليم في كل من تشاد ومالي وبروكينا فاسو، ومع ارتفاع معدلات الفقر وعدم المساواة والأمية والبطالة والفساد وضعف المؤسسات وسوء الإدارة؛ فهذه الدول معرضة أكثر لانتشار الإرهاب. 
  • تستهدف الهجمات خلق وجود لها في مناطق جديدة كجزء من حملة تجنيد أوسع. حيث الظروف الاجتماعية والاقتصادية في دول الإقليم جعلت السكان هدفًا سهلًا للأنشطة المتطرفة. 
  • علاوة على أن المدقق في اتجاه حركة الجماعات الإرهابية سيجدها تتجه نحو مناطق الثروات مثل غانا حيث مناجم الذهب، وسواحل غرب أفريقيا مثل خليج غينيا. وليس بخافٍ على أحد أسباب هذه التحركات السيطرة على الثروات لتمويل التسليح على غرار سيطرة داعش على حقول النفط في سوريا والعراق. فضلاً عن توفير السواحل سهولة الحصول على الأسلحة المهربة.

نتائج الانسحاب المالي

يصبح السؤال لماذا الاهتمام الكبير بقرار مالي الانسحاب من القوات المشتركة  G5، الذي وصل لصدور تصريحات من محمد بيوم رئيس النيجر بأن “انسحاب مالي يعد “موت” تحالف G5.” بل الأهم هو عقد اجتماع في الأمم المتحدة بخصوص نفس الشأن لاثناء مالي عن هذا الانسحاب. 

الحقيقة هناك عدة أسباب لهذا الاهتمام، تتمثل في أن أي محاولة للقضاء على الإرهاب في الإقليم بدون وجود مالي كقوة فاعلة حقيقية؛ يعد حلم يصعب تنفيذه. فالناظر لخريطة إقليم الساحل والصحراء سيجد أن مالي تحتل أكبر مساحة وأطول حدودًا مشتركة مع جميع الدول التي تعاني من الإرهاب. لذا فأراضيها منطقة عبور ولا يمكن محاربة هذه الجماعات إلا عبر الأراضي المالية.

كما أن انسحاب مالي يمكن أن يؤدي إلى لجوء الدول الأخرى إلى حلول خطرة مثل المرتزقة، وشركات الأمن؛ مما سيزيد من عدم استقرار الإقليم كله بسبب الفراغ الأمني. وهو ما حدث فعليًا عند انسحاب مالي حيث حدث فراغ أمني في منطقة حدود الثلاثة بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر؛ حيث احتلتها قوات تنظيم الدولة الإسلامية. 

وبالتالي فإن هذا الانسحاب الذي قام به النظام في مالي قد يؤدي مستقبلًا إلى رضوخ مجموعة الإيكواس؛ ورفعها العقوبات عن النظام الحاكم في مالي حتى تعيد التوازن مرة أخرى للإقليم. خاصة أن الدول الأوروبية منشغلة في الحرب الروسية الأوكرانية، ومع الانسحاب الفرنسي أصبح هناك فراغ حقيقي يهدد الشعوب وحركة التجارة والأنظمة، وهو ما يدركه النظام الحاكم في مالي.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى