
رغم بلورة خطة” الحياد الكربوني2050″.. إسرائيل غير مستعدة لمواجهة أزمة المناخ
قبل أيام من انطلاق قمة جلاسكو للمناخ الهادفة إلى كبح جماح التغيّر المناخي المتسارع، أصدر مراقب الدولة في إسرائيل تقريرًا تضمن انتقادات لاذعة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مدار العقد الماضي، وذلك بسبب تقاعسها عن اتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة أزمة المناخ التي تلوح في الأفق.
فعلى الرغم من إعلان الحكومة الإسرائيلية، برئاسة “نفتالي بينيت” اعتزامها خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 27% بحلول عام 2030 وبنسبة 85% بحلول عام 2050، ثم إعلانها عن الانضمام إلى الدول التي تعهدت بأن تكون خالية من الكربون بحلول عام 2050، إلا أن إسرائيل قد فشلت في تحقيق أهداف الانبعاثات في قطاعات متعددة حتى الآن، بما في ذلك الطاقة والنقل، كما احتلت المرتبة العاشرة مع أعلى معدلات الانبعاثات للفرد ضمن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى في الاستعداد للأزمة. فمنذ عام 2005، ارتفعت معدلات الانبعاثات المطلقة في إسرائيل بنسبة 12٪ إضافية، ووصل معدل انبعاثات الفرد إلى 8.5 طن في عام 2020.
مشاركة إسرائيل في قمة جلاسكو
شاركت إسرائيل في قمة جلاسكو للمناخ، وخلال القمة أكد نفتالي بينيت رئيس الحكومة الاسرائيلي، على أن التاريخ سيحكم على رد فعل الجيل الحالي تجاه تهديد المناخ وهذا الحكم يأتي حسب الإجراءات العملية التي نتخذها اليوم. وأشار إلى إن إسرائيل تُعد بمثابة “أمة الابتكار المناخي” وهي مستعدة لشق هذا الطريق لأنها تشهد بداية ثورة بشأن التغير المناخي، حيث تم البدء مؤخرًا بتطبيق “خطة المراحل الـ 100” ، مما يعني أن إسرائيل تبذل جهودًا أكبر اليوم في سبيل الترويج للطاقة النظيفة وتقليص انبعاث الغازات الدفيئة.
وفي إشارة إلى استراتيجية إسرائيل لمواجهة أزمة المناخ، أكد بينيت على التزام إسرائيل بتقليص انبعاث الغازات الدفيئة وصولاً إلى الصفر بحلول عام 2050 حيث سيتم التوقف تدريجيًا عن استخدام الفحم الحجري بحلول عام 2025. واختتم بينيت حديثه قائلًا: “لا يمكن تحقيق تغيير اتجاهنا الوطني نحو الحلول المناخية إلا من خلال تكوين البيئة المناسبة لذلك، وهذا ما دفعني إلى تشكيل فريق عمل سمي بـ “الصندوق الرملي الأخضر”، وهو معني بضخ الأموال التي ستساعدها وتضمن لها الطريق الخالي من العوائق البيروقراطية”.
خطة الحياد الكربوني 2050
حددت إسرائيل عام 2050 موعدًا وطنيًا للوصول إلى صفر انبعاث غازات وذلك قبل توجه وفدها إلى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في جلاسكو، وذكر مكتب رئيس الوزراء نفتالي بينيت أن الهدف هو تعزيز الابتكارات الصديقة للمناخ، وتطوير تقنيات للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والاستعداد لتغير المناخ. وأضاف أن إسرائيل ترغب في دعم الحرب الدولية ضد تغير المناخ من خلال الأبحاث والتنمية التكنولوجية مع التركيز على الوسائل التكنولوجية فى مجالات مثل المناخ والطاقة والغذاء والزراعة والمياه.
وذكر موقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن الخطة تتضمن 100 خطوة لمكافحة تغير المناخ، وتضم 14 وزارة بتكلفة تصل إلى إجمالي 4.8 مليار دولار. كما تتضمن استثمار الأموال في محطات معالجة النفايات العضوية، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة، والحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصناعة على مستوى البلديات، والتحول إلى وسائل النقل الكهربائي للنقل العام، وتوفير المزيد من المسارات المخصصة للدراجات.
واتفق رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، ووزيرة الطاقة، كارين إلهارار، على رفع هدف تقليص انبعاث الكربون، بحيث ستبلغ إسرائيل بحلول عام 2050 نسبة صفر انبعاث، ولتحقيق ذلك، سيستمر العمل الإداري واسع النطاق في هذا المجال، وشكلت تلك الخطوة امتدادًا لـ “رزمة المناخ” التي صادقت عليها حكومة إسرائيل في الشهرالماضي والتي اتخِذت في إطارها عدة قرارات بشأن معالجة الأزمة المناخية.
ومن ضمن الإجراءات التي حددتها الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ خطة 2050، تطوير تكنولوجيات تخزين الطاقة (التخزين الموسمي)، والاعتماد على الطاقة المتجددة العام بأكمله، وتطوير القدرة على امتصاص الكربون، بالإضافة إلى الترويج للبنى التحتية الخضراء و توفير استهلاك الطاقة، ذلك فضلاً عن تطوير الابتكار الإسرائيلي من خلال الاستثمار في الأبحاث والتطوير من قبل أصحاب مشاريع إسرائيليين يعملون في مجال الطاقة الخضراء، بهدف الترويج لإيجاد حلول جديدة
وفي هذا الصدد، أكدت الحكومة الإسرائيلية على أن بلوغ هذا الهدف سيلزم كافة المجالات الاقتصادية بمراعاة الطاقة، سواء في المواصلات أوالصناعة أو الزراعة والنفايات، من خلال اتخاذ سلسلة واسعة من الخطوات بغية تقليص الانبعاث.
تقرير “أنجلمان”.. كشف للحقائق
قبل خمسة أيام من اجتماع قادة العالم في اسكتلندا لحضور قمة جلاسكو لمناقشة سُبل مواجهة أزمة المناخ، أصدر مراقب الدولة في إسرائيل، ماتنياهو أنجلمان، تقريرًا لاذعًا حول تقاعس الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مدار العقد الماضي لاستعداد إسرائيل لأزمة المناخ. ووثق التقرير، الذي تم صياغته تحت عنوان “تصرفات الحكومة الإسرائيلية واستعداداتها لأزمة المناخ” والمكون من 659 صفحة؛ كيفية اتخاذ قرارات الحكومة بشكل متكرر، كما أظهر قيام إسرائيل بإخفاء ارتفاع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عن الأنظار من خلال الإعلان عن أرقام نصيب الفرد بدلا من الأرقام المطلقة، فضلاً عن التقاعس في تخفيض الانبعاثات بجدية وما ترتب على ذلك من خسارة الاقتصاد ما يقدر بـ 217 مليار شيكل (67.7 مليار دولار).
ووصف أنجلمان، النتائج بأنها “ضوء تحذير”، وقال في إفادة إعلامية إن تغير المناخ يهدد الأمن القومي والجغرافيا السياسية في ضوء النقص المتوقع في الغذاء والماء في الدول المجاورة. وإنه يشكل مخاطر على الاقتصاد والمؤسسات المالية والبنية التحتية الوطنية والصحة العامة والنظم البيئية والتنوع البيولوجي والسكان المحفوفين بالمخاطر وغير ذلك.
واستنكر عدم بلورة إسرائيل لخطة عمل وطنية مصدق عليها في الميزانية، على الرغم من أنها تقع في منطقة ذات مخاطر متزايدة. وفي إشارة إلى التقييمات التي تظهر ارتفاع درجة حرارة المنطقة أسرع من المتوسط العالمي، أكد أن إسرائيل ليست مستعدة لأزمة المناخ ولم يحدث حتى الآن تغييرًا في تصور السياسة الإسرائيلية بشأن هذه القضايا. وأشار التقرير إلى أن الحكومات الإسرائيلية اتخذت قرارات تهدف إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بعد مصادقة الدولة على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في عام 1996، لكنها لم تتخذ الخطوات اللازمة لتنفيذها بشكل صحيح.
ودعا مراقب الدولة الحكومة إلى الاعتراف بأزمة المناخ كتهديد وطني أو حالة طوارئ، والقيام بتمكين هيئة دائمة تكون مهمتها تنفيذ الخطط المتعلقة بأزمة المناخ، بالإضافة إلى تمرير قانون المناخ والنظر في دمج التكاليف الخارجية لاستخدام الوقود الأحفوري في جميع الحسابات المتعلقة بالمناخ في جميع الوزارات.
وحسبما كشف التقرير، فإن معدلات انبعاثات الكربون المطلقة في إسرائيل ارتفعت بنسبة 103٪ منذ عام 1990 و 12٪ منذ عام 2005. وعند فحص القطاعات المختلفة في جميع أنحاء إسرائيل ، قال أنجلمان إن التقدم الذي تم إحرازه لتحقيق الأهداف تراوحت بين “التأخر إلى الصفر” ضئيل ، مع وجود عدد قليل جدًا من الأهداف التي تم تحديدها أو تحقيقها بالفعل.
ففي عام 2015 ، تعهدت وزارة النقل ، بتوجيه من وزير النقل آنذاك “يسرائيل كاتس” ، بخفض التنقلات الخاصة بنسبة 20٪، لكن كشف التقرير عن الفشل في القيام بذلك، حيث ارتفعت التنقلات الخاصة من 42 مليار كيلومتر في عام 2015 إلى 50 مليار كيلومتر في عام 2019.
كما أشار التقرير إلى أن وزارة النقل فشلت في صياغة خطة مفصلة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في قطاع النقل، وألمح إلى أن أجزاء مهمة من خططهم لم تتعدى كونها مقترحات، والعديد منها غير واضح.حيث تشمل المقترحات زيادة الاستثمار في وسائل النقل العام وأنظمة النقل الجماعي وإغلاق الشوارع أمام حركة المرور لتشجيع المشي أو ركوب الدراجات. ومع ذلك، لم يتم حساب أو توضيح المدى الذي ستعمل به هذه الخطط فعليًا على خفض الانبعاثات.
ووجد التقرير أن قطاعًا آخر يفشل في إحراز تقدم كبير في تحقيق أهدافه المناخية وهو قطاع الطاقة، ففي عام 2008، تعهدت الحكومة الإسرائيلية بتخفيض استخدام الطاقة في البلاد بنسبة 20٪ عما كان عليه في عام 2006 بحلول عام 2020. ومع ذلك، وجد التقرير أنها لم تحقق هدفها بنجاح، وأن استهلاك الطاقة لم يفعل سوى تخفيضها بنسبة 12.4٪.
في العام التالي، تعهدت حكومة أولمرت بزيادة استخدام الطاقة المتجددة في إسرائيل بنسبة 10٪ بحلول عام 2020. ومع ذلك، في الوقت المقرر، زاد استخدام الطاقة المتجددة بنسبة 6.1٪ فقط. وهو ما يشكل مدعاة للقلق لإثارته الشكوك في قدرة إسرائيل على تحقيق هدفها، المتمثل في زيادة بنسبة 17٪ بحلول عام 2030، بنجاح. ورأى التقرير أنه على الرغم من الهدف يُعد الأدنى لكافة دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلا أنه شبه مستحيلاً أن تحققه إسرائيل.
كما انتقد التقرير الحكومة لأنها تهدف فقط إلى الوصول إلى اقتصاد منخفض الكربون بحلول عام 2050، بدلًا من صفر والتعويض عن كل الكربون المستخدم. حيث تهدف وزارة الطاقة، على سبيل المثال، إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 80% في قطاع الطاقة بحلول عام 2050، وليس لديها هدف لمقدار توليد الطاقة في البلاد من مصادر متجددة بحلول ذلك الوقت.
ووفقًا للتقرير، فعلى الرغم من تخصيص 800 مليون شيكل لقطاع الطاقة لتحقيق أهدافه وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكن 500 مليون شيكل، لم يتم استخدامها بسبب نقص الخطط المعتمدة في هذا الصدد. وانتهى التقرير إلى أن أكبر قضية تقف بين الحكومة وصياغة خطة عمل مناخية ملموسة هي نقص تخصيص القوى العاملة والميزانية والاهتمام بقضية المناخ داخل الوزارات الحكومية، بالمقارنة بالقضايا الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، اعتبر التقرير أن عدم إعلان حالة الطوارئ بسبب أزمة المناخ يعني أنه لا توجد طرق وقائية طويلة الأجل أو استعدادات منهجية للتعامل مع الآثار المتوقعة.
كما خلص التقرير إلى أن إسرائيل غير جاهزة لمواجهة أزمة المناخ، وشدد على ضرورة اتخاذ إسرائيل خطوات في هذا الشأن واستكمال خطط العمل الوطنية والقطاعية على أساس تخصيص الموارد المطلوبة لذلك، والانضمام إلى الاتجاه العالمي بخصوص الإستعداد للتغيير المناخي. وأوصى الحكومة باستكمال صياغة سياسة المناخ التي تمكن إسرائيل من الوفاء بالتزاماتها الدولية، والاستعداد للتغير المناخي وإستخلاص الفوائد الاقتصادية من الخطوات المطلوبة”، مبينًا أن الموضوع لم ينظر إليه بعد كهدف استراتيجي قومي ويشكل جزءًا من خريطة التهديدات الاستراتيجية.
وبإلقاء الضوء على الواقع في إسرائيل، في ظل إعلان الحكومة عن إعتزامها الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050، يمكن رصد بعض الملاحظات و التي ترجح عدم قدرة إسرائيل على تحقيق الهدف المنشود، ويمكن إيجازها في التالي:
- فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها المخططة لعام 2020، وذلك على الرغم من تولي حكومات أكثر قوة و تماسكًا من الائتلاف الحكومي الحالي الهش بقيادة نفتالي بينيت؛ لذلك فليس متوقعًا أن تنجح إسرائيل في الوصول لأهدافها المعلنة لتقليل انبعاثات الغازات الكربونية، حتي مع تغير الائتلاف الحاكم، فالوصول للأهداف المرجوة يتطلب تغييرًا في سياسة إسرائيل تجاه هذا الملف، وإحداث تغييرات جوهرية في الإجراءات المطلوبة لتحقيق تقدم حقيقي يستدعي إجراء تعديلات تشريعية و سياسية.
- تبلغ نسبة اعتماد إسرائيل على الطاقة المتجددة 3% فقط، وتأتي ضمن الدول الأقل استخدامًا للطاقة المتجددة ضمن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتهدف إلى الوصول إلى نسبة 35% بحلول 2030؛ وهو فارق كبير يصعب تحقيقه.
- توسعت حركة السير في السيارات الخاصّة بين عامي 2015 و 2019 بنسبة 19 %، في الوقت الذي تم التقاعس عن استخدام المركبات الكهربائية، حيث بلغ عددها 12 ألف سيارة كهربائية فقط من أصل 3 ملايين سيارة في إسرائيل، وهو ما أسفر عن مشاركة المواصلات في إسرائيل بنسبة 20% من الانبعاثات، مقارنة بمتوسط 20% في جميع دول العالم.
- من المرجح أن يتم تمرير مشروع “قانون المناخ” في إسرائيل، كنوع من الإنجاز الذي ينسب لحكومة بينيت؛ لكن الأهم من ذلك أن تلتزم إسرائيل بسلسلة الإجراءات العملية التي ينص عليها القانون بما في ذلك كفاءة الطاقة، وتوسيع استخدام الطاقات المتجددة وتقييم تغير المناخ، فضلاً عن ضرورة تفعيل اللجنة المنصوص عليها في القانون التي تختص بمواكبة تعامل الحكومة مع هذه القضية.
- في حال جدية إسرائيل في التعهد بالتزاماتها في سبيل مواجهة أزمة المناخ، يستوجب عليها دمج تلك القضية ضمن أجندة الأمن القومي الإسرائيلي ووضع آليات من شأنها إحراز تقدم حقيقي في هذا الصدد.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية