
تحالف أوكوس من المنظور الاستراتيجي العسكري
تم الإعلان عن تحالف أوكوس الذي يضم كلًا من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا بشكل مفاجئ في منتصف سبتمبر الماضي، وبعد أسبوعين فقط من توقيت إتمام انسحاب الولايات المتحدة من مستنقع أفغانستان بنهاية اغسطس السابق حيث كانت تداعيات الانسحاب ما والت ممتدة، وربما كان توقيت الولايات المتحدة للإعلان عن هذا التحالف، للتغطية على ذلك الانسحاب المهين.
كما كان الإعلان مصاحبًا لبيع صفقة غواصات نووية من الولايات المتحدة إلى أستراليا -التي ألغت صفقة الغواصات الفرنسية- وربما تشاركها بريطانيا مستقبلًا فهي الدولة الوحيدة التي أعطتها الولايات المتحدة هذه التكنولوجيا فائقة التقدم، وأيضًا لتشجيع بريطانيا على المشاركة في هذا التحالف الوليد والذي يدعم وجود الأخيرة البحري المحدود في بحر الصين الجنوبي وعلى مقربة من الخط المناهض للصين، هونج كونج – وتايوان.
سوف يثير هذا الوضع الجيوستراتيجي الجديد حفيظة الصين باعتبار أنها المستهدفة من هذا التحالف ذي الطابع الأمني الدفاعي والقريب من مجالها الحيوي في بحر الصين الجنوبي، مما يضطرها لاتخاذ تدابير مضادة، خاصة إذا ما انضم لهذا التحالف الجديد أي أعضاء من تحالف (كواد) المعلوماتي الاستخباراتي القديم (2007) والذي يضم مع الولايات المتحدة كلًا من الهند وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان، وهو ما قد يفضي إلى أحلاف مضادة على غرار ناتو- وارسو، تمشيًا مع استراتيجية الرئيس السابق أوباما ونائبه حينئذ بايدن، بالاحتواء المزدوج لكل من روسيا والصين واعتبار (الإندو- باسيفيك) هو القرن الأمريكي الجديد كما كتبت هيلاري كلينتون وزير خارجية أوباما، مما يمهد لسباق تسلح وحرب باردة جديدة.
ويشمل هذا المنظور الاستراتيجي المحاور الآتية:
1- صفقة الغواصات النووية الأمريكية وتفجر الأزمة.
2- خريطة التحالفات الصينية المضادة المحتملة.
3- موقف دول الإقليم من تحالف أوكوس وانتشار الأسلحة النووية.
4- مدى التأثير المحتمل على مصر (التحالف الأمريكي- التحالف الصيني المضاد المحتمل).
أولًا: صفقة الغواصات النووية الأمريكية وتفجر الأزمة
تكونت من 8 غواصات نووية هجومية ذات أكبر مفاعل نووي يعمل باليورانيوم المخصب بدرجة 93-95% وهذا غير متوفر لأي مثيل لها في دول النادي النووي الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى الهند التي تمتلك تلك التكنولوجيا من خارج النادي النووي، حيث لا تزيد درجة تخصيب اليورانيوم في المفاعلات النووية في غواصات تلك الدول عن 10% ومنها صفقة الغواصات الفرنسية إلى أستراليا الملغاة بواسطة الأخيرة، وكانت بطاقة تخصيب 7% مما يكفيها للعمل لمدة 10 ساعات قبل إعادة الشحن، بالمقارنة بالأمريكية التي تعمل لمدة 10 سنوات! مع الغوص المتصل لمدد وأعماق كبيرة مما يُصعٍب تتبعها، مع القدرة على إطلاق أنواع متعددة من الصواريخ لمديات بعيدة من وضع قاع البحر (سي بيد).
يتزايد القلق الصيني بشكل كبير من تلك الصفقة خاصة أنها مرشحة للزيادة رغم كبر حجمها، مما سيؤثر على التوازن النووي الاستراتيجي في المجال الحيوي الصيني في غير صالحها، وسيؤثر كذلك في معادلات الاشتباك في مسرح (الإندو – باسيفيك) حيث يتواجد الأسطول السابع الأمريكي في غرب الباسيفيك وقيادته في اليابان (يوكوسوكا) وعلى مقربة من شرق الصين. ويتواجد الأسطول الخامس الأمريكي غرب الصين وفى المحيط الهندي وتحديدًا في الخليج العربي في البحرين (المنامة)، وحتى في حالة ثباته أو أجزاء منه في مواجه إيران، فإن الأسطول السادس بالبحر المتوسط سيكون جاهزًا للدعم القوي عبر قناة السويس والبحر الأحمر وباب المندب إلى المحيط الهندي.
- المرتكزات الصينية المضادة للصفقة
رغم التخوف الاستراتيجي العسكري الصيني من الصفقة والعمل على مجابهتها فإن ذلك لن يكون معلنًا، أما المعلن فهو التركيز على إدانة الصفقة طبقًا للمواثيق الدولية الخاصة بالطاقة النووية كالآتي:
1- إن الطاقة النووية ذات تخصيب اليورانيوم أكبر من 20% غير قابلة للتداول خارج الدولة المالكة لها، تمشيا مع معاهدة منع الانتشار النووي (إن بي تي) وهو ما تخالفه الولايات المتحدة في تلك الصفقة.
2- إن الهيئة الدولية للطاقة الذرية مسؤولة فقط عن المراقبة والتفتيش عن تلك النسبة المئوية 20% فما فوق، فهل ستخضع مفاعلات تلك الغواصات لتفتيش الهيئة؟
3- التلميح إلى أن الولايات المتحدة قد انسحبت من معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى في مواجهة روسيا بغرض تطوير تلك القدرات الصاروخية للعمل مع صفقة الغواصات الأسترالية مما يهدد الصين وينذر بسباق تسلح جديد صيني-أمريكي مما يهدد السلم والأمن العالمي، ويفضي إلى حرب باردة جديدة.
ثانيًا: خريطة التحالفات الصينية المضادة المحتملة
1- تجاه روسيا: بدعوى تعويض الضعف الروسي المنفرد تجاه حلف (ناتو) خاصة بعض انضمام معظم دول أوروبا الشرقية إليه، وأن توسيع دائرة الاحتواء المزدوج الذي ينادي به الديموقراطيون في الولايات المتحدة خلال القرن الجديد لكل من روسيا والصين في آن واحد سوف يخفف الضغط على روسيا، ويرهق الولايات المتحدة وحلفاءها في مجالات جغرافية أوسع.
2- تجاه كوريا الشمالية: ينتظر أن تنضم دون إعلان صريح للجوار الصيني المباشر، ولعدائها للولايات المتحدة من منطلق (عدو عدوي صديقي) ولرد الجميل الصيني في معاهدة 4+1 بنهاية القرن الماضي والتي كسبت كوريا الشمالية منها الكثير من كل من الولايات المتحدة وحلفائها واستكمال برنامجها النووي سرًا.
3- محاولة كسر تجمع (كواد) لعدم تشجيعه أو احتمال الانضمام إلى تحالف (أوكوس) مستقبلًا:
– تجاه الهند: سوف تشرع الصين في حل مشاكلها الحدودية معها.
– تجاه اليابان: بالتلويح بأنها ستكون في مواجهة الصين وروسيا منفردة بعد إتمام الانسحاب الأمريكي منها.
– تجاه كوريا الجنوبية: التلويح بالدعم الكبير لكوريا الشمالية في نزاع الكوريتين في شبه القارة الكورية.
– تجاه أستراليا: بدأت بالفعل نوع من العقوبات الاقتصادية بمنع استيراد 12 سلعة أسترالية رئيسية إلى السوق الصينية الكبيرة.
ثالثًا: موقف بعض دول الإقليم من صفقة الغواصات النووية وحلف (أوكوس)
1- التخوف من خطورة جلب قدرات نووية إلى الإقليم خارج اتفاقية منع الانتشار النووي (إن بي تي) وهو ما أعلنته صراحة نيوزيلاندا صديقة وجارة أستراليا بعدم موافقتها على وجود تلك القدرات بمياهها الإقليمية.
2- ينتظر ترحيب تايوان باقتراب الحليف الأمريكي، وكذلك ترحيب هونج كونج باقتراب الحليف البريطاني، حيث تشكل تايوان وهونج كونج نطاقًا أمنيًا استراتيجيًا متقدمًا للتحالف في مواجهة الصين مما يزيد من قلقها.
3- مواقف باقي دول الإقليم من المنتظر أن تظهر وتتبلور تباعًا
رابعًا: مدى التأثير المحتمل على مصر لتحالف (أوكوس) أو الصين
من منطلق أن مصر ليست مع أو ضد هذا أو ذاك وأنها ليست طرفًا في أي تحالفات عسكرية كتوجه سياسي استراتيجي، فنرى الآتي:
1- تجاه الولايات المتحدة وتحالف (أوكوس)
– سوف ينتج عن حركة الأساطيل الأمريكية والبريطانية من البحر المتوسط إلى منطقة (الإندو- باسيفيك) والعكس حركة عبور كثيفة لسفن قتال عملاقة لقناة السويس والبحر الأحمر وباب المندب، مما يرفع عائدات القناة، وهو ما يحتاج إلى سرعة استكمال ازدواج القناة وبأعماق تسمح بالمرور المتزامن للسفن العملاقة “Super Tankers” العسكرية والتجارية.
– يمكن توفير دعم وتنسيق أمريكي بحري للأسطول الجنوبي المصري في البحر الأحمر لتأمين الملاحة الدولية خلاله وعبر باب المندب ضد التهديد الحوثي والقرصنة كمفتاح الجنوب للأمن الملاحي الدولي من وإلى قناة السويس.
– طلب تسهيلات مصرية وخاصة في برنيس، وهو ما تم التدريب عليه خلال التدريبات المشتركة، ويمكن استخدامه لمزيد من التأمين المشترك المصري الأمريكي السعودي للبحر الأحمر وباب المندب.
– مراقبة القطع البحرية النووية العابرة لقناة السويس وخاصة مرحلة الانتظار في البحيرات المرة، للتأكد من عدم إلقاء أي نفايات نووية.
2- تجاه الصين
– مراعاة أنها من أكبر الدول المستثمرة في مصر وخاصة في محوري قناة وخليج السويس.
– تشجيعها على المشاركة في تأمين باب المندب من قاعدتها الجديدة في جيبوتي حيث إنها من كبر المستفيدين من هذا الخط الملاحي التجاري الدولي.
-التعامل معها بصفة منفردة وليس بصفنها قائدة تحالف منتظر، حتى لو ظهر إلى حيز التنفيذ مستقبلا.
ونخلص إلى:
إن تحالف (أوكوس) الأمني ما زال في طور التشَكٌل، وقد يكون مع تحالف (كواد) المعلوماتي السابق مقدمة للاستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى الاحتواء المزدوج لكلٍ من الصين وروسيا، وجعل الباسيفيك هو القرن الأمريكي الجديد، مما قد يُنذر بسباق تسلح وحرب باردة جديدة في الإقليم، تزداد معه حركة الأساطيل الأمريكية والحليفة من وإلى هذا الإقليم خاصة الأسطول السادس عبر قناة السويس والبحر الأحمر وباب المندب، مما يستوجب تنسيقًا مصريًا أمريكيًا لاستخدام القناة والتسهيلات البحرية المصرية في البحر الأحمر والتعاون في تأمين باب المندب ضد الأعمال الإرهابية، مع الإسراع في استكمال ازدواج وتعميق القناة لجذب الناقلات العملاقة التي ما زالت تستخدم طريق رأس الرجاء الصالح.
مع استمرار كسب الصين كأحد أكبر المستثمرين في مصر وخاصة محوري قناة وخليج السويس، وتشجيعها على الاشتراك في تأمين باب المندب وخطوط الملاحة الدولية من قاعدتها الجديدة في جيبوتي. كما تؤكد مصر للجميع أنها ليست طرفًا في أي تحالفات مع أو ضد، طبقًا لاستراتيجيتها المستقرة في هذا الشأن.