آسيا

“فوميو كيشيدا” والصين.. الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والتخوف الأمني

بعد وصوله إلى قمة الحزب الليبرالي الحاكم انتخب البرلمان الياباني فوميو كيشيدا رئيسًا جديدًا للوزراء خلفًا ليوشهيدي سوجا الذي قرر الخروج من الحياة السياسية، بعدها بأيام قليلة أجرى كيشيدا المخضرم في العمل الدبلوماسي محادثة هاتفية هي الأولى مع الرئيس الصيني شي جين بينغ حيث قال الأول إن هناك موافقة على أهمية العمل المشترك في القضايا ذات الاهتمام المشترك. 

وبحسب رويترز فإن كيشيدا قد أثار قضية الجزر المتنازع عليها “سينيكاكو باليابانية ودياويو بالصينية”، وتعامل بكين مع هونغ كونغ وقضية الأويغور في شينجيانغ دون ذكر مزيد من التفاصيل حول الأمر، فيما أبلغ الرئيس الصيني على الجانب الآخر رئيس الوزراء الياباني أنه يتعين على البلدين التعامل مع القضايا الحساسة مثل تايوان “بشكل مناسب”.

هذه المحادثة الأولية ربما تدفع إلى التساؤل عن شكل وطبيعة العلاقة ما بين القوتين الاقتصاديتين في المرحلة المقبلة، مع ازدياد حدة المنافسة بين بكين وواشنطن الحليف الأول لطوكيو في ظل الخلافات التاريخية المتعلقة بماضي الإمبراطورية اليابانية أيضًا والتي تظل واحدة من أساسيات التعامل بين الدولتين.

رؤية كيشيدا للصين 

قبيل انتخابه رئيسًا جديدًا للحزب الليبرالي الديمقراطي تحدث وزير الخارجية السابق فوميو كيشيدا عن العلاقة مع بكين قائلًا إنه يتعين على اليابان مواجهة الصين من خلال تعزيز دور خفر السواحل وتحسين التنسيق مع الجيش. ويحمل كيشيدا وجهة النظر الغربية فيما يتعلق بالقضايا الداخلية للصين؛ فقد أكد في التصريحات ذاتها أهمية حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأنه -حال انتخابه– سيعين مساعدًا لمتابعة تعامل بكين مع أقلية الأويغور. 

لكن القضية الأكثر أهمية في منطقة شرق آسيا هي جزيرة تايوان التي تعتبرها بكين جزءًا لا يتجزأ من الصين الأم، فمع التنافس بين الصين وتايوان من أجل دخول الاتفاق الشامل وتدريجي للشراكة عبر المحيط الهادئ المعروف اختصارًا بـCPTPP أصبح على طوكيو أن تحدد موقفها تجاه كل منهما، إضافة إلى تحديد الاتجاه العام لسياساتها التجارية والدفاعية فيما يتعلق بالصين.

ففي الخامس من أكتوبر من عام 2021 أي بعد يوم واحد من وصول “كيشيدا” لرئاسة الوزراء أرسلت حكومة طوكيو أولى رسائلها عبر وزير الخارجية توشيميتسو موتيجي حينما سئل عن قضية تايوان؛ إذ قال إنه بدلًا من مراقبة الوضع فإنه يأمل في تقييم السيناريوهات المحتملة المختلفة التي قد تنشأ للنظر في الخيارات المتاحة لدى طوكيو، فضلًا عن الاستعدادات التي يجب القيام بها، وذلك رغم الإعراب عن أمله في حل الأزمة سلميًا بين بكين وتايبيه عبر الحوار المباشر.

ويرى المحللون هذه التصريحات تحولًا مهمًا في طريقة تعبير اليابان عن موقفها إزاء أزمة تايوان؛ مثل روبرت وارد زميل الدراسات الأمنية اليابانية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي يحمل الرأي ذاته بالقول إن حكومة طوكيو ستستمر في النهج المتشدد تجاه الصين كسابقاتها من أجل حفظ التوازن مع الصين عبر إظهار قوتها. 

فعلى الرغم من انتماء كيشيدا إلى فصيل “الحمائم” داخل الحزب الليبرالي الحاكم، إلا أن إبقاءه على كل من وزير الخارجية توشيميتسو موتيجي ووزير الدفاع نوبو كيشي –الأخ الأصغر لرئيس الوزراء اليميني الأسبق شينزو آبي– في حكومته يشير إلى استمراره على نهج سلفيه سوجا وآبي فيما يتعلق بالمسائل الأمنية والعلاقات مع الولايات المتحدة.

هنا أيضًا ينبغي الإشارة إلى أن وزير الدفاع كيشي تربطه علاقات خاصة بتايوان، فبحسب صحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست التي تصدر في هونغ كونغ فإن كيشي كان يمثل الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في عدة مناسبات بتايوان، والتقى برئيستها تساي إينغ وين في يناير عام 2020 بتايبيه لتهنئتها على إعادة انتخابها، ولذلك كان لدى الصين تحفظ عند تعيينه وزيرًا للدفاع في حكومة يوشيهدي سوجا؛ إذ قالت عبر المتحدث باسم خارجيتها إنها تأمل أن تمتنع طوكيو عن تطوير علاقاتها الرسمية مع تايوان. 

وبحسب  الزميلة الزائرة بـ المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية  Elli-Katharina Pohlkamp فإن التعامل مع الصين سيصبح أولوية كبرى لدى كيشيدا خلال الفترة المقبلة مع التركيز على منهج تعددي في هذا التحدي من خلال التواصل مع الدول التي تشارك اليابان نفس القيم الديمقراطية. هذا سيدفع بكيشيدا إلى تعزيز علاقته مع دول المحيطين الهندي والهادئ في قضايا بعيدة عن الأمن الصارم وتعزيز الحوار معهم من أجل مواجهة الصين، إضافة إلى تشجيع التحالف الرباعي المعروف باسم QUAD “الولايات المتحدة، أستراليا، اليابان، الهند” والاتحاد الأوروبي عبر صيغ مثل مجموعة السبع ومجموعة العشرين على تحويل انتباهها للمنطقة. 

الرؤية الصينية لكيشيدا واليابان

عادة يمكن استخلاص رؤية بكين في أي قضية عبر ما تعكسه المقالات والتقارير التي تنشرها وسائل الإعلام الرسمية سواء للصحفيين أو الأكاديميين في المجال المرتبط بموضوع المقال.  فيقول البروفيسور Xiang Haoyuالباحث الزميل في معهد الصين للدراسات الدولية في تصريحات لصحيفة جلوبال تايمز الصادرة من بكين أن تشكيل حكومة كيشيدا يبدي رغبته في تحقيق توازن بين جميع الفصائل داخل الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم، ما يعكس شخصيته الراغبة في توخي الحذر والرغبة في الحفاظ على الاستقرار. ويشير أيضًا إلى أن الصين ستراقب عن كثب تحركات كيشيدا للنظر إذا ما كان سيحاول اللعب بـ”ورقة حقوق الإنسان” من خلال زيادة الضغط باهتمام على الصين بشأن القضايا المتعلقة بهونج كونج وشينجيانغ.

ويرى Zhou Wenxing الأستاذ المساعد بكلية العلاقات الدولية في مقال على موقع التلفزيون الصيني الرسمي CGTN أن كيشيدا الذي عمل وزيرًا للخارجية في حقبة رئيس الوزراء السابق شينزو آبي المنتمي للتيار اليميني في الحزب الحاكم ربما يكون قد تأثر بسياسة سلفه والتي اعتمدت على التحوط تجاه الصين والولايات المتحدة، عبر تطوير العلاقات الاقتصادية مع بكين مع التعاون مع واشنطن من حيث الأمن لتحقيق التوازن بين الجانبين، وربما يتأثر بسياسة آبي وفصيله في الحزب.

وبقدر من التفاؤل يشير Wenxing إلى أن القضايا الداخلية في اليابان ستستحوذ على الجانب الأكبر من أجندة كيشيدا لا سيما التعافي الاقتصادي من آثار جائحة كوفيد-19 التي -بحسب Wenxing- عملت كل من بكين وطوكيو على احتوائها خلال عام 2020 ما أسهم في تقوية العلاقات الثنائية بينهما، وأنهما شريكين تجاريين مهمين بالنسبة لبعضهما البعض، وأن كيشيدا يدرك -بحكم عمله الطويل كوزير للخارجية- أن انضمامه لجهود الولايات المتحدة لاحتواء الصين لن تؤتي أٌكُلها. 

الخلاصة

يمكن القول إن رئيس الوزراء الياباني الجديد فوميو كيشيدا سيعمل على حفظ التوازن فيما يخص العلاقات الاقتصادية بين طوكيو وبكين لا سيما مع دخولهما في اتفاق مهم هو الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة RCEP والتي تضم أيضًا دول الآسيان العشرة وكوريا الجنوبية، لكن رغم ذلك يظل الجانب الأمني ذا أهمية كبرى بالنسبة لكيشيدا لا سيما ما يتعلق بالأمن البحري فيما يرتبط بالنفوذ في بحر الصين الشرقي والجزر المتنازع عليها، وبالتالي سيركز على تعزيز التحالف الرباعي QUAD والهادف لمواجهة الصعود المتنامي للصين.

ستترقب الصين معالجة فوميو كيشيدا ومواقفه من قضية تايوان لا سيما مع تصاعد التوتر في الفترة الأخيرة، إضافة إلى تصريحات حكومته المرتقبة حول قضايا حقوق الإنسان في هونغ كونغ وشينجيانغ، إضافة إلى مراقبة تصرفات كيشيدا الشخصية المتعلقة بالقضايا المرتبطة بماضي طوكيو العسكري من خلال زيارة ضريح ياسوكوني وأي تصريحات ترتبط بمذبحة نانجينغ 1937.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى