
الصواريخ مقابل النفط.. لماذا تسعى واشنطن لخفض الصين مشترياتِها من النفط الإيراني في هذا التوقيت؟
في تحول جديد يتعلق بمسار المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى، والتي بات من المقرر استئنافها خلال الأيام المقبلة حسبما أعلنت طهران مؤخراً، قال مسئولون أمريكيون وأوروبيون أمس الثلاثاء إن الولايات المتحدة “تواصلت” مع الصين دبلوماسياً من أجل تخفيض بكين مشترياتها من النفط الخام الإيراني، الخاضع بالأساس لعقوبات كبرى منذ سنوات طوال تعمقت حدتُها خلال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب.
وقال مسئول أمريكي بارز لوكالة “رويترز” للأنباء في تصريحاتٍ نشرتها الأربعاء 29 سبتمبر إن الولايات المتحدة “على علم بالمشتريات التي تقوم بها الشركاتُ الصينية من النفط الإيراني”، مضيفاً “استخدمنا سلطات العقوبات الخاصة بنا للرد على التهرب من العقوبات الإيرانية بمن في ذلك الذين يتعاملون مع الصين، وسنواصل القيام بذلك إذا لزم الأمر”.(*)
ووصف المسئول الأمريكي، الذي لم تكشف الوكالة عن اسمه، “التوافق” الصيني الأمريكي الأخير بشأن الحد من استيراد النفط الإيراني بأنه “جزءٌ من حوارنا حول سياسة إيران، ونعتقد أن هذا بشكل عام طريقٌ أكثر فاعلية لمعالجة مخاوفنا”.
وأشار مصدرٌ أوروبي آخر بشكل منفصل إلى أن هذه الخطوة الأمريكية الصينية كانت إحدى القضايا التي أثارتها نائبة وزير الخارجية الأمريكية، ويندي شيرمان، خلال زيارة إلى الصين أواخر شهر يوليو 2021.
ويأتي هذا التطور في وقت حرج بالنسبة لمسار المفاوضات النووية الإيرانية في النمسا، التي انتهت في يونيو الماضي جولتُها السادسة ومن المتوقع استئناف السابعة قريباً، بعدما بدا أن الطريق إلى فيينا بات ممهداً من جديد لجميع الأطراف، كما أنه جاء بعد تأكيد وزير الخارجية الإيراني الجديد، أمير حسين عبد اللهيان، على أن المفاوضات سوف تُستأنف “قريباً جداً”.
إذاً، لماذا ترغب الولايات المتحدة في تخفيض الصين مشترياتِها من النفط الإيراني في الوقت الحالي، وهل سيؤثر هذا “التوافق” بين بكين وواشنطن على مسار مفاوضات فيينا؟
لماذا تسعى واشنطن لأن تخفض بكين مشترياتها النفطية من طهران في هذا التوقيت؟
يقول المسئول الأوروبي المُشار إليه، حسبما ذكرت “رويترز”، إن الصين “تحمي إيران” مشدداً على أن الدول الغربية تنظر بعين الاعتبار لكمية النفط التي تشتريها الصين من الجمهورية الإسلامية. وتقدر شركة “كيبلر” لتحليل البيانات أن بكين استوردت خلال الأثنى عشر شهراً الماضية التي انتهت بأغسطس 2021 حوالي 553 ألف برميل نفط يومي، وذلك تراجعاً عن 700 ألف برميل يومي كان يصل الصين من إيران قبل فرض الولايات المتحدة عقوباتها عليها، من بين إجمالي 2.5 مليون آنذاك.
إن استيراد بكين للنفط الإيراني قد مثل منذ عهد ترامب وخلال السنوات القليلة الماضية على وجه الخصوص إحدى أهم الدعامات الأساسية التي قام عليها الاقتصادُ الإيراني بعد تعرضه لضغوطات كثيرة شملت قطاعات ومستويات عدة قيّدت حركة الاقتصاد في طهران داخلياً وعلى المستوى الدولي. ولذا، فإن خطوة كهذه، على الرغم من أنه لم يتم تأكيدها حتى الآن على الأقل بشكل رسمي من جانب وزارة الخارجية الأمريكية، سوف تلقي بنتائج خطيرة في مسار مفاوضات فيينا النووية.
إن التفسير الأقرب لسبب توجه الولايات المتحدة لعقد مفاوضات مع الصين بهذا الشأن يتمحور حول رغبة واشنطن في الضغط على إيران في الوقت الذي اقترب فيه استئناف المفاوضات النووية، خاصة وأن طهران ترفض حتى الآن طرح الملف الصاروخي والإقليمي على طاولة المفاوضات، ما يرجح أن واشنطن تريد مساومتها في هذين الملفين وأن تحد من الطموحات الكبيرة لدى إيران فيما يخص مكاسب الاتفاق النووي.
وعلى هذا النحو، توظف واشنطن قدراتِها في فرض العقوبات الاقتصادية على إيران من أجل إخضاع الأخيرة لمطالبها وشروطها التي ترغب في إدراجها ضمن بنود أي اتفاق نووي جديد، خاصة إذا ما كان الأمر يتعلق بالصواريخ الباليستية أو الأنشطة الإقليمية لإيران.
ولذلك، فإنه من الطبيعي في هذه الحالة، حال نجاح المسعى الأمريكي، أن تعود المطالب الإيرانية إلى ما وراء الحد الحالي أو الطموحات المعلن عنها من جانب طهران وذلك عند الجلوس على طاولة المفاوضات مجدداً في فيينا. ويتمثل الطموح الأبرز لطهران من وراء المفاوضات إذاً في الرفع الكامل للعقوبات الأمريكية، خاصة تلك التي تم فرضها خلال عهد ترامب.
ويُضاف لهذا الأمر، ما وصفه المسئول الأمريكي من أن مثل هذه الخطوة مع الصين تُعد “أكثر تأثيراً لإزالة مخاوفنا”، والتي لم يتطرق إلى طبيعتها. ولكن وعلى أي حال، يمكن القول إن هذه المخاوف تفسرُها المطالباتُ الأمريكية المتعددة لإيران بطرح الملفين الصاروخي والإقليمي على طاولة التفاوض، في ظل رفض إيران، وإدراك الولايات المتحدة أن الحكومة الإيرانية الجديدة بزعامة إبراهيم رئيسي سوف تمضي قدماً عاجلاً أم آجلاً في المفاوضات النووية؛ ربما لأنها مجبرة على السير في هذا الطريق لأسباب اقتصادية.
وعليه، فإن التوافق الأمريكي الصيني في هذا التوقيت على وجه الخصوص وتزامنه بشكل خاص مع توترات “إستراتيجية” بين واشنطن بكين يؤكد أن هذه الخطوة كان مخططاً لها ومضت فيها الولايات المتحدة بقوة، وإلا لما أقدمت عليها “مع بكين، وفي هذا التوقيت”.
وإيرانياً، فسرت وكالة أنباء “تسنيم” الإخبارية شبه الرسمية اليوم 29 سبتمبر في تقرير لها تحت عنوان “الضغط الأمريكي على الصين لخفض واردات النفط الإيراني“(*) هذا المسعى الأمريكي على أنه رغبة في “إيقاف بيع نفط إيران من أجل الضغط عليها”، مضيفة أن هذا يتزامن مع “إعلان وزارة الخارجية الإيرانية عن عودة المفاوضات النووية سريعاً، ولكنها (الخارجية الإيرانية) لم تذكر تاريخاً محدداً”. وهنا، ربطت الوكالة الإيرانية ما بين المسعى الأمريكي مع الصين ومستقبل المفاوضات النووية.
هل يؤثر هذا المسعى على مسار المفاوضات النووية؟
تزداد المخاوف المتعلقة بنتائج هذا المسعى الأمريكي على مسار مفاوضات فيينا عند الأخذ في الحسبان أن الولايات المتحدة لم ترفع حتى الآن العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران والتي يجئ من أبرزها تلك المعمول بها في المجال النفطي والتي تجعلها الجمهورية الإسلامية دائماً في مقدمة مطالبها كشرط للانخراط في أية جولة من المفاوضات النووية.
كما أن هذه الخطوة، إذا ما دخلت حيّز التنفيذ، فإنها سوف تؤثر بشكل واضح على الاقتصاد الإيراني، وستضع طهران أمام خيارات صعبة تتمثل في:
- الإحجام عن المشاركة في مفاوضات فيينا أو السعي لتأجيلها.
- المشاركة في المفاوضات قريباً ولكن مع وضع المزيد من الشروط والعراقيل.
- التوسع في حجم نشاطها النووي والصاروخي، إما قبل المفاوضات أو بالتزامن مع انعقادها.
وعلى أي حال، وبرغم أن الصين لم تعلن من جانبها أي رد رسمي فيما يتعلق بما بالمسعى الأمريكي، إلا أن تطبيق تخفيض بكين لوارداتها النفطية من إيران على أرض الواقع، إثر طلب أمريكي، يُتوقع أن يُقابَل برد فعل سريع يندرج ضمن الخيارات المطروحة آنفاً، وذلك مثلما لم تتأخر وكالة أنباء “تسنيم” في الربط بين هذا المسعى والمفاوضات النووية.
باحث بالمرصد المصري