
“تجديد الدعم”.. أبرز رسائل لقاء السيسي بوزير الدفاع اليمني بالقاهرة
استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع اليمني الفريق محمد علي المقدشي بحضور وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي والسفير اليمني بالقاهرة محمد علي مارم، وتأتي تلك الزيارة في إطار اهتمام مصر بتطورات الأوضاع في اليمن نظرًا لتأثيرها المباشر على الأمن القومي المصري بصفة خاصة والعربي بصفة عامة، وحرص القاهرة على العمل على حل الأزمة اليمنية الممتدة عبر عدة سنوات ودعم قيادتها الشرعية ومسارات الحل السياسي بما يحقق وحدة واستقرار اليمن وسلامة شعبها.
أهمية اليمن للأمن القومي المصري والعربي
يمثل اليمن نقطة ارتكاز حيوية للأمن القومي المصري والعربي نظرًا لموقعها الاستراتيجي في جنوب البحر الأحمر، إذ تطل على الجانب الشرقي لمضيق باب المندب الذي يمثل المدخل الجنوبي لقناة السويس التي تعد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر ويمر من خلال المضيق قرابة 98% من السفن والبضائع العابرة للقناة، كما يحتل المضيق مرتبة متقدمة في تجارة النفط العالمية بسبب حركة نقل النفط الخليجي للأسواق الخارجية، وهو ما جعله أحد أكبر الممرات البحرية في العالم من حيث عدد البراميل النفطية التي تمر من خلاله.
كما يمثل اليمن عمقا استراتيجيا لدول الخليج، إذ يقع في جنوب شبه الجزيرة العربية، تحده المملكة العربية السعودية من الشمال، وسلطنة عمان من الشرق، والبحر الأحمر من الغرب، وخليج عدن وبحر العرب من الجنوب، مما جعله خاصرة شبه الجزيرة العربية ومنفذا لدول التعاون الخليجي إلى العالم، كما إنه يحمي الحدود البرية الجنوبية للسعودية والحدود البرية الغربية لسلطنة عمان، مما جعله هدفًا للقوى التي تسعى للسيطرة على الخليج العربي وتهديد أمن دوله.
كما يتحكم اليمن في طرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا ويشكل همزة وصل بين الدول الخليجية وقارة أفريقيا ويشكل حائط صد أمام حركة الهجرة غير الشرعية من أفريقيا للخليج، فضلاً عن عدد من الجزر اليمنية ذات الأهمية الاستراتيجية سواء من الناحية العسكرية أو الملاحية، ومن أهمها جزر “سقطري” ، وحنيش وميون وكمران، ويمثل خليج عدن الذي يطل عليه اليمن أهمية كبرى في حركة التجارة العالمية إذ يمثل ممر وملتقى لثلاثة ممرات بحرية هامة، وهي الممر البحري القادم من الخليج العربي، والممر البحري القادم من شرق آسيا وجنوب شرقها، والممر البحري القادم من شرق أفريقيا وجنوبها إلى البحر الأحمر.
كل ما سبق يوضح مدى الأهمية الاستراتيجية لليمن في معادلة الأمن القومي المصري والعربي، وبالتالي فإن أي اضطراب أو عدم استقرار يشكل تهديدًا مباشرًا لهذه المعادلة، وهو ما حدث بالفعل بعد الأزمة اليمنية وتطوراتها خلال السنوات الماضية، وتمثل الهجمات الصاروخية التي تتعرض لها السعودية من حين لآخر انطلاقًا من الأراضي اليمنية نموذجًا على تلك التهديدات، وهو جعل القاهرة تتبنى موقفًا ثابتًا يقوم على دعم القيادة الشرعية اليمنية ودعم الحلول السياسية للأزمة وصولًا إلى تسوية شاملة وفق المرجعيات الأساسية المتفق عليها، ووضع حد للتدخلات السلبية في الساحة اليمنية بما يضمن وحدة اليمن وسلامة أراضيه.
دعم متواصل
حرصت مصر خلال السنوات القليلة الماضية على تقديم مختلف أوجه الدعم لليمن سعيًا منها لحل الأزمة التي تسببت في معاناة أبناء الشعب اليمني الذي عاش أزمة إنسانية صعبة، وشهدت الشهور الماضية والعام المنصرم تحركات دبلوماسية متعددة تهدف إلى دعم اليمن لاستعادة استقراره ومؤسساته، ففي شهر مايو الماضي استقبل وزير الخارجية سامح شكري أحمد عبيد بن دغر رئيس مجلس الشوري اليمني لبحث جهود إحلال السلام في اليمن، وأكد شكري ضرورة التفاف جميع الأطراف اليمنية حول المبادرة السعودية لحقن دماء الشعب اليمني وحل الأزمة الإنسانية.
كما أكد سامح شكري في أبريل الماضي على موقف مصر الداعم للجهود الرامية لحل سياسي للأزمة اليمنية على أن يكون هذا الحل وفق مرجعيات التسوية الرئيسية المتمثلة في المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة القرار 2216، وذلك خلال استقباله المبعوث الأممي الخاص لليمن حينها مارتن جريفيث، وفي يناير الماضي أكد الدكتور مصطفى مدبولي على مساندة ودعم مصر الكامل للحكومة اليمنية الجديدة للاضطلاع بمهامها ومسؤولياتها وتحقيق الاستقرار للشعب اليمني، وذلك خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء اليمني الدكتور معين عبد الملك.
واستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الوزراء اليمني في شهر يوليو 2020 خلال زيارة رسمية لمصر استغرقت 3 أيام بدعوة من رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، وناقش اللقاء سبل التعاون المشترك لتعزيز الأمن في البحر الأحمر، وتبادل الرؤى حول الموضوعات المتعلقة بالعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تقديم الدعم للجانب اليمني لما يمكنه من تجاوز الأزمة الراهنة، وأكد الرئيس السيسي على استعداد مصر لتعزيز التأهيل والدعم المقدم لإعداد الكوادر اليمنية في مختلف المجالات، فضلاً عن استمرار الدعم المصري للجهود الدولية الرامية لإحلال السلام في اليمن وحل الأزمة الإنسانية هناك.
كما شاركت مصر في مؤتمر المانحين لليمن في يونيو 2020 الذي نظمته المملكة العربية السعودية عبر الفيديو كونفرانس بالشراكة مع الأمم المتحدة، وأشار البيان المصري إلى استضافة مصر لأكثر من مليون مواطن يمني ممن يتلقون ذات الخدمات التعليمية والصحية للمصريين، كما أعلن عن استقبال “رحلات الرحمة”، بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، لنقل المرضى اليمنيين من جميع أنحاء اليمن لتلقي الرعاية الصحية اللازمة في المستشفيات المصرية، إلى جانب التسهيلات التي تُقدمها السلطات المصرية لمنح تأشيرات للمواطنين اليمنيين لأغراض تعليمية.
ولم يقتصر الدعم على الجانب الدبلوماسي فقط، فقد أرسلت مصر في شهر مارس الماضي طائرتي نقل عسكريتين من قاعدة شرق القاهرة الجوية إلى مطار الملك خالد بالرياض محملتين بمساعدات طبية وشحنات ألبان علاجية للأطفال لإرسالها إلى اليمن، كما استقبل وزير الداخلية المصري اللواء محمود توفيق اللواء الركن إبراهيم على حيدان وصحبه وفد رفيع المستوى من معاونيه، لإجراء مشاورات أمنية تهدف لتوطيد علاقات الشراكة بين وزارتى الداخلية فى البلدين وبحث عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، واستفادة عناصر الشرطة اليمنية من الخبرات المصرية المختلفة في التخصصات الأمنية، وإلحاقهم بالدورات التدريبية المتقدمة التي تعقدها وزارة الداخلية في كافة المجالات الشرطية انطلاقًا من حرص مصر على دعم أجهزة الأمن في الدول العربية لمواجهة التحديات الأمنية الملقاة على عاتقها.
يتضح مما سبق، أن الزيارة وما سبقها من تحركات خلال الفترة الماضية تحمل عدة رسائل تتمحور حول التأكيد على دعم مصر لوحدة واستقرار اليمن، والدعم المستمر للقيادة الشرعية اليمنية ومؤسساتها الوطنية، وحرص مصر على تقديم كافة أشكال الدعم اللازمة على المستوى الدبلوماسي و التعاون العسكري والأمني والإنساني بهدف حل الأزمة، تأييد القاهرة لجهود التوصل لتسوية سياسية سلمية وإجراء حوار وطني يضم الفرقاء اليمنيين للتوصل لحل توافقي، وذلك في ظل ما تشكله تطورات الأوضاع من تأثير مباشر على أمن مصر بشكل خاص لارتباطه بأمن الملاحة في البحر الأحمر الذي يعد أولوية قصوى من أولويات الأمن القومي المصري، وتأثيره على الأمن العربي بشكل عام وتهديد أمن واستقرار الدول العربية الشقيقة والتي يرتبط أمنها بالأمن القومي المصري وجزء لا يتجزأ منه.
باحث أول بالمرصد المصري