اليمن

مؤثرة ومستدامة: القدرات العسكرية للحوثيين

أطلقت حركة “أنصار الله” الحوثيين صباح يوم 16 سبتمبر 2024 صاروخًا فرط صوتي يحمل اسم “فلسطين-2” باتجاه إسرائيل. وقد استطاع الصاروخ من المرور من الدفاعات الجوية الأمريكية في المنطقة، والتي تتمثل في مدمرتين من طراز “أرلي بورك” للدفاع الجوي، وفرقاطة فرنسية من طراز “فريم”، وبطاريات الباتريوت الأمريكية. ولكن النجاح الأكبر كان في إمكانية الصاروخ من تخطي الدفاع الجوي الإسرائيلي المعقد، حسب المزاعم الإسرائيلية، والذي يتمثل في منظومات “باراك-8” الموجودة على قراويطات “ساعر 5/6” البحرية في ميناء إيلات، ومنظومة الدفاع الجوي الأقوى “أرو” التي اختارتها ألمانيا لتكون نواة الدرع الصاروخي الأوروبي. وقد قامت هذه المنظومة بالفعل بإطلاق عدة صواريخ لتحاول اعتراض الصاروخ الحوثي، ولكن نجح الصاروخ في المرور. وفي النهاية، سقط دون إحداث أي خسائر إسرائيلية. ولكن هذه الحادثة تحديدًا هي دليل على مقدار تطور الترسانة العسكرية الحوثية القادرة على استهداف بعيد المدى بما يزيد عن ألفي كيلومتر.

الاستراتيجية العسكرية الحوثية

الشق الأول: يعتمد الحوثيون على أسلوب العمل من خلال مجموعات قتالية متفرقة بطريقة غير نمطية، مستخدمين الكثير من العتاد المناسب لتطبيق المفهوم المعروف عالميًا بـ “A2/AD – Anti-access/Area Denial”  أو “منع الدخول وإنهاء الوجود”، وقد حرصت إيران على تجهيز الحوثيين بأنواع الأسلحة، وحتى استغلال الترسانة القديمة للجيش اليمني لتنفيذ المفهوم الجديد المذكور، بجانب تأسيس مصانع ومراكز لتطوير وتصنيع الصواريخ وزيادة دقتها لعدم الاعتماد على الأسلحة المباشرة من إيران ولكن امتلاك نسخ مشابهة ومماثلة محلية الصنع. وكما هو الحال في الأسلحة الإيرانية، فهي بسيطة التكوين ويسهل الحصول أو تصنيع مكوناتها بشكل مستمر، فهي لا تحتوي على تكنولوجيات معقدة ولذلك تضمن التوازن ما بين الفاعلية والتكلفة التشغيلية، لذا يسهل امتلاك المزيد منها.

الشق الثاني: هو سهولة المناورة في مسرح العمليات لتفادي الرصد والتعقب. فبجانب امتلاك الأسلحة، يعتمد الحوثيون على العديد من المواقع لإطلاق الصواريخ والمسيرات مع تمويه المركبات الحاملة أو منصات الإطلاق، بجانب التوسع في استبدال منصات ومركبات مدنية بالمنصات أو المركبات العسكرية، وهو ما يصعب عملية الاكتشاف على الأقمار الصناعية والمسيرات الأمريكية وطائرات التجسس التي تحوم بشكل مستمر بالقرب أو في الأجواء اليمنية. ذلك مع استخدام نظام اتصالات مشفر بما قد يعرقل عملية الرصد.

وتجعل هذه العوامل جميعها من الصعب تحييد النشاط الحوثي بشكل مستمر على مدار اليوم. وتقوم البحرية الأمريكية بإجراءات استباقية يومية للمنصات الحوثية الصاروخية أو المسيرات، ولكن لم يمنع ذلك الحوثيين من القيام بالاستهداف الصاروخي للسفن أو حتى من مهاجمة الأجواء الإسرائيلية، بالرغم من القدرات العسكرية للسفن الأمريكية من الرصد مع الدعم الجوي للرصد والحرب الإلكترونية مع المنظومات التسليحية للدفاع الجوي المتطورة مثل صواريخ “SM-3” المصممة لاعتراض الصواريخ الباليستية.

طريقة استيعاب الهجمات واستدامة الدعم اللوجستي

منذ عام 2004، اعتمد الحوثيون على الأنفاق العسكرية تحت سطح الأرض كوسيلة لتفادي الضربات الجوية لمناطق تجمع العناصر ومخازن الأسلحة وحتى حماية قادة الحركة. ولكن منذ عام 2010، توسعت عملية تشييد المزيد من الأنفاق العسكرية بحجم كبير ليكون مشابهًا لأنفاق حزب الله التي تستطيع احتواء منصات كاملة من الصواريخ المحملة على عربات النقل كبيرة الحجم.

وما بين عامي 2017 و2023، قام الحوثيون بالعمل على تشييد المخابئ والأنفاق الجبلية داخل المناطق الوعرة، وهو تكيف ميداني واضح بعد استخدام طيران التحالف العربي لدعم الشرعية باليمن للقنابل خارقة للتحصينات “GBU-31” زنة الفي رطل برؤوس خارقة BLU-109. حيث إن المناطق الجبلية تعمل كوقاء من هذه الذخائر بسبب وجود الصخور كبيرة الحجم، وتم تصميم هذه المخابئ على أن يكون لها مداخل ومخارج لاستيعاب منصات الصواريخ لتعمل كنقاط لاستيعاب وانطلاق المركبات والمنصات مع تجهيز أماكن لإطلاق الصواريخ أيضًا.

وعلى الصعيد اللوجستي، أعلنت الإدارة المركزية للقوات الأمريكية في 16 يناير 2024 أنها أسرت مركبًا شراعيًا يوم 11 يناير قرب سواحل الصومال كان يحمل مكونات وقطع غيار لصواريخ “كروز” وأخرى باليستية وصواريخ دفاع جوي مماثلة للأنظمة المستخدمة من قبل الحوثيين في استهداف السفن التجارية والبحرية في البحر الأحمر، مما يعطي فكرة عن النظام اللوجستي الذكي الذي استطاعت إيران إنشاءه لدعم التنظيمات والجماعات الموالية لها.

يجعل تفكيك الأسلحة والذخائر لقطع صغيرة على أن يتم تركيبها في اليمن من قبل خبراء الأسلحة، وإرسال هذه المعدات من خلال عدد كبير من قوارب الصيد المنتشرة في منطقة المحيط الهندي والبحر الأحمر وخليج عدن؛ عملية رصدها وتعقبها بشكل مستمر أمرًا بالغ الصعوبة، بالرغم من وجود قوة كبيرة من سفن خفر السواحل الأمريكية في المنطقة. ولكنها لم تنجح في أسر وإيقاف بعض القوارب فقط، على أن تمر الكثير من القوارب عملت على تعويض الخسائر الحوثية منذ عملية “سهم بوسايدن” الأمريكية والبريطانية، واستدامة الترسانة الصاروخية الحوثية، وتطوير قدرتها العسكرية.

الترسانة التسليحية الحوثية

يعتمد الحوثيون على توليفة قتالية متعددة الطرازات المخصصة لمهاجمة كافة الأهداف بواسطة صواريخ أرض/أرض ذات الأحجام والأوزان المختلفة، سواء كانت موجهة أو غير موجهة، بمدى قريب أو بعيد، بجانب مسيرات هجومية وانتحارية وأيضًا استطلاعية. ولكن الترسانة الحوثية ينقصها العديد من منظومات الرصد والتعقب الرادارية المنوط بها اكتشاف وتعقب الأهداف الجوية والبحرية. وعلى الرغم من الحصول على العديد منها من ترسانة الجيش اليمني سابقًا، إلا أنها تتعرض للاستهداف المستمر من قبل الطيران وصواريخ البحرية الأمريكية بشكل أسبوعي، مما يفرض تحديًا كبيرًا لاستدامة العمل من خلالها.

ولذلك يتم استبدال منظومات الرصد الكهروبصري بدلًا من هذه المنظومات المستهدفة؛ لعمل كمائن جوية للمسيرات أو لطيران التحالف العربي قبل ذلك. ولكن ذلك ليس له تأثير ميداني كبير في العملية الدفاعية، فهو لا يضمن تأمين المنشآت الحيوية بشكل كافٍ بسبب محدودية استخدام مثل هذه المنظومات ذات المدى القصير. يضاف إلى ذلك أن الطائرات القاذفة الحديثة تستخدم ذخائر ذكية بمدى متوسط وبعيد، لذلك فالقوة الضاربة للترسانة العسكرية الحوثية تتركز في تنفيذ العمليات الهجومية من خلال الصواريخ الباليستية والجوالة والمسيرات الانتحارية “الذخائر المتسكعة”.

ويمكن تبيان أنواع الترسانة العسكرية للحوثيين فيما يلي:

  1. الصواريخ الباليستية:
  2. صواريخ بدر بـ 3 نسخ : هي نسخة حوثية مصنعة محليا من صواريه M-302 السورية من عيار 302 ملم بمدى يتراوح ما بين 130-160 كم.
  3. صواريخ توشكا: صاروخ باليستي تكتيكي سوفيتي برأس حربي بوزن 480 كجم ومدى 300 كم.
  4. سكود سي: صاروخ باليستي سوفيتي برأس حربي 600 كجم وبمدى 550 كم.
  5. بركان-1: نسخة حوثية متحورة من صاروخ شهاب-1 الإيراني وهو صاروخ باليستي بمدى 800 كم وبوزن رأس حربي 250 كجم.
  6. بركان-2: نسخة حوثية متحورة من صاروخ قيام-1 الإيراني  بمدى 1000 كم، بوزن رأس حربي 250 كجم.
  7. بركان-3: تطوير حوثي من صاروخ قيام-1 الإيراني لمدى 1200 كم، بوزن رأس حربي 250 كجم.
  8. فالق: نسخة حوثية من صاروخ قيام-2 الإيراني بمدى 1300 كم، بوزن رأس حربي 250 كجم.
  9. “حطّام”: نسخة حوثية محلية الصنع متحورة من صاروخ “خيبر شيكان” برأس حربي صغير ولكن بمدى 1800 كم.
  10. “فلسطين-2”: نسخة حوثية متحورة من صاروخ “خيبر شيكان” مضاف إليها محركات إضافية مع وزن أخف لتصل لسرعات فرط صوتية وبمدى 2100 كم.
  11. صواريخ مضادة للدبابات :
  12. RPG-29: بمدى 400-500 متر.
  13. ماليوتكا: بمدى 3 كم.
  14. AT-4: بمدى 2.5 كم.
  15. AT-5: بمدى 4 كم.
  16. AT-13: بمدى 1.5 كم.
  17. AT-14: بمدى 5 كم.
  18. منظومة طوفان المضادة للدبابات: وهي نسخة إيرانية مماثلة لصواريخ تاو الأمريكية.
  19. منظومة “صاعقة” المضادة للدبابات: وهي نسخة إيرانية مماثلة لصواريخ جافلين الامريكية.
  20. وسائط الدفاع الجوي :
  21. مدفعية مضادة للطائرات  ZSU-23
  22. صواريخ كتفية بمدى قصير “ستريلا” وSA-7 والنسخ الإيرانية منها.
  23. صقر-358 والمسؤولة بشكل مباشر عن إسقاط المسيرات الامريكية من طراز “Reaper”.
  24. صواريخ “ثاقب” 1 وهي تحوير حوثي لصواريخ R-73 الروسية للاشتباك الجوي.
  25. صواريخ “ثاقب-2″وهي تحوير حوثي لصواريخ R-27 الروسية للاشتباك الجوي.
  26. صواريح”ثاقب-3″ وهي تحوير حوثي لصواريخ R-77 الروسي للاشتباك الجوي.
  27. صواريخ أرض/سطح وكروز :
  28. صواريخ “مندب-2”: نسخة حوثية من صواريخ سي-802/نور برأس حربي 165 كجم ومدى 120 كم .
  29. عاصف: صاروخ باليستي نسخة حوثية من صواريخ فاتح-313 الإيرانية بمدى 450 كم .
  30. تنكيل: صاروخ باليستي نسخة حوثية من صواريخ رعد-500 الإيرانية بمدى 500 كم.
  31. صياد: صاروخ كروز نسخة حوثية من صواريخ بافي-351 بمدى 800 كم.
  32. مسيرات انتحارية:
  33. قاصف: نسخة حوثية من مسيرات “ابابيل2” الإيرانية بمدى 150 كم ورأس حربي 30 كجم.
  34. صماد 1 و2 و3 : حوثية الصنع بمدى يتراوح ما بين 500-1500 كم ورأس حربي 18 كم.
  35. وعيد: نسخة حوثية من مسيرات شاهد الإيرانية بمدى يصل لألفي كم.

ختامًا، يشترك الحوثيون في كثير من العوامل مع باقي التنظيمات الموالية لإيران، أهمها الاستراتيجية العسكرية والاعتماد الكامل على شبكة الأنفاق. ولكن لديهم ميزة كبيرة في تأسيس المخابئ الجبلية واستغلال تضاريس اليمن الوعرة للمناورة بسهولة في مسرح العمليات، مما يصعب تعقب مقاتليهم. وقد تم تعزيز قدراتهم العسكرية بواسطة ترسانة قوية وفعالة من الصواريخ، حتى وإن كانت تعاني بعض القصور التقني. ولكن إيران قد زودتهم بمنشآت لتطوير قدراتهم، مما ينبئ بتحسين جودة ترسانتهم في المستقبل. مع تأسيس نظام كامل للدعم اللوجستي، يصعب إيقافه وتعقبه بشكل مستمر، وهو ما قد يحد من خيارات العمل العسكري ضدهم. وهو ما تأكد بعد العمليات العسكرية المستمرة من التحالف البريطاني-الأمريكي ضدهم.

مينا عادل

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى