إسرائيل

“الهروب من سجن جلبوع” .. إخفاق أمني أم رواية استخباراتية ؟

     شهد “سجن جلبوع”، أعتى السجون الإسرائيلية تحصيناً، عملية هروب الأسرى الفلسطينيين، حيث تمكن الأسرى الستة الفلسطينيون ، من الهروب عبر نفق قاموا بحفره داخل السجن بطريقة سينمائية. وقد زعزعت الواقعة القبضة الأمنية التي طالما روجت لها إسرائيل، وهو ما دفع إسرائيل بنشر التعزيزات الأمنية بشكل مكثف في كافة أنحاء إسرائيل. 

وبعد أقل من أسبوع، أعلنت إسرائيل عن اعتقال أربعة من الأسرى الهاربين، وأعلنت محكمة الناصرة، تمديد توقيف الأسرى الذين أعيد اعتقالهم وقررت إيقافهم لتسعة أيام لاستكمال التحقيق. يأتي ذلك بعد أن وجهت المحكمة الإسرائيلية العديد من التهم للأسرى الفلسطينيين والتي تمثلت في الهروب والتآمر لتنفيذ جريمة وتنفيذ عمليات إرهابية بالإضافة إلى تقديم خدمة لتنظيم معادي. ونفت المحكمة تلقي الأسرى الفلسطينيين دعماً خارجيًا أو داخليًا للتمكن من تنفيذ عملية الهروب. وأفادت التحقيقات، أن الأسرى ساروا في البداية معًا إلى بلدة الناعورة وانفصلوا هناك، ولم تكن لديهم خطط واضحة لما بعد الهروب من سجن جلبوع.

لكن بتحليل الواقعة، تبرز العديد من علامات الاستفهام حول عملية الهروب وتحيط بالرواية حالة من اللامنطقية التي تدفع بالشك حول حقيقة التفاصيل التي تم الإعلان عنها، خاصة وأن كافة المعلومات التي نُشرت كانت من مصادر إسرائيلية، سواء فيما يخص عملية الهروب نفسها، أو عملية القبض على المتهمين. لذلك فهناك ضرورة لإلقاء الضوء على تفاصيل الواقعة و تحليلها وطرح التساؤلات في ظل وقوع حادثة فريدة من نوعها استطاعت أن تهز أركان الدولة العبرية.

فمن الغريب أن يتم نشر خطط بناء السجن على الإنترنت، وأن يغفل الحراس عن الحفر الذي تم على مدار شهور، فضلاً عن وقوع الهروب أثناء نوم المجند ببرج المراقبة وغير ذلك من أخطاء فادحة وإغفالات ساعدت ستة سجناء فلسطينيين على الخروج من أحد أكثر السجون أمانًا في إسرائيل.

من هم الأسرى الهاربون؟

ينتمي خمسة من الأسرى الهاربين إلى حركة “الجهاد الإسلامي”، وهم محكوم عليهم بالسجن مدى الحياة بزعم صلتهم بهجمات ضد إسرائيليين، أما الأسير السادس، فهو زكريا الزبيدي، القيادي في كتائب شهداء الأقصى، والذي كان محتجزا في سجن جلبوع الإسرائيلي بسبب توجيه عشرين تهمة إليه.

وفيما يلي، أسماء الأسرى الهاربين والتهم الموجهه إليهم والأحكام الصادرة ضدهم:

  1. زكريا الزبيدي (46 عام): القيادي السابق في كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، الذي ينحدر من مدينة جنين، وهو معتقل منذ عام 2019.
  2. محمود عبد الله عارضة (46 عامًا): من يعبد بجنين، معتقل منذ عام 1996، وصادر ضده حكم بالمؤبد.
  3.  محمد قاسم عارضة (39 عامًا): معتقل منذ عام 2002، وصادر ضده حكم بالمؤبد.
  4.  يعقوب محمود قادري (49 عامًا): معتقل منذ عام 2003، وصادر ضده حكم بالمؤبد.
  5.  أيهم نايف كممجي (35 عامًا): معتقل منذ عام 2006 وصادر ضده حكم بالمؤبد.
  6. مناضل يعقوب انفيعات (26 عامًا): من يعبد بجنين، ومعتقل منذ عام 2019.

وأعلنت الشرطة الإسرائيلية، قبل أقل من أسبوع، أنها تمكنت من اعتقال أربعة من ضمن الستة أسرى الفارين، حيث تم اعتقال محمود عبد الله عارضة ، ويعقوب قادري، في مدينة الناصرة العربية في شمال إسرائيل والواقعة على بعد نحو 30 كلم من السجن. وبعدها بساعات، قامت القوات الإسرائيلية باعتقال زكريا الزبيدي، ومحمد عارضة، في بلدة الشبلي أم الغنم، في الجليل ، بينما كانا مختبئين في ساحة موقف شاحنات. 

كيف تمت عملية الهروب؟

استفاقت أجهزة الأمن الإسرائيلية، على هروب 6 أسرى من سجن جلبوع شديد الحراسة عبر نفق امتد لعدة أمتار خارج أسواره، في عملية فرار أشبه بأفلام الحركة الأمريكية. ورغم تداول خبر الهروب وصور لفتحات نفق حفره الفلسطينيون، لا تزال هناك أسئلة بدون إجابات وافية حتى اللحظة، حول كيفية مراوغة الأسرى لكاميرات المراقبة والحرس.

وحسب المعلومات الأولية، تمكن الأسرى من الفرار عبر نفق حفروه تحت أرضية حمام زنزانتهم على عدة أشهر، ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة هآرتس، بتاريخ 23 سبتمبر 2021، فقد أظهرت التحقيقات الأولية أن الأسرى بدأوا أواخر العام الماضي بحفر النفق المستخدم للفرار بمساعدة خمسة أسرى آخرين على الأقل. كما كشفت أن أعمال الحفر في النفق كانت تتم بشكل رئيسي خلال النهار، فيما تولى الأسير مناضل انفيعات مهمة الحفر، مضيفاً أن الأسرى استخدموا في عمليات الحفر مقابض أواني الطهي، بالإضافة إلى استخدام ساق سرير حديدي تم تفكيكه.

وبحسب الإعلام الإسرائيلي، جرى اكتشاف الهروب الذي بدأ الساعة 3:30 فجرا، عندما رأى مزارع إسرائيلي السجناء الستة يركضون في حقله، وأبلغ الشرطة. لكن هناك رواية أخرى، تقول إن سائق سيارة أجرة محلي رصد السجناء الستة في محطة وقود بالقرب من السجن واتصل بالشرطة.

وحسبما ذكرت القناة 13 الإسرائيلية، فإن عملية الفرار من سجن جلبوع، لم يهرب خلالها الأسرى الستة من سجن جلبوع فقط، بل أخذوا معهم أغراضهم وحقائبهم، في الوقت الذي كانت فيه حارسة السجن غارقة في النوم. واعتبرت القناة أن ما حدث هو فشل أمني خطير يحدث للمرة الثانية في سجن جلبوع بعد المحاولة الأولى في العام 2014، الجدير بالذكر أن ثلاثة أسرى من ضمن الستة حاولوا الهروب في تلك المحاولة الأولى. 

وأضافت الصحيفة أنه، وبحسب التحقيقات مع الأسرى، فإن الأسير “أيهم كممجي” كان في الزنزانة رقم 14 في السجن، وجرى نقله، وهو نفس ما حدث مع الأسير “زكريا الزبيدي”، وزعمت أنه انضم إلى الأسرى في الزنزانة رقم 5 الليلة التي سبقت الفرار، ليحل مكان أسير آخر وأنه لم يوافق على الخروج معهم، حتى لا يتم معاقبته وهو على مشارف انتهاء مدة عقوبته.

وأضافت الصحيفة أن نحو 11 أسيرًا اشتركوا في المخطط، كما أن عدداً من الأسرى في سجن جلبوع كانوا على علم بالنفق الذي تم حفره، لكن مخابرات مصلحة السجون فشلت في جمع المعلومات. وأشارت الصحيفة إلى أن سائق الشاحنة وعدداً من الأسرى الآخرين في السجن أبلغوا السجان مسبقاً أنهم وجدوا كميات من الرمال في الأنابيب لكنه لم يؤخذ بملاحظاتهم، وبحسب الصحيفة، توجه السجانين إلى جميع المحتجزين بعد تنفيذ عملية الفرار، وطلبوا منها عدم الكشف عن ملاحظاتهم المتعلقة باستثنائية الانسداد المتكرّر في أنظمة الصرف الصحي.

سجن جلبوع .. أسطورة الحصن المنيع

كثيرا ما وصف سجن “جلبوع” في إسرائيل بالحصن الذي يتمتع بأقصى درجات الأمن، إلا أن تلك المقولة تحطمت إثر  هروب الأسرى الستة. ويعتبر السجن الأكثر أمانًا في إسرائيل، إذ تم تشييده خلال الانتفاضة الثانية على قطعة أرض شاغرة للبناء بالقرب من سجن شتا، على طراز السجون الأمنية في الولايات المتحدة وأوروبا، ومن المفترض أن الحراس فيه يسيطرون بشكل كامل على السجناء.

بُنيت جران السجن من 66 طنًا من الخرسانة المصبوبة – أي ثلاثة أضعاف وزن الزنزانة في أي سجن عادي. ويُفترض أنه تم تم اتباع إجراءات وقائية في الهيكل السفلي تمنع إمكانية حفر الأنفاق، لكن هذا الهيكل به مشكلة بسبب الطريقة التي توضع بها الخلايا على الأرض والتي سمجت بتشكل “جيوب هوائية”، والتي استغلها السجناء لحفر النفق والهروب منه.

وقد أنشئ السجن في عام 2004، ففي أعقاب انتفاضة الأقصى ، كانت هناك حاجة لإنشاء أماكن اعتقال إضافية للسجناء الأمنيين، وأدى ذلك إلى توسيع سجن شطا وافتتحت منشأة “شطا ب”، التي سرعان ما انفصلت عن الوحدة الأم وتحولت إلى سجن مستقل “جلبوع”، نسبة إلى اسم الجبل المرتفع الذي أقيمت عليه.

كان السجن يؤوي سجناء فلسطينيين من جميع الفصائل، ولكن بعد ثلاث سنوات، في أعقاب القتال بين فتح وحماس ، تم إيواء السجناء من مختلف التنظيمات في أجنحة منفصلة. 

أسئلة بلا أجوبة!

يواجه المسؤولون ؛ عديدا من الانتقادات و الاتهامات على خلفية هروب الأسرى الستة، ومن ضمنها، السماح بنشر التصميم الهندسي للسجن على الموقع الإلكتروني للمهندسين المعماريين المشاركين في عملية بنائه، ووضع ستة سجناء من مدينة جنين بالضفة الغربية في نفس الزنزانة، وعدم تشغيل أجهزة تشويش تحول دون تشغيل الهواتف الجوالة المهربة إلى السجناء لاستخدامها في التواصل مع أشخاص خارج السجن.

ويمكن طرح بعض التساؤلات المُثارة حول عملية الهروب، والتي يتعذر الوصول إلى إجابات صريحة لها، خاصة مع عدم الانتهاء من التحقيقات الجارية، لكن من المهم طرح تلك التساؤلات ومحاولة العثور على إجابات واضحة عليها، وتتمثل في الآتي:

  1. لماذا تأخر الإعلان عن عملية الهروب؟

كشفت التحقيقات الأولية التي أجرتها السلطات الإسرائيلية حول واقعة الهروب من سجن جلبوع عن أن عملية الهروب تمت في حوالي الساعة الواحدة والنصف صباحاً، وتلقت الشرطة مكالمة من أحد المواطنين الإسرائيليين للإبلاغ عن رؤيته لأشخاص هاربين من السجن الساعة الثانية صباحاً. لكن مصلحة السجون الإسرائيلية أبلغت عن الواقعة بعد مرور ساعتين! فلماذا اتأخر الإعلان عن واقعة هروب ستة من الأسرى الذين تعتبرهم إسرائيل خطرين، وكيف استطاع الهاربين الخروج من إسرائيل رغم التشديدات الأمنية والقوات المعززة التي تتواجد في المناطق الفاصلة بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية.

  1. أين ذهب التراب المنبوش أثناء خفر النفق؟

بقيت كيفية التخلص من التراب المنبوش من النفق على مدار ما يقرب من عام لغزاً حتى الآن، فعلى الرغم من نشر المعلومات حول قيام  الأسرى بالتخلص من الرمال في الصرف الصحي للسجن، إلا أن ذلك يبدو غير منطقياً فالكمية الناتجة عن حفر نفق يبلغ طوله من 20 إلى 25 متراً ليست بالقليلة، وحتى إن تم إلقائها بالصرف، فلا بد أن تحدث أنسداداً متكرراً وهو ما يجب أن يثير الشكوك. وإذا صحت المعلومات بشأن إرسال بعض المسجونين تحذيرات متكررة من انسداد الصرف، فلا بد أن هناك خللاً كبيراً في المنظومة الأمنية للسجن.

  1. هل حصل الهاربون على مساعدة من داخل السجن أو من خارجه؟

كشفت هيئة البث الإسرائيلية في تقرير لها عن اشتباه الشرطة في تورط مسئوولين بـ سجن جلبوع في عملية هروب الأسرى الفلسطينيين من السجن. وأشارت إلى أن الشرطة ستعيد استجواب 2 من مسئولي سجن جلبوع يشتبه تسهيلهما هروب الأسرى الفلسطينيين. ووفقاً للهيئة، ادعى المسؤول سابق بالسجن، أن الستة على الأرجح قد تمتعوا بالكثير من المساعدة خارج السجن من أجل الهروب. مؤكدً أن هذا الهروب ليس هروبًا عفويًا، ولكنه يتطلب التخطيط لأسابيع وحتى شهور. ولكي يكون ناجحًا كما كان، يجب أن يكون هناك عامل خارجي يساعدهم، بالإضافة إلى  سائق هارب يمكنه عبور الحدود. مع العلم أن التحرك في تلك المنطقة يستغرق من ست إلى سبع دقائق بالسيارة ، أما سيرا على الأقدام فهي أكثر تعقيدًا بعض الشيء وستتطلب منهم المشي لفترة طويلة، ويرجع ذلك إلى ظروف التضاريس.

وفي الإطار ذاته، قال وزير الأمن العام، عومرر بارليف، إن السجناء على الأرجح تلقوا مساعدة خارجية. وعلى الرغم من تلك التوقعات، إلا أن القناة 12 الإسرائيلية أشارت في تقرير لها إلى أنه بعد استجواب الأسرى الأمنيين الفلسطينيين الأربعة، خلص محققو شرطة الاحتلال وجهاز الأمن العام الإسرائيلي(الشاباك)، إلى أن هؤلاء الاسرى الستة الفارين من سجن جلبوع ليس لديهم شركاء في الخارج، و لم تكن لديهم مساعدة من داخل السجن، موضحة أن السجناء الهاربين ربما تلقوا دعم ومساعدة من المارة، مثل استقلال سيارات أو الملابس.

  1. كيف يفتقر أقوى السجون الإسرائيلية إلى استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية في المراقبة؟

أفادت القناة الـ12 الإسرائيلية، في تقرير مطول لها، أن سجن جلبوع الإسرائيلي، رغم أنه معروف بحراسته المشددة، لكنه لم يستخدم أحدث التقنيات التكنولوجية في مراقبة السجن من الخارج. وذكرت القناة على موقعها الإلكتروني أن الاختراع الإسرائيلي الذي يباع في كثير من دول العالم، لم يستخدم في سجن جلبوع، والممثل في نظام مراقبة تحت مسمى “ماغنا Magna”، الذي صمم خصيصا لمراقبة حالات الهروب من السجون، حيث استخدمه سجن “كتسيعوت” فقط، دون غيره من السجون الإسرائيلية الأخرى. ويقوم النظام الإسرائيلي الجديد أو الاختراع الجديد بتصوير منطقة بانورامية واسعة في وقت واحد، كما يقوم بعملية تحذير في حال وجود أي حركة في الفضاء، وهو نظام مراقبة أو “تحديق” كامل لمنطقة معينة ومطلوبة.

وعلى الرغم من إعلان مصلحة السجون عن أن كاميرات المراقبة وثقت عملية الفرار، غير أن السجانين لم يتابعوا الكاميرات في الوقت الفعلي، حسبما كشفت هيئة البث الإسرائيلية؛ إلا أنه لم يتم نشر لقطات للهاربين أثناء فرارهم، سواء من قبل كاميرات المراقبة المنتشرة في محيط السجن، أو حتى في أي منطقة أخري من المناطق التي مروا عليها أثناء هروبهم.

هل استهترت شعبة الاستخبارات بالمعلومات ؟

أفادت إذاعة “كان” الرسمية أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق شعبة الاستخبارات التابعة لإدارة السجون، إذ توفرت معلومات استخباراتية قبل فترة ليست بعيدة تفيد بإمكانية حفر أسرى نفقاً تحت الأرض من أجل الهروب، لكن لم يتضح كيف تم التعامل مع هذه المعلومات. لكن يبدو واضحاً أن الأسرى بدؤوا يفكرون في الفرار قبل وقت طويل، وسمحت لهم إدارة السجون بوضعها أسرى من جنين معاً في غرفة واحدة على الرغم من أن بعضهم مصنّف لدى إدارة السجون بأنه يشكل خطراً بما يتعلق باستعداده للفرار.

كما صرح مصدر مسؤول في إدارة السجون الإسرائيلية للقناة، أنه تم إجراء  العام الماضي تدريباً لمحاكاة محاولات فرار الأسرى، وتبين وجود بعض الثغرات ضمنها عدم توفر سيارة تجري دوريات مستمرة حول السجن، ولكن إدارة السجن فضّلت استغلال الميزانيات لأمور أخرى.

فضلاً عن ذلك، وعلى العكس مما تروج له إسرائيل عن قدرتها الفائقة على التعامل مع الحوادث الطارئة في أسرع وقت ممكن، فإن سلطات السجن لم تعلم شيئاً عن  العملية إلا بعد وقوعها وهروب الأسرى بأكثر من ساعة، والأكثر من ذلك أنها لم تكتشف العملية بنفسها ولكن من خلال بلاغ قدمه أحد المواطنين. بالإضافة إلى أن الفتحات التي كانت خارج السجن والتي خرج منها الهاربون كانت قريبة للغاية من أبراج الحراسة ومن أسوار السجن المزودة بكاميرات ومعدات إلكترونية متطورة لتأمينه من مثل هذه المحاولات، ومن هنا طرحت تساؤلات حول كيفية نجاح الفارين في الوصول إلى الفتحة الخارجية، وإذا كانوا يتلقون دعماً من أطراف خارج السجن فكيف لم تكتشف أجهزة الأمن المتعددة هذه الصلات بين المسجونين ومن عاونهم على الهرب من الخارج؟ وكيف فشلت في كشف نوايا الهاربين المصنفين شديدي الخطورة؟ 

لماذا لم يثر طلب الزبيدي الانتقال للزنزانة التي شهدت عملية الهروب أي شكوك؟

أكدت المعلومات المنشورة في وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه قبل 24 ساعة من فرار الأسرى، طلب زكريا الزبيدي، عضو حركة فتح، تبديل الزنازين والانتقال إلى الزنزانة التي كان يحتجز فيها خمسة من معتقلي حركة الجهاد الإسلامي، دون أن يثير الطلب أي شكوك. خاصة وأن الزبيدي ينتمي لفتح بينما أربعة أفراد من الستة ينتمون لحركة الجهاد الإسلامي، وسبق لثلاثة منهم أن دبروا لعملية هروب عام 2014 ولكنها اكتشفت قبل تنفيذها بوقت قليل. لكن من الواضح أنه لم يحاول أحد التحقق مما وراء طلبه الانضمام إلى تلك الزنزانة بالذات.

كيف تم السماح بنشر خارطة السجن على الانترنت؟

نُشرت مخططات البناء الخاصة بسجن جلبوع دون رقابة على الموقع الإلكتروني لشركة الهندسة المعمارية “بورا يعقوبي كارني”. وفي الصور التي ظهرت على الموقع، يمكن رؤية منطقة السجن بأكملها، وهيكل السجن نفسه من الداخل وحتى الجدران الخارجية. لكن بعد الهروب ، تم تعطيل عمل الموقع وحُذفت الصور المعروضة عليه.

وعلى الرغم  من أنه لا يمكن التيقن في تلك المرحلة، من معرفة ما إذا كانت هذه الرسوم قد ساعدت بالفعل في الهروب من عدمه، إلا أن هذا النشر يُعد إخفاقاً أمنياً خطيراً.

كيف لم يستخلص السجن درساً من محاولة الهروب السابقة؟

في عام 2014 ، كانت هناك محاولة للهروب من السجن عبر نفس الممرات تحت الأرض. حيث اكتشف حراس السجن نفقًا تم حفره تحت الحمام، وكان السجناء الثمانية المشتبه في تعاونهم في النفق أعضاء في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وكانوا يتشاركون في الزنزانة والحمام. وكشف حراس السجن النفق بعد تحقيق مكثف وقبل أن يحاول السجناء الهرب.

لكن على ما يبدو ،أن  إدارة السجون فشلت في تغيير ممارساتها التشغيلية بعد تلك المحاولة لمنع وقوع حادث مماثل، فمن المؤكد أن حفر نفق بحجم الذي نفذه الأسرى هو عملية طويلة تتطلب قدرا كبيرا من المخالفات للأنظمة وخرقا للعديد من قواعد السجن.

هل تطلب الهروب استخدام هواتف خلوية؟

من المرجح أن يكون الهروب تطلب استخدام هواتف محمولة، وهو تحدٍ مستمر لحراس السجون الإسرائيليين. ففي وقت سابق من هذا العام، قام السجن بتركيب نظام لمنع استخدام الهواتف المحمولة المهربة من قبل النزلاء، لكن لم يتم تفعيله أبدًا ، حسبما ذكرت القناة 12. ومن المحتمل أن يكون قد تم إيقافه لأن البعض داخل السجن خشى من أن يؤدي التشويش على المكالمات إلى احتجاجات وإضراب عن الطعام من قبل السجناء.

وفي هذا السياق، أشارت صحيفة “هآرتس” في السياق ذاته إلى أن المعلومات الأولية تؤكد أن الأسرى أجروا مكالمات هاتفية من داخل غرفتهم التي يحتجزون فيها. وتسائلت عن كيفية حصولهم على هاتف داخل سجن مشدد الحراسة؟ وأضافت الصحيفة أن إدارة سجن جلبوع بالذات تضع أجهزة كثيرة للتشويش على أي محاولة لإجراء مكالمات هاتفية، لكن الأسرى رغم ذلك نجحوا في إجرائها.

كيف احتفظ الأسرى بأدوات الحفر بعيداً عن أعين إدارة السجن؟

على الرغم مما أثير بعد وقوع الحادث حول استخدام الأسرى الهاربين لملاعق معدنية في عملية حفر النفق، إلا أن صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية ذكرت نقلاً عن المحققين المتولين للقضية، أن الأسرى حفروا النفق عن طريق مقابض مقليات الطعام، وليس عن طريق المعالق، كما شاع الاعتقاد سابقا.

ولكن هل من المنطقي أن يستطيع الهاربين الاحتفاظ بأدوات الحفر لكل تلك المدة من دون ملاحظة أي من إدارة السجن، وهل تم تهريب تلك الأدوات أم حصلوا عليها من داخل السجن نفسه!     إجمالاً، فكل تلك التساؤلات تتردد في أذهان المتابعين لقضية هروب الأسرى الفلسطينيين من سجن جلبوع، ومن الواضح أن هناك الكثير من التفاصيل التي لم تُعلن بعد، لكن وقوع مثل هذا الحادث في أكثر السجون تأميناً في إسرائيل و القبض على الأسرى بعد بضعة أيام هو أمر مثير للدهشة. وعلى الأرجح، فإن هناك جوانب خفية في رواية هروب الأسرى الستة، لكن ستكشفها لا محالة الأيام القادمة.   ويبقى السؤال الأشمل ألا وهو “هل جاءت عملية الهروب نتيجة إخفاق المنظومة الأمنية في إسرائيل أم أن الرواية التي تم سردها هي رواية استخباراتية تحمل خلفها أهدافاً خفية؟”

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

هبة شكري

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى