إيران

قراءة في مشهد أداء رئيس إيران الجديد “اليمين الدستورية”

أدى الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، أول أمس الخميس 5 أغسطس 2021، اليمين الدستورية داخل مبنى البرلمان (مجلس شورای اسلامی) الواقع في ميدان “بهارستان” بالعاصمة طهران، وذلك بعد يومين اثنين من تسلمه حكم التنصيب من المرشد الأعلى، علي خامنئي.  

وعُقدت مراسم القسم بحضور أبرز المسؤولين والقادة الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس السابق حسن روحاني. وحسب وسائل الإعلام الإيرانية، شارك في الفعاليات، مسؤولون وممثلون عن حوالي 80 دولة حول العالم، ولكن على الرغم من ذلك كان عدم حضور بعض الشخصيات الإيرانية المعروفة بارزا في هذه المناسبة.

مَن أبرز الغائبين؟

كان على رأس الغائبين، الرئيسان السابقان محمد خاتمي، ومحمود أحمدي نجاد، إلى جانب صادق آملي لاريجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام والعضو البارز في مجلس صيانة الدستور، وعلي لاريجاني الرئيس السابق للبرلمان والمرشح الذي رُفضت أهليته في الجولة الأخيرة من الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أوصلت بالأساس إبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة.

وبرغم كونهما غائبين هذه المرة، إلا أن الأخوين لاريجاني كانا من بين المتحدثين الرئيسيين في مراسم أداء حسن روحاني القسم الدستوري عام 2013، حينما كان صادق رئيساً للسلطة القضائية، وعلي رئيساً للبرلمان.

أما نجاد، فقد كرر غيابه مرة أخرى عن حضور مراسم أداء اليمين الدستورية للرئيس الجديد، حيث لم يكن حاضراً في مراسم 2013.

بين مراسم تنصيب روحاني ورئيسي… ما الجديد؟

من الملاحظ أن عدد رؤساء وأمراء ورؤساء وزراء الدول الخارجية قد انخفض هذه المرة مقارنة بمراسم أداء اليمين الدستورية من جانب الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني التي تمت في 4 أغسطس 2013.

وعلى سبيل المثال، كان من بين 22 رئيس جمهورية وأمير دولة ورئيس وزراء أجنبي شاركوا في مراسم أداء روحاني اليمين الدستورية في التاريخ المُشار إليه، حضر فقط 4 رؤساء جمهورية ورؤساء وزراء في مراسم أداء إبراهيم رئيسي لليمين.

وكان الرئيسان الحاضران هما العراقي برهم صالح، والأفغاني أشرف غني، بينما أرسلت أرمينيا والجزائر رئيسي وزرائهما. وشاركت أغلب البلدان الأخرى بإرسال رؤساء البرلمان، مثل روسيا وتركيا وصربيا وبلاروسيا وجنوب أفريقيا، أو عن طريق الوزراء مثل الكويت وقطر.

وكان الرئيس الأفغاني هو الوحيد الذي كرر الحضور كرئيس لدولة أجنبية، حيث حضر الرئيس السابق حامد كرزاي في مراسم روحاني، بينما شارك أشرف غني في مراسم “رئيسي”.  

وعلى الرغم من إرسال الاتحاد الأوروبي في 2013 المسؤولة عن سياسته الخارجية آنذاك، فيديريكا موجيريني، لحضور مراسم تنصيب روحاني، اكتفى الاتحاد الأوروبي في عام 2021 بإرسال معاون الأمين العام لإدارة العلاقات الخارجية في الاتحاد، هنريكه مورا، لتمثيله في مراسم تنصيب إبراهيم رئيسي.

وعلی الرغم من ذلك، فإن عدد الوفود المشاركة بشكل إجمالي في مراسم أداء “رئيسي” اليمين الدستورية كان أكبر مما كان عليه مقارنة بروحاني، حيث بلغ عدد الوفود المشاركة عام 2013 حوالي 55 وفدا أجنبيا.

وكان المتحدث باسم رئاسة البرلمان الإيراني قد أعلن في 4 أغسطس أن 115 مندوبا من 73 دولة سيشاركون في حفل أداء القسم الرئاسي، من بينهم 10 رؤساء دول، 20 من رؤساء البرلمانات، 21 وزيرا أجنبيا، و11 مندوبا لمؤسسات دولية وإقليمية.

يذكر أن مراسم أداء حسن روحاني للقسم عام 2013 كانت المرة الأولى التي تقرر فيها السلطات الإيرانية، دعوة الوفود الأجنبية للمشاركة في هذه الفعاليات منذ عام 1979.  

رئيسي: عهدي يمثل “المرحلة الثانية من الثورة الإسلامية”

لم يحدث أن صرح رئيس جمهورية إيراني في عهده عن انقضاء مرحلة من عمر الثورة وبداية مرحلة جديدة، إلا أن الرئيس رئيسي قد تحدث في مراسم أداءه القسم عما أسماها “المرحلة الثانية من الثورة الإسلامية الإيرانية”، مضيفا أنها قد بدأت بالفعل في عهده وفي القرن الجديد من التاريخ الفارسي الذي تستعمله إيران وهو القرن الخامس عشر الهجري الشمسي. وقد بدأ العام الفارسي الجديد (1400) في مارس الماضي.

ولكن على الرغم من ذلك، لم يتحدث رئيسي عن مدة المرحلة الأولى أو تاريخ انتهائها.

وفي السياق نفسه، قال رئيسي إن الإيرانيين اختاروه وحكومته من أجل تحقيق “الثورة الإسلامية”، على حد تعبيره، على الرغم من أن نسبة المشاركة في هذه الجولة الانتخابية هي الأقل في تاريخ الجمهورية الإيرانية منذ عام 1979.  

للمرة الأولى… رئيس الجمهورية يصف المرشد بـ”الإمام”

في سابقة لم تحدث من قبل، وصف الرئيسُ الإيراني الجديد، رئيسي، خلال مراسم أداء القسم المرشدَ الأعلى خامنئي بـ”الإمام”، وهو لقب قد اختص به في إيران “آية الله” الخميني فقط منذ توليه الحكم في أواخر سبعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام التابعة لفصائل المتشددين في إيران لطالما وصفت خامنئي بـ”الإمام”، إلا أنه لم يسبق لرئيس سابق للجمهورية الإيرانية أن وصفه بذلك.

ولكن يمكن تفسير هذا الأمر عند الإشارة إلى أن “رئيسي” هو رئيس الجمهورية الإيراني الأقرب على الإطلاق للمرشد الحالي خامنئي، وقد تلقى بالفعل دعماً قوياً منه كي يصعد للساحة السياسية، منذ توليه رئاسة منظمة “آستان قدس رضوي” في مارس 2016، ثم السلطة القضائية في الشهر نفسه من عام 2019، وأخيراً رئاسة الجمهورية.

وعلى المنوال ذاته، وصف رئيسُ البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، خلال المراسم الرئيسَ الجديدَ رئيسي بـ”حجة الإسلام”.

يذكر أن هناك داخل الحوزات الشيعية في إيران اختلافاتٍ على منح هذا اللقب إلى الرئيس الإيراني الجديد، على الرغم من أن وسائل الإعلام التابعة للأصوليين، مثل “فارس” و”ارنا”، قد دأبت على وصفه بذلك.  

“هل يعيد التاريخ نفسه؟”

إن جملة “التاريخ يعيد نفسه” تنطبق بشكل كبير على بدايات دورتي الرئيس حسن روحاني وإبراهيم رئيسي. فقد بدأ الرئيس السابق دورته الأولى عام 2013 بالتزامن مع محادثات نووية مع الغرب كان قد حصل من أجل عقدها على موافقة المرشد الأعلى أولاً، وهو ما أكده الرئيس الجديد رئيسي حين قال إن حكومته ستمضي في الاتفاق النووي لأنه تعهدٌ نال موافقة المرشد الأعلى.

وقد انتهت بالفعل الجولة السادسة من المحادثات النووية الإيرانية مع القوى الكبرى في العاصمة النمساوية فيينا في يونيو الماضي، ومن المتوقع استئنافها في عهد الحكومة الجديدة.

وليس هذا فقط، بل إن الطريقة التي تجري بها المفاوضات بين الطرفين تتشابه “جزئياً”؛ لكونها غير مباشرة. ففي عام 2013 كانت توصف بـ”السرية” وكانت تجري في بدايتها بسلطنة عمان. أما الآن، فإنها وإن كانت تُعقد بشكل غير سري في العاصمة النمساوية فيينا إلا أنها تتسم بأنها “غير مباشرة” بين الإيرانيين والأمريكيين.

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى