
“بوليتيكو” الأمريكية: إدارة بايدن تخطط لبدء المفاوضات النووية مع إيران الأسبوع الجاري
عرض – علي عاطف
بالتزامن مع الحديث حول مفاوضات نووية متوقعة قريباً بين إيران والولايات المتحدة، نشرت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية، ومقرها العاصمة واشنطن، مقالاً للصحفية مراسلة الشؤون الخارجية بالمجلة “ناحال توسي” يوم 29 مارس الجاري تحت عنوان “الولايات المتحدة تحاول كسر الجمود النووي مع إيران بمقترح جديد لطهران”(*) تحدثت فيه عن اعتزام واشنطن تقديم مقترح مختلف لطهران يتعلق بتسريع الجلوس لعقد المفاوضات النووية.
ويشمل هذا المقترح تخفيفاً للعقوبات الاقتصادية الأمريكية مقابل وقف طهران بعض أنشطتها النووية. وقد ربط المقال قضية المفاوضات بمستقبل الانتخابات الرئاسية في إيران التي تلوح في الأفق والمقرر إجراؤها في يونيو المقبل.
المقترح يشتمل على وقف إيران بعض أنشطتها النووية مقابل تخفيفٍ للعقوبات

(الرئيس الأمريكي جو بايدن)
تقول “بوليتيكو” إن الأسابيع القليلة المقبلة سوف تثبت ما إذا كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، جاداً فيما يتعلق بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، الذي تم التوصل إليه عام 2015، كما أنها سوف تبرهن على نجاح أو فشل هذا المسار في الوقت الذي تبدو فيه العملية السياسية بين طهران وواشنطن على وشك “التكثيف”. وتحاول إدارة بايدن خلال هذه العملية السياسية جلب الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات بالتزامن مع ضغط “التقدميين” في واشنطن عليها باتجاه العودة للاتفاق.
وتضيف الصحيفة، نقلاً عن “شخصين مطلعين على الموقف” لم تُشر إليهما، أن مسؤولي إدارة بايدن يتفهّمون “التقويم (التوقيت) غير المواتي بشكل مطرد” ويخططون نتيجة لذلك لطرح مقترح جديد من أجل بدء المحادثات النووية في أقرب وقت خلال هذا الأسبوع.
وتوضح “بوليتيكو”، نقلاً عن أحد المصادر التي لم تكشف عنها، أن المقترح يطالب إيران بوقف “بعض” أنشطتها النووية، مثل العمل على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وتخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء تصل إلى 20%، مقابل “بعض التخفيف” فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على طهران.
ومن غير المؤكد أن تقبل إيران هذه الشروط، حسب الصحيفة الأمريكية التي أشارت في الوقت نفسه إلى أن طهران رفضت أوائل العام الجاري مقترحاً أمريكياً في هذا الصدد وصفته بغير المقبول ثم “عرضت (إيران) فكرتها الخاصة بأن فريق بايدن أعلن عدم البدء”.
وأكد أحد الأشخاص المطلعين على الموقف لـ “بوليتيكو” أن المقترح
الأمريكي المقرر طرحه الأسبوع الجاري “يتعلق، أكثر من أي شيء، بمحاولة بدء
الحوار” بين واشنطن وطهران.
عدم حدوث انفراجة خلال الأسابيع المقبلة يعني بقاء الأمور كما هي حتى سبتمبر المقبل
وتقول الصحيفة إن مسؤولي كلا البلدين يدركون أن عدم حدوث انفراجة في هذه القضية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، يعني أنه لن تحدث الكثير من الأمور الإيجابية في هذا الملف حتى شهر سبتمبر المقبل على أقل تقدير، هذا إذا كان من الممكن إنقاذ الصفقة بالأساس.
ويقول داريل كيمبال، المدير التنفيذي لرابطة الحد من الأسلحة، وهي منظمة مقرها واشنطن وتراقب المفاوضات النووية التي تشارك فيها طهران، “إن إيران مستعدة للتغلب على قيود إضافية في الاتفاق النووي خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فهذا هو الوقت الحاسم لتجنب تصعيدٍ في الموقف“.
وتستطرد “بوليتيكو” قائلة إن أحد أسباب الإلحاح التي تدفع المسؤولين الأمريكيين إلى جانب غيرهم ممن هم خارج الحكومة الأمريكية باتجاه الإسراع في ذلك هو اعتزام إيران إجراء الانتخابات الرئاسية في شهر يونيو المقبل وانطلاق موسم الحملة الانتخابية في شهر مايو من العام الجاري. وتصف الصحيفة تشابكات السياسة المتعلقة باتفاق عام 2015 النووي داخل إيران بـ”الحساسة للغاية، وهو ما يجعل من غير المرجح أن يسمح النظام الديني هناك بحدوث أية خطوات كبرى بشأنه في خضم الحملة“.
ورداً على سؤال من الصحيفة، قال مسؤول بارز في إدارة بايدن، لم تكشف “بوليتيكو” عن اسمه، إن واشنطن أوضحت أنها على استعداد للانخراط في عملية “عودة متبادلة” إلى الاتفاق النووي، مضيفاً أنه “كنا صرحاء بأننا نتحدث مع شركائنا (الدوليين)… حول أفضل طريقة لتحقيق هذا، حتى من خلال سلسلة من الخطوات الأولية المتبادلة. نحن ننظر في خيارات لفعل ذلك، بما يشمل محادثات مشتركة عبر شركائنا الأوروبيين”.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، نقلتها الصحيفة، قال “شاروخ ناظمي”، رئيس قسم الصحافة في بعثة إيران الدائمة لدى الأمم المتحدة، إن “عودة الولايات المتحدة إلى (الصفقة) لا تحتاج إلى مقترح محدد. إنه يتطلب فقط قراراً سياسياً من الولايات المتحدة للمضي قدماً في التنفيذ الكامل والفوري لالتزاماتها بموجب” الاتفاقية وقرار رئيسي للأمم المتحدة.
واشنطن وطهران يتباحثان حول كيفية بدء المفاوضات سريعاً

ويشير أفراد مطلعون على الموقف، حسب “بوليتيكو”، إلى أن الولايات المتحدة وإيران يتبادلان الأفكار حول كيفية بدء المفاوضات سريعاً منذ أسابيع، وذلك عن طريق وسطاء في أوروبا بشكل رئيس، إلا أنه لم تحدث حتى الآن محادثات مباشرة بين واشنطن وطهران في هذا الشأن.
وأكد مصدر للصحيفة أن الولايات المتحدة اقترحت مطلع العام الجاري منح إيران إمكان الوصول “لمبلغ صغير” من أصولها المالية المجمدة بمليارات الدولارات في الخارج في مقابل وقف طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%. ورفضت إيران هذا العرض “غير المتكافيء”، حسب الصحيفة، وردت بمقترح بديل يشمل وقفها تخصيب اليورانيوم لمدة شهر مقابل رفع الولايات المتحدة جميع عقوباتها. وحسب توصيف المصدر في حديثه لصحيفة “بوليتيكو”، فقد رأى الجانب الأمريكي هذا المقترح الإيراني كـ “رد صفيق” أكثر من كونه “مقترحاً مضاداً جاداً”.
ومع هذا، ترى الصحيفة أن إيران تبدو مهتمة باستعادة الاتفاق النووي الأصلي الذي من المتوقع أن يرفع عنها العقوبات التي أضرت باقتصادها، كما أنها تريد أن تُقدم الولايات المتحدة على الخطوة الأولى في هذا الطريق برفع العقوبات لأنها هي التي خرجت منه أولاً.
وفي مقابلة مع “بوليتيكو”، حسبما ذكرت الأخيرة، قلل وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، من أهمية متابعة المفاوضات قائلاً إن طهران لم تثق بالولايات المتحدة بعد “محاولة عهد ترامب قتل الاتفاقية الأصلية”. وأضاف ظريف أنه “إذا اجتازت الولايات المتحدة اختبار (اتفاق عام 2015)، والذي لا يبدو مرجحاً للغاية، يمكننا النظر في قضايا أخرى” وأنه لا يعتقد أن “الولايات المتحدة ستكون مستعدة لمناقشة هذه القضايا. هل الولايات المتحدة مستعدة لخفض شحنات الأسلحة إلى المنطقة؟”.
ويقول أشخاص على اطلاع بالموقف، حسب الصحيفة، إن المشكلة الحقيقية في الوقت الراهن لا تكمن فيمن يبدأ أولاً بقدر ما تتعلق بما ينبغي على كل طرف فعله بالضبط، أو التخلي عنه، في هذه المرحلة إذا كان جاداً في العودة للاتفاق.
ويعود داريل كيمبال، المدير التنفيذي لرابطة الحد من الأسلحة، ليقول إن “ما يحتاج توني بلينكين أو (مستشار الأمن القومي) جيك سوليفان إلى قوله هو ماذا تريد الولايات المتحدة فعله إذا عادت إيران إلى الامتثال“، مضيفاً أن “ذلك سيوفر إشارة عامة مهمة حول الوجهة التي تريد إدارة بايدن أن يذهب هذا إليها. وتبدو المواقف العلنية لإدارة بايدن في الوقت الحالي متشابهة إلى حد كبير مع موقف إدارة ترامب، ولم يكن ذلك مشجعاً للجانب الإيراني“.
الرئيس الإيراني المقبل سيحتاج وقتاً للانخراط في المفاوضات مع واشنطن

وحول مستقبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران، تشير الصحيفة إلى أن الرئيس الإيراني المقبل يمكن أن يتم اختياره من بين الصفوف السياسية المحافظة بشكل كبير هناك، وهؤلاء لا يرغبون في عقد صفقات مع الولايات المتحدة على النقيض من الإصلاحيين “الذين يُعد الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني أقرب” إليهم. وتوضح “بوليتيكو” أنه على أية حال، فإن المرشد الأعلى، علي خامنئي، يقرر في النهاية شؤون الدولة”وهو متشكك بشدة في نوايا الولايات المتحدة”.
وتؤكد “بوليتيكو” أنه حتى لو كان الرئيس الإيراني المقبل، بماركة خامنئي، منفتحاً على المحادثات، فسوف يحتاج هو ومساعدوه وقتاً للانتقال للسلطة ومتابعة مختلف الملفات. ولذا، تقول الصحيفة، فقد تستغرق المفاوضات التالية شهوراً ستقترب خلالها بنود الاتفاق النووي الأصلي من الانتهاء. ويوضح مطلعون على الموقف أن مسؤولي إدارة بايدن يدركون قيمة الوقت إلا أنهم مصممون على ألا يدفعهم ذلك لاتخاذ موقف ضعيف.
بايدن غير متعجل للدخول في المفاوضات
ويواجه الرئيس بايدن ضغوطاً من اليمين واليسار حول كيفية التعامل مع إيران. فالمنظمات التقدمية نظّمت الأسبوع الجاري فعالياتٍ تدعو علناً بايدن إلى العودة للاتفاق النووي، ولكن الجمهوريين وبعض الديمقراطيين المعتدلين والمتشديين أدلوا بتصريحات وبعثوا برسائل إلى بايدن تحثه على اتخاذ موقف صارم مع إيران والتمسك بإبرام صفقة أفضل.
وتقول مصادر للصحيفة إن بايدن نفسَه ليس في عجلة من أمره لاستعادة الاتفاق الأصلي “فالرئيس يدرك جيداً أن الجمهور مهتم أكثر بشأن جائحة كورونا، والاقتصاد، وقضايا أخرى”، وفي الوقت نفسه منح تقسيمُ مجلس الشيوخ 50-50 بين الجمهوريين والديمقراطيين بايدن مساحة أقل للمناورة سياسياً. وتوضح إحدى المصادر لـ”بوليتيكو” أن بايدن “مرتاح للغاية لما نحن فيه… فهل يرقد مستيقظاً بالليل قلقاً بشأن هذا؟ ربما لديه أمورٌ أخرى تقلقه أكثر”.
ويُشار إلى أن نقاشات عدة كانت قد طُرحت أوائل العام الجاري داخل فريق بايدن حول استعادة الاتفاق النووي أو انتظار التوصل إلى صفقة أكبر وأكثر اتساعاً. “وتبدو هذه الانقسامات قد تراجعت في ظل سعي الإدارة إلى صيغة تعيد إيران ببساطة إلى الطاولة”. وحاول المسؤولون الأوروبيون منذ ذلك الوقت إنقاذ الاتفاق، حيث أصبح هذا تحدياً؛ لأن حكوماتهم وشركاتهم الخاصة يمكن أن تواجه عقوبات الولايات المتحدة إذا ما تعاملوا تجارياً مع إيران. وسعى القادة الأوروبيون آيضاً إلى الترتيب لعقد اجتماع غير رسمي بين الأمريكيين والإيرانيين كان من المقرر عقده أوائل الشهر الجاري، لكن الإيرانيين رفضوا الفكرة قائلين إن “الوقت لم يحن بعد”.
باحث بالمرصد المصري