أوروبا

انتخابات اسكتلندا.. حسم أسئلة الهوية بعد 300 عام من الوحدة البريطانية

تدخل اسكتلندا منعطفًا تاريخيًا حاسمًا عبر عقد الانتخابات البرلمانية في 6 مايو 2021، والتي سوف تنتج عنها سلسلة تفاعلات سياسية تنهي الجدل التاريخي بين تيار “اسكتلندا البريطانية” و”اسكتلندا المستقلة” الذي تحول إلى “اسكتلندا الأوروبية”. بين الهوية البريطانية أو الأوروبية لإسكتلندا، التي كانت مملكة مستقلة حتى عام 1707 حينما اتحدت مملكة اسكتلندا ومملكة إنجلترا تحت مسمى مملكة بريطانيا العظمي؛ يثار الجدل الوطني والأيديولوجي وذلك عقب انتهاء بريطانيا من إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وكان الاستفتاء على الخروج من الاتحاد المنعقد عام 2016، قد أسفر عن تصويت اسكتلندا ضد الخروج، ولكن أغلبية الأصوات التي أيدت الخروج أتت من إنجلترا، ما جعل اسكتلندا أمام موقف معقد، فهي صوتت على البقاء في الاتحاد الأوروبي ولكنها أجبرت على الخروج منه نظرًا لأصوات الإنجليز، ومن هنا بدأت المناداة باستفتاء حاسم في اسكتلندا للبقاء في بريطانيا أو الاستقلال عنها وإعلان جمهورية اسكتلندا وبدء إجراءات العودة إلى الاتحاد الأوروبي.

ورغم الزلزال الذي ضرب القارة الأوروبية بالخروج البريطاني، إلا أن الاتحاد أرسل رسائل مبطنة إلى المسؤولين في إدنبرة عاصمة اسكتلندا أن القبول بالجمهورية الاسكتلندية في الاتحاد الأوروبي ليس أمرًا مضمونًا. ولم يكن ذلك رفضًا حقيقيًا لاسكتلندا أو حتى تضامنًا مع بريطانيا، بل أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى معاقبة بريطانيا وجعلها أمثولة لكافة شعوب أوروبا في عدم مغادرة الاتحاد القاري.

ولكن الاتحاد الأوروبي يترجم خوف كافة الحكومات الأوروبية من أن يؤدي استقلال اسكتلندا وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي إلى نشر فيروس الانفصال في القارة الأوروبية، إذ لا توجد دولة أوروبية إلا وتضم إقليمًا أو اثنين لديه مطالب تاريخية وثقافية بالانفصال عن الدولة الأم، ما يعني عمليًا أن خارطة القارة الأوروبية قد يعاد تشكيها وهيكلتها على ضوء انفصال اسكتلندا.

وعلى ضوء هذا الصراع التاريخي ذي الأوجه الوطنية والثقافية والأيدولوجية، يمكن تقسيم الأحزاب الاسكتلندية في هذه الانتخابات وبشكل استثنائي ما بين تيار اسكتلندا البريطانية، أي الأحزاب التي تدعم بقاء إدنبرة تحت التاج البريطاني دون الذهاب إلى استفتاء جديد للاستقلال من عدمه، أو تنظيم استفتاء أخير في هذا المضمار مع الدعم الكامل للتصويت بـ “لا” للاستقلال عن بريطانيا.

بينما التيار الثاني هو “اسكتلندا الأوروبية”، الداعم لإلغاء الملكية والاستقلال عن بريطانيا وإعلان النظام الجمهوري وبدء إجراءات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

أحزاب “اسكتلندا البريطانية”

1 – حزب العمال الاسكتلنديين: لم تصمت الدوائر البريطانية حيال محاولات اسكتلندا للانفصال، خصوصًا أن هنالك دوائر غربية تعمل على تفكيك بريطانيا وفصل اسكتلندا عن إنجلترا، وفى هذا المضمار تم هيكلة حزب العمال الاسكتلندي وانتخاب أنس سرور رئيسًا له في 27 فبراير 2021.

تكمن فلسفة هيكلة الحزب اليساري قبيل الانتخابات في استخدام نفس قواميس الصوابية السياسية وأجندة العولمة النيوليبرالية التي هزمت التيار القومي في الولايات المتحدة الأمريكية وأنهت حقبة دونالد ترامب؛ إذ تم تصعيد ساسة الأقليات السوداء والآسيويين إلى مناصب قيادية داخل الحزب، وإنهاء عصر اليسار الماركسي بزعامة رئيس الحزب المنتهية ولايته ريتشارد ليونارد، والذي تماهى مع ماركسية رئيس حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين. ولكن مع سقوط كوربين في لندن، سقط ليونارد في إدنبرة. وكما صعد اليسار الليبرالي في لندن، صعد يسار الوسط الاشتراكي في إدنبرة وانتُخب أول مسلم وغير أبيض لرئاسة حزب بريطاني واسكتلندي على حد سواء.

أنس سرور ينتمي إلى أصول باكستانية تنتمي بدورها إلى أصول هندية، هو نجل محمد سرور أول نائب مسلم في تاريخ المملكة المتحدة على الإطلاق، واحتفظ بالمقعد المخصص لوسط جلاسكو عن حزب العمال في الفترة ما بين 1997 و2010، إلى أن خلفه ابنه أنس في أحد مظاهر التوريث السياسي داخل برلمانات بريطانيا.

ورغم أنه من المستبعد أن يحصل اليسار الاسكتلندي على الأغلبية اللازمة لتشكيل الوزارة الجديدة، ولكن هذه الهيكلة رفعت من أسهمه في سحب أصوات التيار القومي الداعم للاستقلال، على أن يكون للحزب دور في تشكيل أو دعم حكومة ائتلافية موالية للندن وليست مناهضة لها.

2 – حزب الليبراليين الديمقراطيين: يلعب دورًا مهمًا في تفكيك الأصوات المؤيدة للتيار القومي، ومرشح لدخول أو دعم ائتلاف حكومي موالٍ للحكومة البريطانية ومناهض للاستقلال.

3 – حزب المحافظين الاسكتلنديين: يرأسه دوجلاس روس منذ 5 أغسطس 2020، يطلق عليه “رجل بوريس جونسون في اسكتلندا”، حيث عمل في إدارته لبعض الوقت قبل العودة إلى إدنبرة.

تعول بريطانيا على المحافظين والليبراليين والاشتراكيين في لعبة تشكيل وزارة ائتلافية موالية لها ومناهضة للاستقلال وأن تهزم الأغلبية القومية الحالية في برلمان اسكتلندا.

4 – حزب الإصلاح البريطاني: هو حزب بريكست سابقًا لمؤسسه نيجيل فاراج أحد قادة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي عبر حزبه الأسبق “حزب استقلال بريطانيا”، ولحزب الإصلاح البريطاني فرع اسكتلندي يسعى للحفاظ على مكاسب بريكست عبر إبقاء اسكتلندا داخل بريطانيا.

أحزاب “اسكتلندا الأوروبية”

1 – الحزب الوطني الاسكتلندي: حزب القومية الاسكتلندية الرافض للوحدة مع بريطانيا، الداعم لإجراء استفتاء أخير وحاسم لإعلان الاستقلال عن بريطانيا وإسقاط الملكية وإعلان النظام الجمهوري وبدء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لدخول اسكتلندا للاتحاد القاري بوصفها دولة مستقلة وليست جزءًا من بريطانيا كما كان الحال في السابق.

يشكل الحزب حكومة اسكتلندا منذ عام 2007 الذي شهد نهاية عصر حكومة حزب العمال الموالية لتوني بلير وجوردن براون، والتي هيمنت على مجلس وزراء اسكتلندا منذ عام 1999. رئيسة الحزب نيكولا فيرجسون ستارجن هي رئيسة وزراء اسكتلندا (الوزير الأول وفقًا للمسمى البريطاني) منذ نوفمبر 2014، وتسعى في تلك الانتخابات للولاية الثالثة بعد أن قادت الحزب بنجاح خلال انتخابات 2016. فوز الحزب الوطني في الانتخابات سوف يمهد الطريق إلى التصويت بـ “نعم” على استفتاء ثانٍ للاستقلال عن بريطانيا.

2 – حزب الخضر الاسكتلنديين: يتفق مع الحزب الوطني الاسكتلندي في أيدولوجيا يسار الوسط ورفض البقاء تحت التاج البريطاني، وإن كان حزب الخضر ذا توجه “جمهوري” صريح ويدعو إلى إعلان النظام الجمهوري كون الأنظمة الملكية جزءًا من ماضٍ يجب على أوروبا تجاوزه.

النظام السياسي الأسكتلندي

يتألف برلمان اسكتلندا من 129 مقعدًا، ولتأمين الأغلبية البرلمانية يجب الحصول على 65 مقعدًا، وكافة مواطني اسكتلندا يحملون إلى جانب الجنسية الاسكتلندية الجنسية البريطانية ويحق لهم الترقي سياسيًا والانخراط في الحقل السياسي البريطاني وآخرهم الأسكتلندي جوردان براون الذي خلف توني بلير في منصب رئيس الوزراء ورئيس حزب العمال.

ولكن حال استقلال اسكتلندا عن بريطانيا، سوف يخسر سكان اسكتلندا الجنسية البريطانية وكذا ساسة بريطانيا من أصول أسكتلندية، ويعد نظام “الجمهورية البرلمانية” هو المرجع لاسكتلندا حال انفصالها عن بريطانيا، حيث تكون الصلاحيات الرئاسية بيد رئيس الوزراء على أن يكون رئيس الدولة ذو دور شرفي محدود ومن المرجح أن يتم انتخاب أحد رؤساء الوزراء السابقين أو جوردان براون نفسه إذا ما قررت الجمهورية الجديدة إرسال رسالة صداقة للمهد القديم.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى