
السيسي يزور الأردن: إحياء القضية الفلسطينية قبيل تنصيب بايدن
تقود مصر مطلع العام 2021 حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا في الشرق الأوسط، تحت عنوان إعادة احياء القضية الفلسطينية قبيل الانتخابات الإسرائيلية في مارس 2021، إضافة الى تنصيب الإدارة الأمريكي الديموقراطية الجديدة بقيادة جو بايدن، ورحيل إدارة دونالد ترامب ذات الرؤية المختلفة للقضية الفلسطينية عن المرجعيات التي اعتمدها المجتمع الدولي عبر قرارات مجلس الامن.
وكانت آخر مفاوضات جادة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية قد عقدت عام 2000 عقب الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وهى المفاوضات التي أُطلق عليها “كامب ديفيد – 2” بين رئيس الوزراء الإسرائيلي –وقتذاك– ايهود باراك والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات برعاية إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون وتحت رعايته الشخصية، وطيلة عقدين من الزمن جرت محاولات غير مكتملة لدفع القضية الفلسطينية إلى حلول جديدة، تتضمن تلك المحاولات خطة خارطة الطريق في زمن إدارة جورج بوش الابن واتفاقيات انهاء الانتفاضة الفلسطينية والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وذلك في مفاوضات متعددة الجولات ما بين عامي 2003 و2006، ولاحقًا جرى عام 2010 جلسة مفاوضات عربية إسرائيلية برعاية الرئيس باراك أوباما، قبل أن تدخل القضية الفلسطينية خزائن الأرشيف على ضوء اشتعال حزام الحروب الاهلية في الشرق الأوسط تحت عنوان الربيع العربي.
وإذا كانت إدارتا بوش الابن وباراك أوباما قد تعمدتا التهرب من القضية الفلسطينية عبر دفعها إلى آخر درجات سلم أولويات المجتمع الدولي، عبر ابتكار الحرب على الإرهاب وتداعيات 11 سبتمبر 2001 والغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان ومطالب الغرب بالديموقراطية وحقوق الإنسان للسلطة الفلسطينية قبل باقي الدول العربية ثم تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية سبتمبر 2008 وصعود التيار القومي وبدء خريف مظلم للعولمة النيوليبرالية، قبل أن تندلع الاضطرابات في مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا والبحرين وشرق السعودية وتونس والجزائر والمغرب دفعة واحدة، ثم صحوة الإرهاب عبر قيام تنظيم داعش قبل ان يجتاح إرهاب اللاجئين الأراضي الامريكية والأوروبية، فإن إدارة ترامب أتت بسياسة مختلفة هي أيدولوجيا الامر الواقع والاعتراف بمكاسب كل طرف في أي صراع دولي حول العالم من اجل انهاء هذا الصراع.
هكذا أغدق الرئيس ترامب على دولة إسرائيل بالاعترافات الدبلوماسية والقانونية حول سيادة إسرائيل على القدس والضفة الغربية والجولان، إضافة الى دويلة فلسطينية مصغرة تخالف كافة حقائق التاريخ قبل قرارات مجلس الامن.
ولم تقم القاهرة بتصعيد الأمر مع الرئيس ترامب، على ضوء رصد القاهرة لحالة رفض في أوروبا وعبر مؤسسات المجتمع الدولي لمعادلة ترامب وبالتالي أدركت القاهرة أنه حال رحيل ترامب من البيت الأبيض فإن المجتمع الدولي سوف يراجع ويقيم معالجة ترامب للقضية الفلسطينية وهو ما وعد به الرئيس المنتخب جو بايدن.
ومع مجيء يناير 2021 وبدء العد التنازلي لتولى بايدن السلطة في واشنطن وتأهب المجتمع الدولي لانتخابات حاسمة في إسرائيل على أمل إنتاج حكومة مستقرة يمكن العمل معها في عملية السلام، تحركت مصر لأحياء القضية الفلسطينية، حيث حل الرئيس محمود عباس ضيفًا علي القاهرة، كانت مصر طيلة سنوات ترامب قد تغاضت عن حسابات السلطة الفلسطينية غير الموفقة في التوجه الى تركيا، على نفس نهج القاهرة في التغاضي عن حسابات الرئيس الراحل ياسر عرفات طيلة ثمانينات القرن العشرين في التوجه الى ليبيا القذافي وعراق صدام حسين وحتى ايران الخمينية في أوائل أيام استيلاء الإسلاميين على الثورة الشعبية الإيرانية.
العام 2021 له حسابات مختلف عما سبق، انهارت دول مركزية في الشرق الأوسط، والدول التي كانت تدعم القضية الفلسطينية من أجل حسابات إقليمية تحت مسمى محور المقاومة بينما هو المحور الإيراني، سواء سوريا وإيران وبعض الأطراف اللبنانية والفلسطينية، قد دخلوا في حروب مفتوحة وإقليمية وأهلية وأصبحت القضية الفلسطينية هي آخر ما يفكرون فيه.
بينما أعلن محور الإسلام السياسي في تركيا وقطر وجماعات الإسلام السياسي في سنوات الربيع العربي طبيعة علاقتهم بإسرائيل وكيفية خدمة الأجندة الغربية بتدمير الجيوش الوطنية وهو نفس هدف الصهيونية العالمية، وحتى محور الاعتدال العربي وما نتج عنه من محور الرباعي العربي قد شهد تباينًا في الآراء ما بين من ذهب الى معسكر “السلام الإبراهيمي” بحسب رؤية ترامب دون أن يتلقى أي ضمانات حيال القضية الفلسطينية ومن ذهب إلى الانفتاح مع قطر وتركيا على ضوء قمة العلا الخليجية.
هكذا تثبت مصر أنها الأكثر وفاء للقضية الفلسطينية، قضية الوطن العربي المركزية، ولا عجب في ذلك لأن مصر حكمت فلسطين عبر التاريخ ألف سنة، لم يكن هنالك أي شكوى فلسطينية من الإدارات المصرية أو كان هنالك توظيف مصري للملف الفلسطيني سوى حماية البوابة الشرقية لمصر، وحينما تتلفت فلسطين اليوم في يناير 2021 حولها سوف تجد أن أيدولوجيا القومية العربية وحتى أيدولوجيا الإسلام السياسي قد انفض من حول فلسطين ولم يعد للقضية الفلسطينية سوف حليف واحد فحسب هو مصر.
وعلى ضوء الارتباط الجغرافي والديموجرافي وترتيبات ما بعد الحرب العالمية الأولي ما بين فلسطين والأردن، فإن الملك الأردني عبد الله الثاني بن الحسين يدرك أن القضية الفلسطينية هي أساس مملكته الهاشمية، وعلى ضوء هذا الوعي فإن عمان كانت دائمًا على اتصال مباشر مع القاهرة حول ضرورة تفعيل القضية الفلسطينية، والصبر على أيدولوجيا الأمر الواقع الترامبية لحين انصراف الترامبية عن البيت الأبيض.
وتفهمت القاهرة توجه الأردن –ايضًا– إلى قطر وتركيا وكان عاهل الأردن حكيمًا ومخضرمًا حينما كان ينسق تلك التوجهات مع مصر أولًا بأول حتى لا ينتج عن تلك التحركات ضربًا للأمن القومي المصري قبل الأمن القومي العربي الجماعي وحتى لا تتسبب الأردن في انتصار خبيث للإسلام السياسي على محور الاعتدال العربي أو نصر جزئي لأنقرة في الصراع العربي التركي وهى ألعاب سياسة استطاع الملك الأردني أن يديرها لصالح الأردن ويظفر باستقرار مملكته طيلة سنوات الربيع العربي بينما حدوده الأربع تشهد سلسلة حروب أهلية ما بين الحزام الشيعي الإيراني والحزام الإخواني التركي.
وتأتي زيارة الرئيس السيسي إلى العاصمة الأردنية عمان يوم الاثنين 18 يناير 2021 باعتبارها الخطوة الأبرز في عملية احياء القضية الفلسطينية في زمن ما بعد ترامب وحقبة ما بعد الربيع العربي، وقد سبقها اجتماع رباعي في القاهرة بحضور وزير خارجية ألمانيا ووزير خارجية فرنسا في إشارة واضحة إلى أن القاهرة تطوع التوجه الأوروبي لأحياء القضية الفلسطينية عبر مبادرة مصرية جارية بالفعل.
وتاليًا توجه اللواء عباس كامل مدير المخابرات العامة المصرية للقاء الرئيس عباس في الأراضي الفلسطينية من أجل استكمال بنود جدول أعمال قمة عمان بين الرئيس السيسي والملك عبد الله اليوم، حيث تواصل المخابرات العامة المصرية دورها الرئيسي في العمل داخل الأراضي الفلسطينية ومع السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية لحل أزمات الشعب الفلسطيني بعيدًا عن المزايدات القطرية والتركية والإخوانية والإسلامية والبعثية والسورية والإيرانية والقومية العروبية.
المحور المصري الأردني من المقرر أن يطلق دعوة لعقد مؤتمر دولي للقضية الفلسطينية، يعقد في مصر أو الأردن، وهنالك اقتراحات بعقده في أوروبا ما بين ألمانيا أو فرنسا وحتى في واشنطن إذا ما انفتح الرئيس بايدن على فكرة الانخراط السريع في القضية الفلسطينية.
وسوف يتضمن اللقاء مصر والأردن والسلطة الفلسطينية بالإضافة إلى رئيس الوزراء المنتخب، بالإضافة إلى ممثلي القوى الدولية في أوروبا والولايات المتحدة. ويدرس الجانبان المصري والأردني الاستفادة من “معسكر السلام الإبراهيمي” بدعوة السودان والمغرب والبحرين والإمارات وسلطنة عمان إلى القمة الدولية، وذلك من أجل وضع خارطة طريق جديدة للقضية الفلسطينية وإعلان تفكيك بعض التفاهمات التي أغدق بها ترامب على الحكومة الإسرائيلية طيلة عامين.
باحث سياسي