
وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي صباح اليوم إلى جوبا عاصمة جنوب السودان في زيارة رسمية هي الأولى لرئيس مصري إلى الجنوب منذ انفصاله في يوليو 2011، يعقد خلالها لقاء قمة مع رئيس جنوب السودان سلفا كير مَيارديت، يتناول مختلف الملفات المتعلقة بالتعاون المشترك بين البلدين وسبل تعزيز العلاقات الثنائية. في وقت يواجه فيه جنوب السودان وضعًا اقتصاديًا صعبًا رغم أنها دولة ذاخرة بالموارد الطبيعية الضخمة.

جنوب السودان.. آثار ما بعد الحرب الأهلية
يُعدُّ جنوب السودان واحدًا من أكثر دول العالم فقرًا رغم الموارد الطبيعية الضخمة التي ينعم بها، من بينها البترول والأراضي الخصبة والمياه الوفيرة وبعض الثروات المعدنية من بينها الذهب والحجر الجيري (خام الإسمنت).
وفضلًا عن ذلك فإن الحرب الأهلية التي عاشها الجنوب عقب الانفصال (2013 -2015) (2016-2017) قد زادت أوضاع البلد صعوبة. وقعت الأطراف المتحاربة اتفاق السلام الداخلي عام 2018، وهناك تقدم محرز في تنفيذ بنوده، خاصة بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في مارس 2020 والتي تضم أهم الفصائل المتحاربة سابقًا.
ويمر جنوب السودان حاليًا بأزمة ثلاثية بسبب جائحة كورونا، وانخفاض أسعار النفط، والفيضانات التي اضطرت حوالي 600 ألف فرد للنزوح داخليًا. وتولي حكومة الوحدة الوطنية الحالية اهتمامًا متزايدًا بجهود التنمية. كما تعمل هذه الحكومة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية ونقدية ومالية وإدارية وقضائية.
الاقتصاد في جنوب السودان
تمثل الثروة النفطية في جنوب السودان نحو ثلاثة أرباع ثروة السودان قبل الانفصال، ويتمتع جنوب السودان بعضوية منظمة أوبك للدول المصدرة للنفط، وهو سادس أكبر دول القارة الأفريقية من حيث حجم احتياطي النفط بعد كل من ليبيا ونيجيريا والجزائر وأنجولا ومصر، ويُقدّر حجم إنتاج النفط حاليًا بحوالي 180 ألف برميل يوميًا، ويمثل قطاع النفط حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي الذي قدّر عام 2018 بنحو 12 مليار دولار، ونسبة النمو الاقتصادي المتوقعة لعام 2021 6%. كما يمثل النفط حوالي 95% من صادرات البلاد، وبالتالي هو المورد الرئيس للعملة الصعبة.
ولكن الانشغال بالحرب الأهلية أدى إلى إهمال جهود التنمية. ولذلك لاتزال معظم المناطق خارج العاصمة جوبا تعاني من نقص الأمن والاستقرار، الأمر الذي يجعل معظم الاستثمارات الأجنبية مركزة في العاصمة جوبا التي تُعدُّ من أغلى مدن العالم من حيث تكلفة المعيشة، وتقدر نسبة التضخم عام 2018 بحوالي 85%.
ويجعل هذا الوضع نحو 9 مليون مواطن من أصل 12 مليونًا هم تعداد سكان جنوب السودان يعيشون تحت خط الفقر الدولي (1.9 دولار يوميًا)، و7.5 مليون مواطن ينقصهم الغذاء، فضلًا عن مليوني مواطن لاجئين في الدول المجاورة ويُنتظر عودتهم قريبًا في إطار عملية السلام الداخلية.
يمتاز مجتمع جنوب السودان بأنه مجتمع شاب؛ إذ تُقدر نسبة الشباب تحت 35 عامًا نحو 70% من السكان، في الوقت الذي تُقدر فيه نسبة البطالة بنحو 20%. وأعدت الدولة استراتيجية للتنمية للأعوام 2018/2021، وهي الاستراتيجية التي تتضمن خطوطًا عامةً حول توجهات التنمية، وتحدد قطاعات ذات أولوية تركز عليها الدولة حاليًا هي البنية التحتية للنقل والطاقة والزراعة والتكنولوجيا. ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد تحسنًا قد تتسارع أو تتباطأ خطاه ارتباطًا بوتيرة التقدم في تنفيذ اتفاق السلام الداخلي وتثبيت الأمن والاستقرار.
وقد انعكس التحسن في مناخ العلاقات بين جنوب السودان والسودان بعد سقوط نظام البشير انعكس مؤخرًا في اتفاق على إعادة فتح النقاط الحدودية بين البلدين، الأمر الذي يفتح الطريق لعودة حركة التجارة في المناطق الحدودية، كما يفتح الطريق للنقل إلى جنوب السودان عن طريق ميناء بور سودان ثم بريًا إلى بلدة “كوستى” (حوالي 1200 كم من بورسودان) ثم نهرياً إلى داخل جنوب السودان.

التعاون الاقتصادي بين القاهرة وجوبا
تمثل العلاقات بين البلدين أهمية استراتيجية، وتتميز العلاقات بينهما في الوقت الحالي بطابع الأخوة والمتانة على المستويين الرسمي والشعبي. وفي إطار التحسن النسبي الحالي في الوضع الداخلي، وعلى ضوء التقدم المحرز في عملية السلام الوطنية مؤخرًا، يتطلع جنوب السودان لعدد محدود من الأصدقاء من بينهم مصر لضخ استثمارات في مشروعات التنمية ذات الأولوية، لتحقيق عوائد ملموسة للسلام، في ظل عزوف شركاء التنمية الغربيين عن ذلك، وتركيز مساعداتهم على المجال الإنساني. وتقتضي الظروف الحالية أن تشمل الاستثمارات الأجنبية توفير التمويل أو الحصول على تمويل من المؤسسات المالية الإقليمية والدولية في إطار قروض يتم سدادها على فترات ممتدة بضمان عوائد النفط.
يستورد جنوب السودان معظم احتياجاته من الخارج، في ظل عدم وجود أية صناعات واقتصار القطاعات الأخرى كالزراعة والثروة الحيوانية على الممارسات البدائية المحدودة. وتعتمد جنوب السودان على أوغندا وكينيا وإلى حد ما السودان كمصادر للمنتجات الزراعية والغذائية بشكل عام.
وتعمل الدولة المصرية على تشجيع القطاع الخاص المصري على الاستثمار في جنوب السودان، مما يخدم العلاقات الثنائية، ومن بين مجالات الاستثمار ذات الأولوية لجنوب السودان بناء الطرق، وتوليد وتوزيع الكهرباء، والزراعة، وفقًا لاستراتيجية التنمية الوطنية، كما أنه من بين المجالات الواعدة استخراج ونقل وتكرير البترول وإنتاج وتوزيع البوتوجاز، والتعدين (الذهب)، ومواد البناء (الإسمنت والرخام).
توجد حاليًا استثمارات مصرية في عدد من القطاعات في جنوب السودان من بينها شركة سامكو التي تتولى إنشاء أحد الطرق الأربعة الكبرى بالدولة بين العاصمة جوبا وبلدة “كايا” على الحدود الأوغندية. وشركة السويدي التي تنفذ مشروعًا لإنتاج الطاقة الشمسية على أطراف العاصمة بقدرة 20 ميجا/وات، فضلاً عن تواجد شركة المقاولون العرب
كما أن شركة بتروجيت في طريقها لافتتاح فرع في جوبا، وشركة أوراسكوم للإنشاءات في طريقها لإعادة تأهيل الطريق الوحيد الرابط بين العاصمة ومدينة “نيمولي” على الحدود الأوغندية، هذا بالإضافة إلى شركات مصرية أخرى تعمل في مجالات الأدوية والنفط والنقل النهري والأثاث.
وتتمتع المنتجات المصرية بسمعة جيدة في جنوب السودان، ولا سيّما المنتجات الغذائية مثل (الأغذية المعلبة والمجمدة – الأرز – المكرونة – الدقيق– زيوت الطعام) والمنسوجات مثل (المفروشات القطنية – الفوط – الملابس). وكذلك (مواد البناء – المنتجات الجلدية والأحذية – الأدوية – المشتقات البترولية – المستلزمات الشخصية والمنزلية).



