
“هل تؤثر هوية الفائز في الانتخابات الأمريكية على المشهد في إسرائيل؟”
على مدار العقود الماضية، اتَّسمت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بخصوصيتها، حيث قدمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة كافة أشكال الدعم لإسرائيل، وقد بلغ الدعم الأمريكي أوجه في ظل الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة “دونالد ترامب”، حيث تُعد إدارته الأكثر انحيازًا لإسرائيل منذ إنشائها في عام 1948. إذ قدمت الإدارة الأمريكية في عهده كافة أشكال الدعم والمساندة لإسرائيل، وبرز ذلك بوضوح في تنفيذ ترامب لوعوده الانتخابية التي طالما انتظرها الإسرائيليون من الرؤساء السابقين، ونجح حتى اليوم في تحقيق جميع ما وعد به فيما يخص إسرائيل، حيث قام بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وتخلي عن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 ، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، فضلًا عن طرحه خطة للسلام تصب في مصلحة إسرائيل، ورعايتة اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول المختلفة، وغير ذلك من دعم سياسي واقتصادي وعسكري غير مسبوق قدمته الولايات المتحدة في عهده إلى حليفتها إسرائيل. وقد تجسد مدى التوافق الأمريكي الإسرائيلي في عهد إدارة ترامب في تصريحات نتنياهو بأن “وجود ترامب بالرئاسة فرصة تحدث مرة واحدة في التاريخ لا يجوز تفويتها” ووصفه بأنه “أعظم صديق لإسرائيل على الإطلاق في البيت الأبيض”.
لذا ففي ظل الانتخابات المرتقبة في الولايات المتحدة، وما تثيره من تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين الدولتين، فهناك ثمة أسئلة تبرز حول مدى تأثير نتائج تلك الانتخابات على مستقبل إسرائيل، وانعكاساتها على مصير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
الانتخابات الأمريكية والمشهد الإسرائيلي.. ارتباط وثيق
في الواقع، فإن الساحة السياسية في إسرائيل تشهد عدة أزمات منبثقة عن سوء إدارة الحكومة الإسرائيلية الراهنة للأوضاع المترتبة على أزمة جائحة كورونا؛ حيث شهد الاقتصاد الإسرائيلي تراجعًا حادًا وانخفضت مؤشراته، فضلًا عن ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا بصورة مقلقة، تزامنًا مع إخفاق الحكومة في إقرار الميزانية المخصصة للحكومة لعام 2021، ما تسبب في زيادة الاحتقان في الداخل الإسرائيلي وخروج المظاهرات المطالبة باستقالة نتنياهو على مدى ما يقارب الثلاث أسابيع اعتراضًا على سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي وإخفاقه في إدارة الأزمة، وهو ما يثير التنبؤات باحتمالات لجوء إسرائيل لإجراء انتخابات رابعة حال فشل الحكومة في الخروج من المأزق الحالي.
وارتباطًا بذلك، يتضح أن نتنياهو يواجه ضغوطًا هائلة في ظل ما يواجهه من خطر على مستقبله السياسي، في الوقت الذي تلاحقه اتهامات الفساد، وتتراجع شعبيته بسبب الأزمات الحالية، وبالتالي فإن الانتخابات الأمريكية الراهنة تشكل أهمية قصوى بالنسبة له ولإسرائيل على وجه العموم، إذ تمثل نتيجة الانتخابات عاملًا رئيسًا في تحديد ما إذا كانت إسرائيل ستواجه قريبًا انتخابات أخرى أم لا، كما أن الرصيد الشعبي لنتنياهو مرهون بنتيجة تلك الانتخابات؛ فكافة الأوراق التي يمكن أن يستغلها نتنياهو لتعزيز مكانته في الداخل الإسرائيلي ورفع شعبيته مرتبطة بفوز دونالد ترامب.
من المرجح أن يستخدم نتنياهو علاقته الوثيقة مع ترامب للتعافي على المستوى الداخلي، كما أنه قد يستغل فوز ترامب في إقناع الناخبين بقدرته على تحقيق المزيد من الإنجازات إذا سنحت له الفرصة للسماح لفترة أخرى يستطيع خلالها التعاون مع الرئيس الأمريكي والحصول على مزيد من المكاسب. أما إذا خسر ترامب، فسيشكل ذلك ضربة قاسية لنتنياهو. فبالرغم من تقارب نتنياهو من جو بايدن على المستوى الشخصي، إلا أن تلك العلاقة لن تصل إلى حد التوافق الأيديولوجي والسياسي الذي تحقق مع ترامب.
وفي المقابل، فبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، يُعد الحفاظ على أمن إسرائيل قضية رئيسية يتم توظيفها سياسيًا للحصول على دعم اللوبي اليهودي في الانتخابات الأمريكية، وهو ما يتفق عليه جميع الرؤساء الأمريكيون، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية. وبالنسبة لمرشحي الرئاسة الحاليين ترامب وبايدن، فلم تتغير هذه الرؤية، فكليهما أعلن في أكثر من مناسبة التزامه بأمن إسرائيل، وإن كان ترامب قد أظهر انحيازًا أكبر من أي رئيس آخر تجاه إسرائيل. وكذلك فإن جو بايدن صرح في العديد من المناسبات بأنه ملتزم بأمن إسرائيل، كما أكد أنه يدعم إبقاء السفارة الأمريكية في القدس، لكنه يتبنى رؤية مختلفة بعض الشيء عن ترامب لحل القضية الفلسطينية، حيث يدعم حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويرى أن نهج ترامب الأحادي قد جعل الوصول إلى تسوية على أساس الدولتين أكثر صعوبة، ويطالب إسرائيل بوقف النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة.
الإسرائيليون يؤيدون ترامب
وفقًا لاستطلاعات الرأي المختلفة التي تمت داخل إسرائيل، فإن أغلبية الإسرائيليين يؤيدون دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية القادمة، ويخشى هؤلاء من فوز بايدن، إذ يرون أن فوزه قد يضر بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
وبحسب استطلاع رأي أجراه موقع I24 الإسرائيلي بتاريخ 13 أكتوبر، فإن 63٪ من الإسرائيليين يرون أن ترامب سيكون أفضل لإسرائيل، بينما يعتقد 18.8٪ فقط أن المرشح الديمقراطي جو بايدن سيكون خيارًا أفضل فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل. ووفقًا للاستطلاع، فإن ما يقرب من نصف المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن اليهود الأمريكيين مخطئون في دعمهم للحزب الديمقراطي.
كما كشف استطلاع رأي أجراه المعهد الديمقراطي الإسرائيلي في شهر يونيو، أن الإسرائيليون يفضلون أن يفوز الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بولاية ثانية على أن يصبح نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن رئيسا لأمريكا. وجاءت النتائج بعد استطلاع آراء معسكرات سياسية مختلفة في إسرائيل، حيث جاء غالبية أولئك الذين يريدون استمرار ترامب من الأحزاب اليمينية والوسطية الإسرائيلية، بينما اختارت غالبية اليسار بايدن.
ومن التيار اليميني اختار 75 ٪ ترامب باعتباره المرشح المفضل، وأجاب 20 ٪ أنه ليس لديهم رأي حول هذه المسألة و5 ٪ فقط اختاروا بايدن. في حين أن غالبية اليسار اختاروا بايدن، واختار 56٪ ممن شملهم الاستطلاع من التيار اليساري بايدن، في حين اختار 25٪ ترامب، بينما رد 19٪ الباقون أنه ليس لديهم رايينهم لا يعرفون. ومن تيار الوسط أعرب 46٪ عن رأيهم بأن ترامب هو المرشح الأفضل، واختار 20٪ بايدن و34٪ قالوا بأنهم لا يعرفون.
قلق من فوز بايدن بالرغم من تعهده بضمان أمن إسرائيل
بالرغم من تعهد المرشح الرئاسي “جو بايدن” بإنه إذا فاز فى انتخابات الرئاسة الأمريكية الوشيكة فإنه سيتصدى بكل قوة لـ”معاداة السامية”، فضلًا عن تعهده بضمان أمن إسرائيل والحفاظ على قدرتها للدفاع عن نفسها، إلا أن هناك مخاوف في الأوساط الإسرائيلية من فوزه في الانتخابات، وما سيسببه من تقليل فرص ضم المستوطنات في الضفة الغربية، وطالبوا نتنياهو بتمرير قانون شرعنة ضم جزء من المستوطنات حتى 21 يناير وهو يوم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد.
وفي السياق ذاته، اعتبرت هيئة البث الإسرائيلية أن قلق قادة المستوطنات أمر طبيعي وفي محله، خاصة وأن مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن أكد أكثر من مرة أنه ينبغي على إسرائيل التوقف عن بناء المستوطنات والحديث عن الضم والسماح بحل الدولتين، قائلا: “نتنياهو ومواطنو إسرائيل يعرفون ما هو موقفي، فقد أوضحت أنني كرئيس سأعارض الضم وسأعيد المساعدات للفلسطينيين، وفقا للقانون الأمريكي، وسأفتح من جديد قنصلية شرقي القدس”.
وعلى الرغم من أنّ علاقة بايدن بنتنياهو تمتدّ إلى عقود، فإنّ ذلك لم يمنع المرشح من الجمهوري، أنْ يدلي بتصريحات كانت قد أغضبت رئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث سبق أن صرح بأنّه يحبّ نتنياهو، غير أنّه لا يوافقه على “الأفكار الدموية” التي يتحدث عنها، فضلًا عن ذلك، انتقد بايدن إصرار نتنياهو على الضم، وعارض خضوعه لليمين المتطرف محاولة إرضائه للاستمرار في منصبه رئيسا للوزراء.
وفي هذا الصدد، عزف نتنياهو عن لقاء بايدن أو حتى الاتصال به عندما زار الولايات المتحدة في منتصف شهر سبتمبر الماضي، للتوقيع على “اتفاقات أبراهام”، إلا أنه ذلك لا ينفي القول بأن فوز بايدن في السباق الرئاسي قد يدفع بنتنياهو إلى الاصطفاف مع الحزب الديمقراطي والتقارب مع بايدن، حيث أن طبيعة العلاقات والمصالح تقتضي ذلك بطبيعة الحال.
تأثير فوز بايدن على مستقبل نتنياهو السياسي
نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية مقالا مطولا أوضحت فيه علاقة فوز المرشح الديمقراطي في الولايات المتحدة جو بايدن، بمستقبل نتنياهو السياسي. وأكد كاتب المقال “جوناثان إس توبين”، وهو كاتب في صحيفة “نيويورك بوست” الأمريكية، أن التيار اليميني الذي يفترض أن فوز بايدن الديمقراطي سيضعف من آمال نتنياهو في البقاء في السلطة مخطئ تماما، بحسب الصحيفة.
وكتب توبين: “تولى نتنياهو الحكم في إسرائيل بعد شهرين فقط من فوز أوباما بالانتخابات الأمريكية عام 2009، بعد محاولات لاستبدال “تسيبي ليفني” به، التي فاز حزبها بمقعد إضافي في الانتخابات، لكنها فشلت في محاولتها لتشكيل حكومة، ما سمح لنتنياهو بعقد شراكة مع اليمين لتولي منصبه”، وأضاف: “نتنياهو حاول الحصول على دعم الإدارة الأمريكية، وأظهر قبولا لفكرة الدولة الفلسطينية خلال خطاباته، لكن رغم تخلي واشنطن عن دعم ليفني، ظهر أسلوب أمريكي جديد في التعاطي مع إسرائيل، تمثل بتجميد إنشاء المستوطنات، ما قابله نتنياهو بالرفض حينها”.
وأكد توبين أن هذه المواقف سمحت لنتنياهو بلعب دور البطل أمام أنصاره وغيرهم من الإسرائيليين، الذين تزايد استياؤهم من أوباما، وخلص إلى نتنياهو لن يشجع خروج ترامب، لكن فكرة أن خسارته ستطيح به هي فكرة في غير محلها، وسيؤدي إحياء إدارة بايدن لسياسات أوباما إلى منح نتنياهو الذخيرة لإطالة فترة ولايته في منصبه”. وبعكس بعض التوقعات التي تذهب للقول بأن فوز بايدن يعني نهاية نتنياهو؛ إلا أن الواقع يشير إلى أن فوزه قد يشكل ورقة رابحة لنتنياهو للظهور بمظهرالبطل الإسرائيلي الذي يتبني الدفاع عن موقف اليمين المشتدد في إسرائيل في مواجهة سياسات الحزب الديمقراطي وممثله بايدن.
إجمالًا، يمكن القول بأن استمرار العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليس مرهونا بنتائج الانتخابات الأمريكية، أو بشخص الرئيس الأمريكي، لكنه مرهون إلى حد كبير بالدور الرئيسي الذي تلعبه إسرائيل في خدمة المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وبثوابت السياسة الخارجية الأمريكية التي ترتكز على الدعم المطلق لإسرائيل والدفاع عن أمنها.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية