آسيا

الأسباب الكامنة لإقرار الصين قانون الرقابة على الصادرات العسكرية والتكنولوجية

في خضم التوترات المتصاعدة بسبب الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والتي امتدت إلى عالم التكنولوجيا، ووجدت أسماء كبرى، مثل: “هواوي” و “تيك توك”، نفسها ضمن الحرب بين واشنطن وبكين. إضافة لتهديدات الحكومة الأمريكية بحظر “تيك توك” ما لم تبيع شركته الأم الصينية “بايت دانس” التطبيق للولايات المتحدة الامريكية؛ بدأت الصين في تعزيز أدواتها التشريعية لردع الولايات المتحدة في الحرب التجارية الدائرة بين أكبر اقتصادين في العالم منذ شهر مارس 2018.

وذلك عندما أقرت اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني يوم السبت الموافق 17 أكتوبر 2020 قانونًا جديدًا يقيد الصادرات الحساسة لحماية الأمن القومي، مما يسمح لبكين باتخاذ إجراءات صارمة تجاه الدول التي تخالف الضوابط الجديدة أو تضر بالمصلحة القومية الصينية.

وبموجب هذا القانون ستقوم بكين بتطبيق ضوابط التصدير على المنتجات المدنية والعسكرية والنووية والتكنولوجية، فضلا عن السلع والتقنيات والخدمات الأخرى المتعلقة بالأمن القومي.

الأسباب الكامنة لإقرار القانون

انتقلت العلاقات الثنائية بين الصين الولايات المتحدة الأمريكية إلى مستوى أعلى من التوتر والتدهور مع صعود “دونالد ترامب” إلى سدة الحكم، وتبنيه أجندة “أمريكا أولًا”.

بالإضافة إلى ذلك، ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن طموحات الصين في الحصول على التقنيات المتقدمة، وتدخلها في شبكات الاتصالات الأجنبية يُشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي. وعلى إثر ذلك، قامت الولايات المتحدة باستهداف الشركات الصينية بما في ذلك شركة “هواوي” الرائدة عالميًا في مجال شبكات الجيل الخامس (5G).

كما أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في اتخاذ إجراءات من شأنها تضييق الخناق على الشركات الصينية، وجعل إدراجها في الأسواق المالية الأمريكية أكثر صعوبة. علاوة على ذلك، أصدر الرئيس الأمريكي تعليمات لصناديق التقاعد الأمريكية بالتخلي عن الاستثمار في أسهم الشركات الصينية.

وفي 14 أغسطس 2020 وقع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، مرسومًا يُلزم مجموعة “بايتدانس” (ByteDance) الصينية ببيع الأنشطة الأمريكية لتطبيق “تيك توك”، في غضون 90 يومًا، مما يُضفي الطابع الرسمي على التهديدات المتكررة.

هذا وقد أوضح المرسوم الرئاسي أن هناك أدلة مؤكدة على تهديد مجموعة “بايتدانس” للأمن القومي الأمريكي، مما يدفع إلى اتخاذ جميع التدابير المناسبة، لمواجهة هذا الخطر، كما سيتم التأكد من أن الشركة الصينية قد تخلصت من كل البيانات التي لديها عن المستخدمين الأمريكيين.

وينص المرسوم الجديد على أن المشتري يجب أن يكون أمريكيًا، ويثبت استعداده وقدرته على الامتثال لهذا المرسوم.

جدير بالذكر أنه وفي سياق التوترات بين البلدين، كان الرئيس الأمريكي، قد منع منصة “تيك توك” ومنصة “وي شات”، من إجراء أي صفقة مع أي شريك أمريكي.

وتوقع البعض أن تُجري شركة “مايكروسوفت” مفاوضات مع مجموعة “بايتدانس” لشراء تطبيق “تيك توك”، على الأقل في الولايات المتحدة الأمريكية، إن لم يكن على نطاق أوسع، وتُقدر الصحافة الأمريكية هذه الصفقة ما بين 10 و30 مليار دولار أمريكي.

رد فعل مجموعة “بايتدانس

ردًا على القرار، أوضحت مجموعة “بايتدانس” أن تطبيق “تيك توك” يحظى بشعبية كبيرة من قِبل 100 مليون أمريكي؛ باعتباره منصة للترفيه والتعبير عن الذات والتواصل الاجتماعي، كما أكدت المجموعة أنها تواصل تحقيق البهجة للأسر والوظائف الهادفة لأولئك الذين يصنعون محتوى على منصة “تيك توك” لسنوات عديدة قادمة.

من هنا كان إقرار هذا القانون للرد على تصاعد التوتر التجاري والتكنولوجي بين البلدين، وسوف يطبق القانون على جميع الشركات الصينية سواء في الداخل أو الخارج، مع العلم أن هذا القانون سيدخل حيز التنفيذ في بداية شهر ديسمبر2020.

ستتمكن الصين بموجب هذا القانون من اتخاذ “إجراءات الرد بالمثل” تجاه الدول أو المناطق التي تسيء استخدام ضوابط التصدير وتهدد أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية.

كما سيمكن القانون الصين من معاقبة الدول والشركات والأشخاص الذين ينتهكون القانون الجديد، بما في ذلك الشركات الموجودة خارج الصين، بغرامة تصل إلى 5 ملايين يوان أو 20 ضعف القيمة التجارية للصفقة التي ستتم بدون الحصول على إذن مسبق من الحكومة.

ويمكن أن تواجه الشركات والأفراد الذين يعرضون الأمن القومي للخطر من خلال انتهاك قانون الرقابة على الصادرات الجديد، بما في ذلك الشركات الموجودة خارج الصين، اتهامات جنائية.

حيث ستتمتع سلطات مراقبة الصادرات الحكومية الصينية بصلاحية تفتيش أماكن العمل؛ ومقابلة الأشخاص المعنيين؛ مراجعة ونسخ الوثائق والمواد؛ فحص وسائل النقل المستخدمة للتصدير؛ ومصادرة أو حجز العناصر المعنية؛ والتحقيق في الحسابات المصرفية ذات الصلة والقضايا المُماثلة.  ولا يقتصر الأمر على المُصدر الصيني فقط. بل يُمكن توجيه طلبات الحصول على المعلومات إلى “أي أصحاب مصلحة أو منظمات أو أفراد آخرين ذوي صلة” بانتهاك هذا القانون.

الهدف من القانون مُعاقبة الولايات المتحدة الأمريكية

ينص القانون على التزام المصدرين بإجراء تقييم مُستقل لما إذا كان المنتج الذي سيتم تصديره والغير مُدرج في قائمة المواد الخاضعة للرقابة قد يُشكل خطرًا على الأمن القومي الصيني أم لا، وهذا الأمر ستُحدده هيئة الرقابة على الصادرات التابعة للحكومة الصينية ومن خلالها يتم منع تصدير أي مواد او منتجات ذات طبيعة حساسة أو قد تضر بالأمن القومي الصيني، ومن يُخالف ذلك سيتعرض لعقوبات كبيرة مالية وجنائية.

يأتي إقرار الصين لهذا القانون بالأساس لمواجهة القيود الأمريكية المتصاعدة ضد شركات التكنولوجيا الصينية.

ومع تحرك البيت الأبيض ضد المنصات الشهيرة والشركات الصينية الكبرى الصينية؛ يمنح الإجراء الأخير الذي اتخذته بكين مجالًا أكبر لها للرد في حرب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” على شركات التكنولوجيا الصينية.

القانون الجديد سوف يسمح لبكين بالضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، التي حاولت في الأشهر الماضية السيطرة على الشركات والتطبيقات التكنولوجية الصينية إما بحجبها أو شراءها، وقد يتحول القانون إلى عقبة جديدة أمام صفقة بيع تطبيق “تيك توك” إلى الولايات المتحدة.

هذا القانون سيسمح لبكين باتخاذ إجراءات متبادلة ضد أي دولة أو منطقة تنتهك إجراءات الرقابة على الصادرات وتعرض الأمن القومي ومصالح جمهورية الصين الشعبية للخطر على أساس الظروف الفعلية. حيث ينص القانون على أنه “في حالة انتهاك أي دولة أو منطقة لتدابير الرقابة على الصادرات لتهديد الأمن القومي ومصالح جمهورية الصين الشعبية يجوز للصين اتخاذ تدابير مماثلة”.

ماذا يغطي هذا القانون؟

بموجب هذا القانون، تسعي الصين لحماية عدد من المجالات التي تعتبرها ذات أهمية كبيرة لأمنها القومي، وتتمثل هذه المجالات في: (السياسة – الأرض – الجيش – الاقتصاد – الثقافة – المجتمع – العلوم والتكنولوجيا – المعلومات – البيئة – الموارد – الطاقة النووية). إضافة لأي مجالات أخرى تُحددها الحكومة الصينية.

وتستند الموافقة على الصادرات أو رفضها إلى ثمانية معايير هي:

  • حماية الأمن القومي
  • الالتزامات الدولية والتعهدات الخارجية
  • نوع الصادرات
  • حساسية المواد الخاضعة للرقابة
  • البلدان أو المناطق التي سيتم التصدير لها
  • المستخدمون النهائيون والاستخدامات النهائية لتلك المواد
  • سجلات الائتمان ذات الصلة للشركات المصدرة
  • العوامل الأخرى المنصوص عليها في القوانين واللوائح الإدارية

ووفقًا للقانون فإنه يجب على المصدرين التقدم بطلب للحصول على ترخيص تصدير من هيئة مراقبة الصادرات الحكومية من أجل تصدير أي عنصر مدرج في قائمة الرقابة أو يخضع لضوابط مؤقتة.

فيما يتعلق بتطبيق القانون، يُطلب من المصدرين تقديم وثائق تحدد الاستخدام النهائي المقصود والمستخدم النهائي للعناصر الخاضعة للرقابة التي سيتم إصدارها من قبل المستخدم النهائي أو الحكومة. ويتعين على المستخدمين النهائيين الالتزام بعدم تغيير الاستخدام النهائي أو نقل العنصر إلى أي طرف ثالث دون إذن من سلطات مراقبة الصادرات الحكومية. كما يلتزم المصدرون والمستوردون أيضًا بالإبلاغ عن أي تغيير محتمل في الاستخدام النهائي أو المستخدم النهائي.

كما ينص على ضرورة تحديد ومعرفة الشركات التي ستقوم باستيراد العناصر الخاضعة للرقابة من الصين، وهو الأمر الذي قد يحرم العديد من الشركات الأجنبية من الاستفادة من المواد والمنتجات الصينية.

وخلال المراجعة النهائية للتشريع، اقترح أحد أعضاء المؤتمر الشعبي الوطني أن القانون يجب أن يغطي بشكل صريح مجالات أخرى، مثل: التعليمات البرمجية المصدرية والخوارزميات لبرامج الحاسب. بينما اقترح عضو آخر: إن القانون يجب أن يعزز الحماية للتكنولوجيات التي كانت الصين رائدة فيها على مستوى العالم، مثل: الجيل الخامس والاتصالات الكمومية.

الخلاصة

تضاف خطوة الصين التشريعية تلك إلى الأدوات السياسية التي يمكن أن تستخدمها ضد الولايات المتحدة مع ارتفاع منسوب التوتر بينهما خاصة في مجال التكنولوجيا.

وتأثرت العلاقات الاقتصادية بين بكين وواشنطن بسبب حملة ترامب غير المسبوقة من الرسوم الجمركية والتهديدات بالحظر والعقوبات على شركات التكنولوجيا الصينية. وفيما يواجه الرئيس الجمهوري حملة إعادة انتخاب صعبة قبل الانتخابات المقررة الشهر المقبل، وصف مسؤولون أمريكيون الإجراءات ضد الصين بأنها ضمانات للأمن القومي، وهو ما أجبر بكين على اتخاذ ردود أفعال عنيفة.

وفي المقابل فإن الاّثار الاقتصادية لجائحة “كوفيد-19” رٌبما تدفع الإدارة الأمريكية لإعادة تشكيل علاقاتها مع الصين، والتركيز على تعافي الاقتصاد الأمريكي، مما قد يؤدي إلى حدوث انفراجه في العلاقات الأمريكية الصينية على المدى القرب، وخاصة إذا تمكن مُرشح الحزب الديمقراطي “جو بايدن” من الفوز في الانتخابات الأمريكية المٌقرر عقدها في الثالث من نوفمبر 2020.

المراجع:

  1. China’s New Export Control Law : https://www.dlapiper.com/en/us/insights/publications/2020/10/chinas-new-export-control-law/
  2. China passes export control law to protect civil, military, nuclear items: https://www.business-standard.com/article/international/china-passes-export-control-law-to-protect-civil-military-nuclear-items-120101800165_1.html
  3. China passes new law restricting sensitive exports : https://apnews.com/article/technology-beijing-global-trade-china-national-security-396e42dbf147c9b55863fb90099303cb
  4. China passes export control law with potential for rare-earths ban: https://asia.nikkei.com/Politics/International-relations/US-China-tensions/China-passes-export-control-law-with-potential-for-rare-earths-ban
  5. China Passes New Law Restricting Sensitive Exports: https://www.usnews.com/news/business/articles/2020-10-18/china-passes-new-law-restricting-sensitive-exports
  6. China passes new export control law to protect sensitive tech amid fight with US : https://theprint.in/world/china-passes-new-export-control-law-to-protect-sensitive-tech-amid-fight-with-us/525980/
  7. الصين تقر قانونا جديدا يقيد “الصادرات الحساسة:
https://www.skynewsarabia.com/business/1385054
  • قانون صيني جديد للصادرات بهدف “حماية أمن البلاد القومي”:
https://arabic.rt.com/business/1164893-
+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى