كورونا

“فورين أفيرز”: الوباء لن يجعل الصين رائدة العالم

نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية مقالا  لكل من  مايكل غرين وإيفان س.ميديروس اليوم الخميس .

وإلى نص المقال :

مع بدء انتشار الفيروس فى الصين هذا العام، كان التفشي بمثابة لحظة تشرنوبل في الصين وربما بداية النهاية للحزب الشيوعي الصيني، مع عواقب جيوسياسية، في وقت يتصاعد فيه التوتر بين الولايات المتحدة والصين، وربما يكون هذا الأمر لصالح الولايات المتحدة، لكن سرعان ما تراجعت هذه التوقعات وبدأت الصين تحتوي انتشار الفيروس، في حين عانت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية من تفشي المرض بشكل كبير.

فهذا الوباء والركود العالمي بمثابة إشارة إلى إعادة ترتيبات جيوسياسية تجعل الصين منتصرة، وبالتأكيد رأت بكين هذه الفرصة، فبدأت حملة دولية تؤكد على فشل الحكم الديمقراطي، وتطرح نفسها زعيمة للاستجابة العالمية للوباء.

لكن من المشكوك فيه أن تنجح مناورة بكين في تحويل وباء بدأ في مدينة صينية، إلى خطوة كبرى في صعود الصين، فهناك حدود حقيقية لقدرة الصين على الاستفادة من الأزمة الحالية سواء من خلال الدعاية المخادعة أو العمل العالمي غير الفعال. وكما نبالغ في تقدير استفادة الصين من الفيروس بسهولة كبيرة، فإن قدرة الولايات المتحدة على إظهار الزعامة العالمية حتى بعد أخطارها الأولية فيصبح من السهل تجاهله.

ورغم الخلل العميق في استجابة واشنطن للوباء حتى الآن، فإن قوة الولايات المتحدة تختلف عن أي رئيس بعينه فهي تركيبة دائمة من القدرات المادية والشرعية السياسية، وهناك قلة من الدلائل التي تشير إلى أن الوباء يتسبب في تحول القوة إلى الصين.

الدعاية الصينية:

الهجوم الدعائي الأولي في الصين كان عدوانياً بشكل مذهل، لكنها تبدو الآن واهية، ومن غير المرجح أن تنجح. إن سرد الحزب الشيوعي الصيني مقيد بحقيقة بسيطة مفادها أن عددا كبيرا من الناس يعرفوا أصول تفشي المرض فى ووهان والاستجابة الأولية الفاشلة في بكين، خاصة الجهود التي تبذلها لقمع المعلومات وإسكات العديد من الأطباء الذين حذروا أولاً من ظهور فيروس جديد خطير.

وفي مواجهة الدعوات المطالبة بقدر أعظم من الشفافية، طردت بكين الصحفيين الأمريكيين العاملين في صحيفة نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وول ستريت جورنال. وعلى موقع تويتر، اتهم متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية المؤسسة العسكرية الأمريكية بجلب الفيروس إلى ووهان.

 ورغم أن بكين تراجعت عن هذا الزعم البغيض في الأسابيع الأخيرة، فإن النهج الذي تتبناه يتسم باليأس، والذي يشير إلى انعدام أمن بكين إزاء سوء التعامل مع تفشي المرض، وتمتد الشكوك العالمية ولأسباب وجيهة، إلى إحصاءات الفيروس في الصين. ورغم أن الإحصاء الرسمي في الصين لحالات الإصابة الجديدة من قبل لجنة مراقبة العمل في الصين في التاسع عشر من مارس، يشير إلى الاحتواء الفعّال.

وبحلول التاسع عشر من مارس ، انخفض عدد الإصابات المحلية الجديدة إلى ما يقرب من الصفر، ويخشى البعض أن تكون الحكومة المركزية فى الصين قد توقفت عن الإعلان عن كل نتائج الاختبارات من أجل الإبقاء على العدد الرسمي منخفضا والحفاظ على السرد الذي مفاده أنها فازت بالحرب ضد الفيروس؛ ولن تكون المرة الأولى التي تنجح فيها بكين في قمع البيانات غير المواتية.

بطبيعة الحال، يتبنى بعض القادة رواية بكين ويصفقون أساليبها في مكافحة تفشي المرض بما في ذلك المسئولين في كمبوديا وإيران وباكستان وصربيا. ولكن قِلة من هذه الحكومات اقتنعت حديثا بالمراسلة الصينية الأخيرة؛ فهي تتمتع بسجل طويل في قبول السرد السياسي الصيني والمساعدة الاقتصادية الصينية، وغالباً في خدمة سلطتها في الداخل.

والواقع أن بعض المتلقين الأوائل في أوروبا لمجموعات الاختبار والمعدات الواقية المصنوعة في الصين رفضوا هذه المجموعات باعتبارها أدنى من المعايير القياسية. ففي هذا الأسبوع، أقال رئيس وزراء فنلندا رئيس وكالة إمدادات الطوارئ في البلاد لإنفاق الملايين من اليورو على أقنعة  صينية معيبة.

ومن ناحية أخرى، بدأ قادة آخرون بالفعل في التصدي لمحاولة الصين إعادة كتابة السرد العالمي حول استجابتها من قِبَل لجنة مراقبة العمل لفيروس كوفيد19 . فقد انتقد الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الجهود الصينية علناً باعتبارها “صراعاً من أجل فرض النفوذ من خلال الغزل و”سياسة الكرم”. وسرعان ما تحول القادة في البرازيل والهند، الذين يواجهوا تحديات في الداخل، إلى انتقاد الصين وتجنب مساعدتها.

وفي أفريقيا، بدأ الاهتمام بقصص العنصرية الواسعة النطاق ضد المغتربين الأفارقة في جنوب الصين وحتى قبل بدء الوباء العالمي، واجهت بكين عجزاً كبيراً في الثقة بين جيرانها في آسيا. فقد أظهر استطلاع للرأي العام في ست دول آسيوية أجراه مركز بيو للأبحاث في الفترة بين مايو وأكتوبر2019، ونُشِر في أواخر فبراير ونتج عنه أن نسب الأشخاص المؤيدة ومن لديهم آراء ايجابية تجاه الولايات المتحدة  أعلى بكثير من الصين.

وفي إطار السرد الذي تقدمه الصين حول الانتصار الذي حققته تجاه مواجهة الفيروس، فإن نهج بكين لن يقارن فقط بنهج الولايات المتحدة بل وأيضاً بالإجراءات التي تتخذها العديد من الدول الآسيوية، بما في ذلك العديد من الديمقراطيات.

لقد فشلت بكين في البداية بسبب الافتقار إلى الشفافية، كما تفشل واشنطن الآن، لكن أداء كوريا الجنوبية وتايوان الديمقراطتين أفضل من كليهما. يعكس الاختبار المثير للإعجاب الذي تتمتع به كوريا الجنوبية ونظام تتبع جهات الاتصال، والجهود التي تبذلها تايوان للكشف المبكر واحتواء الأزمة تعكس خياراتهم في الحكم وقدرتهما على التعلم من تجارب الماضي مع الأوبئة. ومن المرجح أن يختار المواطنون والحكومات الذين يبحثون عن نماذج ديمقراطية ناجحة بدلا من الاستبداد الصيني وجهودها الصارمة لاحتواء الأزمة، والتي تظل تكاليفها الحقيقية غير معروفة.

فضلاً عن ذلك لا يمكن للاقتصاد الصيني أن يندفع إلى الإنقاذ كما فعل أثناء الأزمة المالية العالمية، رغم الارتفاع الجزئي فى العرض مع إعادة فتح المصانع الصينية، إلا أن العوامل الدافعة لنمو الطلب في الصين تواجه مشكلة حقيقية.إن اقتصاد الصين يعتمد بشكل كبير على الطلب الخارجي من الولايات المتحدة وأوروبا، وتشكل الدول 12 الأكثر تضرراً من الفيروس اليوم نحو 40% من صادرات الصين. والعديد من هذه الدول أيضاً من أكبر موردي السلع الوسيطة في الصين. ولن يتمكن اقتصاد الصين من العودة إلى مسار نموه السابق البالغ نحو 5 إلى 6% سنوياً حتى تتعافى اقتصادات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضا.

وسوف يكون لزاماً على صناع السياسات في الصين أن يعوقوا بعض جهود التحفيز المحلية إلى أن يحدث هذا، مع العلم بأن مثل هذا التحفيز سوف يخلف تأثيراً محدوداً إذا انخفض الطلب العالمي.

إن تمويل حوافز أخرى مدعومة بالائتمان كما فعل الصينيون في الفترة 2008-2009 لم يعد مطروحا بسبب ارتفاع مستويات الدين الإجمالي في الصين والمخاطر الحقيقية المترتبة على التسبب في انهيار نظامها المالي. وفي هذه الأزمة، يتعين على الاقتصاد الأميركي والاقتصاد الصيني أن ينغرقوا أو يسبحوا معا.

مخاطر التنبؤ:

وفي خضم أزمة عالمية، أصبحت الضغوط الرامية إلى التنبؤ بالآثار الاستراتيجية الطويلة الأجل المترتبة على حالة الطوارئ هائلة. والمشكلة في استخلاص نتائج مبكرة غالبا ما تكون خاطئة،  فالمحللون يركزوا على العواقب المباشرة للأحداث الأخيرة ويخصمون السمات الهيكلية للنظام العالمي.

من المؤكد أن هناك فشلا فادحا للقيادة السياسية والدبلوماسية الأمريكية في الأزمة الحالية قد يكلف الولايات المتحدة كثير خلال الأشهر القادمة.

 ولكن القول بأن هذا قد ينذر “بلحظة السويس” بالنسبة للولايات المتحدة، كما فعل كورت كامبل وروش دوشي مؤخراً في الشؤون الخارجية، يذهبان إلى أبعد مما ينبغي. كان التدخل البريطاني في السويس في عام 1956 بمثابة اللهاث الأخير لإمبراطورية فقدت منذ فترة طويلة السلطة والشرعية لفرض إرادتها على دولها الاستعمارية السابقة.

فقد تفوقت الولايات المتحدة على المملكة المتحدة بكل المقاييس الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية قبل جيل كامل من اندلاع أزمة السويس.

إن القوة العسكرية والتكنولوجية الصاعدة في الصين اليوم مبهرة، ولكن عملة الصين لا تقترب من الهيمنة التي تمتع بها الدولار في عام 1956 أو التي تتمتع بها اليوم. والواقع أن حصة المملكة المتحدة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي في ذلك الوقت كانت جزءاً ضئيلاً من حصة الولايات المتحدة اليوم. وكما قد يقول الليننيون الصينيون، فإن الارتباط الدولي بين القوى في عام 1956 لم يكن في مصلحة المملكة المتحدة بكل تأكيد.

 ليس هو الحال اليوم بالنسبة للولايات المتحدة، حتى مع تعثر الولايات المتحدة في الأزمة الحالية، تواجه بكين تحديات داخلية وخارجية نابعة من خياراتها بشأن الحوكمة الاقتصادية والسياسية في الداخل والحكم العالمي في الخارج. وهناك أدلة ضئيلة تشير إلى أن النموذج الاستبدادي في الصين اليوم أكثر جاذبية من القواعد الديمقراطية التي تبنتها العديد من جيران الصين.

إن القرن الحادي والعشرين ليس من المؤكد أن يكون “القرن الصيني”، بصرف النظر عما تفعله الولايات المتحدة. بل إن الأمر الأرجح أن يكون آسيوياً نظراً للحكم الفعّال الذي تجلى في الأسابيع الأخيرة، فضلاً عن المساهمات الكبيرة والمتنامية التي تقدمها المنطقة للإبتكار والإنتاجية والنمو العالمى.

استعادة الزعامة الأمريكية:

قد لا يكون هناك تحول في السلطة إلى الصين، ولكن هناك أزمة مستمرة في القيادة الأميركية، كما يشير كامبل ودوشي فى مقالهما في الشؤون الخارجية. ومن الضروري أن تعيد الولايات المتحدة إنشاء قيادة مختصة بشأن هذا الوباء على جميع المستويات، ومن الواضح أن العالم يحتاج إلى نظام عالمي للمراقبة، واختبار الكشف، والاستجابة الدوائية حتى الآن.

حقق خطاب الصين ودبلوماسيتها مكاسب محدودة ، لكن يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن تظل يقظة حتى لا توسع بكين دورها في الحوكمة العالمية والتصميم المؤسسي في الوقت الذي تتراجع فيه واشنطن.

تقدم الأزمات العالمية والإقليمية السابقة التي يعود تاريخها إلى الخمسينيات دروسًا مهمة لاستعادة القيادة الأمريكية. والواقع أن العديد من أنماط التعاون الدائم والتطوير المؤسسي قد نمت من لحظات الإكراه الشديد، تم توقيع معاهدات الولايات المتحدة الأمنية مع أستراليا واليابان وغيرها في ذروة الحرب الكورية. تم تنظيم الإطار الرباعي مع أستراليا والهند واليابان في أقل من 72 ساعة استجابة لتسونامي 2004 ؛ اجتمع قادة مجموعة العشرين لأول مرة في نوفمبر 2008 ، في خضم الأزمة المالية لعام 2008. حتى بعد الأزمة المالية 1997-1998 ، عندما طالبت الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي بظروف صعبة أدت إلى نفور جزء كبير من آسيا حيث فازت بكين بنقاط لعدم تخفيض قيمة عملتها ، كانت النتيجة طويلة الأجل اقتصادات أكثر مرونة وقائمة على السوق في المنطقة ، وليس التحول إلى رأسمالية الدولة على الطريقة الصينية.

إذا كانت الولايات المتّحدة في منافسة استراتيجيّة مع الصّين, فإن القيادة الأمريكيّة الفعالة يجب أن تكون في خدمة بناء شيء إيجابي من الأزمة بدلاً من محاولة استخدامها لعزل واستبعاد بكين.

 إن فشل وزراء خارجية مجموعة الدول السبع في التوصل إلى اتفاق بشأن بيان مشترك لأن الوفد الأميركي أصر على وصف الفيروس الجديد بأنه فيروس “ووهان” ، والذي يتعارض مع المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية ومواقف أقرب حلفاء واشنطن لا يشكل مثالاً للقيادة الفعّالة.

لقد ظلت الولايات المتحدة لعقود من الزمان تحتفظ بالسلطة والمصداقية والنفوذ ليس فقط بفضل حجمها وقدراتها، بل وأيضاً من خلال اجتذاب دول أخرى إلى رؤيتها للأمن والأذهار. لكن الولايات المتحدة التي تمارس الغباء، والدفاع عن الصين في الوقت الحالي ليست الولايات المتحدة التي ستكتسب الاحترام بين أصدقائها وحلفائها. الولايات المتحدة التي تتعلم من تجارب ألمانيا وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها في مجال إدارة الأوبئة؛ بما يشمل تعاونا عمليا ومجديا مع الصين؛ والتعاون مع منظمات عالمية، مثل منظمة الصحة العالمية، لمساعدتها في الإصلاح، هى الولايات المتحدة التي يمكنها استخدام الوباء كفرصة لتذكير العالم بما تبدو عليه الزعامة الأمريكية.

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى