الصحافة المصرية

البلازما .. “قبلة حياة” تضخ الأمل في شريان الوطن

أعلنت وزارة الصحة مؤخرا البدء في إنشاء مصنع لأدوية مشتقات الدم في مصر على أن ينتهي خلال العام القادم، و تم مناقشة اقتراح إنشاء مصنع لإنتاج المستحضرات الصيدلانية من مشتقات الدم أو البلازما، لتقوم بتنفيذه وتشغيله الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات “فاكسيرا” التابعة لوزارة الصحة، وذلك على مرحلتين؛ على أن تتم المرحلة الأولى عن طريق إنشاء مركز لتجميع البلازما وتصنيع مشتقاتها بالخارج، أما الثانية فهي تبدأ بإنشاء مصنع للتصنيع في مصر، وذلك في خطوة جريئة لوزارة الصحة لإنتاج الألبومين والأجسام المضادة وعاملي 8 و 9 لعلاج التجلط في الدم.

تستهدف المرحلة الأولى إنتاج وتصنيع 4 من البلازما أو ما يُطلق عليها مشتقات الدم، وذلك بواقع 150 ألف لتر سنويا، في حين تستهدف المرحلة الثانية منه إنتاج وتصنيع 150 ألف لتر سنويًا كذلك، وبالتالي يقوم المشروع في مرحلتيه إجمالًا بإنتاج 300 ألف لتر وهو ما سيُحقق إيرادات قدرها 388 مليون جنيه في العام الأول من التشغيل الفعلي للمصنع، في حين تزداد هذه الإيرادات إلى أن تصل لـ 777 مليون جنيه بنهاية العام الثالث للتشغيل، وذلك طبقًا لدراسات الجدوى.

بينما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إنه من اللازم الاستفادة من الخبرات العالمية في هذه المجالات المهمة، والتي تُعتبر قضايا أمن قومي تُهدد المواطن المصري، وأمر بتنفيذ المشروع وفقًا لأعلى مواصفات علمية قياسية.

وأكد توجه مصر إلى امتلاك التكنولوجيا والقدرات المناسبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي بشكل متوازن على مستوى الجمهورية، في حين أكد كذلك على توفير أحدث الأجهزة الطبية لمراكز نقل الدم، إلى جانب العمل على نشر ثقافة التبرع الطوعي بالدم عن طريق البرامج الإعلامية التي يتم بثها لتوعية المواطنين في هذا الصدد.

وتأتي تصريحات وزارة الصحة حول تجهيز 12 مركز لتصنيع البلازما أو مشتقات الدم، وإطلاق حملة واسعة لتوفير 36 ألف متبرع بشكل دائم. وتأتي أهمية هذا المشروع القومي لتصنيع مشتقات الدم أو البلازما في توقف المصنع الذي تم إنشاؤه في سبعينيات القرن الماضي لتصنيع البلازما، منذ عام 2001، مما تسبب في التوجه إلى البدائل المستوردة.

أزمة البلازما في مصر

يذكر أن أزمة البلازما أو نقص الدم عموما في مصر ترجع إلى زمن طويل، حيث بدأت من مواجهة السوق الداخلية المصرية لأدوية مشتقات الدم، والذي بدوره ارتبط وتزامن بإنشاء مصنعين لتصنيع أدوية مشتقات الدم، أولهما في إيران والثاني في إسرائيل، مما وضع مصر بين شقي الرحى، خصوصًا مع تزايد الطلب العالمي والإقبال على هذه الأدوية التي ارتفعت أسعارها في هذا الوقت، مما أعجز قطاع الصحة في مصر عن مواجهته لاحتياجات السوق المحلية.

على الجانب الآخر، يواجه قطاع الصحة في مصر عددا من التحديات التي تجعله في موقع حرج أثناء هذه الأزمة، فقد بدأت عملية اختفاء أدوية مشتقات الدم في البروز بشكل أكبر، إلى جانب عدم وجود مخزون استراتيجي على المستوى المحلي لهذه المواد، مما جعل الصحة تتجه إلى استيراد المواد المطلوبة من الخارج وبأسعار أعلى مما كان في حال توفر مصانع تقوم عليها هذه الصناعات بشكل محلي، مما جعلها قضية أمن وطني.

عجزت وزارة الصحة كذلك عن توفير 60 % من احتياجات السوق المحلية من أدوية مشتقات الدم أو البلازما، وكما أشرت سابقًا إن المصنع الوحيد الذي كان يُصنع البلازما ومشتقات الدم توقف عن العمل عام 2001، مما دعا إلى استيراد هذه المواد، ومع حلول عام 2016 والذي تم تطبيق سياسة تعويم العملة المصرية مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد المستوردة، وهو ما أدى بدوره إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار الأدوية والمواد المرتبطة بالصناعات الدوائية المستوردة.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، وإنما مع حدوث الأزمة العالمية في الأدوية عام 2017 خاصة تلك الأدوية المرتبطة بمكونات الدم، وأمراضه، بالإضافة إلى أن المصانع التي تقوم بتوفير مثل هذه المواد هي 3 فقط على مستوى العالم، وهو ما أدى إلى احتكار سوق هذه الأدوية والمنتجات، وبالتالي لم تعد صناعة البلازما ومشتقات الدم المشكلة الوحيدة التي تُهدد المرضى، بل أصبحت ندرة هذه المواد ومصنعيها كذلك مشكلة إضافية تُضاف إلى القائمة.

ومع هذا، لم تفتر عزيمة قطاع الصحة حيث سعت الدولة إلى التفكير في إحياء الصناعات الدوائية في مثل هذه المجالات، وليس هذا فحسب، وإنما التوجه إلى إنشاء مصنع مختص لمشتقات الدم وإنتاج المواد المرتبطة بها، والبلازما، وهو ما يُعد قبلة الحياة لذلك المصنع الذي توقف 2001، في خطوة جريئة لتوفير المواد اللازمة في الأسواق الدوائية المصرية بمنتجات محلية تقوم على أحدث التقنيات وبكفاءات أعلى من ذي قبل.

استخدامات البلازما المختلفة

هذه النقلة النوعية أدت بدورها إلى تطور القطاع الصحي في هذا الشأن، فمن الجدير بالذكر أن دراسة الجدوى الخاصة بهذه المصانع أو هذا المشروع القومي الضخم تمت من قِبل جهات حكومية بأقل الإمكانيات، حيث قدمتها الشركة المصرية لخدمات نقل الدم وهي إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للأمصال واللقاحات، وذلك بهدف إنتاج المستحضرات الصيدلانية من مشتقات الدم أو البلازما، برأس مال قدره مليار جنية مصري.  

ومن هنا يمكنني إطلاق لفظة “مشروع في وقته المناسب” على هذا المصنع، ففي ذات الوقت عانت المستشفيات الحكومية من أزمة الفلاتر التي تُستخدم في فصل البلازما، حيث امتنعت شركات الاستيراد عن توريد هذه الفلاتر بعد تعويم الجنية، وهو ما أدى إلى رفعها لسعر الفلتر ووحدات فصل البلازما إلى 3 آلاف جنية مصري، بينما وصلت جلسة تنقية البلازما إلى ما يوازي من 4 آلاف إلى 5 آلاف جنية مصري، وهو ما ما أدى إلى تفاقم الأزمة في المستشفيات الجامعية والحكومية على حد سواء، فقد عانت كلتاهما من نقص شديد في فلاتر فصل البلازما، والوحدات المستخدمة في عمليات الفصل نتيجة لارتفاه أسعارها العالمية مما أدى إلى توقف الشركات عن استيرادها.

من الجدير بالذكر أن البلازما تُستخدم في علاج بعض الأمراض المتعلقة بالدم وكذلك الأمراض الأخرى المرتبطة بوهن العضلات وضعفها الذي يؤدي إلى التهاب الأعصاب المناعي والشلل، وأمراض المناعة والتهاب الأوعية الدموية والتصلب المتعدد والاعتلال العصبي.

الشراكة المجتمعية، هل الشراكة المجتمعية حل مطروح؟

يتطلب هذا المشروع شراكة مجتمعية رصينة لكي يتمكن من تحقيق المنشود منه، حيث أن المجتمع يجب أن يقوم بأدواره المتعلقة بتوفير الدم اللازم ليتم فصل مكوناته، ومن المُخطط أن تقوم وزارة الصحة بحملات توعية بأهمية التبرع بالدم بشكل طوعي، حيث يوجد في المجتمع المصري جهل بأهمية التبرع بالدم ونفور بعض الفئات من هذه عملية التبرع.

لذا، من المتوقع أن تقوم الجهات الخاصة في المجتمع المدني المتمثل في الجمعيات الأهلية القائمة على التوعية بأهمية التبرع بالدم، والتي من أبرزها جمعيات: بنك المتبرعين، وإنقاذ حياة، والجمعية التابعة لمركز نقل الدم الإقليمي في جميع المحافظات بعدد من الحملات التي تهدف إلى توعية ودعوة الناس إلى التوجه للتبرع بالدم، للحصول على حياة أفضل في ظل تكاتف وتكافل مجتمعي، دون الحاجة إلى الاستيراد من الخارج.

من الجدير بالذكر أن هناك عدد من قواعد البيانات التي قامت هذه الجمعيات الأهلية التي تعمل بشكل مباشر مع المجتمع المدني والمواطنين، والتي تضم عدد ضخم من المتبرعين بالدم ممن لديهم سجل متابعة ويقومون بالتبرع بشكل منتظم للمستشفيات بدون مقابل، في حين أن نصف لتر من الدم يتكلف 550 جنية، وهو ما يُعد عبء اقتصادي اضافي على كلا من الدولة والمريض، وبالتالي في حال التعاون والتكاتف ما بين وزارة الصحة والجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني يمكنهم الحصول على قواعد بيانات ثابتة للمتبرعين ممن لديهم استعداد للتبرع بشكل دوري، إلى جانب مساعدة الجهات المعنية في تنفيذ حملات التوعية في مناطق مختلفة قد لا تتمكن هذه الجهات من الوصول إليها، مما يعني الوصول إلى متبرعين محتملين في أماكن جديدة.

يُعد التكاتف المجتمعي هو أساس نجاح أي مشروع قومي يُساهم في رفعة هذا الوطن، ولا يمكن إنكار المجهودات المبذولة من قِبل المجتمع المدني كشريك استراتيجي للحكومة المصرية التي تسعى من خلال شراكتها هذه إلى النهوض بأوضاع المجتمع والوصول إلى قمة العالم، فمصر كانت وما تزال وستظل أم الدنيا.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى