
زيمبابوي تستعد لانتخابات عام 2023 وسط مشكلات اقتصادية وصراعات المعارضة
يعاني الزيمبابويون من أزمة اقتصادية فاقمها التضخم المفرط الذي ضرب البلاد، وخاصة تفاقم بعد أزمة كوفيد -19. لذا يقول المحللون إن نتيجة انتخابات 2023 من غير المرجح أن تصل بزيمبابوي إلى بر الأمان. وقد بدأت الأحزاب السياسية الرئيسة في زيمبابوي في التحضير للانتخابات العامة المقرر عقدها في يوليو أو أغسطس 2023 حيث أقيمت مسيرات وأنشطة دعاية في المدن والبلدات للترويج للأحزاب. ولم تعلن اللجنة الانتخابية بعد الموعد المحدد للتصويت، خاصة بعد تأجيل الانتخابات التشريعية التكميلية؛ بينما يعاني الشارع الزيمبابوي من انتشار القلاقل وعدم الاستقرار.
المتنافسون
يتم انتخاب رئيس زيمبابوي بحد أقصى دورتين متتاليتين تبلغ كل منها 5 سنوات. بينما يتكون النظام التشريعي من مجلسين (الجمعية الوطنية-مجلس الشيوخ). يتألف أعضاء الجمعية الوطنية البالغ عددهم 270 عضوًا من 210 أعضاء منتخبين في دوائر انتخابية بتمثيل عضو واحد عن كل دائرة؛ و60 امرأة منتخبة عن طريق التمثيل النسبي في عشر دوائر انتخابية من ستة مقاعد تمثل المقاطعات.
فيما يبلغ أعضاء مجلس الشيوخ 80 عضوًا: 60 عضوًا منهم يتم انتخابهم من عشر دوائر انتخابية ستة لكل دائرة عن طريق التمثيل النسبي باستخدام القوائم الحزبية ويجب أن يكون في القائمة امرأة في الأعلى والتناوب بين الرجال والنساء، وتتضمن المقاعد العشرون الأخرى مقعدين مخصصين لذوي الإعاقة و18 للزعماء التقليديين.[1]
يتنافس على الانتخابات في زيمبابوي الأحزاب السياسية الرئيسة، وهي: حزب زانو-بي إف ZANU–PF يساري التوجه يتولى السلطة منذ الاستقلال عام 1980 برئاسة إيمرسون منانجاجوا، وتحالف الحركة من أجل التغيير الديمقراطي MDC وهو حزب يساري معارض بدأ كحركة ذات تجمعات مختلفة وتوحدت عام 2018 بقيادة مورجان تسيفنجاري، وتحالف المواطنين من أجل التغيير وهو حزب ديمقراطي اجتماعي معارض تم تشكيله بقيادة السياسي المخضرم نيلسون تشاميسا. في آخر انتخابات رئاسية عام 2018، حصل الرئيس إيمرسون منانجاجوا على 50.8٪ من الأصوات أمام نيلسون تشاميسا مرشح تحالف الحركة من أجل التغيير الديمقراطي، بنسبة 44.3٪.[2]
التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى
في الانتخابات الرئاسية هذا العام من المرجح أن يخوض “تشاميسا” البالغ من العمر 44 عامًا مرة أخرى ضد ” منانجاجوا” 79 عامًا؛ وبالتالي فهو يمثل حلم الشباب الراغب في التغيير والخروج من عباءة الحكم القمعي. وهم يرون هذا الحلم قريبًا؛ بينما يرى مؤيدو حزب زانو الحاكم أن المعارضة لن تشكل أي تهديد أو تقدم بديلًا؛ بسبب الافتقار إلى التنظيم الهيكلي والمؤسسي، وهما عنصران أساسيان في ضمان وجود تعبئة سياسية والسعي للفوز بالانتخابات.[3] لكن هذه المرة أعلن “تشاميسا” التحالف مع أحزاب المعرضة وعلى رأسها تحالف الحركة من أجل التغيير الديمقراطي.
أما عن النظام الحاكم؛ فالمتعارف عليه حسب التقاليد الدستورية في زيمبابوي أن يتلقى الرئيس إحاطة من البرلمان قبل الانتخابات. ومن المتوقع أن يسلم منانجاجوا يوم الجمعة القادم التقرير إلى لجنة الانتخابات لدراسة وبحث القضايا التي أثارها البرلمان.
الفرص الانتخابية
المتابع للوضع في زيمبابوي ولمجريات الأداء السياسي سيجد أن سيطرة حزب “زانو بي إف” على مؤسسات الدولة سيطرة كاملة، ولكن تتراجع شعبيته بصورة كبيرة. لذا في حالة إجراء الانتخابات بنزاهة، فلن يكون أمام حزب “زانو-بي إف” أي فرصة للبقاء في السلطة. ولا يمكنه أبدًا الفوز في انتخابات حرة ونزيهة، هذا في حالة ضمان عدم تدخل الحزب في الانتخابات. فقد ابتليت زيمبابوي بعدم الاستقرار لأكثر من عقدين حتى الآن؛ بالإضافة إلى ذلك، أدى التضخم المفرط إلى إفقار الدولة التي كانت مزدهرة ذات يوم. الأمر الذي وضع الحكومة تحت سيطرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بشأن كيفية تصفية ديونها مع المؤسسات المالية الدولية. حيث تدين زيمبابوي بأكثر من 10 مليارات دولار (9.3 مليار يورو) كديون خارجية.
في سياق آخر، توفر الأزمة الاقتصادية في أنحاء زيمبابوي فرصة ذهبية للمعارضة عن طريق اختيار حكومة لتساعد في تخفيف معاناتهم اليومية؛ فهم يراهنون على أن الانتخابات القادمة ستؤدي إلى النمو الاقتصادي. حيث يعاني المجتمع الزيمبابوي من عدم الاستقرار في الاقتصاد، ونقص كل من الكهرباء والمياه النظيفة وارتفاع الاسعار مما أدى إلى تآكل المدخرات.
لكن في نفس الوقت، هناك بعض التحليلات التي ترى أن هذه الانتخابات ما هي إلا وسيلة “لشرعنة” احتفاظ حزب زانو “الحزب الحاكم”، وتعزيز سلطة منانجاجوا أكثر لكونه أتى مرتين بالصندوق. وما يزال من السابق لأوانه معرفة كيف ستنتهي الحملات الجارية وكيف ستدار العملية الانتخابية وما إذا اتسمت بالسلمية من عدمه. وذلك اعتمادا على تشرذم المعارضة والصراع التاريخي بين الحركات وأهمها الصراع ما بين تحالف الحركة من أجل التغيير- أ، وتحالف الحركة من أجل التغيير-ت؛ والذي امتد ليصل إلى اتهامات بالخيانة والتواطؤ مع الحزب الحاكم ضد مصالح المعارضة ذاتها.
هناك كذلك اتهامات وجهت إلى قائد الجناح المعارض السيد نيلسون تشاميسا بممارسات ديكتاتورية فيما يخص عملية اختيار المرشحين للانتخابات التشريعية لهذا العام، في خطوة أخرى غير شعبية وصفت بأنها غير ديمقراطية. حيث تجاهل الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشحين للانتخابات التشريعية، مما يؤكد ميوله الديكتاتورية وغياب الديمقراطية الداخلية داخل الحزب.
وهو ما أكده تصريح المتحدث الرسمي باسم المعارضة من أجل التغيير؛ بأن الاختيار سيتم بشكل استشاري بدون انتخابات، لفشل التحالف في التوصل إلى هياكل نقية، وللخوف من تسلل المخربين. وكان رد المعارضة أن الاختيار تم بناء على ما قدمه المواطنون من ترشيحات، وهو ما أطلق عليه اسم عمليات اختيار المرشح الإجماعي للمجتمع. يأتي هذا الرد فيما تردد من أن بعض المرشحين الطامحين قد فرضوا أنفسهم بالفعل على الدوائر الانتخابية. ففي العام الماضي، وقع الأمين العام للحزب تشارلتون هويندي ونائب رئيس الحزب د. ويلشمان نكوبي أوراق ترشيح لمرشحين من أتباعهما. وواصل الحزب، الذي تم تشكيله العام الماضي، اتباع سلسلة من الممارسات غير الديمقراطية.[4]
أجواء ما قبل الانتخابات
تثير العملية الانتخابية في زيمبابوي سخرية الجيل الأصغر من الناخبين، مما يعرض جهود الديمقراطية للخطر. وبدلًا من رفع آمال المواطنين في أن تكون انتخابات هذا الصيف بمثابة تحسن عن الانتخابات السابقة، يبدو أن سلطات زيمبابوي تبذل قصارى جهدها لتثبيط حماس الناخبين المحتملين. المناخ السياسي القمعي مألوف بشكل محبط. وتواصل الدولة اضطهاد السياسيين المعارضين وأصوات المعارضة، واتخذت خطوات لمزيد من تقييد حرية التعبير وتكوين الجمعيات، حتى أن الشرطة منعت الموسيقيين من أداء الأغاني التي تدين الفساد.[5]
على هذه الخلفية، فإن لجنة الانتخابات في زيمبابوي، مثل جميع مؤسسات الدولة الأخرى؛ تتسم ممارساتها بالتسييس بشكل صارخ، وتزرع عدم الثقة في استعداداتها. فقد أثارت عملية ترسيم الدوائر الانتخابية المثيرة للجدل إلى حد كبير اتهامات بالتواطؤ في أحسن الأحوال وعدم الكفاءة في أسوأ الأحوال من قبل السياسيين والمجتمع المدني وحتى بعض أعضاء اللجنة نفسها.
وعلى الرغم من المتطلبات القانونية لإتاحة قائمة الناخبين للمراجعة؛ فقد وضعت لجنة الانتخابات حواجز أمام الشفافية في كل منعطف. سنجد ذلك واضحًا في جهود تسجيل الناخبين (وهي جزء مهم للغاية من أي ممارسة ذات مصداقية لبلد تصل فيه مجموعات كبيرة جديدة من المواطنين إلى سن الاقتراع كل عام) التي أدت إلى المزيد من عدم الثقة. فقد واجه المواطنون الراغبون في التسجيل تأخيرات وتعطيلًا سواء في آلات التسجيل المتعطلة عن العمل أو انقطاع التيار الكهربائي. مما يبرر ما أشارت له الاستطلاعات الأخيرة إلى أن أقل من نصف مواطني زيمبابوي فقط يثقون في لجنة الانتخابات .[6]
دول الجوار
مثلت انتخابات 2018 عاملًا مهمًا على الصعيد الإقليمي فيما يخص دول منظمة مجتمع تنمية أفريقيا الجنوبية (SADC) حيث شككت في مصداقية الاتحاد الافريقي والسادك كمراقبين دوليين بسبب الانتهاكات التي حدثت وتغاضت عنها المنظمتان، على الرغم من أن مبادئ “السادك” تنص على أن تجري الدول الأعضاء انتخابات “لتأسيس هيئات انتخابية وطنية محايدة وشاملة وكفؤة وخاضعة للمساءلة ويعمل بها موظفون مؤهلون”.
وفي 3 فبراير 2023، جاءت نتيجة تصويت الشتات في زيمبابوي بضرورة حث البرلمان على تعديل قانون الانتخابات بحيث تتم إدارة تصويت الشتات بطريقة تضمن شفافية ونزاهة العملية الانتخابية بأكملها كما هو وارد في البند 7.8 من المبادئ التوجيهية لاتفاقية منظمة “السادك”. وينص البند 7.4 من الاتفاقية على أن الدول الأعضاء “تحمي الحريات الإنسانية والمدنية لجميع المواطنين بما في ذلك حرية التنقل والتجمع وتكوين الجمعيات والتعبير والحملات وكذلك الوصول إلى وسائل الإعلام من جانب جميع أصحاب المصلحة” وهو ما لم يحدث في انتخابات 2018؛ مما أفقد “السادك”” مصداقية مراقبتها للانتخابات بين جموع الشعب الزيمبابوي.
وبالنسبة لانتخابات هذا العام لا يختلف الوضع عما سبق؛ فبالنظر إلى الافتقار إلى الحريات الأساسية بما في ذلك حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات والتجمع، مازال الوضع قائما كمًا هو، حيث تم التشهير الحالي بشخصيات المعارضة والموسيقيين والصحفيين، فضلًا عن حظر تجمعات المعارضة.[7] وهو الوضع الذي رصدته بعثة مراقبي الانتخابات التابعة للاتحاد الأفريقي AUEOM؛ لذا أوصت بضرورة ضمان المساواة في الوصول إلى وسائل الاعلام الحكومية واتاحتها لجميع المتنافسين أثناء الانتخابات؛ تنفيذًا لقانون خدمات البث لضمان وجود وسائط إعلام متوازنة وتعددية.
ويفتقر النظام القضائي في زيبمبابوي كذلك إلى الاستقلالية وهو ما ظهر في انتخابات 2018 عندما قام تحالف حركة التغيير الديمقراطي بتقديم التماس عام 2018 لإلغاء قرار اللجنة الانتخابية بإعلان فوز “ماناجاجوا: تحت دعوى التزوير، ورُفضت القضية، وتم تجاهل القضايا التي أشارت إلى أن البيئة الانتخابية كانت غير عادلة.
يتضح من كل ما سبق أنه بدون القيام بالإصلاحات في البيئة الانتخابية سواء كانت سياسية أو قضائية أو إعلامية، وبدون تغيير سياسات المعارضة وتوحيد الصف؛ لن تتغير نتيجة انتخابات 2023 في زيمبابوي، ولن تتغير نتيجة اللعبة السياسية حيث ستكون لصالح حزب “زانو – بي إف” Zanu PF الحاكم.
[1] Zimbabwe election: Opposition rejects court ruling on result, BBC (London: 25th. August 2018)
[2] Zimbabwe enters a new era, but struggles to escape its past, BBC (London: 4th. August 2018)
[3] Nyashadzashe Ndoro: Zimbabwe general elections set for July or August 2023, ZEC confirms, Nehanda radio (Corby, UK: Oct 22, 2022)
[4] Zimbabwe: Nelson Chamisa to Hand-Pick Candidates for 2023 Polls, All Africa (Abuja: 23 Feb. 2023)
[5] What to Expect From Zimbabwe’s 2023 General Election, World View (Austin: 12th. Mar., 2023)
[6] Columbus Mahvunga: Zimbabwe gears up for 2023 election amid economic woes, DW (Berlin: 30 Dec. 30, 2022)
[7] Lyandra Nyamande: Zim yet to comply with regional electoral guidelines, News Day (Harare: Mar. 30, 2023 )