الأزمة الأوكرانية

استعراض في ملابسات مقتل وزير الداخلية الأوكراني

على وقع الحرب الروسية الأوكرانية المُمتدة مُنذ شهور، أثار نبأ تحطم مروحية عسكرية كانت تقل وزير الداخلية الأوكراني “دينس موناستيرسكي” و9 مسؤولين كِبار في البلاد فوق مدرسة أطفال بالعاصمة الأوكرانية “كييف”، العديد من التساؤلات حول مُلابسات ودلالات الحادث. وعلى الرغم من عدم اتضاح سبب سقوط الطائرة بعد، ولم يُشر المسؤولون الأوكرانيون إلى أي هجوم روسي في المنطقة في ذلك الوقت، مؤكدين على استمرار التحقيقات لتوضيح السبب، فإنه يُمكن إثارة بعض الأسئلة المتعقلة باحتمالات أن يكون تحطم المروحية ناجم عن خطأ فني؟ أم أنَّ لروسيا يد في هذا الأمر؟

جدير بالذكر أن حادث تحطم مروحية وزير الداخلية الأوكرني جاء في وقت تشن فيه روسيا موجات جديدة من الهجمات الصاروخية في كافة أنحاء أوكرانيا، مما أسفر عن مقتل 14 شخصًا على الأقل في غارة على مبنى سكني في مدينة “دنيبرو” شرقي أوكرانيا. في السياق ذاته، تضررت مدن أخرى من الصواريخ الروسية، بما في ذلك كييف، وخاركيف، وأوديسا. ويُعاني جزء كبير من أوكرانيا من انقطاع طاريء للكهرباء بعد أن أصابت الصواريخ البنية التحتية للطاقة في عدة مُدن. 

لكن وعلى الرغم من ذلك لم يتضح ما إذا كان الحادث، حدثًا طبيعيًا، أم أنه مرتبط بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ولم يكن هناك أي قتال في العاصمة “كييف” منذ أبريل 2022 عندما تراجعت القوات الروسية بعد فشلها في السيطرة على العاصمة.

ملابسات الحادث

أسفر حادث تحطم الطائرة الأوكرانية والتي كانت في طريقها -وفقًا للرئاسة الأوكرانية- إلى جبهة القتال مع روسيا؛ عن مقتل 16 شخصًا بينهم وزير الداخلية ونائبه وثلاثة أطفال وإصابة 29 آخرين بينهم 15 طفلًا. حاكم “كييف” أكدًّ أن المروحية سقطت قرب روضة أطفال ومبنى سكني في بلدة “بروفاري” على مشارف العاصمة. 

جدير بالذكر أن هذه المروحية “EC-225 Super Puma” شاركت بشكل متكرر في أداء مهام نقل الأفراد إلى أماكن الطوارئ، وذلك وفقًا لما أعلنته “دائرة الطوارئ الحكومية” (the State Emergency Service)، وأفادت دائرة الطوارئ بأن طاقم الطائرة لديه استعداد وتدريب كامل على العمل في ظل الظروف الصعبة، والعمل لساعات طويلة أيضًا. 

فيما أفاد جهاز الأمن الداخلي الأوكراني،  أنه يجري التحقيق في عدد من الأمور التي ربما تكون قد تسببت في الحادث كانتهاك قواعد الطيران، أو حدوث خلل فني، أو التخريب المُتعمد للمروحية. 

من هو “دينس موناستيرسكي”؟

في البداية فإن وزير الداخلية “دينس موناستيرسكي” الذي قُتل في حادث تحطم الطائرة يبلغ من العُمر 42 عامًا، تولى منصبه منذ يوليو 2021، وأشرف على هيئات تنفيذ القانون التي اضطلعت بدور كبير منذ بدء الحرب الروسية في فبراير الماضي، ومن بينها الحرس الوطني؛ الذي يمتلك العديد من الوحدات التي تُقاتل على الخطوط الأمامية في الحرب. أيضًا، تولى الإشراف على الشرطة الوطنية المسؤولة عن التحقيق في جرائم الحرب الروسية.

ومُنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية من فبراير 2022، فإن “موناستيرسكي” هو أكبر مسؤول أمنى أوكراني يُقتل منذ بداية الحرب. المفاجئ في الأمر أيضًا، أن أحد مُساعدين “موناستيرسكي” نشر صورة له مع الرئيس الأوكراني “زيلينسكي” يوم الثلاثاء، في المكتب الرئاسي، أي قبل حادث الطائرة بساعات قليلة. 

صعد موناستيرسكي، المحامي الذي انتخب عضوًا في البرلمان في عام 2019 مُمثلًا في حزب زيلينسكي “خادم الشعب” (Servant of the People party)، إلى أعلى منصب في وزارة الداخلية بعد الاستقالة المفاجئة “لأرسين آفاكوف” (Arsen Avakov) في يوليو 2021. وكان “آفاكوف” أطول وزير في أوكرانيا خدمة في البرلمان، وواحد من من أقوى الشخصيات في البلاد، وتقلد هذا المنصب خلال أربع إدارات مُختلفة.

بعد ستة أشهر فقط من توليه منصب وزير الداخلية، انخرط “موناستيرسكي” في الحرب. وكان حرس الحدود تحت مسؤوليته أيضًا، وهو أول من واجه القوة الروسية العملاقة التي عبرت إلى أوكرانيا في وقت مبكر من يوم 24 فبراير “يوم بداية العملية العسكرية”، ثم، كان على “موناستيرسكي” الإشراف على جهود إزالة الألغام واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم.

دلالات الحادث

هذه هي المرة الأولى التي يُقتل فيها مسؤول أوكراني كبير منذ قيام روسيا بعملية عسكرية شاملة في أوكرانيا مُنذ فبراير 2022. وحتى عندما وصلت القوات الروسية على مشارف العاصمة “كييف” قاوم الرئيس الأوكراني “زيلينسكي” وكبار القادة القوات الأوكرانية. 

وعلى الرغم من احتدام الحرب الروسية الأوكرانية مُنذ شهور، فضلًا عن الضربات الصاروخية المُستمرة من جانب موسكو، إلا أن السلطات الأوكرانية لم تتهم روسيا بالمسؤولية عن وقوع الحادث حتى الآن، فيما أفاد المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية “يوري إجنات” (Yuriy Ignat) أن التحقيق لا يزال مُستمرًا، وأن الدلائل المبكرة تُشير إلى وقوع حادث مأسوي في بلد يعيش حالة حرب مُنذ شهور.  

المواقف الدولية

وقد أثار خبر وفاة “موناستيرسكي” موجة من ردود الفعل الدولية الحزينة على وفاته، حيث واسى الرؤساء والزعماء الأوروبيون عبر التغريدات والتصريحات المختلفة ما وصفوه بالصديق العظيم للاتحاد الأوروبي، ومنهم الرئيس الفرنسي، ووزير الخارجية البريطاني، ورئيس المجلس الأوروبي، إضافة إلى المتحدث باسم البيت الأبيض “جون كيربي” الذي وصف الحدث بـ “المُفجع”. وغرد المستشار الألماني “أولاف شولتس”، الذي يواجه ضغوطًا لإرسال دبابات إلى أوكرانيا، أن الحادث “يظهر مرة أخرى الثمن الباهظ الذي يتعين على أوكرانيا دفعه في هذه الحرب”.

وفي أول رد على الحادثة، وصف الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” تحطم الطائرة بأنها “مأساة مروعة” ووصف المسؤولين الذين قتلوا بأنهم “وطنيون حقيقيون”. مٌلقيًا باللوم، خلال كلمته عبر الفيديو إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا على الحرب الروسية الأوكرانية كونها المسؤولة عن تحطم الطائرة حتى لو لم يتم إسقاط المروحية نتيجة الحرب. حيث أوضح أن للحرب أبعاد عديدة وأن كل دماء تسيل أو خراب يحدث فهو نتيجة طبيعية لاستمرار الحرب. من جانبه أوضح رئيس الوزراء الأوكراني “دينيس شميهال”، إن رئيس جهاز الشرطة الوطنية، “إيهور كليمينكو”،  سيضطلع بواجبات موناستيرسكي حتى يتم تعيين وزير داخلية جديد.

وفيما يتعلق بالموقف الروسي، فإن “موسكو” لم تدل بأي تعليقات على الحادث، فيما دافع “بوتين” عن تبرير تدخله العسكري في أوكرانيا، وذلك خلال لقائه بمجموعة من قدامى المحاربين الروس، مُوضحًا لهم أن تصرفات موسكو تهدف إلى وقف “الحرب” التي اندلعت منذ عام 2014 في شرق أوكرانيا، حيث حارب الانفصاليون المدعومون من روسيا القوات الأوكرانية. وأن كل ما تقوم به القوات الروسية اليوم هو جزء من العملية العسكرية الخاصة، لحماية الناس الذين يعيشون في تلك المناطق.

فيما رفضت أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون حجج ومبررات روسيا، قائلين إن كييف لا تشكل تهديدًا لموسكو وأن “الغزو” لم يكن مبررًا له.

بينما أوضح وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” أن أهداف موسكو في أوكرانيا “تحددها المصالح المشروعة الأساسية لروسيا، ويجب ألا تكون هناك بنية تحتية عسكرية في أوكرانيا تشكل تهديدًا مباشرًا لبلدنا”. وأوضح أن هدف حلفاء أوكرانيا الغربيين هو استخدام الصراع لإرهاق روسيا.

في هذا السياق، تواصل روسيا عملياتها العسكرية في شرق أوكرانيا، حيث يستمر القتال حول مدينة “باخموت”، و “بلدة سوليدار”، ووفقًا للمكتب الرئاسي الأوكراني، فإن 14 مدينة وقرية قد تعرضت للقصف الجزئي في منطقة دونيتسك خلال الـ 24 ساعة الماضية، وأضافت أن القوات الروسية قصفت أيضًا مناطق سكنية في مدينة خيرسون الجنوبية، والتي استعادها الجيش الأوكراني في نوفمبر 2022.

وفي الأخير، وفي الوقت الذي لم تسفر فيه نتيجة التحقيقات عن المُتسبب الرئيس في تحطم طائرة وزير الداخلية الأوكراني، وكبار مساعديه، الأمر الذي أودى بحياتهم، وحياة بعض الأطفال والمدنيين؛ إلا أن هذا الحادث الأول من نوعه من بداية الحرب الروسية الأوكرانية سيُضفي على المشهد الأوكراني بظلال وخيمة خاصة على مسار الحرب، فأيًا ما كان السبب سواء أسباب فنية أو أمنية، أو أسباب تُلقي بالمسؤولية غير المباشرة على روسيا في الحادث، بأن تكون قد خططت لهذا الأمر، خاصة في ظل المكانة الكبيرة التي يتبوؤها وزير الداخلية الأوكراني “دينس موناستيرسكي” في مُجريات الحرب. فإن أوكرانيا ستعمل على استغلال الموقف لصالحها في كسب التعاطف والتاييد الدولي، وربما يكون سببًا ضاغطًا على الدول الغربية وخاصة ألمانيا للموافقة على ارسال أسلحة ثقيلة، ودبابات عسكرية لكييف، في ظل تعليق الوضع من قبل برلين. 

في المقابل، ستعمل روسيا على الاستفادة من هذا الحادث سواء كانت هي من خططت للحادث، فستعمل على بث روح انهزامية للقوات الأوكرانية بقدرة موسكو على استهداف أكبر قيادة أمنية في البلاد وفي قلب العاصمة “كييف” بالتحديد، وبأن روسيا قادرة على ضرب واستهداف أي شخص في البلاد. وإن لم تكن هي المُتسبب في الأمر، فإن ذلك قد يسمح لها بإحداث بعض التغييرات في خِطة الحرب، بعد مقتل رجل أوكرانيا القوي والذي كان له دور بارز في صد القوات الروسية منذ بدء العملية العسكرية في أواخر فبراير 2022. وفي كل حال سننتظر لما ستُسفر عنه نتائج التحقيقات خلال الأيام القادمة. 

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى