
كينيا تستهدف قيادة “الإيجاد”
المتابع لرحلة الرئيس الكيني ويليام روتو أثناء حملته الانتخابية لا يجد ما يدل على اهتمامه بالسياسة الخارجية والإقليمية؛ فقد كان تركيزه كله على إرضاء والحصول على أصوات الشباب كونهم يمثلون الكتلة التصويتية الأكبر. ولكن بعد مرور 100 يوم على ولايته الأولى، يمكن رصد العديد من التحركات الخارجية والاقليمية؛ فقد التقى برؤساء دول القرن الأفريقي، ووعد بالتعاون بين دول إقليم شرق أفريقيا لمعالجة بعض المشاكل المزمنة.
التحرك بين دول القرن الأفريقي
وصل الدكتور “روتو” إلى السلطة في سبتمبر العام الماضي بوصفه معارضًا للرئيس “كنياتا” بخطة غير واضحة للسياسة الخارجية إلى حد كبير. كان سلفه أوهورو كينياتا قد استمر في الحكم، لكنه كان معزولًا في بداية حكمه نتيجة لاتهامه من قبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ لكن تلك الصورة تغيرت وتحول إلى حليف للغرب بسبب نجاحه في معالجة قضايا الأمن والتكامل الإقليمي.
لكن هذا الأسبوع؛ تحدث الرئيس “روتو” بحماس عن خطته لإدارة الإقليم وتحديدًا الايجاد؛ فقد صرح “إننا نعمل على حشد دول الإقليم وكذلك الحصول على دعم دولي لمبادرات السلام الإقليمية للتأكد من استقرار منطقتنا حتى نتمكن من دفع اقتصاديات دولنا. لقد تحدثت مع رئيس مجلس السيادة في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان؛ واتفقت معه على أن الوقت قد حان لعقد اجتماع مجموعة الإيجاد لمساعدة إخواننا وأخواتنا في جنوب السودان.”
في أول 100 يوم له؛ أجرى الرئيس “روتو” ماراثون من المحادثات والجولات؛ حيث قام بجولة في إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ومصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وإريتريا، واستكمل الرحلات خارج الدائرة الإقليمية ليزور الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ثم زار المملكة المتحدة لحضور جنازة الملكة إليزابيث.
ظاهريًا، لا يمكن أن تعد هذه الزيارات وحدها نجاحًا، فقد تكون هذه اللقاءات اجتماعات روتينية. لكن خلال الأيام القادمة، قد يتولى “روتو” رئاسة القمة المعنية بجنوب السودان والتي ستعقدها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيجاد” التي من المتوقع أن تنعقد في الاسبوع الثالث من يناير. ما ساعد “روتو” في نجاحه الإقليمي هو كونه كان جزءًا من مؤسسة الرئاسة الكينية، فقد شغل منصب نائب رئيس الجمهورية في عهد “كينياتا” قبل أن ينقلب الأخير عليه ويناصر منافسه “أودينجا”.
سياسة “روتو” في الإيجاد
ترتكز سياسات الرئيس روتو في إدارة الإيجاد على ركيزتين أساسيتين؛ الأولى خلق قيادة نشطة متبادلة بين دول مجموعة الإيجاد مما يحول الإيجاد إلى مؤسسة مؤثرة في المنطقة، ثانيا إعادة قبول إريتريا؛ فأسمرة بالرغم من أنها عضو في الإيجاد، إلا أنها تقاطع الاجتماعات احتجاجًا على التحيز الذي تتصوره ضد مصالحها.
الجدير بالذكر أن السودان التي تترأس الإيجاد حاليًا لم تتمكن من وضع حلول للاضطرابات في دول إقليم شرق أفريقيا، فلا تزال الخرطوم تواجه اضطرابًا داخليًا بعد أحداث أكتوبر 2021؛ مما تسبب في تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، وهو ما يقيّده في لعب الأدوار الإقليمية. وتهدف القمة إلى مناقشة الاشتباكات المقلقة في جنوب السودان؛ فقد زار الرئيس الكيني ويليام روتو نظيره في جنوب السودان سيلفا كير؛ ليتوسط في وقف تصعيد الصراع في ولايتي أعالي النيل وجونقلي، وبذل المزيد من الجهود الإنسانية؛ إذ رأى “روتو” أن تصعيد الأعمال العدائية قد يفسد اتفاقية السلام الموقعة عام 2018.
وبالإضافة إلى ذلك، ظهرت النوايا الكينية في رأب الصدع ما بين إريتريا والإيجاد عندما زار الزعيم الكيني أسمرة في 10 ديسمبر 2022. ومن جانبه أجرى الرئيس أسياسي أفورقي محادثات مع مسؤولين سودانيين وصوماليين، واتُهم بإرسال قوات إلى إثيوبيا لاستهداف المدنيين من التيجراي، الأمر الذي تسبب في أدانة الغرب لإريتريا بشدة. لكن بعد رحلة “روتو” إلى أسمرة؛ سافر إلى واشنطن لحضور القمة الأمريكية الأفريقية، تلا ذلك قيام القوات الإريترية التي كانت عالقة في تيجراي بمغادرة جبهة القتال بعد القمة الأمريكية الأفريقية، مما شجع على إعادة البناء في المنطقة التي دمرتها الحرب في إثيوبيا.
روتو ودوره القاري
طالب “روتو” الولايات المتحدة بـ”صياغة صيغة مع أفريقيا مربحة للطرفين”؛ ثم ألقى خطابًا في حدث جانبي، قال فيه إن أفريقيا يجب ألا يُنظر إليها بعد الآن كسوق، ولكن كوجهة استثمارية. لكنه أضاف تحذيرًا: “التعاون مع أفريقيا قد لا ينجح إذا كان قائمًا على معايير انتقائية، خاصة وأن معظم مشاكل أفريقيا مترابطة”. وطالب بدعم أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي، وهي رؤية جماعية لقارة مزدهرة وأكثر تكاملًا وسلمًا. ثم صرحت د. مونيكا جمعة مستشارة الأمن القومي في كينيا بأن نيروبي ترى أن كل جزء من القرن الأفريقي مرتبط بالآخر. وأعلن كينيا غير مرة عن أفريقيا وكينيا ليستا تابعتين لأي دولة ولن تسمح باستغلال مواردها في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث جاء التصريح على لسان وزير التجارة والصناعة بمجلس الوزراء، موسى كوريا.
وتؤكد كينيا كذلك تضامنها ودعمها المستمرين لهذه المبادرات السلمية التي سيضمن نجاحها تنمية الإقليم. بالإضافة إلى تعهد الرئيس “روتو” بأن يشمل دور كينيا دعم جهود السلام في الصومال وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، لأن السلام والاستقرار الإقليميين هما مفتاح الاستقرار لكينيا. وهو ما ظهر في تعامله مع الأزمة الإثيوبية؛ فبعد الاتفاق الذي عقد في نيروبي يوم 12 فبراير 2022؛ تم بالفعل الإقرار بالهدنة ونزع السلاح ما بين التيجراي والحكومة الإثيوبية، الامر الذي أدى إلى اقرار السلام مبدئيًا.
وعلاوة على ذلك، أعرب الرئيس الكيني عن نيته في أن يكون له وجود على الجبهة الإقليمية، قائلًا إن وجود القوات الكينية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية كان جزءًا من الخطة الإقليمية لضمان السلام هناك؛ فالسلام الإقليمي عنصر مهم للغاية للاقتصاد. لذا عندما تولى الرئاسة، احتفظ روتو بسلفه كينياتا كمبعوث سلام لمنطقة البحيرات الكبرى والقرن الأفريقي، مما سمح للرئيس السابق بمواصلة رئاسة جهود السلام الإقليمية التي أدارها أثناء وجوده في السلطة، مما يحفظ استمرار المصالح الاقتصادية التي كانت موجودة أصلًا.
نقاط القوة والضعف
يعد أحد أهم نقاط قوة الرئيس الكيني ويليام روتو والتي تؤهله للنجاح في مراده هو حسن علاقاته مع دول الجوار منها السودان وجوب السودان، بالإضافة إلى كون الرئيس الأوغندي موسيفيني من أهم داعميه، فضلًا عن لحسن العلاقة مع إريتريا لكونه من بدأ بتشكيل جسر لعودة العلاقات معها. وفيما يتعلق بالصومال، قال روتو إنه مستعد للعمل مع الرئيس الحالي حسن شيخ محمود لضمان السلام ونجاح القتال ضد حركة الشباب ومحاربة الإرهاب، بالإضافة إلى تعاونه واحترامه للنظام القبلي في الصومال وتعاونه مع قادة القبائل.
ذلك بالإضافة إلى أن الاقتصاد الكيني يمثل نقطة قوة تسمح لها بتقديم المساعدات لدول الجوار ودعم المبادرات الإنسانية؛ إذ تمثل كينيا أكثر من 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، بجانب قيام العديد من الشركات العالمية بافتتاح مكاتب إقليمية وفروع لها في كينيا مثل فوربس وفيوجين.. إلخ، بالإضافة إلى عروض من الشركات الفرنسية للعمل والاستثمار في كينيا، وبلغت قوة الاقتصاد الكيني أن حقق نموا بنسبة 4.7% في الربع الثالث من عام 2022، لكن تباطؤ النمو بسبب أزمتي كوفيد-19 والحرب الأوكرانية الروسية. وبالرغم من ذلك كله فإن كينيا معرضة لتخفيض التصنيف الائتماني، حيث انخفض تقييم الاقتصاد الكيني بنسبة 0.3 وفقًا لصندوق النقد، الأمر الذي اضطر الرئيس “روتو” إلى مضاعفة الضرائب ثلاث مرات، مما تسبب في انتشار حالات عدم الرضا بين الكينيين وتراجع المؤشرات الاقتصادية والمعيشية.
وبناء على ذلك، فإن ما قد يعيق خطة “روتو” الطموحة للتكامل الاقتصادي الإقليمي هو بعض المعوقات الاقتصادية، مثل: عدم توفر خدمات الائتمان للمصدرين، ومعدلات الفائدة المرتفعة، واللوائح المعقدة، والازدواج الضريبي. أما من حيث السياسة الاقليمية فسيحتاج “روتو” إلى تحسين العلاقات مع الرئيس الكونجولي فيليكس تشيسكيدي، وأن يحاول التقرب بشكل أكبر للصومال عبر تحسين حال الأقلية المسلمة في كينيا والتي عانت من اضطهاد في عهد “كينياتا” بسبب العمليات الإرهابية.



