مقالات رأي

في دلالات القمة العربية ــ الصينية

أولًا: تضع القمة إطارًا مؤسسيًا للعلاقات العربية الصينية، ترسم من خلاله أهداف وآليات ومستقبل هذا التعاون، وهو ما يسهم في تطوير تلك العلاقات على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية. فقد تطور التبادل التجاري منذ تأسيس منتدى التعاون العربي الصيني في 2004، وارتفع من 36 مليار دولار إلى 330 مليار دولار عام 2021، وهناك العديد من الفرص الواعدة والاستثمارات المشتركة التي يمكن توظيفها بين الجانبين العربي والصيني، خاصة في مجال التكنولوجيا الرقمية والطاقة المتجددة والصناعات كثيفة العمالة ومشروعات ريادة الأعمال.

وكثير من الدول العربية البارزة مثل مصر والسعودية والإمارات التي لديها رؤى تنموية طموحة وفرص استثمارية مهمة مثل المشروعات القومية العملاقة في مصر كمحور التنمية في قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة وغيرها، وكذلك مشروع نيوم في السعودية ضمن رؤية المملكة 2030، وكذلك المشروعات التنموية الطموحة في الإمارات، وكلها تمثل بيئة جاذبة وواعدة للاستثمارات الصينية الضخمة.

ثانيًا: تشكل الصين، التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أهمية كبيرة للجانب العربي عبر الاستفادة من التجربة التنموية الصينية التي قامت على المشروعات كثيفة العمالة، وكذلك المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومشروعات ريادة الأعمال. فضلًا عن أن مشروع الحزام والطريق الضخم الذي تتبناه الصين وأنفقت عليه تريليونات الدولارات في القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا يمثل فرصة مهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري العربي الصيني، خاصة أن غالبية الدول العربية منخرطة في هذا المشروع، وهو ما يعزز الخطط التنموية الطموحة لديها.

ثالثًا: انعقاد القمة الصينية العربية يعكس الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط لدى القوى الكبرى، والتنافس بينها على بناء شراكات اقتصادية وتجارية مع الدول العربية مثل مصر والسعودية والإمارات والتي تحقق معدلات نمو مرتفعة رغم التحديات والأزمات العالمية. فالصين كغيرها من القوى الكبرى تسعى إلى تحقيق التعافي الاقتصادي بعد التداعيات السلبية الكبيرة لجائحة كورونا، ثم الأزمة الروسية الأوكرانية الحالية، وذلك من خلال تعزيز تعاونها الاقتصادي مع الدول العربية.

وتعد المنطقة سوقًا مهمة للسلع والمنتجات الصينية، كذلك تحتاج الصين إلى مصادر الطاقة من الشرق الأوسط، حيث تعتمد على ثلث استيرادها من النفط من الدول الخليجية، وتزداد قضية أمن الطاقة أهمية كبيرة للصين في ظل العقوبات الغربية على النفط والغاز الروسي وارتفاع أسعار الطاقة عالميا. وفى المقابل تعد الصين التي يتجاوز عدد سكانها المليار نسمة سوقًا مهمة أيضًا للسلع والمنتجات العربية وبابًا للسلع العربية في آسيا.

رابعا: من الناحية السياسية والاستراتيجية، تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها ووجودها في المنطقة، ومزاحمة القوى الكبرى الأخرى خاصة أمريكا وروسيا. فالصين موجودة اقتصاديا بشكل كبير في دول المنطقة، في مقابل الوجود العسكري الأمريكي، ولذلك بدأ النفوذ الصيني يتزايد في بعض الملفات والأزمات السياسية مثل الأزمة السورية، والتي استخدمت الصين فيها حق الفيتو أكثر من مرة.

بالإضافة إلى أن الانسحاب الأمريكي من المنطقة في عهد إدارة الرئيس بايدن ترك فراغًا كبيرًا تسعى الصين إلى ملئه وتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة، ولذلك جاءت القمة الصينية العربية في أعقاب القمة الأمريكية الخليجية العربية في يوليو الماضي، وهو ما يعكس أهمية المنطقة، ومساعي الدول الكبرى لتوطيد نفوذها ووجودها في الشرق الأوسط. هذا التنافس الدولي على المنطقة يعكس أهمية ورشادة السياسة الخارجية التي تتبناها مصر والسعودية والإمارات والقائمة على مفهوم الحياد الإيجابي وبناء وتعدد الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية مع القوى الكبرى، دون الانحياز لقوة على حساب القوى الأخرى أو استبدال قوة بقوة أخرى، وإنما الاستفادة من التعاون مع كل القوى الكبرى في إطار من الندية والاستقلالية بما يعظم المكاسب والمصالح العربية ويعطى هامشًا كبيرًا من حرية الحركة للدول العربية في تنويع دوائر سياستها الخارجية ومصادر تسليحها.

خامسًا: تمثل الصين أهمية كبيرة للدول العربية سواء من زاوية التعاون الاقتصادي أو من الزاوية السياسية والاستراتيجية بوصفها قوة بارزة في النظام الدولي، حيث تميل الدول العربية إلى صيغة النظام الدولي متعدد القطبية والذي يمكن أن يسهم في تحقيق قدر كبير من التوازن والاستقرار في العلاقات الدولية، بعد أن أدت الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة، والتي سادت خلال العقود الثلاثة الماضية إلى الاضطراب وعدم الاستقرار وتصاعد مخاطر الصراعات والحروب والإرهاب والحروب بالوكالة، وبرز في تجربة ما سمي بثورات الربيع العربي وكذلك الأزمة الروسية الأوكرانية، وتصاعد خطر الإرهاب والحروب الأهلية. 

والصين لديها سجل تاريخي في دعم القضايا العربية خاصة القضية الفلسطينية، بجانب أنها تتوافق مع التوجهات الخارجية العربية في احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ورفض استخدام حقوق الإنسان والديمقراطية كأوراق ضغط ومظلة للتدخل في شئون الآخرين. ويتوافق الجانبان كذلك على أهمية التعددية والتنوع الدولي والتعايش بين الحضارات والثقافات دون فرض نموذج قيمي محدد على الآخرين. كذلك تسهم دبلوماسية المسار الثاني الصينية، غير الرسمية، في حل الأزمات والصراعات الدولية ومنها الأزمات العربية ولذلك من هنا تكتسب القمة العربية الصينية أهمية كبيرة للجانبين العربي والصيني.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى