إسرائيل

استقالات مكتب «بينيت».. التفاصيل والتداعيات

أيام حرجة تعيشها الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء نفتالي بينيت الذي يحتار في سد تسريبات المياه العديدة التي أصابت سفينته الحكومية، والتي كان أبرزها خسارة الأغلبية في الكنيست بعد استقالة العضوة عيديت سيلمان، ومن بعدها استقالتين لاثنين من أهم معاونيه في مكتبه، بدأت بـ«شمريت مئير» مستشارته التي كسبت ثقته في وقت قصير واستطاعت أن تجره من اليمين باتجاه الوسط، وهو الأمر الذي لم يعجب تال غان تسفي مدير مكتبه الذي أعلن استقالته بعد إعلان مغادرتها بعشرة أيام فقط، وبينما تقع تلك الأحداث تشهد الساحة توترات أمنية تزيد من حمل السفينة تمثلت في فشل للمنظومة الأمنية الإسرائيلية في منع العديد من الهجمات التي تسببت في مقتل إسرائيليين، بالإضافة إلى توقعات بتوترات إضافية قد تسفر عنها مسيرة الأعلام الإسرائيلية المُقررة غدًا في القدس، فبعد أن غادر معاوني بينيت.. هل تغرق سفينة رئيس الوزراء الإسرائيلي؟

تال غان تسفي.. رجل بينيت السري

لأول مرة في حياة تال غان تسفي، يتمكن أصدقاؤه المقربون وعائلته من مفاجأته يوم الأحد الماضي عندما أقاموا حفلًا له بمناسبة عيد ميلاده الحادي والأربعين، بعد أن أبلغ صباح اليوم نفسه نفتالي بينيت رئيس الحكومة الإسرائيلية بالاستقالة بعد عقد من الزمان منغمسًا وراء بينيت الذي وصل إلى رأس الحكومة العام الماضي، وهو الأمر الذي دفع رئيس الحكومة منحه لقب «الرئيس التنفيذي لشركة نفتالي بينيت».

في التاسعة من صباح يوم الاستقالة دخل غان تسفي مكتب رئيس الوزراء بعد زيارة حائط المبكى كما كانت عادته كل عام في عيد ميلاده، وأبلغ صاحب العمل الأول أن هذا الفصل من حياته قد انتهى على الأقل في الوقت الحالي، مضيفًا: «سأساعدك دائما، أريد نجاحك»، ولاحقًا مر على كل موظف في المكتب ليعلن بنفسه قراره، الذي اتُخذ بفهم في مواجهة الواقع المعقد الذي تعيشه الحكومة الإسرائيلية. 

ووفقًا لما ذكره موقع «ماكور ريشون» الإسرائيلي، فمثل بينيت، نشأ جان تسفي في حيفا ولكنهما التقيا فقط في سن الرشد بعيدًا، ودرس في مدرسة «نتيف مئير» الدينية في القدس وحتى الآن يحتفظ بعلاقة جيدة مع الحاخام «أوهاد تيروش»، أحد كبار الحاخامات في المدرسة الدينية، والذي أرسل فيديو ترحيب لحفلة عيد ميلاد هذا الأسبوع.

أدى خدمته العسكرية في وحدة «إيجوز» بالجيش الإسرائيلي، وبعد ثلاث سنوات عاد لمدة عامين آخرين في مدرسة «يشيفا»، وقد عرّفها لاحقًا بأنها المكان الذي بنى عالمه الروحي والإيماني والأيديولوجي، وهو حاصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد وإدارة الأعمال من جامعة أرييل ودرجة الماجستير في القانون من جامعة بار إيلان.

كان أول دور سياسي له إدارة المقر الميداني لنير بركات في الانتخابات المحلية لعام 2008، ما ساعد بركات لصبح عمدة القدس، وأصبح بعدها مساعده الشخصي، وهو المنصب الذي شغله حتى الانتخابات المحلية في عام 2012، ومن هناك انتقل للعمل في شركة تسويق لعائلته وكان من المفترض أن يستمر فيها كما خطط له والده، إلا أن ما وصفه الموقع بـ«الجرثومة السياسية» تشبثت به. 

غان تسفي كان بمثابة رجل بينيت السري، حيث أجرى له مفاوضات سياسية في السنوات الأخيرة، وكان مسؤولًا عن كل تحركاته السياسية تقريبًا منذ تواجدهم في المعارضة الإسرائيلية لمعرفته الجيدة بالحيل القانونية والتفاصيل المختلفة، وذلك ما دفعه ليكون مسؤولًا تنفيذيًا من الدرجة الأولى لدى بينيت من حيث إبرام الصفقات السياسية.

أسباب الاستقالة

كان السبب المعلن لاستقالة مدير مكتب نفتالي بينيت هو التحول إلى طرق أخرى ولم يُعلن عن أي خلافات بينه وبين رئيس الحكومة أو اعتراضه على أمر ما، إلا أن وسائل إعلام إسرائيلية نقلت على لسان مصادر من حزب «يمينا» وهو حزب رئيس الحكومة، إن تسفي وجد صعوبة في تحمل كل خطوات وقرارات بينيت وتقاعد على خلفية أيديولوجية، ووفقًا لما ذكره موقع «كيباه نيوز» الإسرائيلي، قال مصدر آخر: «من الجيد أنه ذهب.. كان الأمر صعبًا جدًا عليه لمدة عام كامل، لم ير المرأة والأطفال». 

المعلق السياسي «أميت سيغال» أشار إلى أسباب أخرى للرحيل المفاجئ، وكان شعور غان بخيبة أمل لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي دفعه جانبًا، مضيفًا أنه لم يكن منخرطًا في شؤون المكتب كما اعتاد أن يكون، حيث تولى مركز الثقل المستشارة السياسية شيمريت مئير والتي أعلنت أيضًا رحيلها قبله بأيام. 

وأضاف أنه علاوة على ذلك، كان لرحيل تسفي جانبًا أيديولوجيًا، حيث إنه من أكبر رجال الصهيونية الدينية واليمين الإسرائيلي، ولم يعجبه قرار بينيت الاستراتيجي بالذهاب إلى الوسط، لافتًا إلى أنه من بين أسباب استقالته هي المفاوضات التي أجراها وزير الخارجية يائير لابيد الذي يتفاوض بهدوء مع أحمد الطيبي لدعم 200 مليون شيكل لصالح الطرق في المجتمع العربي دون علم رئيس الوزراء بينيت.

وجاء ذلك بعد أن أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى خلافات داخل الدائرة الضيقة المقربة من بينيت وتهدد مستقبله السياسي، حيث إنه في مطلع الشهر الجاري، ذكرت وسائل الإعلام أن رئيس الحكومة ناقش مع مستشاريه تقديم موعد الانتخابات، مضيفة أن «بينيت قدر خلال الاجتماع أن الحكومة ستصل إلى نهايتها بعد عدة أسابيع». 

استقالة شمريت مئير

جاءت استقالة تسفي بعد فترة قصيرة من استقالة المستشارة السياسية لرئيس الوزراء، شمريت مئير، وعن تلك الخطوة قالت صحيفة «هآرتس» إنها تتويج للمواجهة المستمرة والغامضة بينها وبين كبار مسؤولي المكتب منذ تعيينها في هذا المنصب، الصيف الماضي، حيث أصبحت مئير أقرب شخصية لنفتالي بينيت من بين أعضاء المكتب، حيث تم نقل صلاحياتها إلى مجلس الأمن القومي، ولم يتم تعيين بديل لها.

ووفقًا لهآرتس، فإلى جانب إدارة النشاط السياسي، كانت مئير شريكًا رئيسيًا في تغيير الصورة التي سعى إلى تبنيها في محاولة لتحويل الحزب اليميني إلى دولة وشخصية موحدة. وتلك الأمور التي كان يرفضها تسفي صاحب الاتجاه اليميني الصهيوني المُتشدد. 

وعلى هذه الخلفية، ألقى منتقدوها باللوم عليها في تفكك اليمين واستقالة عضو الكنيست إيديت سيلمان كرئيسة للائتلاف. وفي رسالة أرسلتها إلى بينيت كتبت مئير أن المنصب يتطلب منها «تضحيات كبيرة في حياتها الشخصية»، وأعلنت أنها ستنهي دورها في الأول من يونيو.

وكتبت مئير: «خلال العام الماضي كرست كل طاقاتي لمساعدتكم في المجال السياسي وبشكل عام في بناء علاقات جيدة مع حكومة بايدن وتعزيز العلاقات مع الدول العربية القريبة والبعيدة، وفي تمثيل إسرائيل بشكل جيد على الساحة الدولية، والأهم من ذلك في تحقيق أهداف سياسية مهمة، بما فيه حركة سياسية مهمة جدًا مؤخرًا».

وضع حرج للحكومة

استطاع نفتالي بينيت في يونيو عام 2021 إنهاء حكم رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو الذي امتد لـ12 عامًا وهي فترة غير مسبوقة في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وذلك عن طريق تشكيل ائتلاف مُتعدد الأحزاب، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهيه سفن بينيت باستقالة نائبة في الكنيست من الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي ما أدى إلى إفقاده أغلبية بفارق مقعد واحد في البرلمان في خطوة تهدد بحل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

وتشهد المنظومة الأمنية في إسرائيل توترات كبيرة في الشهور الأخيرة، التي وقع فيها العديد من العمليات الهجومية التي استهدفت الداخل الإسرائيلي، وتسببت في مقتل العديد من الإسرائيليين في اختراق واضح تسبب في حرج كبير، بينما تدور التوقعات هذه الأيام بتصعيد إضافي بسبب الإصرار على تكثيف مشاركة المستوطنين الإسرائيليين في مسيرة الأعلام الإسرائيلية المنتظر إطلاقها في القدس المُحتلة غدًا الأحد تزامنًا مع حلول ذكرى السيطرة الإسرائيلية على شرقي القدس، وخصوصًا في ظل تهديدات من الفصائل الفلسطينية التي أطلقت صواريخها على «تل أبيب» العام الماضي في الموعد نفسه، وتحذيرات فلسطينية سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي من تنفيذ انتهاكات للمسجد الأقصى تدعو لها جماعات الهيكل اليهودية المُتشددة. 

كل تلك الأمور تزيد الضغط على حكومة نفتالي بينيت التي تقع في موقف لا تُحسد عليه، ما بين أزمات في الحكومة وأزمات أمنية مطالبة بحلها، بدون سقوطها الذي يمكن أن يتسبب فيه عضو واحد في الكنيست الإسرائيلي. 

ختامًا، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة نفتالي بينيت لم تعد قادرة على استكمال طريقها، وأنها تعيش أيامها الأخيرة قبل إجراء انتخابات مُبكرة في الكنيست الإسرائيلي ينتظرها رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو زعيم المعارضة في الوقت الحالي. 

وتعد استقالتي مكتب رئيس الوزراء دليلًا إضافيًا على اقتراب نهاية تلك الحكومة، التي بدأت بأضعف أغلبية وأطراف متناثرة من السهل اقتطابها، وبالتالي فهي حكومة هشة منذ البداية، إلا أن الأمر مُجرد وقت وتسقط، وخصوصًا بعد الأزمات الكبيرة التي تعيشها. 

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى