
بلومبرج: سنة مهدرة بسبب فيروس كورونا
نشرت صحيفة بلومبيرج الأمريكية في عددها الأسبوعي إصدارًا خاصًا تحت عنوان “سنة مهدرة بسبب فيروس كورونا”. وذكرت الصحيفة أن ذلك الفيروس مثلما أثّر سلبًا على مناعة الإنسان ويهلك قدراته الإنتاجية، فإنه بنفس الحال أيضًا في تأثيره على العالم بأسره، خاصة على الاقتصاد العالمي، وطرحت الصحيفة في مستهل إصدارها عدة تساؤلات، وأجابت عليها، وهي:
ما تأثير الوباء على الاقتصاد العالمي؟
أفادت الصحيفة أن فكرة مواجهة الفيروس والمحافظة في نفس الوقت على النمو الاقتصادي أمر في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلًا. فبالرغم من نجاح الصين في احتواء الفيروس واتخاذ إجراءات حاسمة لحماية مواطنيها، من خلال سن حظر السفر وإجبار المصانع على الإغلاق. فإن ذلك كانت له خسائر اقتصادية عالية: فمن المتوقع أن يكون معدل النمو في الصين للربع الأول من العام حوالي 1.2% فقط -وفقًا لتوقعات بلومبيرج إيكونوميكس– والذي يعد أبطأ معدل اقتصادي للصين.
فبالرغم من شدة الإجراءات التي اتخذتها الصين لاحتواء الفيروس كان هناك تفشى كبير لـ Covid-19، ومن خلالها وصل إلى معظم أنحاء العالم، وظهرت عواقبه بشدة على كوريا الجنوبية وإيران وإيطاليا وأماكن أخرى. وقد بدأت السلطات الصينية اتخاذ بعض الإجراءات التي قد تساعد في تعافي اقتصادها من آثار الفيروس، ولكن مازال الأمر محيرًا، فهناك تخوفات من موجة أخرى من المرض تعود من جديد بعد عودة الأشخاص إلى العمل والدراسة وممارسة حياتهم الطبيعية مرة أخرى.

وذكرت بلومبيرج أن قلق الاقتصاديين الذين كانوا يحذرون من الضربة الاقتصادية المحتملة للولايات المتحدة الأمريكية قد تزايد، إذ عدّلت شركة ” Goldman Sachs Group Inc” توقعاتها بشأن الضرر الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية لتعكس هبوطًا حادًا في معدل الصادرات الأمريكية للصين في أواخر فبراير، إضافة إلى تراجع في أعداد السائحين الصينيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وأرجعت الصحيفة ذلك القرار إلى الضعف الاقتصادي المتزايد في الصين وزيادة انتشار الفيروس خارج البلاد، وخفض توقع مستوى النمو إلى 1.3 % لعام 2020 ثم خفضه مرة أخرى إلى 1.2% على الرغم من خفض سعر الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي بنسبة نصف في المائة.
ويذكر في ذلك السياق أن ذلك الفيروس يهدد بشكل كبير الاقتصاد العالمي، ويمكن أن تشمل تداعياته منطقة اليورو واليابان. ويظهر ذلك التأثير بالأخص على الصين حيث بلغ إجمالي الخسائر حوالي 2.7 تريليون دولار حتى الآن. وتزداد فرص حدوث أسوأ سيناريو – مع تعرض جميع الاقتصادات الكبرى لصدمات كبيرة – يومًا بعد يوم. ويوضح الرسم البياني أدناه، كيف سيكون حال تلك الدول على سبيل الافتراض.

المستفيد من هبوط أسعار البترول
أوضحت الصحيفة أن الخلاف بين روسيا والسعودية بشأن كيفية التعامل مع انخفاض أسعار النفط بدأ منذ فترة طويلة، ولكن أدى انتشار فيروس كورونا في الفترة الأخيرة إلى خروج ذلك الخلاف إلى العلن، واندلاع حرب الأسعار بين الدولتين، مما أدى إلى انخفاض سعر النفط الخام إلى 31 دولارًا للبرميل في أوائل شهر مارس.

وذكرت أن النفط هو أساس القوة الاقتصادية والسياسية لكلا البلدين، فوفقًا لتقارير صندوق النقد الدولي، يمثل النفط نسبة 70% من إجمالي الدخل العام للمملكة، بينما يبلغ حوالي 40% من إجمالي الدخل العام لروسيا بما في ذلك نصيبها من الغاز؛ ولأن روسيا رفضت في بداية شهر مارس، وبالتحديد في 6 مارس، خطة المملكة لخفض الإنتاج بين الدول الغنية بالنفط لوضع حد أدنى للأسعار. أعلنت الرياض زيادة كبيرة في الإنتاج لشهر إبريل؛ مما أدى بالتبعية إلى تحرير سعر النفط العالمي.
وأفادت بلومبيرج أن الولايات المتحدة تُعدُّ هي العدو المشترك لكلا البلدين، بسبب ما أصبحت تنتجه من النفط الصخري الذي استطاعت من خلاله على الحصول على حصة متزايدة من سوق النفط العالمي. للوهلة الأولى يبدو أن الولايات المتحدة هي الخاسرة في حرب الأسعار هذه. حيث يعد الحفر في حوض بيرميان في غرب تكساس ونيو مكسيكو أكثر تكلفة بكثير من الحفر في سيبيريا أو الصحراء السعودية. وبحسب شركة ريستاد إنرجي للاستشارات تبلغ تكلفة برميل النفط الصخري الواحد من 40 إلى 50 دولارًا في المتوسط. مما أدى إلى ضعف إنتاج هذا النوع من النفط، وانخفاض الطلب عليه منذ ظهور فيروس كورونا.
لكن المعادلة تبدو غير ذلك، فالكثير يعتمدون على المرونة الاقتصادية لكسب الموقف، والذي لا تبدو عليه السعودية، فهي تبدو الآن في وضع لا تحسد عليه، إذ تحتاج إلى رفع أسعار النفط لما يزيد عن 80 دولارًا للبرميل – وهو أعلى معدل تقريبًا في العشرين عامًا الماضية؛ لموازنة ميزانيتها. وبذلك قد تضطر المملكة إلى اللجوء إلى الاحتياطي النقدي الذي يبلع الآن 500 مليار دولار، ويبدو أنه في أقل معدلاته منذ 2014.
أما روسيا، فقد أمضت السنوات الخمس الماضية في إعادة اقتصادها والاعتماد على سعر نفط أقل وإعادة بناء احتياطيات نقدية قد تصل إلى 570 مليار دولار، وذلك بعد انخفاض الأسعار وتخفيف العقوبات الأمريكية في عام 2014. كما خفضت روسيا سعر البرميل لديها ليصل إلى 50 دولارًا، بدلًا من 115 دولار في عام 2013. والشركات الروسية يمكنها الآن أن تحقق أرباحًا من النفط، بالرغم من هبوط سعره الحالي ليصل إلى معدل أقل بكثير.
وأوضحت الصحيفة أن سعر النفط يرتبط مباشرة في الولايات المتحدة الأمريكية بأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهبوط سعر البترول قد يؤثر بشكل مباشر على صناعة النفط، وبالتالي شعبيته في تكساس، ونجاحه في الانتخابات القادمة. ولكن من الغريب ترحيب ترامب بذلك الوضع مغردًا “إنه أمر جيد للمستهلك “.
“ماذا يحرك الأمر غير الأوضاع الاقتصادية؟”، هذا السؤال الذي تحاول الصحيفة الإجابة عليه من خلال ما جاء على لسان كريس كريس ويفر الرئيس التنفيذي لشركة ماكرو الاستشارية أن “الثلاثة يتأذون بهذا السعر.” حيث إن ترامب بإمكانه التدخل للحد من ذلك التصعيد بين موسكو والرياض، ولكن “يبدو أن هناك شيئًا ما يحرك الأمر “.
كيف تحمي أفريقيا نفسها من تفشي المرض؟

انتقالًا إلى أفريقيا استعرضت بلومبيرج الوضع في القارة حيث قلة الإمكانيات مقارنة بأوروبا والولايات المتحدة والصين، لافتة إلى أن أفريقيا وخاصة الدول التي انتشر فيها المرض تحاول احتواء كورونا وتطويع كافة إمكانياتها لاستيعاب انتشاره، ففي مستشفى أبوجا الجامعية، يتم إعادة استخدام البنية الخرسانية والمصممة خصيصًا لضحايا الكوارث الطبيعية التي قد تحدث في العاصمة النيجيرية؛ لاستيعاب الحالات التي يتم تشخيصها بالإصابة بفيروس كورونا.ونقلاً عن يونوسا ثيرو، رئيس فريق الاستجابة للفيروسات في المستشفى، أنه وفريق عمله في استعداد تام لاحتواء الانتشار السريع للمرض.
تفشى المرض في أفريقيا يمكن أن يدمر المنطقة بأكملها والتي تشمل 16 % من سكان العالم، ونصيبهم لا يتعدى 1% من معدل الإنفاق على الرعاية الصحية. فالإمكانيات في أفريقيا محدودة للغاية، بجانب المشاكل الأساسية الملاريا وفيروس والإيدز اللذين يتسببان في مقتل الآلاف من الناس كل عام.
وذكرت الصحيفة أنه إذا كانت إيطاليا، التي يصل فيها التقدم إلى أن هناك 41 طبيب لكل 10000 شخص، لازالت تعاني فعليًا من أجل احتواء المرض. فماذا سيكون الوضع إذا اجتاح المرض نواحي إفريقيا، وهناك فقط طبيبان لكل 10000 شخص. ولذلك قالت ناتالي ماكديرموت، أخصائية الأمراض المعدية في كلية كينجز كوليدج في لندن: “سيكون الأمر أسوأ في أفريقيا”.
وقد وصل الفيروس لأول مرة في أفريقيا تحديدًا في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، في 27 فبراير عندما كان كانت نتيجة التحليل إيجابية لرجل أعمال إيطالي في لاجوس، العاصمة التجارية المترامية الأطراف والمزدحمة لنيجيريا، وظهرت أيضًا عدة حالات إيجابية في 10 دول أفريقية أخرى على الأقل، حيث أبلغت السنغال عن إصابة مواطن فرنسي. بعد بضعة أيام، وأعلنت مصر إن لديها 48 حالة، معظمها على سفينة في نهر النيل –وقت نشر تقرير بلومبيرج- واستعدت كينيا بإنشاء منشآت عزل في نيروبي، ونشّطت مركز عمليات الطوارئ، وحصلت على معدات وقاية إضافية.
ويقول إسحاق نجير عضو فريق المهام الوطني للفيروسات في كينيا، إنه ما زال هناك الكثير الذي يجب علينا القيام به. “مدارسنا مكتظة. مناطق المعيشة لدينا مزدحمة. وسائل النقل العام لدينا مزدحمة. هذه بيئة جيدة لانتشار المرض “. وتعهد صندوق النقد الدولي في 4 مارس بتوفير 10 مليارات دولار بدون فائدة لمساعدة الدول الفقيرة، خاصة في إفريقيا، على معالجة الفيروس. فيما وقد قامت منظمة الصحة العالمية بتوفير معدات الاختبار والتدريب في جميع أنحاء القارة مع التركيز على 13 دولة ذات روابط قوية مع الصين، أكبر شريك تجاري للمنطقة.
وأوضح وزير الصحة النيجيري السابق محمد على بات، أنه يخشى ما يخشاه أن الفيروس قد يدمر المجتمع؛ حيث إن النظم الصحية ضعيفة. قائلًا “إذا نظرت إلى الخريطة، فسترى مناطق لم يتم فيها اكتشاف الحالات، قد يعكس ذلك عدم وجود الفيروس. ولكن قد تخبرنا بشيء آخر وهو أنه قد لا تكون لديهم القدرة على الاختبار”,
وحول حصيلة الخبرة التي اكتسبتها القارة منذ ظهور الإيبولا عام 2014، أفادت بلومبيرج السلطات الصحية تخشى من أن الجهود المبذولة لمكافحة فيروس كورونا المستجد قد تكون غير كافية، مما يجعل الفيروس يساهم بشكل غير مباشر في زيادة الوفيات بجانب أمراض مثل الملاريا التي تقتل حوالي 400 ألف أفريقي في السنة، ووباء الإيبولا الذي تسبب في وفاة أكثر من 11000 أفريقي، وذلك بسبب تهالك أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء غرب أفريقيا. ففى تلك الفترة التي ظهرت فيها أزمة الإيبولا، تباطأت الإمكانيات التي كانت لا تتسع تحمل الأزمة والاستجابة إلى علاج الملاريا وفيروس الإيدز، ومرض السل فقد تم إغلاق العديد من العيادات، وتجنب المرضى الذين يعانون من أمراض أخرى زيارة الأطباء خوفًا من أي احتمالات إصابة بفيروس الإيبولا.
ويقول جيمي ويتوورث، أستاذ الصحة العامة في مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي: “مات عدد أكبر من الأشخاص بسبب نقص الخدمات الصحية العامة أكثر من إيبولا”؛ لذلك “يجب أن نتأكد من عدم تجاهلنا لهذه الخدمات بينما نحارب فيروس كورونا المستجد”.
ويشير الأطباء إلى أن 60% من الأفارقة الشباب تحت سن الـ 25، لذلك لن يكون المرض مميتًا هناك، على عكس البلدان الأوروبية أو الآسيوية ذات السكان الأكبر سنًا، إضافة إلى العادات المختلفة بين الأفارقة والأوربيين، ففي أفريقيا يبقى المسنون مع أسرهم، مما يقلل من انتشار المرض بين الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة. وتقول نينيولا ويليامز رئيسة منظمة غير ربحية لمقاومة الأمراض المعدية في نيجيريا تعليقًا على استعدادات أفريقيا لاحتواء تفشي الفيروس”يتم إعادة تنشيط الهياكل واستراتيجيات الاستجابة للطوارئ التي عملت بشكل جيد مع فيروس إيبولا”.
وأخيرًا أوضحت الصحيفة أنه ربما أعطى فيروس إيبولا إفريقيا خبرة أفضل في كيفية التعامل مع الأوبئة، فإيبولا يعد أكثر فتكًا بكثير من فيروس كورونا، ولكنه أقل انتشارًا، وقد تجنبت نيجيريا الوباء من خلال تتبع وعزل الحالات المحتملة.