
الشركات الغربية وتأثيرها على الانتخابات الأفريقية
ما فتئت الدول الغربية بمطالبة الحكومات في أفريقيا بضرورة تطبيق النظم الديمقراطية في دولها، تركيزًا على الانتخابات بالأسلوب الغربي بداية من الحملة التي شنت خلال ثمانينيات القرن الماضي تحت شعار “المشروطية السياسية”؛ وانتهاء بإرسال مراقبين دوليين للإشراف على الانتخابات فقط ليس إلا. لكن تجاهلت القوى الغربية المشروطية المجتمعية أو السياق المجتمعي الذي يمكن أن يسفر عن تطبيق حقيقي “للديمقراطية الغربية”. بل سمحت بتدخلات غربية جاءت على يد الشركات العابرة للقارات التي دخلت الدول الأفريقية تحت مسمى العولمة الذي تم فرضه قسرا؛ وأثرت هذه التدخلات على العملية الانتخابية.
العولمة وأفريقيا والانتخابات
تُعرف العولمة بأنها تتكون من مجموعة من العمليات التي هي جوهرية لديناميكية الحداثة كمفهوم؛ وبالفعل تم التسويق أن العولمة هي طوق النجاة للدول النامية والآخذة في النمو؛ وأن الاقتصادات التي ستنفتح على التجارة وتدفقات رأس المال على أساس حر وعادل؛ ستكون قادرة على جذب رأس المال الدولي وبالتالي ستستفيد أكثر من العولمة، وكل ذلك يتطلب تطبيق الشكل الغربي للديمقراطية والذي يتلخص في الانتخابات والصندوق. لكن تم تجاهل أنه على الرغم من أن بعض شرائح المجتمع ستستفيد بحس موقعها من السلم الاجتماعي/اقتصادي؛ هناك البعض الآخر سيتراجع وضعه وتحديدًا الطبقات التي في وضع غير مؤاتٍ على المدى القصير. كل ذلك لن يسمح بالتأكيد بتطبيق حر للآليات الانتخابية؛ مما أدى إلى ظهور المال السياسي، والرشاوي الانتخابية.
ويمكن للدول المتقدمة أن تساعد في فتح أسواقها بشكل أكبر أمام المنتجات والخدمات التي يتمتع فيها العالم النامي بميزة نسبية. بالإضافة إلى ذلك، سوف تحتاج جهود الإصلاح التي تبذلها البلدان الأفريقية إلى مواصلة دعمها بتمويل كافٍ بشروط ميسرة. إذ تم إجبار الدول الأفريقية على الاستسلام لقوى متفوقة – واستسلم الكثير منها- لأنها تفتقر إلى المعرفة التكنولوجية، والاستقرار السياسي، والكفاءة الاقتصادية، والقدرة على الاحتفاظ بأفكارها ومنطقها.
حجم الاستثمار الغربي في أفريقيا
وصل الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان الأفريقية إلى رقم قياسي بلغ 83 مليار دولار في عام 2021، وفقًا لتقرير الاستثمار العالمي 2022 الصادر عن الأونكتاد في 9 يونيو. وكان هذا أكثر من ضعف المبلغ الذي تم رصده في عام 2020، حيث أثرت جائحة COVID-19 بشدة على تدفقات الاستثمار إلى القارة السمراء. وظل أكبر حاملي الأصول الأجنبية في إفريقيا أوروبيين، بقيادة مستثمرين في المملكة المتحدة (65 مليار دولار) وفرنسا (60 مليار دولار).
وفي عام 2021، ساعدت الحكومة الأمريكية في إبرام أكثر من 800 صفقة تجارية واستثمارية ثنائية الاتجاه، عبر 47 دولة أفريقية بقيمة إجمالية تقدر بأكثر من 18 مليار دولار، وأتم القطاع الخاص الأمريكي صفقات استثمارية في أفريقيا بقيمة 8.6 مليار دولار.
علاقة الشركات الغربية بالانتخابات
مع وصول الحملة الانتخابية الأخيرة في تنزانيا إلى ذروتها، بدأ أنصار المعارضة يلاحظون عدم استلام البعض منهم رسائلهم النصية، وتحديدًا الرسائل التي تتضمن اسم زعيم المعارضة الرئيسي توندو ليسو Tundu Lissu، وكان التنزانيون يخضعون لشكل من أشكال الرقابة الانتقائية التي تم تصميمها عمدًا، لتقويض حملة المرشح الذي من المرجح أن يهزم الرئيس جون ماجوفولي.
فشركات المحمول نفذت مطلب حكومي بمنع الرسائل التي تحتوي على مصطلحات معينة مرتبطة بحزب المعارضة الرئيسي في البلاد وحظرها، إحدى تلك الشركات كانت فوداكوم تنزانيا، وهي شركة متعددة الجنسيات مقرها في بريطانيا. وعلى الرغم من إعلانها بفخر عن التزامها بتعزيز “الشمول للجميع”، و”العمل بمسؤولية” والمساهمة في “أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة” على موقعها الإلكتروني، فقد ساعدت شركة غربية في تقويض حرية التعبير، ونفس الحال تكرر أثناء الانتخابات الرئاسية في الكونغو الديمقراطية عام 2018.
حالة شركة فودافون ليست سوى قمة جبل الجليد؛ فبينما تستثمر الحكومات الغربية مئات الملايين من الدولارات كل عام في برامج مصممة لتعزيز الديمقراطية في أفريقيا، تشارك الشركات الغربية في مجموعة من الأنشطة التي تساعد في دعم المستبدين وذوي الأداء الضعيف. ولعل أفضل الأمثلة المعروفة على ذلك هي شركات الأسلحة الغربية، التي تبيع الأسلحة للأنظمة القمعية والعديد من الشركات الغربية التي تستفيد من الصفقات الفاسدة، وغسيل الأموال التي تمكن الديكتاتوريين من الثراء السريع. وليس أدل على هذا التأثير من التعمد من قبل شركات المنتجات البترولية من الحد من الكميات المعروضة من البنزين مما تسبب في رفع سعره، وهو ما أدى إلى عدم قدرة الكثير على السفر للتصويت، وبالتالي تأثرت نتيجة الانتخابات.
كذلك لعبت شركة هواوي للتكنولوجيا Huawei Technologies، شركة الاتصالات الصينية متعددة الجنسيات والتي تعد قوة رئيسة في العديد من الأسواق الأفريقية، وفقًا لتقرير صادر عن صحيفة وول ستريت جورنال، دورًا في التأثير على الرأي العام في الدول الأفريقية. فقد شارك موظفو هواوي ضمن فرق الأمن السيبراني في دول مثل أوغندا وزامبيا في اعتراض وفك تشفير الاتصالات المشفرة لدعم جهود الرقابة الحكومية. والأسوأ من ذلك، ساعدت هواوي بالفعل الحكومات الأفريقية في التجسس على خصومها واعتقالهم. ففي أوغندا على سبيل المثال، أمضت وحدة المراقبة الإلكترونية الحكومية أيامًا في محاولة غير ناجحة لاستخدام برامج التجسس لاختراق تطبيقات WhatsApp وSkype الخاصة بـBobi Wine – لذلك طلبوا من Huawei القيام بذلك نيابة عنهم. وعلى مدار يومين، تمكن مهندسو Huawei من اختراق مجموعة دردشة WhatsApp السياسية الخاصة بـ Wine، وعلى أساس المعلومات التي تولدت عن ذلك، قامت الحكومة “بإفساد خططه لتنظيم تجمعات في الشوارع واعتقال السياسي وعشرات من أنصاره”.
رأس المال السياسي
من أهم المستشارين السياسيين وأشهرهم كامبريدج أناليتكا Cambridge Analytica ؛ حيث يتم استخدامها لمساعدة الرؤساء الاستبداديين على الفوز في الانتخابات. وحظيت رغبة جماعات الضغط الغربية في أخذ مئات الملايين من الدولارات من زعماء غير محبوبين يحكمون دولًا شديدة الفقر باهتمام أكبر في السنوات الأخيرة.
وربما يكون الأمر الأقل شهرة هو أن هناك أيضًا مشكلة كبيرة عندما يتعلق الأمر بشركات الإنترنت والاتصالات السلكية واللاسلكية، والتي غالبًا ما تتمتع بسمعة طيبة بناءً على قدرتها على توصيل الأشخاص وتوسيع الوصول إلى المعلومات حول العالم. لكن هناك العديد من الشركات الغربية التي ساهمت سواء بالأموال أو بالتدخل المباشر في المناطق الأفريقية، ومنها شركتي شل وشيفرون بقوات عسكرية، إذ قامت الشركات باستئجار ميليشيات مسلحة وشركات أمن خاصة لحماية منشأتها في رد فعل مضاد، أو إنشاء قوات أمن خاصة بها وهو ما قامت به شركة شل عام 1990، عندما قامت باستدعاء القوات الخاصة بها في ولاية الأنهار واستخدمت الرصاص لتفريق المتظاهرين مما أدى الى مقتل 80 شخص وتدمير 500 منزل.
تقديم الأرباح على المواطنين
وفقًا لمبادرة OpenNet، تستخدم العديد من الدول مثل السودان وتونس وتنزانيا وغيرها من الدول حلول التصفية الآلية الغربية لمنع المحتويات الإلكترونية، مثل مواقع الويب التي تقدم آراء متشككة في الإسلام، والعلمانية والخطاب الإلحادي والجنس ومثليي الجنس وخدمات المواعدة وأدوات البروكسي وإخفاء الهوية”. على الرغم من أن عددًا قليلاً من الشركات مثل Websense صرحت رسميًا أنها لا تريد استخدام برامجها للرقابة الحكومية، إلا أن الغالبية ليس لديها سياسة واضحة على الإطلاق. وفي المقابل يحتج أصحاب الشركات ورجال الأعمال بعدم مسؤوليتهم، لأنهم ببساطة ينشؤون البرمجيات ولا ينبغي أن يتحملوا مسؤولية ما يفعله العملاء به بعد شرائه. لكن هذا غير صحيح، حيث توجد أدلة واضحة على التواطؤ المستمر في طريقة تشغيل هذه البرمجيات وصيانتها. وعلى حد تعبير OpenNet “لا توفر هذه الشركات البنية التحتية التقنية فحسب، بل توفر أيضًا وصولًا مستمرًا إلى القوائم التي تصنف الملايين من عناوين URL لأغراض التصفية.”.
من هنا، سنجد أن تلك الشركات تقوم بممارسات في الدول الأفريقية لا يمكنها القيام بها في دولها الأصلية؛ بسبب القانون. وعادة ما تؤدي هذه الممارسات لتزييف الإرادة الانتخابية التي طالما عوقبت الدول الأفريقية لعدم تطبيقها، بل قد يصل الأمر إلى حد سلب تلك الارادة.
إن السؤال حول من يُحمل الشركات متعددة الجنسيات المسؤولية عن مثل هذا السلوك المنحرف، يعيدنا إلى ممارسات شركات فودافون وشيفرون وهواووي. على الرغم من مساعدتهم التي وصلت للتحريض للحكومات الاستبدادية بشكل متزايد – وهي الحكومة التي ضاعفت من الرقابة والقمع قبل الانتخابات باعتقال أكثر من 150 من مؤيدي وقادة المعارضة بعد الانتخابات – لم تُجبر أي شركة على تفسير سلوكها، ولم يشعروا حتى بالحاجة إلى الاعتذار.
بدلاً من ذلك، كثفت شركة Vodacom Tanzania مؤخرًا جهودها للتقرب من الحزب الحاكم في تنزانيا، حيث عينت توماس ميهيو – حليف معروف لماغوفولي، وعضوًا في اللجنة الوطنية للانتخاباتNEC التي وقعت على انتخابات معيبة – كرئيس جديد لمجلس الإدارة. وما زالت شيفرون تتوسع في نيجيريا وانتقلت من استخراج النفط إلى استيراد وتوزيع المنتجات البترولية. وعلى الرغم من ذلك، لم تكن هناك جهود متضافرة للتحقيق في التأثير السلبي لسلوك الشركات متعددة الجنسيات على الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذا بدوره يوضح التناقض المتأصل الذي يكمن الآن في قلب السياسة الخارجية لدول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة. بينما تدعي المملكة المتحدة أنها قوة من أجل الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، تركز المملكة المتحدة بشكل متزايد على “التجارة وليس المساعدة” بينما صرح الرئيس دونالد ترامب بتصميمه على وضع “أمريكا أولاً”.