أفريقيا

الانتخابات النيجيرية الحدث الأهم في غرب أفريقيا: هل تُحسم من الجولة الأولى؟

باقتراب موعد الانتخابات النيجيرية من محطتها الأخيرة؛ من المتوقع أن يدلي أكثر من 93 مليون ناخب بأصواتهم في 25 فبراير لانتخاب الرئيس المقبل للبلاد واختيار ممثليهم في البرلمان، ثم في 11 مارس، سيصوتون لمنصب الحاكم ومجالس الولايات. من المتوقع ألا تمر انتخابات الدولة الأكبر في غرب أفريقيا بسلاسة؛ ما بين التوقع بالتأجيل كما حدث عام 2019، أو احتدام الصراع في دولة تكبر مشاكلها بالتوازي مع ازدياد ثقلها الدولي والإقليمي.

تعاني نيجيريا من انعدام الأمن المتفشي بسبب الجماعات المتطرفة والبطالة المنتشرة والفساد المستمر والركود الاقتصادي، مما يعني أن مجرد البقاء على قيد الحياة ببساطة يمكن أن يكون إنجازًا كبيرًا. من بين 18 مرشحًا هناك بعض المرشحين هم الأقرب للحصول على كرسي الحكم، تجمعهم صفات التنقل ما بين الأحزاب والخبرة السابقة في العمل السياسي.

أبرز المرشحين

بينما يسعى حزب مؤتمر جميع التقدميين APC لإعادة انتخابه، يتطلع حزب المعارضة الرئيس حزب الشعب الديمقراطي PDP إلى العودة، وبالرغم من أن حزب العمل بعيد عن الانتشار فإنه قد يتسبب في تغيير نتيجة الانتخابات؛ إذ من الممكن أن يفتت الأصوات، ونفس الحال بالنسبة لحزب الشعب النيجيري الجديد. من هنا ينحصر السباق الانتخابي في نيجيريا في أربعة أشخاص يمثلون هذه الأحزاب الاربعة:

1 – بولا أحمد تينوبو: مرشح حزب مؤتمر جميع التقدميين APC الحاكم، يبلغ من العمر 70 عامًا، يسانده كونه حاكمًا سابقًا لمدينة لاجوس، فهو ليس بعيدًا عن دوائر الحكم، ومؤيد للديمقراطية تاريخيًا منذ الحكم العسكري. وهو كذلك ملياردير مما يعني وجود رأس مال يمكنه الإنفاق من خلاله على الانتخابات. وهو مسلم من الجنوب الغربي، ويفتخر بأنه أوصل الرئيس الحالي محمد بخاري إلى السلطة، لذا فان شعاره اليوم Emi lo kan  والتي تعني بلغة اليوروبا الذين ينتمي لهم “حان دوري”؛ ليعبر عن تاريخه كصانع رؤساء في السياسة النيجيرية.

لكن ذلك هو ما ينفر في نفس الوقت العديد من الناخبين الشباب منه. بالإضافة إلى أن الرئيس بخاري لم يسانده ولم يقم بأي دعم لا علني ولا سري وهو يمثل حزبه. وقد سبق وأن جهت إليه اتهامات بالفساد المالي والسياسي، لكن لم تثبت عليه أي تهم. ويتمتع بدعم ما يقرب من ثلثي حكام الولايات البالغ عددهم ستة وثلاثين حاكمًا.[1]

2 – أتيكو أبو بكر: رجل الأعمال ونائب الرئيس السابق وهو مرشح حزب الشعب الديمقراطيP.D.P.،  ترشح أبو بكر البالغ من العمر 76 عامًا للرئاسة خمس مرات منذ عام 1993، وقد يكون هذا العام آخر فرصة له. وهو مسلم من الشمال، يأمل في الحصول على أصوات أكثر بكثير مما حصل عليه في الماضي، والآن لم يعد مضطرًا لخوض منافسة ضد خصمه القديم السيد بخاري ذي الشعبية الجارفة.[2]

بالكاد قبل أسبوع من الانتخابات العامة لعام 2023، تبنى خمسة من أصل 18 حزبًا سياسيًا في نيجيريا المرشح الرئاسي عن حزب الشعوب الديمقراطي، أتيكو أبو بكر. فأعلنت الأحزاب الخمسة ذلك في الختام الكبير للتجمع الرئاسي لحزب الشعب الديمقراطي الذي عقد في ميدان محمود ريبادو في يولا، عاصمة ولاية أداماوا؛ هذه الأحزاب هي: حركة الشعوب المتحالفة، والمؤتمر الديمقراطي الأفريقي، وحركة الإنقاذ الوطني، وتحالف العمل، وحزب العمل الشعبي. يزيد في خطابه عن باقي المرشحين بالوعد بنقل الصلاحيات إلى الولايات والحكومات المحلية مع توفير الموارد المناسبة بما يتفق مع الدستور النيجيري الفيدرالي.[3]

3 – بيتر أوبي: وهو المرشح المفاجئ ذو الـ 61 عامًا؛ يحظى بقبول بين قطاع كبير من الشباب النيجيري وخصوصا على وسائل التواصل الاجتماعي. وهو مسيحي من الجنوب الشرقي شغل سابقًا منصب حاكم ولاية أنامبرا لمدة 8 سنوات، وينتمي إلى حزب العمال الأقل شهرة، بعد أن غدر به حزبه القديم “حزب الشعب الديمقراطي”.

يحظى بشعبية بين شباب الأقاليم الجنوبية الذين يعانون من المصاعب الاقتصادية والبطالة وانعدام الأمن، ويتمتع بحضور إعلامي جيد. وكان عضوًا في حزب الشعب الديمقراطي؛ لكنه أجبر على تركه العام الماضي بسبب رجل الأعمال نيسوم وايك حاكم ولاية ريفرز المنحاز لأحمد تينوبو. فـ60% من السكان أقل من 25 عامًا. بدأ أوبي حياته المهنية كمصرفي ورجل أعمال قبل دخول السياسة. وبينما يحرص أوبي على تقديم نفسه على أنه مصلح، فإن وعود حملته –الحد من انعدام الأمن وقيادة أفضل وسياسات أكثر دعمًا للأعمال التجارية- تبدو مشابهة لتلك التي قدمها تينوبو وأتيكو، لكنه يفضلهم برفضه لقمع الشرطة.[4]

4 – رابيو كوانكواسو: بالرغم من انخفاض احتمالية فوزرابيو كوانكواسو؛ إلا أنه لا يمكن إهمال أهميته كمرشح رابع الجدير بالذكر. كوانكواسو ذو 66 عامًا وزير دفاع وسيناتور سابق، شغل منصب حاكم كانو مدتين؛ وهي إحدى الولايات النيجيرية الأكثر اكتظاظًا بالسكان. وهو مسلم ويحظى بشعبية في شمال نيجيريا قد تؤثر بشكل كبير على النتيجة من خلال تقسيم الأصوات، بما في ذلك ولاية كانو المهمة، حيث يمتلك قاعدة ضخمة. بالإضافة إلى كل ذلك فهو منضم لحركة “ثورة القبعة الحمراء” التي يمثل الشباب الأغلبية فيها وقد انتقلوا معه خلال تنقله بين 5 أحزاب أخرها حزب الشعب النيجيري الجديدNNPP ، الذي لم يكن معروفًا على المستوى الوطني حتى انضم العام الماضي.[5]

الوضع الداخلي

يتميز الوضع في نيجيريا بعدم الاستقرار الذي ضرب البلاد المتقلبة بالفعل والتي تشتهر بالعنف خلال مواسم الانتخابات، لدرجة أن الناس يتحدثون غالبًا عن غرق الدولة في “أنهار الدم”. لكن هناك مشكلات أضيفت إلى عدم الاستقرار، منها نقص الوقود هو أيضًا مصدر قلق كبير.

مع غضب النيجيريين بسبب ارتفاع معدل التضخم الذي وصل 21.3 عام 2022%، فإن الوقت الحاضر ليس وقتًا للحملات والجولات الانتخابية التي لن تؤدي إلا إلى تأجيج المشاعر. وبالرغم من رفع البنك المركزي النيجيري معدلات الفائدة  بمقدار 500 نقطة أساس تراكمية في عام 2022 و100 نقطة أساس أخرى في يناير 2023، لا يزال التضخم مرتفعًا.

واتسع العجز المالي للحكومة العامة عام 2022، ويرجع ذلك إلى ارتفاع تكاليف دعم الوقود. ولعلاج ذلك تم سحب العملات من الفئات الكبيرة مثل 500 و1000 نيارا؛ واستبدالها عملات من فئات أصغر 50 و100و200 نيارا بها. في حين تشير التقديرات إلى تحسن الحساب الجاري عام 2022، انخفضت احتياطيات العملات الأجنبية وسط ضغوط تدفق رأس المال إلى الخارج. هذه السياسات أثارت احتجاجات عنيفة في المدن الكبرى؛ إذ قام عملاء البنوك المحبطون بتخريب البنوك وإغلاق الطرق.[6]

الوضع الأمني هو الأكثر إلحاحًا كقضية تؤرق الشعب والحكام معًا؛ من تشدد إسلامي باستمرار توسع بوكو حرام في الشمال، وعمليات الخطف من قبل قطاع الطرق، وصراعات بين مربي الماشية، وتمرد انفصالي في الجنوب الشرقي في بيافرا.

الانتخابات النيجيرية في الميزان

بالرغم من تسجيل عدد كبير من الناخبين؛ فإن عملية التسجيل للناخبين لم تشمل الجميع من التسجيل على الرغم من تمديد الموعد النهائي. وحتى الآن، فإن العديد من الناخبين الذين تم القبض عليهم سابقًا لم يتلقوا البطاقات بعد. والأهم من ذلك، انعدام الأمن المتزايد والهجمات الإرهابية في جميع أنحاء البلاد وخاصة في شمال نيجيريا، وهو ما يهدد إجراء الانتخابات بحرية، ويُخشى أن يتصاعد الصراع. بالإضافة إلى أن أنصار الرئيس الحالي قد يحاولون زعزعة الاستقرار أو إطالة فترة ولاية إدارة بخاري الحالية عن طريق فرض حالة العجز في البلاد.

وهناك قلق آخر يتعلق بسلامة مسؤولي اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة، من حيث تعرضهم لهجمات اللصوص والإرهابيين الذين تسببوا بالفعل في أضرار جسيمة لمنشآت اللجنة الانتخابية المستقلة، ولا سيما في الأجزاء الجنوبية الشرقية من البلاد. وبالرغم من كل ذلك يرى العديد من النيجيريين أن انتخابات 2023 فرصة لتغيير المسار، ويخططون للانفصال عن الحزبين التقليديين للتصويت لمرشح ثالث.

لم تشهد البلاد منذ إعادة إحياء الديمقراطية النيجيرية في عام 1999 انتخابات قاسية -ومفتوحة على مصراعيها- مثل هذه الانتخابات. يتميز النظام الانتخابي الرئاسي في نيجيريا بالتناوب بين الشمال والجنوب، ومن ثم على الأحزاب أن تتقدم بمرشحين وفقا لذلك الترتيب. وبما أن الرئيس الحالي محمد بخاري من الشمال؛ كان من المتوقع أن يترك السيد أبو بكر الجنوبي يقود حزبه. لكنه لم يفعل ولم يناصره، مما قد يكبده الثمن بخسارة معاقل مؤتمر جميع التقدمي التقليدية في الجنوب.[7]

وبالرغم من أن الانتخابات النيجيرية تاريخيًا عادة ما كانت محصورة ما بين الحزبين الكبيرين حزب الشعب الديمقراطيP.D.P.، وحزب مؤتمر جميع التقدميين APC الحاكم. كسر السيد أوبي هذا الاحتكار عندما انشق عن الحزب الديمقراطي  بسبب ترشيحه السيد أبو بكر، لكنه أصر على الترشح على أي حال، وانضم إلى حزب آخر مما قد ينتج عنه تفتت الأصوات.[8]

وبما أن ما يحتاجه أي مرشح للفوز هو الأغلبية المطلقة بالإضافة إلى 25% من الأصوات في ثلثي ولايات نيجيريا البالغ عددها 36 ولاية للفوز بكرسي الحكم، إذا لم ينجح أي مرشح في تحقيق هذه النسبة؛ فستخضع الانتخابات إلى جولة ثانية، وهو ما لم يحدث منذ عودة الديمقراطية لنيجيريا، لكن محللين يقولون إن الوضع الحالي قد يقود إلى هذا الاحتمال.

لذا إذا حدث إقبال كبير يوم الانتخابات، فمن المرجح أن يفوز السيد أوبي بهامش كبير؛ وإذا أحجم الناخبون عن صناديق الاقتراع كما حدث عام 2019 فسيكون السيد تينوبو هو الفائز الأكثر ترجيحًا إلى حد بعيد. وقد تنخفض نسبة المشاركة بسبب انعدام الأمن والمشاكل اللوجستية واللامبالاة. لكن هذا العام وفقًا للجنة الانتخابات النيجيرية INEC؛ تم تسجيل أكثر من 12 مليون ناخب جديد، معظمهم من الشباب. لذا قد تتوقف نتيجة الانتخابات على إقبال الناخبين الشباب. وأيضًا من المتوقع ألا يحصل تينبو على جميع أصوات الجنوب، وخاصة ولاية الأنهار؛ فهم إما مؤيدون لأوبي أو لأتيكو، لذا قد يسفر الأمر عن الذهاب إلى جولة إعادة.


[1] Dimeji Kayode-Adedeji: Tinubu alleges plot to scuttle 2023 poll, Premium Times (Abuja: 25th. Jan., 2023)

[2]  Seriki Adinoyi: 2023: ‘Atiku Will Win Resoundingly’, This Day (Abuja: 18th. Feb., 2023)

[3] El-Ameen Ibrahim: Five parties adopt Atiku for presidency, Punch (Lagos: 18th. Feb. 2023)

[4] Matthew T. Page: The Two Voting Blocs That Could Transform Nigerian Politics, Carnegie endowment and international peace (Washington, D.C.,: 14th, Feb., 2023)

[5] Victor Ezeama: Nigeria election 2023: Who is Rabiu Kwankwaso of the NNPP?, BBC (London:13th, Feb.. 2023)

[6] IMF Executive Board Concludes 2022 Article IV Consultation with Nigeria, IMF (Washington, DC: 8th. Feb, 2023)

[7] Ruth Maclean: Nigerian Election 2023: What to Know, The New York Times (New York: Feb. 17, 2023)

[8] Nduka Orjinmo: Nigeria 2023: Peter Obi winds down presidential campaign rally on a high note, BBC (London: 16th. Feb., 2023)

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى