
أقرت إيران بأن ضربة بطائرة مسيرة استهدفت أحد مواقعها العسكرية في مدينة أصفهان، واكتفى وزير خارجيتها “حسين عبداللهيان” بالتصريح أن “الأعداء” لن تمكنوا من زعزعة الاستقرار في إيران.وأفادت صحيفة وول ستريت نقلًا عن مسؤولين أمريكيين مطلعين على ما جرى حديثا في إيران، أن إسرائيل نفذت ضربة بطائرة بدون طيار استهدفت مجمعًا عسكريًا في إيران لتخزين الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، حيث تبحث الولايات المتحدة وإسرائيل عن طرق جديدة لاحتواء طموحات طهران النووية والعسكرية. كما صرح اليوم وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكين” خلال زيارته للقاهرة، أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.
فيما قال مسؤولون إيرانيون، إن الدفاعات الجوية الإيرانية تصدت لمحاولة هجوم من قبل ثلاث طائرات رباعية صغيرة، ولكن تمكنت طائرات مسيرة أخرى من إلحاق ضرر “طفيف” على المجمع العسكري، ولم تلحق أي إصابات أو وفيات. مما يطرح سؤالًا حول سياقات الحدث، ومسارات الأمن في الإقليم، بعد الضربة التي استهدفت المجمع الصناعي العسكري الإيراني.
سياقات مصاحبة للأزمة
قفزت مجموعة من السياقات متعددة المستويات في منطقة الشرق الأوسط مؤخًرا، قد ترسم تفسيرًا لما حدث في إيران. وهي بالترتيب التالي:
- مشاركة إيران في الحرب الأوكرانية
اعترفت إيران بمشاركتها بجانب روسيا في الحرب في أوكرانيا، عن طريق تزويدها روسيا بطائرات مسيرة (وصواريخ، بحسب ما أثارته بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة)، واستخدمت موسكو هذه الطائرات لاستهداف محطات طاقة وبنية تحتية مدنية. وهو ما دفع قرار مجلس نواب الاتحاد الأوروبي، بأكثرية ساحقة، بإدراج الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية.
أما من الجانب الإسرائيلي وبمشاركة أمريكية، فكان الأمر مثار قلق بالغ لدى الحكومة الإسرائيلية والجيش بالتحديد؛ كونه يسمح لإيران بتطوير صناعاتها العسكرية في مجال الطائرات المسيرة والصواريخ وتجربتها في الساحة الأوكرانية. وهو ما انعكس في المحادثة الأخيرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذ استغل الأخير الدعوة للتعبير عن قلقه من توسع العلاقات العسكرية بين روسيا وإيران.
كما دفع ذلك إسرائيل للضغط على الولايات المتحدة لصياغة خطط عسكرية تستهدف البرنامج النووي والعسكري الإيراني. وحسب التقديرات تعتزم إيران نقل 300 طائرة مسيرة إلى الجيش الروسي، وبذلك تتم إرسال 2000 طائرة.
- مناورات متبادلة
قبل نهاية العام الماضي (30 ديسمبر 2022)، أعلنت إيران عن مناورة عسكرية برية وبحرية “مناورة ذو الفقار”، باتجاه أذربيجان وشرق مضيق هرمز-الخليج العربي، بهدف تعزيز الجاهزية القتالية، ومفادها رسالة إيرانية إلى الدول المحتمل منح إسرائيل مطاراتها العسكرية لضرب إيران، وبالتحديد أذربيجان وكردستان العراق.
شاركت أنواع الطائرات المسيرة الهجومية والتجسسية والاعتراضية في العمليات، كما شاركت الطائرة المسيرة الهجومية “أبابيل 5″، والتي انضمت إلى الخدمة مؤخرًا في وحدة الطائرات المسيرة التابعة للقوات البحرية، لأول مرة في مناورات الجيش، وقامت بغارات جوية باستخدام قنابل “قائم”. وهي من فئة قنابل سديد الموجهة والمتطورة، ومزودة بأجهزة استشعار بصري أو حراري.
أما من الناحية الإسرائيلية والأمريكية، فسبقت المناورة الإيرانية مناورة أمريكية-إسرائيلية مشتركة جوية، هي الأكبر حينها في تاريخ التدريبات المشتركة. قامت بها القوات الجوية للولايات المتحدة وإسرائيل لمحاكاة هجوم على المنشآت النووية الإيرانية يوم 29 نوفمبر 2022، واستمرت ثلاثة أيام. وكانت هي المرة الأولى التي تذكر فيها الولايات المتحدة صراحة إمكانية شن هجوم أمريكي إسرائيلي مشترك على المنشآت النووية الإيرانية.
ثم أطلقت إسرائيل والولايات المتحدة مناورة مشتركة أخرى أكبر من سابقتها “جنوبير أوك” في 23 يناير 2023. ضمت 100 مقاتلة أمريكية مع قاذفات وطائرات تزويد بالوقود تحلق رفقة 42 طائرة عسكرية إسرائيلية.
وشارك في التمرين قوات كبيرة من البحرية الأمريكية والإسرائيلية. وتولت حاملة الطائرات الأمريكية جورج بوش قيادة القوة البحرية الأمريكية. وهي المرة الأولى التي يجري فيها الجيش الإسرائيلي تدريبات مع الولايات المتحدة، تشارك فيها حاملة طائرات أمريكية وقواتها الضاربة وقنابل موجهة بالليزر وصواريخ كروز شبحية.
- التقارب الإيراني مع السعودية
كانت أحدث تصريحات رئيس وزراء العراق “أن هناك رغبة جادة من إيران والسعودية باستمرار العراق في دوره بتقريب وجهات النظر بينهما، ونحن مصممون على هذا الدور الطبيعي للعراق، بتبني دور ريادي في المنطقة”. ثم استكمل باعتزامه إجراء لقاء في بغداد يجمع إيران بالسعودية في العراق.
ورغم أن سياسة التقارب الإيرانية تجاه السعودية لا تمثل توجهًا كاملًا لدى إيران بجميع مؤسساتها، وأن الأمر قد يقتصر فقط على اتجاه داخل وزارة الخارجية الإيرانية، إلا أن الرئاسة الإيرانية أعلنت (حسب زعمها) أن السعودية رحبت باستئناف التفاوض مع إيران. ويستدل على ذلك أن بغداد استضافت خمس جولات بين الطرفين لمناقشة المسائل الأمنية، وكذلك تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في منتدى دافوس الأخير، إن المملكة تواصلت مع إيران وتحاول إيجاد طريق للحوار.
المسارات المحتملة
يبدو أن صعود بنيامين نتانياهو للسلطة في إسرائيل مرة أخرى، يصاحبه رغبته في وضع بصمة مختلفة في معادلة الأمن الإقليمية بخلاف الحكومة الإسرائيلية السابقة. وعليه يمكن تقدير بعض من المسارات المحتملة، وهي:
- اشتداد حرب الظل بين إسرائيل وإيران
تنتظر إسرائيل ردة فعل إيرانية رغم عدم إعلانها عن أي مسؤولية في الضربة الأخيرة ضد إيران. إلا أن القراءات الاستراتيجية تشير إلى أن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين كبار ناقشوا في الأيام الأخيرة احتمال شن عملية عسكرية أمريكية-إسرائيلية مشتركة لقصف المصانع التي تصنع طائرات مسيرة انتحارية في إيران. وجاء هذا الموضوع في المحادثة الأخيرة بين مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي الدكتور إيال حولتا.
في 24 يناير 2023، أكد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، ووزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس، على إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”. وتستهدف هذه المناورة حسب البيان المشترك دحر الإرهاب و”المخططات العدوانية”. بالإضافة إلى إشارة عدة تقارير إلى خطف إيران لسفن إسرائيلية تجارية في البحار الجنوبية للشرق الأوسط (خليج عمان، بحر العرب).
في المقابل، تعرضت المنشآت الإيرانية الرئيسة للتخريب عدة مرات في الماضي، بما في ذلك منشأة نطنز النووية في عام 2021، واتهمت إيران إسرائيل بالوقوف وراء التخريب. كما استهدفت إسرائيل في السابق قوافل يشتبه في قيامها بتهريب أسلحة إيرانية إلى سوريا من العراق.
وهو ما يستدل على استهداف طائرات مجهولة لـ 6 شاحنات في البوكمال بعد دخولها سوريا قادمة من العراق. لذلك، قد تستمر المواجهات بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى في ساحة سوريا، كما يزيد عليه مزيد من التقارب الاستراتيجي بين إيران والرئيس السوري بشار الأسد الذي يواجه إصرارًا أمريكيا بعدم ترحيب التطبيع معه.
- مواجهة مباشرة
بالنظر إلى طبيعة المناورات السابق ذكرها، فإن إيران تستعد لمواجهة عسكرية متعددة الأهداف برًا وبحرًا وجوًا. وكذلك الحال بالنسبة لإسرائيل إذ يمكن استبيان دلالات المناورة المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأخيرة في البيان الذي أصدره الجيش الإسرائيلي.
ونص البيان على أن “تمرين بازلت أوكس بدأ اليوم بالاشتراك مع القيادة المركزية للجيش الأمريكي، وسيختبر التمرين الجاهزية الإسرائيلية الأمريكية المشتركة ويحسن العلاقة العملياتية بين الجيشين. وسيحاكي التمرين مهاجمة الأهداف ويمارس الخطوط العريضة المعقدة بالاقتران مع أنظمة الاتصال والقيادة والتحكم المشتركة. وستقوم سفن الصواريخ وغواصة من سلاح البحرية بمناورة بحرية مشتركة مع حاملة طائرات أمريكية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تزويد سفن صواريخ سار 5 بالوقود في وسط البحر، بواسطة ناقلة أمريكية، لتوسيع مديات ومناطق عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي في الحالات الروتينية والطارئة”.
وجاء في إعلان الجيش الإسرائيلي: “خلال التمرين، ستطلق القوات الجوية والبحرية والبرية الإسرائيلية والأمريكية النار على أهداف تحاكي التهديدات البحرية، وستقوم المخابرات الأمريكية والقاذفات الثقيلة بإلقاء الأسلحة الحية في جنوب البلاد. بالإضافة إلى ذلك، ستشارك في التمرين طائرات التزود بالوقود الإسرائيلية من نوع “رام” وطائرات التزود بالوقود المستقبلية للجيش الإسرائيلي، وهي طائرات أمريكية ثقيلة من نوع KC46 للتزود بالوقود، والتي ستقوم بتزويد الطائرات المقاتلة والقاذفات بالوقود معًا”.
- مزيد من التعاون العسكري الإيراني في الحرب الروسية الأوكرانية
يبدو أن إسرائيل (في حال ضلوعها في عملية انفجار أصفهان) قد أظهرت متغيرًا جديدًا في سياساتها لإدارة الأزمة في أوكرانيا، بين الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع روسيا لحفظ أمنها في سوريا، وبين مساعدة الجيش الأوكراني تحت ضغط من الولايات المتحدة. ويأتي ذلك من خلال ضرب مستودعات الطائرات والصواريخ المقدمة للجيش الروسي في أوكرانيا، والتي تسهم في تعطيل بنية أوكرانيا التحتية.
وعليه، فمن المقدر أن تزيد إيران من حجم مساعدتها العسكرية للجيش الروسي، لا سيما وأنه مثار قلق لدى إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة أن الأخيرة ترى في إيران الداعم الأكبر والرئيس لروسيا في أوكرانيا.
- انفلات أزمة أمنية إقليمية
رغم مساعي إيران بالتقارب مع السعودية، إلا أنه يظل توجهًا غير مرحب به لدى الحرس الثوري الإيراني، الذي لا يزال يتبنى خطابًا تهديديًا تجاه دول الخليج. لذلك قد يستغل الحرس الثوري الإيراني انفجار أصفهان كذريعة لضرب أهداف خليجية في الخليج العربي مثل سفن شحن وبضائع، أو ناقلات نفط، واستمرار استهداف باب المندب في البحر الأحمر، وقد يقطع هذا المسار سلسلة المحاولات الإيرانية بالتقارب مع السعودية، لا سيما وأن المتشددين في البرلمان الإيراني يهاجمون السياسة الإيرانية الناعمة تجاه الخليج مؤخرًا.
ختاما، يمكن القول إن انفجار أصفهان إيذان باشتداد حروب ظل إقليمية بين إيران وإسرائيل في عدة ساحات، قد تطال دولًا إقليمية أخرى. كما أن الدافع الأمريكي وراء الضربة الأخيرة هو مساعدة إيران لروسيا في أوكرانيا، ورفضها استكمال المباحثات النووية.
ورغم استمرار المناورات المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة لرفع جهوزية الجيش الإسرائيلي، إلا أن سيناريو الحرب المباشرة يظل مستبعدًا نتيجة احتدام المواجهات بين روسيا وأوكرانيا، بل وملاحظة تقدم إيجابي للجيش الروسي على حساب الجيش الأوكراني.
باحث ببرنامج العلاقات الدولية