
الصومال في مواجهة أعباء عدم الاستقرار
على الرغم من التحسن الذي طرأ على الوضع الأمني في الصومال منذ الانتخابات الرئاسية التي فاز بها حسن شيخ محمود، إلا أن الوضع العام الداخلي لا يزال هشًا لتعرض الصومال للكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، بدءًا من نشاط حركة الشباب الارهابية والتي ما زالت تقف عقبة رئيسة أمام السلام والأمن، مرورًا بتدهور الاقتصاد، هذا علاوة على مشاكل أخرى كثيرة تتعلق بالظروف البيئية التي تسببت في الجفاف. أما عن الأسباب الخارجية فهي تورط الصومال في صراعات خارج أراضيه؛ ألا وهو الصراع في إثيوبيا بقوات تحت إدارة إريتريا وهو ما يحاول الرئيس الصومالي الحالي الخروج منه.
- حالات النزوح
يقدر عدد النازحين داخليًا في الصومال بـ 2.9 مليون شخص، وهو أحد أعلى أعداد النازحين داخليًا في العالم، مما يشكل ضغطًا كبيرًا على الحكومة. لذا من المتوقع أن تظل النزاعات المسلحة والكوارث المتعلقة بالأخطار الطبيعية من المحركات الرئيسة للاحتياجات الإنسانية في السنوات القادمة. ومن المرجح أن تؤدي الأزمات المتعلقة بالمناخ إلى مزيد من النزوح، وأن تشكل ضغطًا إضافيًا على المجتمعات الصومالية الضعيفة بالفعل، لا سيما في المواقع المعرضة للكوارث. ففي عام 2021، واجهت البلاد توترات سياسية متصاعدة في سياق العملية الانتخابية المتأخرة، مما أدى إلى مزيد من النزوح.
وفقًا لاستعراض الاحتياجات الإنسانية لعام 2022، فقد قدر أن 7.7 مليون امرأة ورجل وطفل صومالي، أي ما يقرب من نصف إجمالي السكان البالغ عددهم 15.7 مليون نسمة؛ بحاجة إلى مساعدة إنسانية، بزيادة قدرها 1.8 مليون مقارنة بأعداد الأشخاص المحتاجين لعام 2021 والذي كان 5.9 مليون.[1]
- الهجرات
يعد الصومال مصدرًا رئيسًا ومعبرًا -وإلى حد ما بلد المقصد- لتدفقات الهجرة من مناطق مجاورة عدة، ومن الصومال نفسه. لذا يواصل الصومال استقبال تدفق المهاجرين من البلدان المجاورة عبر طرق الهجرة غير النظامية، ولا سيما من إثيوبيا واليمن. بالإضافة إلى ذلك، ينتقل عدد متزايد من الصوماليين من اليمن. ويواصل المهاجرون الإثيوبيون الاستقرار على طول طريق الهجرة في أرض الصومال وبونتلاند، وبينما من المتوقع أن يزداد عدد المهاجرين الذين يسافرون عبر الصومال إلى اليمن، وصل كذلك عدد أكبر من اليمنيين والإثيوبيين إلى الصومال في عام 2022 طلبًا للجوء.[2]
- التوتر السياسي
أعاقت التوترات السياسية والمواجهات العسكرية بين الولايات والحكومة الفيدرالية الصومالية الإصلاحات الضرورية، وتوقفت عملية مراجعة الدستور. وإلى الآن لم يتم بعد تحديد وضع النظام الاقتصادي وإدارة الموارد المالية للدولة بشكل مركزي وخاصة طريقة تقاسم السلطة والموارد بين المؤسسات الفيدرالية والمركزية. فقد أدى تعميق الخلافات السياسية بين الحكومة الفيدرالية وجوبالاند وبونتلاند إلى إعاقة التنفيذ الكامل للإصلاح الأمني والتأكيد على الطابع المجزأ لقطاع الأمن.
هذا بالإضافة إلى عدم تمكن الحكومة الفيدرالية الصومالية من السيطرة بشكل كامل على الجيش الوطني وقوات الأمن الإقليمية والمجتمعية؛ فالعديد من المجندين لهم انتماء عشائري هو الأعلى والأهم بالنسبة لهم. من هنا سار دمج الميليشيات العشائرية والجيوش الإقليمية في التحالف الوطني الصومالي ببطء.
- الفساد
شرعت الحكومة الفيدرالية في إصلاحات في قطاعي الأمن والمالية، من بينها التسجيل البيومتري لقوات الأمن ودمج الجنود في نظام مالي إلكتروني. وقد زاد من قاعدة الإيرادات المحلية وساهم في استكمال ثلاث مراجعات من قبل صندوق النقد الدولي بنجاح. لذا تأهل الصومال في نهاية المطاف للمشاركة في مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون HIPC))، والتي بدأت عملية مدتها ثلاث سنوات لتخفيف الديون ووفرت للبلاد إمكانية الوصول إلى سوق الاقتراض الدولي. وكذلك لم تتمكن إلى يومنا هذا الحكومة الفيدرالية الصومالية من فرض الضرائب في الولايات الفيدرالية خارج مقديشو، الأمر الذي يضعف قدرات الدولة.[3]
- الإرهاب
تقدم الصومال في مؤشر الدول المستهدفة من الإرهاب، فبعد أن كان في المرتبة الخامسة عام 2011 أصبح في المرتبة الثالثة عام 2021. وحافظت حركة الشباب على وجودها عبر المناطق الريفية، وسيطرت على طرق الإمداد لمعظم المدن، وأقامت نقاط تفتيش في الشوارع الرئيسة حيث جمعت الضرائب على البضائع والركاب.
وقد أنشأت هياكل حكم الظل في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الاتحادية. وبحسب تقرير صادر عن مجموعة المراقبة التابعة للأمم المتحدة، شنت حركة الشباب 5900 هجوم خلال عام 2020، تسببت في مقتل 666 شخصًا، واعتمدت بشكل أساسي على العبوات الناسفة والهجمات الانتحارية وقذائف الهاون. ثم انخفضَت بنسبة %17 عام 2021، ومن بين 571 حالة وفاة منسوبة إلى الحركة في ذلك العام، وقعت 93% منها في الصومال، و%6 في كينيا.
وانخفض العددُ الإجمالي للحوادث الإرهابية المنسوبة للحركة عام 2021 إلى 303 اعتداءات، بانخفاض قدرُه 56 اعتداءً عن عام 2020م.[4] وواصلت حركة الشباب استهداف الفنادق والمطاعم التي يتردد عليها المسؤولون الحكوميون ورجال الأعمال، مثل الهجوم الذي استهدف فندق الحياة في العاصمة مقديشو في أغسطس 2022، وازدادت الهجمات على مقديشو العاصمة، باستخدام التفجيراتِ والهجَمات المسلَّحةَ كأساليبَ رئيسةً للهجوم.

المصدر: مؤشر الإرهاب العالمي 2022م – قياس تأثير الإرهاب، مركز التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب (الرياض: تقارير دولية، العدد 37، ص6)
حصاد الوضع القائم في الصومال
يواجه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مجموعة معقدة من التحديات التي يجب معالجتها. في المقابلات الأولية بعد الانتخابات؛ حدد: وضع اللمسات الأخيرة على الدستور، وإصلاح الاقتصاد، وتغير المناخ، والحوار مع أرض الصومال والمصالحة في الدولة المستقطبة كأولويات قصوى. سيتطلب التقدم في أي من هذه المجالات أولًا تعزيز الأمن وتحسينه، والحد من النفوذ العشائري، وإقرار القانون على كامل أرض الصومال. وذلك للحد من نتائج المشكلات السابق ذكرها والتي يترتب عليها أعراض وتوابع أخرى يجب العمل على حلها؛ أهمها:
- الإخلاء القسري
عندما يتشرد الناس، فإنهم عادة ما يتجهون إلى المدن الكبيرة التي تفتقر إلى القدرة على استيعاب العدد المتزايد من السكان. وعند وصولهم، ليس أمام النازحين خيار سوى إقامة مبانٍ سكنية على أراضٍ خاصة شاغرة حيث يتعرضون باستمرار للتهديد بالإخلاء. وهذا ما حدث فمنذ عام 2017 فقط، تم إخلاء أكثر من 1.1 مليون شخص في الصومال معظمهم من النازحين داخليًا؛ من الأماكن التي استقروا فيها في جميع أنحاء الصومال.
فيما وصل عدد الذين تم إخلاؤهم قسريًا 27990 في مقديشو وحدها عام 2022 الذي لم ينتهِ بعد. وهدمت منازل 1222 أسرة في مناطق مختلفة كانت قد نزحت بسبب الجفاف بها 7332 دون إخطار مسبق لهدم هذه المنازل. وتتمثل مشكلة الإخلاء القسري في مدى الغضب الذي يخلفه بسبب العنف والإكراه والتشرد والتسرب من التعليم؛ هذا الغضب بتسبب في عدم استقرار للحكومة الحديثة نوعًا ما.[5]
- التجنيد الارهابي
نتيجة للمشكلات السابقة، يصبح من السهل تجنيد سواء النازحين أو المهاجرين في قوات الجماعات الإرهابية وخاصة حركة الشباب. وإن لم يكن بالتجنيد المباشر فبالتعاون وتسهيل اختراق المؤسسات الحكومية وقوات الأمن الصومالية، خاصة وأن هناك أكثر من 300 ألف شخص مصنّفون على أنهم يواجهون المرحلة الخامسة من المجاعة وفقًا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، ومن ثم يصبح استقطاب هؤلاء من جانب المتطرفين أمرًا ممكنًا مقابل الحصول على الإعالة والطعام.[6]
- الأزمات الاقتصادية
يعاني الاقتصاد الصومالي من الضعف والهشاشة بعد عودة الدولة؛ إذ لم تتمكن الدولة بعد من السيطرة على مفاصل الدولة ومواردها من جمارك وضرائب وغيره، حيث تقوم الولايات ومشيخات القبائل بتحصيلها بدلًا من الدولة الفيدرالية، وقد تقوم بالتوريد أو تمتنع. لذا ترتفع معدلات التضخم التي وصلت ل 9% عام 2022 بعد أن كانت 4.6% عام 2021. ويعاني الشباب الصومالي من أزمة البطالة حيث تصل نسبة البطالة إلى 71% تقريبًا. بالاضافة إلى تأثير الجفاف الذي أدى إلى قلة المعروض من السلع الغذائية والمنتجات الحيوانية. ومن المتوقع أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي 1.9% لعام 2022، مقارنة بـ 2.9% عام 2021.[7] وأكثر المناطق تضرراً هي تلك الواقعة تحت سيطرة حركة الشباب والتي تعيق إيصال المساعدات الإنسانية.
سبل إنقاذ الصومال
بالإضافة إلى الحلول الأمنية لمحاربة الارهاب؛ هناك سبل وطرق أخرى لمنع تفاقم المشكلات التي يمكن أن تعيد الصومال لحالة “فشل الدولة” التي سبق وأن مر بها من قبل. أحد أهم هذه الحلول هي الحلول الاقتصادية/الاجتماعية.
● توفير منازل دائمة للنازحين والمتضررين سواء من الجفاف أو من أعمال جماعة الشباب الارهابية؛ فهذه الحل لا يوفر رضاء شعبيًا فحسب بل يخلق أيضًا ارتباطًا بين المواطن الصومالي والأرض، وعلاقات اجتماعية ومصالح اقتصادية يصبح التورط في أي عمل يهدد كل ذلك من الصعوبة بمكان.
● توفير المساعدات الانسانية العاجلة للمتضررين وهو ما نجحت في تقديمة بعض الدول بينما تقاعس البعض. فبالرغم من تقديم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID)) ، أكثر من 151 مليون دولار من المساعدات الجديدة؛ إلا أن هذا الرقم ليس بكاف. فقد تم تخصيص 146.5 مليون دولار للمساعدات الغذائية؛ بينما الباقي 5 ملايين خصصت لمعالجة تعافي الاقتصاد الصومالي وأنشطة أنظمة السوق.
● تنفيذ مشاريع طويلة الأجل يمكن أن تسهم في زيادة قدرة المجتمعات على التكيف مع المناخ وخلق فرص عمل تستوعب الأيدي العاملة من المتضررين مما يعالج المشكلة الاقتصادية ويحد من النزعات للانضمام للجماعات المتطرفة والجريمة المنظمة.
● العمل على المزيد من الإصلاحات المالية؛ فيما يتعلق بتعبئة الإيرادات المحلية من تحديث للجمارك، وقانون ضريبة الدخل، وزيادة تحصيل الإيرادات من الشركات الكبيرة، بما في ذلك قطاع الاتصالات. وتعزيز الإدارة المالية العامة، وإعداد التقارير المالية، وإدارة الأصول غير المالية، ووضع إطار قانوني للقطاعات الاقتصادية وخاصة قطاع البترول.
● تخفيف أعباء الديون الخارجية.
[1] Somalia Crisis Response Plan 2022, IOM ( 25th. Apr. 2022)
[2] Four Challenges Facing Displaced Persons in Somalia
[3] Most Corrupt Countries 2022, World Population Review (Jun. 2022)
[4] مؤشر الإرهاب العالمي 2022م – قياس تأثير الإرهاب، مركز التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب (الرياض: تقارير دولية، العدد 37، ص 7)
[5] Forced Alert, Jan.- Fen. 2022 Mogadishu, (
[6] الصومال: التقديرات بحدوث المجاعة ينبغي أن تكون بمثابة دعوة لاتخاذ إجراءات عاجلة قبل فوات الأوان؛ الأمم المتحدة (نيويورك: 15 أكتوبر 2022)
[7] IMF Staff Completes Staff-Level Agreement on the Fourth Review of the Extended Credit Facility for Somalia and Conducts the 2022 Article IV Consultation, IMF (Washington, DC,: 17th. Oct. 2022)