مقالات رأي

آليستر كراولي.. الممول الغامض لتنظيم حسن البنا

كشف الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية عن لقاء سري بالعاصمة المصرية القاهرة، جمع بين آليستر كراولي –الذي وصفه الشيخ الأزهري بالمشعوذ والماسوني– وحسن البنا مؤسس تنظيم الإخوان. جاء ذلك خلال حلقة من برنامج “الحق المبين” من تقديم الكاتب أحمد الدريني عبر شاشة قناة DMC في سياق عرض تاريخ مؤسس الجماعة الإرهابية. ولكن كتب التاريخ تحمل لنا حقائق أكثر دقة وخطورة من فكرة أن آليستر كراولي كان مجرد مشعوذ أو ماسوني طيلة حياته.

المخابرات البريطانية والمجتمعات السرية

المؤرخ الأمريكي ريتشارد سبينس Richard B. Spence الحاصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة كاليفورنيا عام 1981، وأستاذ قسم التاريخ في جامعة أيداهو الأمريكية، كرّس حياته البحثية من أجل كشف العلاقة بين المخابرات البريطانية والمجتمعات السرية؛ تلك المجتمعات التي يشيع عنها أنها مجتمعات السحرة والماسون وعبادة الشيطان.

ولم يذهب مجهود المؤرخ الأمريكي هباءً؛ اذ استطاع الحصول على وثائق من المخابرات البريطانية والألمانية والإيطالية والفرنسية ثم المخابرات الأمريكية تكشف التاريخ الطويل للمخابرات البريطانية في صناعة المجتمعات السرية من أجل استخدامها كشبكات تجسس محلية وإقليمية ودولية، إضافة إلى استخدامها في الإرهاب الدولي وتمويل بعض العمليات الاستخباراتية والعسكرية عبر أموال تلك الجماعات من دون وضعها تحت رقابة وزارة المالية أو أجهزة الدولة البريطانية أو لاحقًا أنظمة الرقابة العالمية على مصادر تمويل العمليات السرية.

لا يوجد أخطر من وجود تنظيم يدعي أنه تنظيم ديني يكلف أتباعه بعمليات أو دفع أموال لأسباب دينية، بينما في واقع الأمر أن تلك الطائفة صُنعت بالكامل تحت إشراف المخابرات البريطانية. إن تاريخ المشرق يحمل عمليات شبيهة بعيدة عن سيرة آليستر كراولي، أو الوحش كما أطلق عليه اتباعه؛ إذ إن البهائية أو القاديانية تعود إلى أروقة المخابرات البريطانية.

ولم تكن المخابرات البريطانية حينما صنعت الجماعات الإسلامية الموالية لها في القرن الثامن عشر تسعى إلى فكرة جماعات وظيفية فحسب، بل سعت إلى تحويل تلك الجماعات إلى طوائف حقيقية داخل الدين الإسلامي. ولكن تلك الجماعات لم تستطع التحول من فكرة “الجماعة” إلى فكرة “الطائفة”، وإن كان اتباعها يتصرفون بوصفهم كذلك.

وفى هذا الإطار، أخرج ريتشارد سبينس كتاب “التاريخ الحقيقي للمجتمعات السرية” The Real History of Secret Societies ثم أخرج كتابه الصادم المطعّم بالوثائق الاستخباراتية بعنوان “آليستر كراولي العميل رقم 666.. المخابرات البريطانية والسحر”. Secret Agent 666: Aleister Crowley, British Intelligence and the Occult

عميل للمكتب السادس منذ يومه الأول

إذا كان آليستر كراولي Aleister Crowley (1875 – 1947) يعرف بوصفه مؤسس علم التنجيم الحديث، فإن سبينس يوضح أنه كان مؤسس تقنيات حروب الوعي consciousness warfare التي لم تكشف المخابرات البريطانية عنها حتى الآن، ومنها ثقافة “افعل ما تريد حتى لو تجاوزت القانون” دون التفكير في العواقب، والانجرار إلى صناعة الفوضى تحت مسميات التنوير.

وكانت سيرة آليستر كراولي المعروفة لنا أنه ساحر ومنجم وروائي وكاتب وشاعر ورسام، مؤسس ديانة ثيليما، انخرط في الجماعات الصوفية السرية في بريطانيا قبل أن يبتكر جماعته الخاصة، ويجعل من طقوس جماعته حفلات الجنس الجماعي وتعاطي المخدرات بكافة أشكالها وممارسة الشذوذ الجنسي، فقد كان ثنائي الميول الجنسية ونعتته الصحف البريطانية طيلة حياته بـ “المخنث”. وقد قام بجولات عديدة في حياته من أجل ممارسة الرسم والكتابة والتأمل والتصوف وتسلق الجبال، في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا القيصرية والمكسيك ومصر والجزائر وفرنسا وإيطاليا وبورما والهند.

ولكن خلف هذه الحياة المنفلتة البوهيمية، كان هنالك ضابط مخابرات صارم انتسب للمخابرات البريطانية “المكتب السادس” منذ سنواته بالجامعة. مثله مثل المستشرقين وخبراء الآثار، كانت رحلات كراولي حول العالم ذات مهام استخباراتية واستكشافية، ولم تكن طائفته أو ديانته الجديدة التي ابتكرها سوى شبكات من التجسس والعمل الاستخباراتي قام كراولي عبرها باستخدام أعضائها في تلك الأعمال دون علم منهم أنهم ينفذون مهام المخابرات البريطانية على أكمل وجه.

الرجل الذي لقب بــ “الساحر”، “الجانب المظلم من السحر والتنجيم”، “أفضل ساحر ظهر منذ القرن السابع عشر”، أثناء وجوده في الهند وبورما تحت ادعاء دراسة الرهبنة البوذية؛ كان في واقع الأمر يجمع معلومات عن القوميين الهنود المنخرطين في المقاومة ضد الاحتلال البريطاني. وحينما كان في الولايات المتحدة الأمريكية كان يتجسس على المنظمات الألمانية التي تعمل على الأراضي الأمريكية لصنع رأي عام امريكي رافض لدخول أمريكا في الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا. وفى نفس الوقت كان كراولي يجمع تمويلًا لازمًا للمجهود الحربي البريطاني أثناء الحرب عبر تبرعات أتباعه الذين يظنون أنهم يتبرعون لصالح أعمال السحر والتنجيم. ومن أبرز ضباط المخابرات البريطانية الذين عمل معهم: دينيس ويتلي، وروالد دال، وماكسويل نايت، وإيان فليمنج مبتكر شخصية جيمس بوند أو العميل رقم 007

استخدم إدمان المخدرات والجنس، ووظف مثليته في الإيقاع بالشخصيات المهمة في المجتمعات المستهدفة، ولم تكن حفلات الجنس الجماعي التي نظمها تحت مسمى طائفته سوى حفلات تقديم الرقيق الأبيض للشخصيات المهمة المطلوب تجنيدها، والتي خدمت المخابرات البريطانية عبر آليستر كراولي دون أن تعرف ذلك، وكان أكبر ظن هؤلاء أنه “الساحر” يريد بعض المعلومات لخدمة الطائفة والابتعاد عن المطاردة الأمنية.

يقول ريتشارد سبينس في كتابه: “لقد كان آليستر كراولي رجلًا إنجليزيًا وطنيًا تحمل سنوات من التشهير العام لإخفاء دوره كعميل سري”. ويكمل المؤرخ الأمريكي نقلًا عن وثائق أجهزة المخابرات الغربية، أن رحلة كرولي إلى المكسيك كانت من أجل استكشاف آفاق النفط المكسيكي للمخابرات البريطانية. أما رحلته إلى الصين فكانت جزءًا من مخطط استخباراتي بريطاني لمراقبة تجارة الأفيون في المنطقة. وسافر كرولي إلى موسكو بناءً على أوامر من المخابرات البريطانية للتجسس على العناصر الثورية في زمن ما قبل الثورة البلشفية.

وكذا، تجسس أتباع كرولي على القوميين الأيرلنديين في زمن تخوف التاج البريطاني من ثورة أيرلندا وخروجها من المملكة المتحدة. أما المحفل الذي أقامه كرولي لطائفته بعنوان دير ثيليما في صقلية الإيطالية، فقد كان في واقع الأمر من أهم مراكز مكافحة الشيوعية في أوروبا.

الساحر وتنظيم الإخوان

وعلى ضوء مخطط المخابرات البريطانية لتأسيس عدد من المنظمات الباطنية والغنوصية التي تتخذ فكر الطائفة والدين ستارًا لها، لعب آليستر كراولي دورًا مهمًا في تمويل نشأة منظمات الإسلام السياسي في الهند ومصر، وكلاهما كان تحت الاحتلال البريطاني. وكانت بريطانيا لديها بنك أهداف كامل متعلق بنشأة تلك الجماعات، أبرزها بث الفتن، ورعاية الجهل الديني، وصد محاولات تحرير الوعي الجمعي من موبقات الاحتلال العثماني.

المؤرخ البريطاني توبياس شورتون Tobias Churton في كتابه “آليستر كراولي – السيرة الذاتية: روحاني ثوري، مستكشف رومانسي، ساحر غامض وجاسوس” Aleister Crowley – The Biography: Spiritual Revolutionary, Romantic Explorer, Occult Master and Spy سرد تفاصيل لقاء آليستر كراولي الحاسم مع حسن البنا في القاهرة.

فعلى ضوء احتياج الرعيل الأول لتنظيم الإخوان للتمويل بشكل دائم، فإن آليستر كراولي قد تكفل بهذه المهمة خلال الثلاثينات، وكانت أموال ديانة ثيليما، وحفلات الجنس الجماعي والمثلية والمخدرات، هي التي وضعها آليستر كراولي في يد حسن البنا شخصيًا من أجل انطلاقة الجماعة الإرهابية وتثبيت أقدامها في عالم الجمعيات السرية في ذلك الوقت، وذلك بتكليف من المخابرات البريطانية.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى